أما أنت فخذ أية صفة من صفات الله -بالتتابع- واجعلها مجالًا لتأملك...
خُذ مغفرة الله مثلًا، وستره للخطايا... كيف أنه على الرغم من العقوبة التي أراد أن يوقعها بأهل نينوى، ما أن صاموا وتابوا حتى غفر لهم... بل قال ليونان "أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم" (يون 4: 11). وعجيب أنه في محبته ومغفرته دعاها مدينة عظيمة، مع أن أهلها لا يعرفون يمينهم من شمالهم. وقد سبق فأمر النبي أن ينادي عليها بالهلاك (يون 3: 4).
إنك ستحب الله، إن تأملت قلبه المحب الذي يغفر.
الذي في لحظات بسيطة، غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها (لو 7: 47). كما غفر أيضًا للمرأة التي ضبطوها في ذات الفعل (يو 8: 11). وقال لها " ولا أنا أيضًا أدينك". وكذلك غفر للمرأة السامرية التي كان لها خمسة أزواج (يو 4: 18)، ومدحها وقال لها " حسنًا قلت... هذا قلت بالصدق"... وغفر لزكا العشار، بل دخل بيته ولم يبال بتذمر الجمع على أنه دخل ليبت عند رجل خاطئ بل دافع عنه وقال "اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم" (لو 19: 5 - 10).
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن مغفرة الله في التاريخ.
مغفرته مثلًا لأوغسطينوس، موسى الأسود، مريم القبطية، وبيلاجية، ومرثا، ويستينوس الساحر، وأريانوس وإلى وإلى أنصنا. والجندي الذي طعنه بالحربة.
ولم يكتف الرب بمغفرته لكل هؤلاء وغيرهم، بل رفع من ذكرهم جدًا. وجعل أو غسطينوس أسقفًا جليلًا، وعالمًا في اللاهوت والتفسير، ورجل تأملات. وجعل موسى الأسود قديسًا عظيماً، وكاهنًا وأبًا للرهبان. وكذلك جعل مريم القبطية سائحة طلب بركتها القس سوزيما. وجعل يوستينوس الساحر أسقفًا عظيمًا. وجعل أريانوس مضطهد المسيحية شهيدًا
ألا نحبه إذن، ونحب أسلوبه في المغفرة؟!
إذ يقول عن الخطايا التي غفرها: أمحوها، لا أعود أذكرها، لا تحسب عليهم...
انظر ما أسرع مغفرته للص اليمين التائب... وكيف قال له "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). ومغفرته لشاول الطرسوسى، ودعوته له أن يكون إناء مختارًا ورسولًا للأمم (أع 9)...
وكذلك قوله في مغفرة الخطايا: "أصفح عن إثمهم، ولا أعود أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 34) ويقول عن الإنسان الخاطئ التائب "كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه" (حز 18: 22). ويتغنَّى المرنم بهذا في المزمور ويقول "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية" (مز 32: 1، 2) (رو 4: 7، 8).
هنا نرى الرب يستر على خطية، ويغفرها، ولا يحسبها على الإنسان التائب، ولا يعود يذكرها بعد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى...
أي حنان هذا الذي يذيب قلب الإنسان التائب؟ وكلما يغفر له الرب أكثر يحب الرب أكثر (لو 7: 47). فهل هناك أكثر من هذا في معاملة الرب للخاطئ وعدم حسبانه أو تذكره لخطاياه؟ نعم هناك ما يقوله الكتاب "توبوا وارجعوا فتمحي خطاياكم" (أع 3: 19). وهذا ما يقوله المرتل في مزمور التوبة "ومثل كثرة رأفاتك تمحو إثمي" (مز 51: 1).
نعم من محبة الله العظيمة أنه يمحو خطية التائب.
يمحوها، كأن لم تكن، كأن لم تحدث. وهكذا يحيا في بهجة الخلاص، الخلاص من الخطية ومن عقوبتها. ويشعر التائب بهذا فيفرح بالرب جدًا، لأنه محا عنه هذا العار، بل أكثر من هذا أيضًا منحه أن يقول "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز51)... حقًا ما أعجب هذا الأمر الذي يجعل التائب يذوب حبًا لله الذي عامله هذه المعاملة...
حقًا، أنه يستحق كل الحب، هذا الإله الحنون الغفور.
الذي نسيء إليه، فيمحوا إساءاتنا، ولا يعود يذكرها. بل يغسلها فنبيض أكثر من الثلج. هذا الذي في رأفاته "كبعد المشرق عن المغرب، ابعد عنا معاصينا" (مز 103: 12). بل حملها بدلًا عنا، ودفع ثمنها (أش 53: 6)... إنه إله طيب يستحق كل حب "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا" (مز 103: 10). إنه لا يحسب علينا الماضي الأثيم كله، من أجل حاضر مستقيم...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/forgive.html
تقصير الرابط:
tak.la/dw8apq5