لا تطرف
البعض من حماسهم لأهمية النعمة، أنكروا العمل البشري!!
وركزوا على النعمة قائلين (كله بالنعمة)! وجعلوا موقف الإنسان سلبيًا، كما لو كانوا يشجعون على الكسل، متحدثين عن العمل بكل تحقير!
ومن غير المعقول أن ننكر أهمية العمل، لأنه دليل على تجاوب الإنسان مع عمل النعمة واشتراكه معها. كما قال القديس بولس عن عمله هو وزميله أبلوس "نحن عاملان مع الله"، "وكل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو 3: 9، 8) وبرهن بهذا على الشركة مع الله في العمل...
والبعض من حماسة للعمل، يتناسَى أو يتجاهل عمل النعمة!!
وكثير من هؤلاء لا يتحدثون عن النعمة! ولا يستخدمون هذه الكلمة في عظاتهم أو في كتبهم. وأمثال هؤلاء يوبخهم القديس بولس الرسول بقوله "سقطتم من النعمة" (غل 4: 4).
فما أكثر حديث القديس بولس عن النعمة، وما أكثر استعماله لهذه الكلمة في رسائله:
سواء في بدء رسائله أو في ختامها، أو في حديثه عن النعمة المعطاة له (رو 12: 3) (غل 2: 9) والنعمة التي معه (1كو 15: 10) أو النعمة التي وهبت له من الله (رو 15: 15) ويقول "لستم تحت الناموس بل تحت النعمة" (رو 6: 14) ويقول لتلميذه تيموثاوس "فتقو أنت يا ابني بالنعمة" (2تي 2: 1) ويقول له "النعمة التي أعطيت لنا" (2تي 1: 9).
ويتحدث عن "اختيار النعمة" (رو 11: 5) وعن "عرش النعمة" (عب 4: 16) وعن "روح النعمة" (عب 10: 29) وعن ازدياد النعمة (رو 5: 20) وكثرتها (رو 6: 1) وعن الرجاء بالنعمة (2تس 2: 16).
الوضع السليم بين التطرفين هو أن نعطي النعمة حقها ونعطي العمل البشري حقه.
النعمة هي صاحب العمل الأكبر. ولكن لا نغفل العمل البشري في تجاوبه مع النعمة واشتراكه معها. فكثيرون هلكوا بسبب تكاسلهم، أو بسبب رفضهم لعمل النعمة. أولئك الذين ينطبق عليهم قول الرب "كم مرة أردت... ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت 23: 7، 28)
والبعض يخطئ في فهم قول الرسول "لَيْسَ الْغَارِسُ شيئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي" (1كو 3: 7)
وطبعًا الله ينمي ما قد غرس وسقى. إنما قال هذا لكي لا يهتم أحد بالعمل البشري أكثر من عمل الله بنعمته..! وبالمثل عبارة "ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي يرحم" (رو 9: 16).. وواضح أن الله يرحم من يشاء ومن يسعى. والرسول نفسه يقول اسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركنى أيضًا المسيح... اسعى نحو الغرض" (في 3: 12، 14) إنما المهم هو التركيز على عمل الله لأجلنا وليس على مجرد مشيئتنا وسعينا...
والبعض يفهم خطأ قول المزمور "إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناءون. إن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس" (مز 127)
كما لو كان يعني إننا لا نبني ولا نحرس!! طبعًا علينا أن نعمل ذلك. فالرب قال "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم، يجهدهم ساهرين" (لو 12: 37) وضرب لنا مثلًا بنحميا وهو يتعب هو ورجاله في البناء وفي الحراسة (نح 4: 16، 17) إنما على الرغم من كل ذلك الجهد، كان الإعتماد الكامل على الله، الذي يحمي البناء والحراس.
حقًا إن الله هو الذي يبني البيت. ولكن واجبك أنت أن تكون حجرًا حيًا في يد الله يبني به (1بط 2: 5) وأن تشترك مع الله في البناء...
وحقًا إن الله هو الذي يحرس المدينة. ولكن فيما يحرسك الله، عليك أن تكون أمينًا، فلا تخونه وتسمح بدخول الغرباء الغرباءإلى مدينته المقدسة.
نتكلم بنفس المنطق عن جيش يشوع الذي كان يحارب عماليق، ويدا موسى مرفوعتين في الصلاة (خر 17: 8-13)
وتم النصر بصلاة موسى وجيش يشوع. وهكذا اشتركت النعمة التي تنصر، وتستجيب الصلاة. مع الجيش الذي كان يحارب، نعمة الرب كانت تعمل. وكانت هي العامل الأاسى في النصر. ولكن عمل النعمة لم يكن يعني أن يتكاسل يشوع في الحرب أو لا يحارب!!
كذلك انتصار داود على جليات كان بعمل النعمة.
كما قال داود "الحرب للرب، وهو يدفعكم في يدي" (1صم 17: 45-47) وعلى الرغم من ذلك تقدم داود الصفوف، ومقلاعه في يده، وضرب، وانتصر...
النعمة تعمل، ومعها الاستجابة البشرية التي تشترك مع النعمة في العمل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
البعض يركز فقط على الإيمان بعمل النعمة، ويقول "آمن فقط"!
وأقول هنا إن الإيمان نفسه هو عمل، وهو يحتاج إلى نعمة... والعمل أيضًا يحتاج كذلك إلى نعمة. ولكن النعمة وحدها لا تشجع عل الكسل. ومن أهمية العمل أيضًا أن يبعد الإنسان عن السلبيات التي تعطل نعمة الله الي تعمل لأجله.
في مَثَل الوزنات، وبخ الرب صاحب الوزنة الذي لم يعمل.
وبخه قائلًا له "أيها العبد الشرير والكسلان" ثم قال "والعبد البطال أطرحوه إلى الظلمة إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الإسنان" (مت 24: 26، 30)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/human-side.html
تقصير الرابط:
tak.la/t8kg7h5