إن بدأ الإنسان، تشترك العمل معه، تعينه وتقويه، وترشده طوال الطريق... وإن لم يبدأ تحثه، ولكنها لا ترغمه. تثير في قلبه اشتياقًا إلى الله وإلى عمل الخير. ولكن تبقى إرادته حرة تمامًا في أن تستجيب لعمل النعمة أو لا تستجيب...
ما أعظم عمل النعمة وما أقواه. ولكن النعمة لا تلغي الحرية البشرية.
حقًا إننا أدوات في يد الله. ولكننا أدوات عاقلة حرة مريدة...
علينا أن نسلم إرادتنا إلى يديه الطوباويتين، عن اختيار، وفي حب، وباقتناع، لكي يتمم بنا مشيئته الصالحة. لسنا آلات جامدة، وإنما كائنات حية. تعمل النعمة مع مشاعرنا ومع أفكارنا وحواسنا وأحاسيسنا. هي تحرك اختيارنا. ولكن بإرادتنا تحريكها لنا فنشترك معها أو لا نشترك.
لو كانت النعمة تعمل وحدها كل شيء، فما ذنب الخطاة؟
هل نقول إن النعمة لم تعمل فيهم! فإن هذا لا يتفق مع العدل الإلهي في مبدأ تكافؤ الفرص!
أم نقول إن النعمة لم تعمل فيهم بقوة! أو إنها لم تقدر! حاشا وإنما عملت فيهم، ولكنهم رفضوا، فلم ترغمهم. فسقطوا.
إن الله لم يأخذ من الخطاة موقفًا سلبيًا، وإنما هم الذين أخذوا من نعمته موقفًا سلبيًا.
إننا لا نستطيع أن نقول إن النعمة لا تعمل إلا في المختارين! كلا فالنعمة تعمل في الكل. ولكن المختارين صاروا مختارين، لأنهم قبلوا عمل النعمة فيهم، واشتركوا معها في العمل. ولم يقاوموا مشيئة الله. بل قدموا إرادتهم في تسليم كامل لعمل نعمته...
إن الذين سقطوا، هم الذين لم يقبلوا عمل النعمة. لم يستجيبوا لها. لم يشتركوا معها في العمل. بل ربما قاوموه...
إن النعمة تعمل في الساقطين لكي يتوبوا، إن استجابوا...
أما إن رفضوا، فسوف يستمرون في سقوطهم، لا بسبب رفض النعمة لهم، إنما بسبب قساوة قلوبهم التي ترفض عمل الله فيهم... ولذلك يقول القديس بولس الرسول أكثر من مرة "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 7، 15).
نعم، إن النعمة تعمل في الساقطين. ولولا عملها ما تاب أحد. سواء افتقدت هؤلاء الساقطين أو هم تضرعوا فاستجيبوا، ونالوا قوة افتقدت هؤلاء الساقطين أو هم تضرعوا فاستجيبوا، ونالوا قوة على التوبة. وفي ذلك يقول مار إسحق "من يظن أن هناك بابًا آخر للتوبة -غير الصلاة- فهو مخدوع من الشياطين".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
النعمة تعمل في الساقطين في مجالات متعددة:
تعمل في العقل لكي تقوده إلى الاستنارة والمعرفة، وتنقذه من خطايا الجهل. وتعمل في الإرادة والعزيمة، فتقويها وتبعد عنها التردد والضعف. بل تعمل النعمة أيضًا في إبعاد حروب شيطانية كثيرة عن هؤلاء الخطاة، أو تخفيف الحروب عنهم... ولكن للأسف ما أكثر الخطاة الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور...
النعمة عملت حتى في يهوذا الخائن!!
ما أكثر التنبيهات والإنذارات التي وصلته من نعمة الابن الوحيد. وما أشد العقوبة التي تحدث عنها ليحذره قائلًا "ويل لذلك الرجل الذي يسلم به ابن الإنسان. كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت 26: 24).
ونتيجة لعمل النعمة: ندم يهوذا. ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلًا: قد أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا (مت 27: 3، 4) ولكن مشكلة يهوذا أنه لم يكمل مع النعمة، بل يئس وقتل نفسه... أوقعه الشيطان في اليأس، ولما يئس أجهز عليه...
فمن جهة عمل النعمة والعمل البشري، ننصح بعدم التطرف.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/does-not-act-alone.html
تقصير الرابط:
tak.la/gjt27da