النعمة عملت في فيلكس الوالي الذي وقف أمامه بولس أسيرًا وكان لما تكلم بولس عن البر والدينونة والتعفف ارتعد فيلكس الوالي" (أع 24: 5) ولماذا ارتعب وهو الوالي ومن يقف أمامه هو أسيره؟! لا شك أن ذلك كان من عمل النعمة فيه.
غير أن فيلكس لم يَسْتَفِد من عمل النعمة وقال للقديس بولس: "اذهب الآن. ومتى حصل لي وقت أستدعيك"، وللأسف لم يحصل له وقت، وفاتته الفرصة!!
كذلك قد عملت النعمة في أغريباس الملك، فقال لأسيره بولس بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا (أع 26: 28) وللأسف لم يكمل أغريباس مسيرته مع النعمة!!
وعملت النعمة في اليهود في يوم الخمسين، حينما سمعوا كلمة القديس بطرس الرسول. فنخسوا في قلوبهم، وقالوا ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة (أع 2: 37) "واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف" (أع 2: 41)..
وعملت النعمة في فرعون أكثر من مرة...
"فقال لهما صليا لأجلي" (خر 8: 28) وقال لهما مرة أخرى "أخطأت هذه المرة. الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار. صليا إلى إلى الرب. وكفى حدوث رعود الله والبرد.." (خر 9: 27، 28).. كانت نعمة الله تحرك قلبه بالخوف والاعتراف بالخطية. ولكنه حينما كانت ترتفع الضربة عنه، كان يرجع إلى قساوته مرة أخرى إنه تأثر بالنعمة تأثرًا وقتيًا، ثم غلبته قساوته.
لذلك يقول الرسول:
"إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 2).
إن صوت الله، هو عمله فيكم بنعمته. لذلك لا تكن فيكم قساوة القلب مثل فرعون، وكما فعل الشعب المتمرد في البرية، بعد استجابتهم لعمل النعمة فيهم، وكما يفعل رافضوا عمل النعمة في كل زمان.
ولا تقبلوا النعمة إلى حين، ثم ترفضوها فيما بعد.
كما فعل ديماس الذي كان مساعدًا لبولس الرسول في عمل الكرازة. ثم عاد فتركه "إذ أحب العالم الحاضر" (2تي 4: 10) وكما فعل كثيرون قال عنهم الرسول "كنت أذكرهم لكم مرارًا. والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.." (في 3: 18، 19) وكما فعل أهل غلاطية الأغبياء، الذين بدأوا بالروح وكملوا بالجسد (غل 3: 3)
النعمة دعت أصهار لوط للخلاص من الهلاك، فلم يستجيبوا، وكان لوط "كمازِح في أعين أصهاره" (تك 19: 14).
والنعمة قادت امرأة لوط إلى خارج سادوم، وكان الملاك ممسكًا بيدها، ولكنها قاومت النعمة ونظرت إلى الوراء.
وهكذا هلكت المسكينة، ولم تستفد من عمل النعمة (تك 19: 26).
لذلك علينا أن نستجيب للنعمة، ونشترك معها، ونقبل عملها فينا، ولا نغلق قلوبنا، ولا نقسيها...
لأن النعمة على الرغم من عملها في الإنسان، تتركه لحريته إنها تشجعه ولكن لا ترغمه. نعمة المعونة لا تلغي نعمة الحرية.
النعمة لا ترغم الإنسان على فعل الخير، لأنه لو فقد حريته، يفقد صورته الإلهية. ولم يستحق المكافأة، لأنه لم يفعل الخير بإرادته...
النعمة إذن تشغل قلبك بمحبة الخير، وتقوى إرادتك على فعله، وتحتك عليه، لكنها لا ترغمك.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن الله يريدك أن تصل إليه، بكل رِضَى قلبك.
لذلك كان قبولك للرب، أمرًا هامًا في الحياة الروحية.
إنه الخطوة الأولى في طريق الخلاص، يقول الكتاب "وأما الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو 1: 12).
إن قبولك يدل على استجابتك لعمل النعمة... هؤلاء الذين قبلوه، إنما قبلوا الإيمان به أيضًا:
قبلوا عمل النعمة في أسرار الكنيسة المقدسة.
قبلوا عمل النعمة في المعمودية، فاعتمدوا جميعًا حالمًا آمنوا، كما حدث في يوم الخمسين (أع 2: 38) وكما حدث مع الخصي الحبشي (أع 8: 38)، ومع كرنيلوس قائد المئة (أع 10: 47، 48) وكما حدث مع سجان فيلبي (أع 16: 33) ومع ليديا بائعة الأرجوان (أع 16: 15) ومع كل الذين آمنوا.
وكذلك قبلوا عمل النعمة. في قبول سر المسحة المقدسة (1يو 2: 20، 27) وعمل الروح القدس فيهم... وقبلوا أيضًا سر الإفخارستيا، وسر الكهنوت وعمل النعمة فيه، وسر التوبة وباقي الأسرار.
إن النعمة تعمل في أسرار الكنيسة، وتعمل أيضًا في قيادة حياتك كلها.
وأنت بحريتك. من حقك أن تقبل أن ترفض. وبقبولك عمل النعمة تخلص، وكما قال القديس أوغسطينوس: "إن الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك".
كثيرون رفضوا عمل النعمة، بل رفضوا، بل رفضوا ربنا يسوع المسيح نفسه، الذي قيل ".. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارًا" (يو 1: 17) هذا الذي قيل عنه "إلى خاصته، وخاصته لم تقبله" (يو 1: 11) وفيما لم تقبله، لم تقبل نعمته أيضًا...
وكان هذا في العهد القديم أيضًا، إذ قال الرب: ابهتي أيتها السماوات من هذا. واقشعرّي وتحيري جدًا أيتها الأرض... لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا، آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (أر 2: 12، 13)..
ما هذه الينابيع سوى عمل النعمة فيهم...
إن النعمة تساعد إرادة الإنسان، دون أن تلغي إرادته...
لسنا مثل الوجوديين، الذين يدعون أن أن وجود الله يلغي وجودهم. فإرادتنا ما تزال قائمة، تقويها النعمة، وحريتنا كاملة، وتقرير مصائرنا هو في أيدينا... أما النعمة فهي مجرد مرشده قائده، مساعدة. لنا أن تستجيب لها أو لا نستجيب...
وهكذا قال الرب لأورشليم، كم مرة أردت... ولم تريدوا" (مت 23: 37).
كذلك نرى في مثل الابن الضال (لو 15) أنه بكامل إرادته خرج من بيت أبيه. وبكامل إرادته.
حقًا إن النعمة ساعدته على الرجوع ولكن بإرادته.
ولكن سعي النعمة لخلاصنا، ليس معناه أن نتكاسل، أو أن نترك الله واقفًا خارج الباب يقرع دون أن نفتح له... لأن هذا قد يعرضنا إلى فترات تتخلى فيها النعمة عنان وربما تتركنا إلى حين، كقصة عروس النشيد التي لم تفتح لحبيبها، وإذا بها تقول "حبيبي تحول وعبر. نفسي خرجت حينما أدبر. طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني.." (نش 5: 6).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/human-attitude.html
تقصير الرابط:
tak.la/n39sdjv