قوة الله نَتَغَنَّى بها في كل ساعة في تسبحة الثلاثة تقديسات، فنقول:
قدوس الله، قدوس القوي.
وقوة الله قوة عجيبة، تشمل كل شيء. وهي أولًا قوة ذاتية، أي أن الله قوته في ذاته، ليست من أي مصدر خارجي، مثل قوَى البشر أو قوة الملائكة. فكل هؤلاء مصدر قوتهم من الله خالقهم.
إن قلنا إن العقل البشري له قوة عجيبة استطاعت أن تصل إلى الفضاء، وأن تقوم باختراعات مذهلة، نقول إلى جوار ذلك إن هذا العقل هو هبة من الله للبشر، والله هو الذي أعطاه هذه القوة. ونفس الوضع نقوله عن الملائكة. أما الله فقوته من ذاته.
كذلك يمكن لأي كائن أن يفقد قوته، أو أن تقل هذه القوة التي له، أو ينافسه أحد في قوته ويعطل مفعولها ولو إلى حين. أما الله فقوته ثابتة، بلا منافس، ولا تتغير.
صفة أخرى تميز قوة الله عن أية قوة أخرى، وهي:
إن الله وحده هو القادر على كل شيء.
قد يوجد مخلوق قادر في ناحية من النواحي، ولكن لا يوجد مخلوق قادر على كل شيء. فهذه الصفة هي لله وحده (تك3:48). هو الذي قال عن نفسه "أنا هو الألف والياء، والبداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي يأتي، القادر على كل شيء (رؤ8:1). وقد وردت هذه الصفة في مواضع كثيرة في سفر الرؤيا مثل (رؤ 7: 14، 16)؛ (رؤ22:21).
الملائكة قيل عنهم المقتدرين قوة" (مز20:103)، ولكنهم ليسوا قادرين على كل شيء. كذلك الطبيعة وقد يكون الزلزال قادرًا على أن يهدم بعض المباني ولكنه ليس قادرًا على كل شيء... وقس على ذلك باقي المخلوقات. أما الله فكل شيء في مجال قدرته. وقد قال عنه أيوب الصديق "علمت أنك تستطيع كل شيء، ولا يعسر عليك أمر" (أي 2:42).
على أنه من الأمور الطريفة في هذا المجال، أن أحد مدرسي التربية الكنسية كان يشرح هذه النقطة. فاعترضه أحد التلاميذ قائلًا:
هناك شيء لا يقدر عليه الله، وهو الخطية! لأنها ضد قداسة الله!!
ونجيب على ذلك أن الخطية ليست قدرة بل ضعفًا. فالمتكبر مثلًا ليس قادرًا على التواضع، والظالم ليس قادرًا على العدل، والزاني ليس قادرًا على العفة.
فلا نقول مثلًا إن العادل غير قادر على الظلم، لأن الظلم صفة سلبية، إنما نقول إنه قادر على العدل. كذلك الله القدوس نقول أنه قادر على البر بطريقة مطلقة، ولا نقول إنه غير قادر على الخطأ. لأن الخطأ ضعيف وليس قدرة.
نقطة أخرى في قوة الله وقدرته وهي: أن الله بلا منافس في قوته وقدرته.
بعض الشعوب البدائية كانت تؤمن بوجود إلهين: إله الخير، وإله للشر. ولكن ذلك الإيمان ضد قوة الله... ونحن لا نؤمن إطلاقًا بأن الشيطان منافس لله، أو أنه إله للشر. فهو من خليقة الله. ولكن الله لم يخلقه شيطانًا، بل خلقه ملاكًا. ولكنه بحرية إرادته التي انحرفت تحول إلى شيطان مقاوم لإرادة الله. كما يوجد بشر أيضًا يقاومون إرادة الله والله صابر على كل هؤلاء. ومع ذلك:
1- فإن الله سيلقي الشيطان في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ10:20).
كما أنه سيبيد بنفخة فمه -في الأيام الأخيرة- ذلك المقاوم والمرتفع على ما يدعى إلهًا (2تس4:2، 8). وكذلك سيجازى كل مقوميه، ويقول لهم في يوم الدينونة "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار المعدة لإبليس وملائكته"، "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي" (مت41:25، 46).
على الأرض أيضًا. يتدخل الله متى شاء ليوقف الشيطان ولا يسمح له...
2-وهذا واضح أيضًا في تجربة أيوب الصديق. فإن الله لم يسمح للشيطان أولًا أن يجرب أيوب الصديق إلا في ممتلكاته وأولاده. ثم سمح له بعد ذلك أن يجربه في صحته، ولكن لا يمد يده إلى نفسه (أي 12:1) (أي 6:2).
وفي التجربة على الجبل سمح له في حدود. ولكن حينما قال له "اذهب يا شيطان" (مت11:4). ذهب ولم يجرؤ أن يفعل أكثر.
كذلك لا ننسى معجزات إخراج الشياطين التي قام بها الرب وتلاميذه.
وهذا يدل على ضعف الشيطان أمام الرب... وكم قالوا له وهم يصرخون "مالنا ولك يا يسوع الناصري، أتيت لتهلكنا" (لو34:4) (مر24:1). وفي معجزة لجئون، لما أخرج الشيطان، طلبوا منه أن يأذن لهم في أن يدخلوا في الخنازير، فإذن لهم" (لو22:8). إذن الشياطين ليسوا قوة منافسه لله...
من مظاهر قوة الله أيضًا قوته في الخلق.
أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان أن يكون صانعًا ومكتشفًا. يكتشف طبيعة الأشياء وخواصها، ويصنع منها ما يستطيعه عقله. أما الخلق، أي الإيجاد من العدم، فهي قدرة لله وحده، ولا يقدر عليها أحد، وبخاصة قدرة الله العجيبة فيما خلقه من جهة عدد الخليقة وأنواعها، ما يرى وما لا يرى، مما لا يستطيع إحصاءه أي عقل بشري.
والمعجزة الأخرى المذهلة هي إقامة الموتى.
قرأنا في الكتاب المقدس عن معجزات لإقامة الموتى بقوة الله. لكن المعجزة التي هي فوق عقولنا جميعًا هي قيامة الأموات جميعًا في اليوم الأخير: ملايين الملايين في كل بقاع الأرض، ممن قد تحللت أجسامهم وعظامهم، وتحولت إلى تراب!! وتقوم كلها في وقت واحد، وتدخل فيها أرواحها، وتقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب، ليجازى كلا منها حسب أعمالها (يو28:5، 29).
هاتان المعجزتان من أقوى المعجزات التي هي فوق العقل البشري...
ومن قوة الله أيضًا باقي المعجزات والأعاجيب.
والكتاب المقدس حافل بأمثلة عديدة جدًا من هذه المعجزات والأعاجيب مما لا نستطيع حصره. نذكر من بين ذلك منح البصر للعميان، وشفاء الأمراض المستعصية، وشق البحر الأحمر، وإنزال المن والسلوى من السماء، وإخراج الماء من الصخرة، والظهورات العجيبة، وحلول الروح القدس كألسنة من نار، ومواهب الروح المتعددة، والوحي، وعلامات آخر الزمان، والتحديث مع البشر في الأحلام، وغير ذلك من الأعاجيب التي لا تقوَى عليها قدرة مخلوق.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ومن تواضع الله في قدرته، أنه منح القدرة لبعض مخلوقاته.
سواء في ذلك القدرات التي منحها للملائكة وللبشر وللطبيعة، القدرات الطبيعية والقدرات الفائقة للطبيعة التي تدخل في حدود الأعجوبة والمعجزة...
فقد منح قدرات عجيبة للملائكة، بحيث يمكنهم أن ينتقلوا من السماء إلى الأرض في لمح البصر، وأن يقوموا بأعمال معجزيه يكلفهم بها.
كذلك القدرات التي وهبها الله للعقل البشري، فاستطاع العلماء أن يبتكروا ويصنعوا أشياء تفوق الخيال، ومن كثرتها تبدو الآن طبيعية، مثل الفاكس والكمبيوتر، والتليفون بين القارات، والطائرات، واستخدام الذرة والليزر، وما يستخدم في مجال الطب والصناعة وعلوم الفضاء والبحار وما إلى ذلك.
وأيضًا منح أحباءه من البشر أن يصنعوا المعجزات باسمه وبقوته. "أعطاهم السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو19:10). وكذلك منحهم أن يشفوا المرضى، ويقيموا الموتى، ويخرجوا الشياطين (مت1:10). وقال لتلاميذه "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع8:1).
إنها قوة عظيمة ممنوحة للبشر. ولكنها ليست قوة ذاتية، بل قوة الله العاملة فيهم.
وعنها قال القديس بولس الرسول "لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15). وقال "أستطيع كل شيء، في المسيح الذي يقويني" (في 13:4).
نعم، إنها قدرة فائقة، ولكنها ليست قدرة بشرية. بل هي قدرة إلهية قد منحها الله من عنده للبشر. وعن هذا قال السيد المسيح:
"بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو5:15).
حقًا إننا نستطيع -بالإيمان- أن نعمل أشياء كثيرة... بالإيمان بقدرة الله التي تعمل فينا وبنا. وعن هذه قيل في الإنجيل "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر3:9)... المؤمن الذي يؤمن بأن الله قادر على كل شيء. بهذا الإيمان يعمل الله به كل شيء، ويعمل كل شيء بصلاته، التي بها يتدخل الله ويعمل...
الله أيضًا قوي في كلمته.
سواء من جهة المعجزة، أو من جهة تأثير الكلمة في التعليم.
قال الله "ليكن نور" فكان نور (تك3:1). وذلك في اليوم الأول للخليقة. وكذلك في باقي أيام الخليقة... أمر فكانت المخلوقات...
وقال لصاحب اليد اليابسة "مد يدك" (مت13:12)، فصارت يده سليمة. عبارة "مد يدك" كانت أمرًا قد صدر للأعصاب والأنسجة والشرايين والعظام، ليأخذ كل منها موضعه، ويعمل بطريقة طبيعية. وكان أمرًا لكل خلل أن يزول. كذلك حينما قال لابن أرملة نايين الميت: "أيها الشاب لك أقول قُمْ" (لو14:7). كانت تلك الكلمة أمرًا للروح أن تعود وتتحد بالجسد. وكانت أمرًا للجسد أن يعود لعمله الطبيعي، فعاد بكل أجهزته.
وبالمثل في جميع المعجزات التي تمت بمجرد كلمة.
قوة كلمته أيضًا كانت في التعليم، كما قيل في الكتاب "كلمة الله حية وفعالة، وأمضَى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب12:4). وما أجمل ما قيل عن تأثير كلمات الرب في العظة على الجبل إنه "كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت29:7).
نتحدث أيضًا عن قوة الله في حبه.
قيل "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو1:13). وقيل أيضًا "هكذا أحب الله العلم، حتى بذل أبنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). وهكذا ظهرت محبته في الفداء، الذي قال عنه لتلاميذه "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو13:15).
قوة الله في محبته، تظهر أيضًا في عطائه، إذ يعطي الجميع بسخاء ولا يعير (يع5:1)، ويعطي دون أن نطلب، ويعطي فوق ما نطلب، ولا يعطي بكيل (يو34:3)، بل يفتح كوى السماء... حتى نقول من قوة حبه وعطائه: كفانا كفانا...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
قوة الله أيضًا تظهر في العون والإنقاذ:
ونعني الإنقاذ الذي يبدو فيه لا أمل ولا نجاة، الذي عنه قال المرتل: "كثيرون يقولون لي: ليس له خلاص بإلهه" (مز3). وفي هذا يقول "يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني. يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل أحيا" (مز 117 {118}:15، 16). وبهذه القوة تَغَنَّى في المزمور فقال "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض!! (مز123 {124}).
وقال أيضًا اعتمادًا على قوة الله "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز22){23}.
قوة الله في الإنقاذ، تظهر في شق البحر الأحمر (خر14). تظهر في قول دانيال النبي: "إلهي أرسل ملاكه، فسد أفواه الأسود" (دا6). وكذلك في إنقاذ الفتية من أَتُّونِ النَّارِ (دا3). تظهر في تعضيد الفتى داود للانتصار على جليات الجبار، كما قال له داود "اليوم يحبسك الرب في يدي" (1صم17). تظهر قوة الله أيضًا في إرسال ملاك لإنقاذ بولس وسيلا من السجن. "فحدثت بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن. فانفتحت في الحال الأبواب كلها، وانفكت قيود الجميع" (أع26:16). قوة الله تظهر في وعده للكنيسة إن "أبواب الجحيم لن تقوَى عليها" (مت18:16). وفي كلمة موسى النبي للشعب "الرب يقاتل عنكم، وأنتم تصمتون" (خر14:14).
إننا نفرح أننا في حماية إله قوي، قادر أن ينقذ.
حقًا، لولا أن الله قوي في وضعه حدًا للإيذاء الذي يصدر من الأشرار، لقوى أولئك على غيرهم وأبادهم! بل لولا أن الله قد وضع حدًا للشيطان وقيده، لأهلك العالم كله...!! إنها قوة الله التي يمنحها للكنيسة فيقول عنها في سفر النشيد إنها جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية" (نش10:6).
أيضًا قوة الله تظهر بشكل عجيب في احتماله.
الله الذي يحتمل كل تجاديف الناس وإلحادهم، وكسرهم لوصاياه، وفجورهم وفسادهم. وكان قادرًا أن يفنيهم، ولكنه لم يفعل. لأن المحتمل هو أقوى بلا شك من المسيء. لذلك قال بولس الرسول "علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء" (رو1:15).
وقد ظل يحتمل الكثيرين بقوة في طول أناته حتى تابوا.
احتمل شاول الطرسوسي الذي ظل يضطهد الكنيسة زمنًا طويلًا، حتى تاب وصار رسولًا عظيمًا. واحتمل أريانوس والى أنصنا أقسى ولاة ديوقلديانوس، حتى تاب وصار شهيدًا. وكذلك لونجينوس الجندي الذي طعنه بالحربة، وجعله يؤمن ويصير شهيدًا.
احتمل خطايا أغسطينوس وفساده كل أيام شبابه، إلى أن قاده الله وتاب وترهب وصار قديسًا ومصدرًا للروحانية والتأمل.
وبنفس القوة احتمل كل خطايا زكا العشار، والمرأة الزانية التي ضبطت في ذات الفعل (يو8)، وخطايا مريم القبطية، وقسوة موسى الأسود، حتى جعل من كل هؤلاء وأمثالهم قديسين...
إننا ضعفاء في احتمالنا، نتأثر بحساسية شديدة، وأحيانًا نغضب ونثور، وأحيانًا ننتقم لأنفسنا أو نفكر في الانتقام. أما الله فإنه يحتمل الكل، ويصبر في احتماله... لقد احتمل تجاديف الشيوعيين في روسيا سبعين سنة، حتى تابت روسيا وعادت إلى الإيمان.
والله ليس فقط قويًا في احتماله، بل قويًا أيضًا في مغفرته.
صعب على البشر أن يغفروا. وإن غفروا ربما لا يستطيعون أن ينسوا. وإن خيل إليهم أنهم نسوا، قد يتذكرون كل الإساءات القديمة، إن تعرضوا لإساءة جديدة.
أما الله فهو قوي في مغفرته، قال في ذلك "لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر34:31). وقيل في مصالحته للبشر "غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو19:5).
وفي مغفرته وعدم محاسبته قيل في المزمور "طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية" (مز1:32، 2). ولقد أحب القديس بولس الرسول هاتين الآيتين فكررهما في رسالته إلى أهل رومية (رو7:4، 8).
في مغفرته قيل عنه إنه "جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو10:19). وإنه لم يأت ليدين العالم بل ليخلص العالم" (لو56:9).
وقوة مغفرته ليس فقط في أن يغفر، بل يغسل الإنسان، فيبيض أكثر من الثلج" (مز50)
هناك نواح أخرى في قدرة الله العجيبة.
مثل قوة الله في معرفته، وقوة الله في عقوبته، وقوة الله في تدبيره، وأمور أخرى لا يتسع لها المجال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/omnipotent.html
تقصير الرابط:
tak.la/b2pcd5c