إن الله هو وحده القدوس.
هكذا سبحته طغمة السارافيم من الملائكة قائلين "قدوس قدوس رب الجنود..." (أش3:6).
وفي سفر الرؤيا نرى أن الغالبين ينشدون له قائلين "من لا يخافك يا رب ويمجد أسمك، لأنك أنت وحدك قدوس" (رؤ4:15). كذلك فإن القديسة العذراء مريم في تسبحتها الجميلة قالت "... لأن القدير صنع بي عجائب، وأسمه قدوس" (لو49:1).
نعم، إن اسم الله قدوس، كما قالت العذراء.
وهكذا فإن الوصية الثالثة من الوصايا العشر تأمر: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا لأن الرب لا يبرئ من ينطق باسمه باطلًا (خر7:20). إن اسم الرب لا ينطق به إلا بكل تقديس. وأول طلبه لنا في الصلاة الربية هي "ليتقدس اسمك"...
ومن أجل ذلك منعنا الرب من الحلفان باسم الله وبكل ما ينتسب إليه. فقال "لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم" (مت 5: 25، 34). بل نستخدم اسم الله في العبادة بكل خشوع يليق بقداسته.
 |
الله قدوس، وروحه هو الروح القدس.
والابن قدوس، كما قال الملاك المبشر للعذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو35:1). وما دامت القداسة صفة لكل الأقانيم الثلاثة، لذلك نقول "الثالوث القدوس" ونصلي في التسبحة قائلين "يا أيها الثالوث القدوس ارحمنا"، "أجيا اترياس، أليسون إيماس".
ونحن نَتَغَنَّى بقداسة الله كل يوم في صلواتنا.
في الصلاة الربية، وفي السبع صلوات اليومية. فباستمرار نقول الثلاثة تقديسات "قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الحي الذي لا يموت"، "قدوس قدوس رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس". ونذكر هذه التقديسات أيضًا في كل الصلوات الطقسية.
ونقول لحن أجيوس الكبير في يوم الجمعة الكبيرة، وفي رسامة الرهبان، ونقول لحن أجيوس في كل جناز، وفي كثير من المناسبات. ويندمج مع كثير من الألحان مثل لحن أومونوجينيس... ويبدأ الكاهن صلوات القداس الإلهي بصلاة الاستعداد، التي يقول في أولها "أيها الرب العارف قلب كل أحد، القدوس المستريح في قديسيه، الذي بلا خطية وحده القادر على مغفرة الخطايا. أنت يا رب تعلم أني غير مستعد ولا مستحق ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التي لك"...
إن قداسة الله قداسة ذاتية. هي في طبيعته منذ الأزل.
وهي أيضًا قداسة دائمة أبدية، لا تتغير. وهي أيضًا قداسة مطلقة. أما البشر، فإن وصف بعضهم بالقداسة، يكون ذلك بجهاد، وبعمل روح الله القدوس فيهم، وبقدر معين، وما عند البشر من قداسة يمكن أن يتغير وأن ينقص. وقد فقدوا فعلًا القداسة التي خلقوا بها، حينما خلقهم الله على صورته ومثاله، كشبهه" (تك26:1، 27). بل قيل عنهم "الكل قد زاغوا معًا وفسدوا. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز3:14)... وبقى الله هو القدوس وحده.
ما هي إذن القداسة التي لله؟ ماذا تعني؟
تعني الطهارة الكلية والبر الكلي. تعني المعنى الكامل والمطلق لكل الفضائل والمعاني الحسنة. تعني الحق والصلاح. وهنا نقول إنه هو وحده الصالح "لأنه ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (مت17:19). وهو كلي الصلاح وكل أعماله صالحة، تستوجب منا الشكر والعرفان بالجميل، والتسليم الكامل لمشيئته الصالحة، بكل اطمئنان.
وقداسة الله لا تقبل الخطية ولا ترضاها لأنها ضد طبيعته. وإن كان البشر -وهم خطاة- يشمئزون من الخطية والنجاسة، فكم بالحري الله الذي هو نور، لا تتفق طبيعته مع الظلمة!
عجيب أننا في تَذَكُّرنَا لمحبة الله، ننسى قداسته وصلاحه. وننسى أننا بالخطية ننفصل عن الله.
لأن الله نور (1يو5:1)، بل هو النور الحقيقي (يو9:1)، بينما الخطية ظلمة (1بط9:2). فالذي يعيش في الظلمة الخطية يكون قد أبتعد عن نور الله القدوس. والكتاب يقول في ذلك "أية شركة للنور مع الظلمة؟! وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟! (2كو15:14).
الله قدوس. وكل ما يحيط به وما ينسب إليه، هو مقدس أيضًا.
سماؤه سماء مقدسة. والملائكة الذين يخدمونه في السماء هم الملائكة القديسون. كذلك الكهنوت الذي يخدمه على الأرض هو كهنوت مقدس، يقول عنه المزمور "كهنتك يلبسون البر، وأبرارك يبتهجون" (مز9:132). لذلك نرى أن الله قد أمر موسى النبي أن يمسح هرون أخاه بالمسحة المقدسة، لكي يكهن له هو وبنوه. وقال "وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع، وتغسلهم بماء، وتلبس هرون الثياب المقدسة، وتمسحه وتقدسه ليكهن لي..." (خر12:40، 14). وهكذا فعل موسى "صب من دهن المسحة على رأس هرون، ومسحه لتقديسه" (لا12:8) وفعل بالمثل مع بني هرون، مسحهم كما مسح أباهم.
والأسرار التي يعمل فيها روح الله القدوس، تُسَمَّى الأسرار المقدسة.
فنقول سر المعمودية المقدس، وسر الميرون المقدس... وسر الأفخارستيا المقدس، نقيمه على المذبح المقدس، بصلوات القداس الإلهي الذي نسميه للمتناولين "قداس القديسين" ومن جهة الاستحقاق للتناول نقول "القدسات للقديسين". كل هذا يجعلنا نسلك بكل قداسة، لكي نستحق أن نتناول من الجسد المقدر والدم الكريم...
لهذا لا نقدم الأسرار المقدسة إلا على مذبح تم تدشينه أي تقديسه بزيت المسحة المقدسة، بحلول روح الله القدوس لتقديس المذبح بيد الكهنوت المقدس، فإن لم يوجد مذبح، يستعاض عنه بلوح مقدس، يكون قد تم تدشينه وتقديسه بمسحه الميرون المقدس.
ولأن الله قدوس، فكل مكان يحل فيه، يصير موضعًا مقدسًا.
عندما ظهر لموسى النبي في العليقة المشتعلة بالنار، قال "اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (خر5:3). ولما ظهر ليعقوب أبي الآباء في أعلى السلم الواصل إلى السماء، قال أبونا يعقوب "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء. وقدس الموضع (تك17:28، 18).
لذلك ننظر إلى بيت الله بكل تقديس. ونقول للرب كما قال المرتل في المزمور "ببيتك تليق القداسة يا رب" (مز5:93). وحينما ندخل إلى بيت الله، نقول مع داود النبي "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك، وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز7:5).
مواضع الله كلها مواضع مقدسة. نقول "أساساته في الجبال المقدسة" (مز1:87). ونقول عن مدينة الله أورشليم المدينة المقدسة (مت5:4) (رؤ1:21). وخيمة الاجتماع كانت مقدسة، دشنها موسى النبي، وفيها القدس وقدس الأقداس. وكل ما فيها تقدس.
فالأواني التي نخدم بها الرب تُسَمَّى الأواني المقدسة، وثياب الخدمة الكهنوتية تُسَمَّى ثيابًا مقدسة، كما قال الرب لموسى "اصنع ثيابًا مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء" (مز2:28)
حتى جسد الإنسان كهيكل لله، يحل فيه روح الله، هو جسد تقدس "لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ" (1 كو 3: 17).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وهكذا دُعِيَ المؤمنون قديسين وشعبًا مقدسًا.
يقول الكتاب "يقيمك الرب لنفسه شعبًا مقدسًا" (تث9:28). ويسميه بطرس الرسول "أمة مقدسة" (1بط9:2). والمؤمنون دعوا قديسين في رسائل القديس بولس. كما يقول في رسالته إلى فيلبي "سلموا على كل قديس في المسيح يسوع... يسلم عليكم جميع القديسين، ولا سيما الذين في بيت قيصر" (في 21:4، 22) ويقول في رسالته إلى العبرانيين "من ثم أيها الأخوة القديسون، شركاء الدعوة السماوية..." (عب1:3). ويبدأ كثيرًا من رسائله بعبارة"... إلى القديسين الذين في...".
هم قديسون لأنهم أبناء الله القدوس.
ولدوا من روحه القدوس في ماء المعمودية" (يو5:3) (تي 5:3). وهم قديسون لأنه أحبهم وغسلهم من خطاياهم بدمه (رؤ5:1) وهم قديسون لأنهم أعضاء جسده (أف30:5) (1كو15:6). وهم قديسون إذ مسحوا بالمسحة المقدسة، وسكنهم الروح القدس (1كو16:3) (1يو20:2). وهكذا كل الذين يسكنهم الله القدوس يصيرون قديسين.
ولكن القداسة ليست مجرد لقب، إنما هي حياة.
وهكذا قال القديس بطرس الرسول "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (1بط15:1، 16). كما قال القديس بولس الرسول "هذه هي إرادة الله قداستكم" (1تش3:4). وقال "مكملين القداسة في خوف" (2كو1:7)"... لكي نشترك في قداسته" (عب10:12)... إنها القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب.
وفي حياة القداسة نطيع وصايا الله المقدسة.
لأن الله قدوس، فكل كلمة منه مقدسة. وكتابه نسميه الكتاب المقدس، كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس "وأنت منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص..." (2تي 15:3).
وكما نحرص على العمل بكتب الله المقدسة، نحرص على تقديس يومه، لأن الكتاب أمر قائلًا "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر8:20). إنه يوم الرب القدوس، فيجب أن يكون يومًا مقدسًا للرب. وهكذا أيضًا كل مواسم الرب وأعياده ومحافله (لا 23).
فالأصوام أيام مقدسة مُخصصة للرب، نسمي الصوم بالصوم المقدس، لأننا لأجل الله القدوس نصوم. ونسمي أسبوع الآلام الأسبوع المقدس، والبصخة المقدسة، لأننا نذكر آلام الرب القدوس.
وكل ما نفعله لأجل الله القدوس يكون مقدسًا له وبه.
النذور والبكور، كلها مقدسة للرب. وعهودنا معه وعهده معنا، كلها مقدسة. والكتب التي نستخدمها في عبادة الله القدوس، يكون لها صفة القداسة أيضًا. فتقول مثلًا كتاب الخولاجي المقدس، وكتاب الأبصلمودية المقدسة. والأيقونات التي نتذكر بها قديسيه هي أيقونات مقدسة، تدشنها الكنيسة المقدسة...
إن عشنا مع الله القدوس، فَلْنَعِش حياة مقدسة.
حياة مقدسة بعمله فينا، ومقدسة بحبنا له... ذلك لأن الذين يعيشون بالقداسة في هذا العالم، هم الذين سيعيشون مع الله في الأبدية.
فالحياة الأبدية سوف لا يكون فيها سوى الله القدوس ومعه القديسون من الملائكة ومن البشر القديسين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/holy-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/q3v4y79
