يندر أن يوجد إنسان لا تقابله مشاكل في الحياة. إنما المهم كيف يواجهها، بحيث لا يزيدها تعقيدًا.
1- البعض يواجه المشكلة بالاضطراب والحزن.
وربما أيضًا البكاء. فهكذا تفعل كثير من النساء.
ينبغي أن نعرف أن البكاء لا يحل المشكلة. والذي يواجه المشكلة بالحزن والاضطراب. إنما يسيء إلى نفسه وإلى صحته. وأثناء الاضطراب يعجز العقل عن التفكير الهادئ السليم، وربما يرتبك في أخطاء يقع فيها، وتتعقد معه الأمور.
كما أن الضيق والحزن والألم، أمور قد تتسبب في أمراض كضغط الدم، وقرحة المعدة، وتعب الكبد أيضًا.
2- البعض الآخر قد يواجه المشكلة بحيلة خاطئة.
وهكذا فعلت الملكة إيزابل، في حل مشكلة زوجها الملك آخاب، الذي أراد أن يستولي على حقل نابوت اليزرعيلي. فلما رأته مضطربًا ومتضايقًا، دبرت حيلة للاستيلاء على حقل نابوت بأن اتهمته باطلًا بالتجديف على الله وعلى الملك. واستقدمت إثنين من شهود الزور من بني بليعال شهدا ضده. وتم رجمه كمجدف، وبذلك تم استيلاء زوجها على حقل نابوت. ونجحت الحيلة والمؤامرة ظاهريا. ولكن الله الذي يحكم للمظلومين، قال لكل من إيزابل وآخاب "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلي، تلحس دمك أيضًا" (1مل 21: 1-19).
![]() |
3- هناك آخرون يحلون المشكلة بخطية، أو بوسائل خاطئة تكون لها نتائج مضادة.
كإنسان يعالج مشكلة الفقر بالسرقة، أو بالاحتيال على الآخرين، أو بالنصب، أو بقبول الرشوة، فيلتجئ إلى الخطية لمعالجة مشاكله.
والخطية لا تؤدي إلى نتيجة سليمة. وإن بدت موصلة إلى الغرض في بادئ الأمر، ما أسهل أن تؤدي إلى نتائج سيئة أو خطيرة فيما بعد، كأن توصل بعد حين إلى السجن، أو إلى سوء السمعة على الأقل.
ومن أمثلة معالجة المشكلة بخطية:
فتاة تزني وتحمل سفاحا، فتعالج هذه المشكلة بالإجهاض. وهكذا تضيف إلى خطية الزني خطية القتل. وبالإجهاض توقع نفسها في مشاكل أخرى اجتماعية ودينية...
والانتقام هو أيضًا مثل آخر لمعالجة المشكلة بخطية...
وهناك أمثلة أخرى كثيرة، نحاول أن نتعرض لها...
4- أحيانًا يحاول شخص أن يحل مشكلته بالكذب أو بالإنكار فيكذب ويقول لم أفعل... أو يحاول أن يلصق خطأه بغيره.
وهكذا يضيف إلى الكذب ظلمه للغير. والقديس بطرس في إنكاره معرفته للمسيح، أضاف إلى هذه الخطية خطايا أخرى. إذ أخذ "يلعن ويحلف أني لا أعرف الرجل" (مت 26: 74).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
5- البعض يعمل على حل المشكلة بالغضب (بالنرفزة).
كأب يضع الترمومتر في فم ابنه المريض، وإذ يكتشف ارتفاعًا في درجة الحرارة، يلقي بالترمومتر thermometer بعصبية فيكسره، مع ما يلفظه من كلمات السخط، وتبقى درجة الحرارة مرتفعة...!
أو أب يلاحظ إهمال ابنه، أو تأخره في العودة مساء، فيضربه في عنف، ويمنعه من الخروج من البيت. وتحدث مشاكل جديدة كنتيجة لعنف الأب. مثل الدواء الذي له آثار جانبية... بل قد لا يكون هذا التصرف علاجا على الإطلاق.
ومن أمثلة هذا أيضًا الزوج (الحِمِش)، الذي يعامل أخطاء زوجته بعنف، بضرب أو طرد أو حبس في البيت، ويكون هذا نقطة البدء في فشل حياته الزوجية.
6- هناك أيضًا من يحاول أن يحل مشكلته بالعناد.
وهذا النوع تكون في نفسيته ألوان من الكبرياء أو الأنانية. وقد يسمِّي ما به عزة النفس أو الكرامة...
فيصر على رأيه أو على تصرفه، مهما قاده هذا العناد إلى نتائج سيئة... ويستمر في تشدده. وتتعقد مشكلته أكثر من الأول بكثير. ولا ينفعه عناده بشيء، ولا ينال بها كرامته!!
7- والبعض قد يحاول حل مشكلته بطرق بشرية.
مثلما حاولت ليئة وراحيل حل مشكلة الإنجاب باللجوء إلى الجواري (زلفة، وبلهة) كما في (تك 30). وكذلك فعلت سارة (تك 16). وربما فعل أبونا إبراهيم مثل ذلك في زواجه من قطورة. ولكن الرب لم يبارك تلك الطرق البشرية...
ونفس الخطأ وقع فيه أبونا إبراهيم أيضًا عندما قال عن سارة إنها أخته، ولولا تدخل الله وتوبيخه لأبيمالك ملك جرار، لتطورت الأمور إلى خطورة أنقذهم الله منها (تك 20).
ولعل فكرة (أطفال الأنابيب) هي أيضًا من الطرق البشرية.
8- البعض -في حل مشاكله- يلجأ أحيانًا إلى القهر والعنف:
والعنف قد تكون له أشكال متعددة:
إما أن يكون عنفا ماديًّا أو جسديًّا... كالضرب أو القتل أو الإيذاء أو يكون عنفا بالتهديد صور متنوعة.
وأحيانًا يكون البكاء أو الإضراب عن الطعام لونًا آخر من العنف، يلجأ إليها الذين ليست لديهم حيلة للوصول إلى حل...
كل ذلك فيه لون من إرغام الغير على قبول ما لا يرضاه. وحتى لو إستجاب قهرًا، لا يكون مقتنعًا عقلًا، ولا راضيًا قلبًا...
وللأسف قد يلجأ الوالدان أحيانًا إلى طرق من الإرغام الأدبي لكي تتزوج إبنتهما بمن لا ترضاه. تحت ضغط مرض الأب أو الأم بسببها (!!) أو تحت ضغط الإلحاح المستمر، أو النرفزة، أو البكاء، أو التخويف...
1- أول طريقة للتخلص من المشاكل هي الوقاية منها...
وكما يقول المثل "الوقاية خير من العلاج"... فلا تنتظر حتى تأتيك المشكلة، ثم تفكر كيف تحلها. وإنما الأفضل أن تتجنبها قبل أن تأتي. ولذلك نضع أمامك قاعدة هامة وهي:
عالج الأسباب قبل أن تعالج النتائج.
مثل مريض يشكو من ارتفاع درجة حرارته. بدلًا من أن تعالج هذه السخونة في جسده، عالج الأسباب التي جلبتها... فإن كانت سخونته مثلًا سببها بؤرة صديدية داخل جسده، فلن تعالجها كل الوسائل لخفض الحرارة.
إذن توقي أسباب المشاكل، حتى لا تقع فيها.
فإن كانت هناك خصومة بينك وبين إنسان، أيكفي أن تذهب إليه وتقول له "أخطأت سامحني" وتقبل رأسه، دون أن تعالج أسباب الخصومة؟! مهما فعلت، فما دامت الأسباب قائمة، ستظل الخصومة كما هي...
ونفس الوضع في الخلافات الزوجية، قد تذهب الزوجة إلى بيت أبيها غاضبة، لأسباب طبعًا. أيكفي أن تحل المشكلة بأن ترسل إليها وساطة ترجعها، أم الحل الطبيعي هو أن تعالج الأسباب التي أدت إلى خروجها من البيت؟!
وأحيانًا يفكر الناس في أسباب غير حقيقية لمشاكلهم.
كفتاة مثلًا كلما يأتيها خطيب لا يرجع إليه مرة أخرى. ويتكرر الأمر، فتظن أن هناك عملًا قد عمل لها، ويتلقفها من يدعون فك العمل!! بينما قد يكون السبب الحقيقي هو مقابلة أسرتها للخطيب بطريقة غير لائقة، أو تعقيد الأمور بمطالب مالية لا يقدر عليها الخطيب، فلا يرجع... أو أسلوبهم في الكلام لا يعجبه... ويكون حل المشكلة في تفادي هذه الأسباب...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
2- حل المشكلة يحتاج أيضًا إلى حكمة:
الإنسان الحكيم يمكنه أن يحل مشاكله بعقل رزين، وبتفكير هادئ. لأن الإنسان المضطرب لا يستطيع أن يفكر بطريقة متزنة، وتفكيره المشوش لا يوصله إلى حل.
ولعلك تقول: وإن لم تكن لدي حكمة، فماذا أفعل؟
أو إذا ملك عليّ الإضطراب والقلق، وعجزت عن التفكير وعن الوصول إلى حل، فماذا أفعل؟ أقول عليك إذن بالمشورة الصالحة. إلجأ إلى إنسان عاقل، أو إلى أب روحي حكيم، واسأله أن ينصحك بما يحل إشكالك، وكما قال الشاعر:
إذا كنت في حاجة مرسلا فإرسل لبيبًا ولا توصهِ
وإن باب أمر عليك التوى فشاور حكيمًا ولا تعصهِ
ولا تعتمد على نفسك في حل كل مشكلة تعرض لك. هناك بعض مشاكل تحتاج إلى متخصصين لإبداء الرأي السليم. ولست في كل وقت، ولا في كل مشكلة، تستطيع أن تعتمد على فهمك.
فكثيرًا ما تحتاج إلى عقل إلى جوار عقلك، ويسند عقلك.
وبخاصة إذا ما كنت مضطربا أو قلقلا، أو أعصابك هي التي تدير دفة تفكيرك. حينئذ ينفعك الإلتجاء إلى إنسان حكيم هادئ لتستشيره. وكما يقول الكتاب "إثنان خير من واحد... فإن وقع أحدهما ييمه رفيقه. وويل لمن هو وحده إن وقع، إذ ليس ثان ليقيمه" (جا 4: 9-10). ويقول أيضًا "وعلي فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5).
3- الإنسان الحكيم يفترض حلولا كثيرة للمشاكل.
لا يتمسك بحل واحد ويعقد عليه آماله، بحيث ينهار إن فشل هذا الحل! بل هو في سعة عقله، يضع أمامه حلولا كثيرة إن لم يصلح أحدهما، يجد له بديلا وبدائل كثيرة، محتفظا بهدوئه ورجائه.
وهو في كل ذلك، لا يفكر إلا في الحلول العملية الممكنة.
فهناك من يفترض لمشكلته حلولا بعيدة التحقيق، ويحزن إن لم تتحقق، ويدركه اليأس فيحزن! ويضيف إلى مشكلته ما في قلبه من يأس وحزن! أما الإنسان العاقل، ففي حل مشاكله لا يضع أمامه الخيال بل الواقع. وكل حل يفكر فيه، يضع أمامه ما يمكن أن تقابله من عوائق ويبحث كيف يمكن أن يتغلب عليها...
4- والعاقل إن كان له مشكلة مع أحد، يراعي عقلية ذلك الشخص ونوعية نفسيته.
وذلك لكي يعرف أسلوب التعامل معه، وكيف يصل إلى حل يتناسب مع أسلوب ذلك الإنسان ونوعية شخصيته...
فلا تحاول أن تحل مشكلتك بما يتفق مع عقليتك أنت ونفسيتك، بل بالحري بما يتفق وعقلية من تتعامل معه ونفسيته...
فإن كانت مشكلتك مع امرأة مثلًا، زوجتك أو أختك أو زميلة لك في العمل، ضع في ذهنك وأنت تحل المشكلة معها نفسية المرأة وأسلوبها في التفكير. بالمثل إن كانت المشكلة تخص شابًا، أو طفلًا، أو شيخًا أو رئيسًا...
تعامل مع كل واحد بما يناسبه... كما قال بولس الرسول "صرت لليهودي كيهودي لأربح اليهودي... وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس... لأربح الذين بلا ناموس... صرت للضعفاء كضعيف لكي أربح الضعفاء" (1كو 9: 20-22).
مشكلتك مع شخص ذكي، غير مشكلتك مع شخص بسيط.
ومشكلتك مع شخص صريح، غير مشكلتك مع شخص غويط.
ومشكلتك مع العنيف، غير مشكلتك مع الهادئ.
لذلك فكل مشكلة تصادفك، قد يختلف أسلوب حلها عن مشكلة أخرى، لها ظروف مغايرة، ومع نوعية أخرى من الناس...
5- الإنسان الحكيم يراعي -في حل مشكلته- الوقت والظروف.
في بعض الأوقات تكون الظروف مواتية. وفي أوقات أخرى ربما تكون الظروف لا تسمح. إذن تخير الوقت المناسب والظروف المناسبة... لا تقل: أنا سأذهب اليوم إلى فلان، وأتفاهم معه، ولن أتركه حتى أحل معه الموضوع!!
لا يا أخي، ربما يكون مشغولا في هذا اليوم، أو متضايقا، أو غير مستعد، بسبب ظروف خاصة... ويكون الوقت غير مناسب...
إذن تخير الظروف المناسبة، والوقت الذي تكون فيه الأعصاب مستريحة، والتفاهم ممكنا، والنفس مستعدة.
6- هناك مشاكل تحتاج في حلها إلى صبر واحتمال:
تحتاج إلى مدى زمني لكي تُحَل فيه. زمن تستريح فيه النفوس، وتعمل فيها نعمة الله، وتهدأ المشاكل، وتقل الإنفعالات، وتزول بعض التأثيرات القديمة.
لما هدد عيسو بأن يقتل أخاه يعقوب، نصحت رفقة إبنها يعقوب أن يبتعد بعض الوقت، "إلى أن يرتد سخط أخيه" (تك 27: 44). وقد كان... ولما تقابل يعقوب أخيه عيسو بعد سنوات، كانت مشاعره مختلفة تمامًا عما كانت في وقت سخطه "فركض عيسو للقائه وعانقه، ووقع على عنقه وقبله، وبكيا" (تك 33: 4).
لا تقل صبرت كثيرًا بلا فائدة. لا تيأس.
اصبر أيضًا، فقد قال الرب "بصبركم تقتنون أنفسكم" (لو 21: 19). فكم من أمور عويصة أنحلت بالصبر... جاء الوقت الذي تدخل الله فيه، وتم حل المشاكل، بطريقة من عنده. أما إفتراض السرعة، والقلق على أن المشكلة لا بُد أن تنحل الآن، فهذا يسبب ضيقا شديدا للنفس...
7- هناك مشاكل تُحَل بالتواضع والكلمة الطيبة.
نعم بالكلمة الطيبة التي قال عنها الكتاب " الجواب اللين يصرف الغضب" (أم 15: 1). وبالتواضع الذي قال عنه أحد الآباء "إن الوداعة والاتضاع يخضعان لنا حتى الوحوش. وبالتواضع واجه داود مشكلة شمعي بن جيرا (2صم 16: 5، 10).
بالتواضع استطاع يعقوب أن ينتصر على قسوة أخيه عيسو.
وأن يحل مشكلته معه. كان سبب المشكلة عقدة عند عيسو، الذي شعر أن أخاه أخذ منه مجد البركة والبكورية، هذا الذي قال له أبوهما اسحق في مباركته "كن سيدا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29). وهوذا يعقوب هو الذي يسجد له، وكذلك كل زوجاته وأبنائه. وبدلًا من أن يكون سيد له، لا يخاطبه إلا بعبارة "سيدي... عبدك يعقوب" (تك 32: 18، 20) (تك 33: 5-8). وهكذا انحلت العقدة...
كذلك المتواضع لا يسبب لنفسه مشاكل.
إنه لا يغضب بسبب آية كلمة تسيء إليه. ويقابل معاملات الغير برحابة صدر، ويتغاضى عن أمور كثيرة يقيم غيره بسببها مشكلة! وقد يحل أمثالها بابتسامة حلوة، أو كلمة اتضاع، أو بفكاهة... ويجعل المسألة تمر بدون أن تتعقد... بصدر واسع.
8- المشاكل تُحَل أيضًا بالصلاة والإيمان.
وقد يفرض الإنسان على نفسه صومًا لِحَل المشكلة... وهكذا يحول المشكلة إلى الله الحنون ليحلها... وبكل إيمان يثق أن الله سيتدخل، وأن الله عنده حلول كثيرة، ولابد سيتدخل وتؤول الأمور إلى خير، حسب قول الرسول "كل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو 8: 28).
إن يوسف الصديق وقع في مشاكل عديدة.
هل حلها بالإيمان، أم بالصبر والاحتمال، أم بالصلاة، أم بهذه كلها؟ نحن نعلم من الكتاب أن "الرب كان معه" (تك 39: 2-3، 21، 23).
وثوق الإنسان أن الرب معه، يحل مشاكل كثيرة.
كما كان الرب مع الثلاثة فتية في أتون النار (دا 3: 25). وكما كان مع بطرس في المشي على الماء (مت 14: 30-31). وكما قال لبولس "أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/face-problems.html
تقصير الرابط:
tak.la/yfpwhx9