St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   dialogue-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حوار مع الله، ومقالات منتقاه - البابا شنوده الثالث

36- ردود الفعل

 

كل عمل يعمله الإنسان، له ردود فعله. بل كل كلمة يقولها وكما يقول الكتاب "ما يزرعه الإنسان، فإياه يحصد أيضًا" (غل7:6). وينطبق هذا على ما يصدر من الإنسان خيرًا أو شرًا... هناك رد فعل على الأرض، وآخر في السماء.

وأخطر ردود فعل كانت للخطية الأصلية The Original sin.

* كانت نتيجتها كل ما أصاب العالم من سوء، حتى يومنا هذا.

* وبها ورثنا الخطية، وفساد الطبيعة البشرية، وورثنا الموت.

* وبها فقدنا الصورة الإلهية التي خُلقنا بها منذ البدء.

* ومن نتائجها أيضًا أننا عرفنا الشر. وكذلك الانفعال بالشر. فأحيانًا يشتهيه الإنسان، وأحيانًا يقاومه ويدخل في صراع معه.

ماذا إذن عن الأفعال الأخرى؟

كل شيء له نتائجه وردود فعله، في العلاقات البشرية مثلًا.

فالمحبة تولد محبة. والعداوة تلد عداوة، واللطف يولد لطفًا، بل ابتسامة منك في وجه طفل، تطبع ابتسامة أخرى على شفتيه...

St-Takla.org Image: Chain reaction, chemical reaction. صورة في موقع الأنبا تكلا: التفاعل المتسلسل، تفاعل كيميائي.

St-Takla.org Image: Chain reaction, chemical reaction.

صورة في موقع الأنبا تكلا: التفاعل المتسلسل، تفاعل كيميائي.

والأدب والاحترام في معاملة الناس، ومن ردود فعله احترام من جهتهم.

أتذكر زميلًا لنا في الدراسة، كان لا يكلم أحدًا إلا باحترام شديد. فكانت النتيجة أن الكل يقابلونه بالمثل- وإن خرج أحد منهم عن اللائق، كان هذا الزميل يتصرف بأسلوب رصين ورزين، يجبر ذلك الآخر على تعديل سلوكه، والالتزام بالاحترام في معاملته.

أتذكر أيضًا ناظر مدرسة كان يعامل المدرسين بجفاء بأسلوب قانوني بحت. فكان رد الفعل هو كراهية جميع المدرسين له. وقد قال لي مرة: لماذا يكرهني المدرسون؟! هل خرجت عن القانون في معاملة أحدٍ منهم؟ فأجبته: مشكلتك أنك تعاملهم بالقانون، وليس بالمحبة. بينما الناس لا يلجأون إلى القانون، إلا إذا زالت المحبة من بينهم. ويقول المثل: "إذا تراضى الخصمان، استراح القاضي".

إن الحزم يولد الانضباط. والتسيب يولد الفوضى.

ولكن القسوة في الحزم، تولد الكراهية أوالنفور.

لذلك ينبغي أن يكون الإنسان حكيمًا في حزمه، لا يتطرف فيه إلى القسوة أوالشدة الزائدة عن الحد. وقد قلت في تأبين أستاذنا الأرشيدياكون حبيب جرجس سنة 1951:

يا قويًا ليس في طبعه عنفٌ         ووديعًا ليس في ذاته ضعفُ

يا حكيمًا، أدّب الناس وفي         زجره حبٌ وفي صوته عطفُ

لك أسلوبٌ نزيةٌ طاهرٌ         ولسانٌ أبيضُ الألفاظ عفُّ

ينبغي للإنسان قبل كل كلمة يقولها، أن يفكر في ردود فعلها.

ويحسب حسابًا لتأثيرها على من يسمعه، ومدى انفعاله بها.

ولذلك عليه أن يتحاشى الألفاظ القاسية، وعبارات التهكم، والكلمات التي لها أكثر من معنى، وقد تفهم من البعض على معنى سيء.

ومع الأطفال بالذات، ينبغي أن يكون المتكلم محترسًا.

فالطفل من كلامك قد يأخذ عنك فكرة لا تستطيع نزعها منه. فيجب أن تكون صادقًا فيما تقوله. وأن توفي بكل وعد تعده به، ولا تهز المثاليات التي في ذهنه بأخطائك في الكلام.

واحترس من شدة التوبيخ والانتهار، فإن لها ردود فعلها.

حاول في حياتك الخاصة أن تنتقي ألفاظك، وتزنها بميزان دقيق.

وكن رقيقًا، فالرقة لها رد فعل عميق في من يتعاملون معك.

أحيانًا يكون الرجل رقيقًا جدًا في معاملته لخطيبته. فإذا ما تزوجا، يظن، للأسف الشديد- أن الرقة هي لون من الكلفة، بينما قد زالت الكلفة بينهما بالزواج! وهذا خطأ شديد.

احتفظ باحترامك لزوجتك، واستخدم الرقة واللطف في معاملتها، بل والاحترام أيضًا. وسيكون رد الفعل لذلك طيبًا جدًا في نفسيتها.

أتذكر في إحدى المرات أنه زارني أستاذ من جامعة كامبردج ومعه زوجته، فكان يجعلها تتقدمه باستمرار، وكان يتحدث عنها باحترام، ولا يذكر اسمها مجردًا وإنما معه لقبها... وكانت هي تحترمه بالمثل...

كذلك أذكر صديقًا لنا، كان يتخاطب مع أبنائه باحترام، حتى مع الصغار منهم، ولا يستخدم مع أيّ منهم كلمة جارحة مهما حدث. وكان أطفاله يحبونه، إذ أنه يشعرهم بقيمة شخصية كل منهم وتوقيره لمواهبهم...

هناك ألفاظ لها ردود فعل سيئة، وتأتي بعكس ما يريد صاحبها

ألفاظ كما يُقال عنها (مثل رجم الطوب). وعن ردود الفعل، قال رب المجد "بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان" (مت37:12).

حتى بالنسبة لرئيس العمل في معاملته لمرؤوسيه، يمكنه أن يوجههم ويشرح لهم أخطاءهم، ولكن ليس بأسلوب جارح. فكل إنسان له مشاعره التي لا يود أن تُهان. ومن جهة ردود الفعل، يقول المثل السائر، اللي يشد ديل القط، يخربشه"...

لذلك ادرس نفسيات الناس، وعاملهم بما يناسبها.

فالزوجة أحيانًا تطلب من زوجها طلبًا، وتظل تلح عليه إلحاحًا، وتكرر الإلحاح، حتى يسبب له ذلك شيئًا من التبرم والضجر. وربما لا يتحمل المزيد من الإلحاح، فيثور أو يرفض، أو يرد بكلمة شديدة.

فإذا عرفتِ أن هذا هو رد الفعل عند زوجك، احترسي من الضغط على أعصابه بالإلحاح. ويمكن أن تعيدي الطلب في مناسبة أخرى يكون فيها أكثر هدوءًا وأكثر استجابة.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ونفس الكلام يُقال عن مناقشة في وقت يكون فيه الشخص مشغولًا أو مرهقًا، أو غير متفرغ للجدل، وغير قابل للكلام، ويكون ردّ الفعل عنده هو عدم القبول، أو الغضب على من يجادله.

على كل شخص أن يحسب ردود فعل إغاظته لغيره.

وقد تكون الإغاظة بكلمات مهينة، أو ببرود مثير، أو برفض ليست له مبررات، أو باتهام باطل، أو بتهكم لاذع، أو بغير ذلك. فالإغاظة ربما تسبب غضبًا أو هياجًا. وربما تسبب كراهية، أو ردّ بالمثل. وقد حذر الكتاب من إغاظة الآباء لأبنائهم فقال:

"أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، لئلا يفشلوا" (كو21:3). وقال أيضًا "أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم. بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف4:6). إن التربية لازمة، ولكن ليس بالإغاظة.

وربما تكون نتيجة الإغاظة هي التمرد أو العناد.

* نذكر بعض الشيء عن العطاء وردود فعله.

لا شك أن العطاء: من ردود فعله المحبة، وربما الدعاء أيضًا.

مثال ذلك الأرامل اللآئي كانت تصنع لهن طابيثا أقمصة وثيابًا وتحسن إليهن: كيف أنها حينما ماتت، بكين عليها، وطلبن من القديس بطرس لأجلها. فكانت النتيجة أنه صلى وأقامها من الموت (أع36:9-41).

حتى مجرد العطاء المعنوي، كابتسامة حب، أو كلمة تشجيع، أو كلمة نصيحة أو بركة كل ذلك له تأثيره وردود فعله.

بينما البخل وعدم العطاء قد يتسبب في الحقد والتذمر. وربما في السرقة أيضًا. فيؤخذ بالخطية، ما لم يُعطَ بالرحمة والمحبة.

* وربما تشكو زوجة من انحراف زوجها. وقد يكون سبب ذلك فساده الخلقي. وقد يكون ذلك كرد فعل لإهمالها لنفسها.

فكثيرًا ما يحدث أن المرأة -في بيتها- تهمل ذاتها، ولا تهتم بزينتها أو جمالها. فإذا ضعف الرجل جنسيًا، قد تجذبه إغراءات من الخارج يجد أنها تفوق بيته جمالًا وشكلًا وأناقة...!

نحن لا نعذر الرجل أبدًا. ولكننا نتكلم هنا عن واجب الزوجة في حمايته من ضعفه... نقطة أخرى وهي رغبة الرجل باستمرار أن يجد أي ترفيه في النادي أوالمقهي أو الكازينو، أو مع أصحابه في أية جمعية... ربما لأنه لا يجد ما يشبعه في بيته. حتى من جهة الأحاديث في البيت التي قد تدور كلها حول أمور تافهة ليست في مستوى صحبته مع أصدقائه!

حقًا، متى نرى بيوتنا لها الجاذبية التي تغني الرجال والأبناء والكبار، عن طلب المتعة خارج البيت؟!

في الحديث عن البيت، نذكر أيضًا الفتيات الجانحات.

كثيرًا ما نلوم الفتاة التي تفسد أخلاقها، فتستجيب لإغراء أحد الشبان وتخطئ معه، أو تهرب من بيتها، أو ترتد عن دينها...

وقد يكون ما تفعله هذه الفتاة هو ردّ فعل للمعاملة التي تلاقيها في منزل الأسرة، حيث لا تجد حبًا ولا حنانًا، بل قسوة في المعاملة وانتهارًا وكلامًا جارحًا، فتلجأ إلى طلب الحنان خارج البيت. إن وجدت ذلك الحنان، تسلّم له ذاتها، وتسقط.

ونصيحتنا إلى الآباء والأمهات، أن يشبعوا أبناءهم وبناتهم من الناحية العاطفية، في بعد عن القسوة والتقييدات الكثيرة، حتى لا يصير البيت بمثابة سجن عند الأبناء. ويكون رد الفعل هو الهروب أوالفساد!

بالمثل أولئك الفقراء الذين لا نقوم بسداد احتياجاتهم.

وقد نمتنع عن مساعدتهم متهمين إياهم بالتحايل والكذب، أو نقدم لهم مساعدات ضئيلة تافهة، ونتركهم في عوزهم. فتتلقفهم الطوائف الأخرى وتغريهم بالعون المادي. فينحرفون ويكون ذلك مجرد رد فعل لعدم اهتمامنا بهم...

نفس الوضع نقوله عن عدم الاهتمام الروحي، وردود فعله.

* مثال ذلك: كنيسة لا تكون عندها الاجتماعات الروحية التي تجذب الشباب، ولا التراتيل الجميلة المشبعة للنفس، ولا العظات القوية المؤثرة المملوءة بالمعلومات، ولا الأنشطة التي تشغل النشء... ماذا يكون ردّ الفعل لكل ذلك؟ تقوم الطوائف الأخرى بأخذ أبنائنا، على زعم تعويضهم عما ينقصهم في كنائسهم...

* أو كنيسة لا تهتم بالافتقاد. والذي يغيب لا يجد من يسأل عنه، فيكون رد الفعل هو أن تفتقدهم الطوائف الأخرى، وإذ يذهبون إليها، تربطهم بمسئوليات داخلها تضطرهم إلى دوام الحضور.

* أو كنيسة أخرى كل تعليمها قاصر على الناحية الروحية، دون تثبيت للعقيدة والإيمان. فيكون رد فعلها أن تتناولهم طوائف أخرى أو أمثال شهود يهوه والسبتيين الأدفنتست. فيغيرون فكرهم بكلام لم يدرسوه ولا يعرفون الرد عليه.

* ونلوم نحن كل هؤلاء بينما اللوم الأول يكون علينا لأننا لم نعلم أولادنا ولم نثبتهم في إيمانهم وعقيدتهم.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

آخر نقطة هي إهمال الإنسان لنفسه.

* قد يقضي الشخص فترة بعيدًا عن صلاته ومزاميره، وعن ألحانه وتسابيحه، ويهمل الكنيسة والاجتماعات الروحية، وتشغله الدراسة أوالعمل أو أنشطة عديدة. فما هو رد الفعل؟

أول نتيجة أنه يفتر، ويضعف روحيًا. وحينئد يفتقده الشيطان وليس حوله إنجيل ولا مزمور. ويبتلعه الظلام. الظلام المحبوب الذي أحبه الناس أكثر من النور.

أو إنسان يهمل الحرص، فيتعود أمورًا تتحول فيه إلى طبع... أو حتى لا يحرص في انتقاء ألفاظه، وإذا به قد صار شخصًا آخر لغته تظهره... لذلك كونوا حريصين، واحترسوا من إهمالكم لأنفسكم.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/reactions.html

تقصير الرابط:
tak.la/srmj8dq