س 41: هل نجد صدى للثالوث المسيحي في الإسلام؟
ج: نعم إننا نجد صدى للإيمان بالثالوث في الإسلام ومن أمثلة ذلك:
أ ـ جاء في سورة المؤمنين: "ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" (المؤمنين 14) ومن المُسَلَّم به أن الخالق واحد لا أكثر... الله هو الخالق الوحيد، ويستحيل أن يعطي أي كائن آخر عمل الخلقة، ولو قالوا أن الله خالق والإنسان خالق... نقول لهم أن الله خالق أمَّا الإنسان فهو صانع، والصنعة تستخدم المادة أمَّا الخلقة فهيَ من العدم...
في المسيحية نجد لمشكلة "الخالقين" حلًا، لأن الآب خالق "الآب الذي منه جميع الأشياء" (1 كو 8: 6)، والابن خالق " بكلمة الرب صُنعت السمَوات "(مز 33: 6) والروح القدس خالق "روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني "(أي 33: 4) أمَّا بالنسبة للذين يرفضون عقيدة التثليث فيصعب عليهم تفسير كلمة "الخالقين".
ب ـ جاء في سورة الإخلاص: "قل هو الله أحد الله الصمد"، فلو شاء القول بوحدانية الله المطلقة لقال: "قل هو الله واحد " أمَّا قوله: " أحد " فأنه يوجد صعوبة في التفسير... أحد ماذا؟ عندما نقول أن فلان أحد الطلبة الممتازين، وفلان أحد رجال الأعمال، وفلان أحد المهندسين، فكلمة أحد لا بد أن يتبعها توضيح... فهل الله أحد الآلهة؟.. قطعًا لا وإلاَّ سقطنا في الشرك... في المسيحية نجد الحل بسيطًا وسهلًا إذ يمكننا أن نقول أن الله (الآب) أحد الأقانيم الثلاثة. أمَّا بالنسبة للذين يرفضون عقيدة التثليث فأنه يصعب عليهم تفسير كلمة أحد...
جـ ـ قال البعض ما الحكمة من اختيار ثلاثة أسماء لله "بسم الله الرحمن الرحيم" (﷽)؟ وما الحكمة من القَسم بالثلاثة "ثلاثة بالله العظيم"؟ وما الحكمة من أن الطلقة الثالثة هيَ الطلقة النهائية؟ وما الحكمة من تكرار حركات الوضوء ثلاث مرات مثل المضمضة، والاستنشاق وغسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس تحت الأذنين، وغسل الرجلين. وهلم جرّا...
د ـ نظرة بعض المفسرين والمفكرين المسلمين لعقيدة الثالوث:
1 ـ تفهم "فخر الدين الرازي" قصد المسيحية في عقيدة الثالوث فقال: "إن النصارى يقولون بجوهر واحد وثلاثة أقانيم - وهذه الثلاثة إله واحد كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وفي تلازم طبيعي بدون تقدم أو تتابع، فالشعاع مولود من القرص، والحرارة منبعثة من القرص مستقرة في الشعاع، والثلاثة تُسمى شمس واحدة، وأن يُقال لكل من الثلاثة شمس، وعنوا بالذات الآب وبالابن الكلمة وبالروح الحياة – وقالوا: إن الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله والكل إله واحد" (166).
2 ـ قال "الشيخ أبو الخير ابن الطيب" في كتابه أصول الدين: "أقوال علماء النصارى تشهد بتوحيدهم، لأنهم يقولون أن الباري تعالى جوهر واحد موصوف بالكمال، وله ثلاث خواص ذاتية كشف المسيح القناع عنها، وهيَ الآب والابن والروح القدس، ويشيرون بالجوهر ذاته الذي يسمونه الباري ذا العقل المجرد إلى الآب، وبالجوهر نفسه الذي يسمونه "العقل العاقل ذاته إلى الابن"، وبالجوهر عينه الذي يسمونه " ذا العقل المعقول من ذاته إلى الروح القدس" – ويريدون بالجوهر هنا ما قام بنفسه مستغنيًا عن الظروف" (167).
3 ـ قال "الشيخ القاضي أبو بكر محمد بن الطيب (البقلاني)" في كتابه "الطمس في القواعد الخمس": "إذا أمعنا النظر في قول النصارى، أن الله جوهر واحد وثلاثة أقانيم، لا نجد بيننا وبينهم اختلاف إلاَّ في اللفظ فقط، فهم (المسيحيون) يقولون أنه جوهر واحد، ولكن ليس كالجواهر المخلوقة، ويرون بذلك أنه قائم بذاته والمعنى صحيح، ولكن العبارة فاسدة" (168).
4 ـ قال "أبو الهزيل العلاف" وهو من كبار المعتزلة: "إن أقانيم النصارى هيَ عين الصفات (الإلهية) عند بعض الفرق الإسلامية" وعلق "الشهرستاني" على قول "العلاف" هذا فقال: "لقد أثبت "أبو الهزيل" هذه الصفات وجودها للذات فهيَ بعينها أقانيم النصارى" (169).
5 ـ قال "الإمام الغزالي في كتابه الرد الجميل": "ويعتقدون أن ذات الباري واحدة ولها اعتبارات" (وبعض مناقشة الموضوع وعرض الآراء المختلفة للمفسرين)، قال: "فعلى هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذات الله فقط والآب مرادف له، والعاقل عبارة عن ذاته بقيد كونها عاقلة لذاتها، والابن أو الكلمة مرادف له، والمعقول عن الإله عبارة عن الإله الذي ذاته معقولة له، وروح القدس مرادف له" (د. محمد عبد الهادي ـ الفلسفة في الإسلام ص 196) (170) وقال أيضًا نفس الإمام في نفس الكتاب: "يعتقد النصارى أن ذات الباري واحدة في الجوهر، ولها اعتبارات فإن أُعتبر وجودها غير مُعلَّق على غيره تعالى، فذلك الوجود المطلق هو ما يسمونه "بأقنوم الآب". وإن أُعتبِر وجودها مُعلّقًا على وجود آخر، كالعلم المعلَّق على وجود العالم، فذلك الوجود المقيَّد هو ما يسمونه الابن أو الكلمة. وإن اُعتبر وجودها مُعلّقًا على أن عاقليه معقولة منه، فذلك الوجود المقيَّد أيضًا هو ما يسمونه "بأقنوم الروح القدس"، لأن ذات الباري معقولة منه، والحاصل أن هذا التعبير الاصطلاحي أن الذات الإلهية واحدة في الجوهر، وإن تكن منعوتة بصفات الأقانيم" (171).
6 ـ قال "الشيخ محيي بن العربي": "أول الأعداد الفردية هو الثلاثة لا الواحد، لأن الواحد ليس بعدد بل هو أصل الأعداد" (172).
7 ـ قال "ابن سينا": "الله علم وعالم ومعلوم، وعقل وعاقل ومعقول، وعشق وعاشق ومعشوق" (173).
8 ـ قال "عباس محمود العقاد": "الشأن في تعدد الأقانيم، كالشأن في تعدد الصفات عند بعض المفسرين" (174)، وقال أيضًا "أن الأقانيم جوهر واحد، وأن الكلمة والآب وجود واحد، وإنك حين تقول الآب لا تدل على ذات منفصلة عن الابن لأنه لا انفصال ولا تركيب في الذات الإلهية" (175). فمثل هذه الأقوال السابقة تعكس تفهمًا كثيرًا من علماء المسلمين لعقيدة التثليث وقبولهم إياها، فصفات الله الأزلية مثل المحب والسميع والكليم تحدثنا عن وحدانية الله الجامعة المانعة، وأنه الله لا بد أن يكون أكثر من أقنوم، ولكن يجب أن نؤكد أن الأقانيم ليسوا ثلاث صفات لكنهم عين الذات الإلهية، وليسوا ثلاث مظاهر لكنهم هم الله بعينه.
+
عقيدة التثليث والتوحيد فوق مستوى العقل،
ولكنها
ليست ضد العقل.
+
هناك تشبيهات تُقرّب لنا المعنى لعقيدة التثليث والتوحيد مثل الإنسان،
والشمس، والنار، ومثلث الذهب، والحجم، والينبوع،
والتفاحة، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
وكل تشبيه يقرب لنا المعنى من زاوية أو أكثر، ولكن ولا تشبيه يعتبر
كاملًا في جميع
زواياه.
+
هاجم القرآن
ثالوث المرقونية، وثالوث المريميين، وبدعة سويدنبرج، ولكنه
لم يهاجم الثالوث المسيحي. بل بالعكس
هناك صدى
للثالوث المسيحي في الإسلام.
_____
(166) التفسير الكبير جـ 2 ص 102.
(167) أورده عوض سمعان في كتابه "الله في المسيحية ص 275".
(168) أورده الأب لويس شيخو اليسوعي في كتابه "محاورات جدلية ص 47".
(169) الشهرستاني جـ 1 ص 68.
(170) أورده اسكندر جديد في كتابه وحدانية الثالوث في المسيحية والإسلام ص 51 ـ 53.
(171) أورده عوض سمعان في كتابه الله في المسيحية ص 275.
(172) فصوص الحكم ص 130.
(173) أورده عوض سمعان في كتابه الله في المسيحية ص 106.
(174) أورده ثروت سعيد في كتابه حقيقة الثالوث ص 176.
(175) أورده القمص بولس بولس في كتابه "الله التثليث والتوحيد الدرس الرابع".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/trinity-and-unity/trinity-in-quran.html
تقصير الرابط:
tak.la/bc5yf95