س 40: هل الثالوث الذي هاجمه القرآن هو الثالوث المسيحي؟
ج: لقد هاجم القرآن أكثر من ثالوث، فمثلًا:
أ ـ قال: "لقـد كفر الذين قالـوا أن الله ثالث ثلاثة. وما إله إلاَّ واحد" (المائدة 73). وهو بهذا يهاجم ثالوث يُنادي بثلاثة آلهة ويمثل الله واحد منهم، ومن الطبيعي أن المسيحية تعترف بإله واحد لا أكثر... إله موجود عاقل حي الآب والابن والروح القدس، فهو بهذا لا يقصد الثالوث المسيحي... إذًا أي ثالوث يهاجمه القرآن هنا؟.. إنه يهاجم ثالوث المرقونية التي نادت بثلاثة آلهة كما رأينا من قبل إله عادل أنزل التوراة، وإله صالح أنزل الإنجيل، وإله شرير هو إبليس.
ب ـ قال: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة"(الأنعام 101)، وتكرر هذا المعنى في سورة المائدة: "وإذ قال يا عيسى ابن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" (المائدة 116).
وهنا يهاجم القرآن ثالوث يتكون من الله وصاحبة له وولد، ولم يقل قط أحد من المسيحيين أن الله اتخذ له صاحبة وأنجب منها ولدًا، فالله روح بسيط منزَّه عن مثل هذه الأمور الجسدية... إذًا لماذا قال القرآن هذا؟.. أنه مجرد رد على هرطقة المريميين، وأصحاب هذه الهرطقة كانوا من الوثنيين الذين يعبدون كوكب الزهرة ويلقبونها بملكة السماء، وكان النساء يقدمنَّ خبزًا من دقيق الشعير كما رأينا من قبل، وعندما تنصر هؤلاء القوم أخذهم الحنين لعبادتهم الوثنية القديمة، فاستبدلوا الإلهة الزهرة بالعذراء مريم، ونادوا بثالوث يتكون من الله ومريم ويسوع، وأشار إلى هذه البدعة أحمد المقريزي في كتابه القول الإبريزي ص 26، وابن حزم في كتابه الملل والأهواء والنحل ص 48.
جـ ـ قال: "لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم" (المائدة 72). وهنا يهاجم القرآن "بدعة سويدنبرج" الذي قال: إن الثالوث يطلق على المسيح وحده، فلاهوته هو الآب، وناسوته هو الابن، واللاهوت الصادر عنه هو الروح القدس (الله واحد أم ثالوث ص 42)، فنحن نقول أن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، ولم نُقصِر جوهر اللاهوت على أقنوم الابن فقط.
فهل المسيحية مسئولة عن الهرطقات التي تصدت لها وحكمت عليها بالحرم؟! ولو قلنا أنها مسئولة عن هذه الهرطقات، فهل بالمثل الإسلام مسئول عن الهرطقات الخارجة عنه فمثلًا: "الخوارج والشيعة والنصيرية يؤلهون علي ابن أبي طالب، والجبرية والمعتزلة والقدرية أنكروا صفات الله، والأشاعرة المتريدية والزيدية والأمامية والإسماعيلية يقولون: "إن للعالم مدبران الأول هو الله والثاني هو النفس ويبيحون المحرمات، والبهائية يؤلهون زعيمهم بهاء الدين، والدروز يؤلهون الحاكم بأمر الله الفاطمي" (مذكرة التوحيد والفرق للشيخ حسن متولي ص 105 ـ 118 مقرر السنة الخامسة بالأزهر) (164).
وعندما استخدم الشيخ محمد متولي الشعراوي مثل هذه النصوص للهجوم على المسيحية رد عليه " نيافة الأنبا غريغوريوس" أسقف البحث العلمي في خطاب وجهه إليه في أواخر عام 1980 جاء فيه: "إننا نريد أن نطمئن الشيخ محمد متولي الشعراوي أننا غير منزعجين ولا مضطربين مما قاله أو يقولـه... الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار إنك في كل ما قلته عن المسيحية أنك لا تعرف عن المسيحية شيئًا من خلال النصوص القرآنية التي حصرت ذاتك فيها، وهيَ نصوص لا تخصنا نحن المسيحيين. هل تعلم أيُّها الشيخ أنك في كلامك عن المسيحية تردد أقوال النساطرة الذين كانت لهم أديرتهم ورهبانهم في بلاد العرب أثناء الدعوة الإسلامية، وما تقولـه أنتَ الآن في الربع الأخير من القرن العشرين كان يقوله النساطرة، ومنهم الراهب النسطوري المدعو (بحيرا) والمعروف عنه أنه كان يتعاطى النجامة والسحر" (انظر معجم المنجد، والموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال ص 330، 1657).
كل هذه النصوص وأمثالها مما تردده، ليست جديدة علينا، إنها بعينها الاتهامات التي كان يرددها النساطرة أثناء نشأة بدعتهم في القرن الخامس والتي أنعقد بسببها المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة 431 م، والذي رأسه البابا كيرلس الأول المُسمَّى "عمود الدين".. وقد نفي نسطور زعيمهم إلى مدينة أخميم في صعيد مصر... وأمَّا قومه فنفوهم خارج حدود الإمبراطورية الرومانية فاستقروا في بلاد العرب، وصارت لهم في بلاد العرب أديرتهم... لذلك فان كل ما قلته وما تقوله في مهاجمتك للمسيحية، معروف لدينا سابقًا، ومعروف أن مصادره نسطورية، وهيَ بدعة وهرطقة مسيحية، أراد دعائها أن يوسعوا من قاعدة المؤمنين بمذهبهم، فليس ما يقوله ويردده الشيخ محمد متولي الشعراوي إلاَّ امتدادًا للنسطورية. أنه ليس علينا بجديد، فهوّن على نفسك" (165).
لقد مدح القرآن المسيحيين وشهد لإيمانهم بالله الواحد وأجزل لهم الوعود (راجع إجابة السؤال الرابع هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت). فليس من المعقول أن يعود القرآن ويتهم المسيحيين بالكفر، لأنه ما دام إيمان المسيحيين إيمان صحيح فكيف يتهمهم بالكفر؟! ولو كان المسيحيون كفرة، فكيف يعدهم بالنهاية الصالحة والأجر الحسن بدلًا من أن يتوعدهم بعذاب الآخرة؟!
وقال البعض أن النص الوارد في القرآن: "ومن يبتغي غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" ينسخ جميع النصوص التي منحت وعودًا للمسيحيين بالأجر الصالح وعدم الخوف عليهم ولا هم يحزنون... لمثل هؤلاء نقول أن الله ليس إنسانًا فينسى ولا ابن آدم فيغير وعوده، وكيف نقبل أن الله يمدح المسيحيين ويتوعدهم في آن واحد بسبب إيمانهم.
وقال البعض الآخر أن المقصود من قوله: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا لهم أجرهم عن ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" هم المؤمنون بالإسلام فقط؟.. ونحن نقول أن هذه مغالطة لأنه لو كان قصده الذين يؤمنون بالإسلام فقط لاكتفى بقوله: "إن الذين آمنوا" ولم يضف ثلاثة طوائف أُخرى هم اليهود (الذين هادوا) والنصارى والصائبين بدون أن يشترط إيمانهم بالإسلام.
وقال آخرون أن القرآن قصد حسن الجزاء للذين آمنوا من هذه الطوائف الثلاث، وقولهم هذا غير مقبول لأنه معناه أنه لو أن إنسانًا خارج عن الطوائف الثلاث فكان مثلًا مجوسيًا أو وثنيًا أو بوذيًا ودخل الإسلام فهو يحرم من حسن الجزاء... هل يقبلون هذا؟!
_____
(164) القمص زكريا بطرس ـ الله واحد أم ثالوث؟ ص 56، 57.
(165) مقالات في الكتاب المقدس جـ 2 ص 96 ـ 102.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/trinity-and-unity/quran-trinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/8a4tmds