س 23: لماذا دُعيَ الأقنوم الثاني بالكلمة؟
ج: يجب أن نضع في أذهاننا دائمًا أن المقصود بكلمة الله يختلف عن المقصود بكلمة الإنسان المنسكبة والمهرقة في الهواء، و"كلمة الله " ليس مثل بقية كلمات الله التي نَطَقَ بها على لسان الأنبياء والرسل القديسين الداخلة في إطار الزمن. إنما المقصود بكلمة الله هو ابنه الذي هو من ذات الجوهـر الإلهي... هو شخص فعَّال تام أبدي أزلي "بكلمة الرب صُنعت السمَوات"(مز 33: 6) "أرسل كلمتهُ فشفاهُم"(مز 107: 20).
والكلمة في الأصل اليوناني "لوغوس" Logos، وفي الأصل الانجليزي Logic أي المنطق وليس النطق Pronounce، فالمقصود بالكلمة هنا: نطـق الله العاقل أو العقل المنطوق به، أو العقل الأعظم، فهو شخص حقيقي، ولذلك ترد بصيغة المذكر.
ويقول "القديس يوحنا فم الذهب": "الكلام الذي نَطَقَ به الأنبياء والملائكة هو من كلام الله، لكن ولا كلمة واحدة من تلك الكلمات إله. إلاَّ أن كلمة الله الحقيقي (يو1: 1) هو جوهر إلهي حاصل في أقنوم بارز من أبيه بعينه خلوًا من أي انقسام عارض". " وقال "البابا أثناسيوس الرسولي": "الله تام ليس بعادم كلمته ثابت قائم دائم ليس بزائل ولا بمبتدئ ولا فـانٍ لأن الله لم يكن قط بلا كلمة ولكن لم يزل له الكلمة متولدًا منه. ليس مثل كلمتنا التي لا قوام لها المهراقة في الهواء، ولكن كلمة ذو قوام حي تام ليس بمفترق منه، ولكن ثابت أبدًا فيه... فهو وكلمته يملأ كل شيء ولا يسعه شيء" (82).
وقال "البابا أثناسيوس الرسولي" أيضًا: "ابن حقيقي هو كلمته وحكمته وقوته، وغير منفصل عنه. إذ ليس هناك جوهر آخر، لئلا يكون هناك بدءان، فإن الكلمة الذي هو من الجوهر الواحد لا ينحل، وهو ليس مجرد صوت ظاهري، بل هو كلمة جوهري وحكمة جوهري، الذي هو الابن الحقيقي... هو إله من إله، وحكمة من الحكيـم، وكلمة من العاقل، وابن من الآب" (فقرة {1} من المقالة الرابعة) (83).
ويقول "انسيمُس بطريرك أورشليم": "لأن الله الآب هو واحد ودائم الوجود، فنطقه أيضًا واحد وحي ودائم الوجود وتام لكون الآب هو تام أيضًا... في الله حكمة واحدة تامـة وقائمـة بذاتها، حية مساوية له في الأزلية، وهيَ كلمته وأبنه الوحيد" (84).
ودعي الأقنوم الثاني بكلمة الله للأسباب الآتية:
1ـ لأن الإنجيل دعـاه هكـذا " في البـدء كان الكلمـة والكلمة كـان عند الله وكان الكلمة الله "(يو1: 1).
2ـ كلمة الإنسان تعلن أفكار الإنسان وأسرار العقل، والكلمة تجسد الفكر الغير منظور، وتعلن شخصية المتكلم حتى جاء المثل الشهير: "تكلم لكيما أراك" فمن كلام المتكلم تتحدد شخصيته، وهكذا عندما تجسد الأقنوم الثاني أعلن لنا أسرار الله (يو1: 18) فكلمة الله هو الذي أظهر لنا معرفة الآب "ولا أحد يعرف الآب إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يُعلن له" (مت 11: 27) ويقول "البابا ألكسندروس": "أن كلمة الله هو صورة الله غير المنظور ولذلك فهو الذي يظهره ويعلنه"(85).
3ـ كلمة الإنسان تعلن قوة وسلطة المتكلم هكذا عندما تجسد الأقنوم الثاني أعلن لنا شخصية الآب، فعندما حمل أثقالنا وأمراضنا رأينا حنان الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعندما أشبع الجموع رأينا بركة الله، وعندما أسكت الرياح والأمواج وأقام الأموات وغفر الخطايا رأينا سلطان الله، وعندما مات عنا وقام وأقامنا معه رأينا محبة الله، وكلما نظرنا إلى الرب يسوع نرى فيه صورة الآب.
4ـ لأن الله بعـد أن كلمنا في العهد القديم بواسطة الأنبياء كلمنا في العهد الجديد بابنه "الله، بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه "(عب1: 1، 2).
5ـ كما أن الكلمة تُولد من العقل بدون زواج ولا مجامعة ولا ألم هكذا ولادة الابن الكلمة من الله الآب هيَ ولادة روحية بدون انفصال، وقال "ديونسيوس الصليبي": "أن الابن سُمي كلمة لأنه مولود من الآب كما أن كلمتنا العقلية يلدها عقلنا الذي هو روحي محض، وأيضًا لأن الابن باعتباره ابنًا وحيد لله غير قابل للآلام والولادة الزمنية. ثم كما أنه بوجود العقل توجد فينا الكلمة لأن العقل إذ لم يدرك ويعقل لا يكون عقلًا. كذلك منذ وجود الآب (من الأزل) وُجِد الابن (من الأزل أيضًا) أي الكلمة بحيث لا يمكنك أن تدل على زمن أو تتصوره من دون أن يكون الابن الكلمة" (86).
ويقول "البابا كيرلس عمود الدين": " فالذهن (العقل) البشري يلد وينطق كلامًا خارجًا منه ويختار ما يناسبه، ومسيرة الكلام من أعماق الإنسان إلى لسانه تقدم لنا شرحًا للميلاد الجوهري (للابن من الآب).. الذهن دائمًا هو أصل الكلام ووالده، والكلام بدوره هو ثمرة ونتاج الذهن، والذهن لا يكون أبدًا بدون كلام، وحينما يلد كلامًا، فان هذا الكلام يحمل طبيعة الذهن الذي ولده وشكله دون أن ينقصه شيء... فكيف نستطيع أن نتصور لحظة، وجود ذهن بدون كلمة أو كلمة بدون ذهن... إن خروج الكلام من الذهن وولادته منه تحدث بدون ألم وأن المولود لا ينفصل عنه، ومن ناحية أخرى فإن الكلام يظل في الذهن الذي ولده ويكون واحدًا معه... إن الذهن يمتلك مـع الأفكـار شركة طبيعية واحدة ووجود واحد، بدون وسيط بينهما" (87).
ويقول "أوريجانوس": "كما تخرج الكلمة من العقل دون تمزق العقل أو تحسب الكلمة منفصلة أو منقسمة من طبيعة العقل، هكذا وعلى هذا النمط ينبغي أن ندرك علاقة الابن بالآب الذي هو صورته. وإنه لمن الخطورة وعدم التقوى وبسبب ضعف فهمنا أن نجرد الله من ابنه الوحيد في زمن ما وهو الكلمة الأزلي مع الله أي حكمته التي هو موضع مسرته، وكأنما بذلك نقول أن الله لم يكن دائمًا في مسرته".
6ـ كما أن الكلمة هيَ أداة الاتصال بين المتكلم والمُخاطَب هكذا الرب يسوع هو أداة الاتصال بين الله المتكلم والإنسان المُخاطَب، والوسيط الوحيد بين الله والإنسان، وكما أن الكلمة لها طبيعة المتكلم هكذا الرب يسوع له طبيعة الله "الذي، وهو بهاءُ مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته"(عب 1: 3) وكما أن الكلمة ترقى بالمُخاطَب هكذا الرب يسوع جاء إلى عالمنا ليرفع من شأننا فتكون لنا حياة ويكون لنا أفضل.
ويجب أن نلاحظ أن الكتاب المقدس لم يطلق على أي إنسان أنه كلمة الله، ولا على موسى النبي الذي كان يتكلم الله معه فمًا للأذن، فدُعِيَ "كليم الله" ولم يدعوه كلمة الله. فكلمة الله الوحيد هو الابن الوحيد.
_____
(82) كمال البرهان على حقيقة الإيمان ص 21.
(83) المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ص 8، 9.
(84) الهداية طبعة 1792 ص 11.
(85) الثالوث الذي نؤمن به ص 42.
(86) شمس البر ص 130.
(87) حوار حول الثالوث للقديس كيرلس الإسكندري ص 101 ـ 103.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/trinity-and-unity/son-word.html
تقصير الرابط:
tak.la/szj4qh2