س 28: هل الروح القدس له الصفات الإلهية؟
ج: نعم لقد وصف الكتاب المقدس الروح القدس بصفات لا يُوصف بها إلاَّ الله، ومن هذه الصفات ما يلي:
الروح القدس هو روح الآب والابن، وبما أن الآب والابن أزليان إذًا لا بد أن روحهما القدوس أزليًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: " فكم بالحرى يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب"(عب 9: 14) "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو14: 16) ويقول "الأنبا أنطونيوس الكبير": "اعلموا يا أولادي الأحباء بالرب أن الروح القدس أزلي سرمدي، يفوح رائحة ذكية حلوة لا توصف بلسان كما قيل: مَنْ هم الذين عرفوا لذة الروح وحلاوته إلاَّ الذين استحقوا أن يحل فيهم؟! (102).
"وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد"(يو 14: 16)، (مت 28: 19)، ويقول "القديس أمبروسيوس: "من ذا يتجاسر وينكر أن للأقانيم الثلاثة اسمًا واحدًا، خصوصًا إن وحدتهم في كل ما يفعلونه واضحة؟ ولماذا أحتاج لتأكيد أن لهم اسمًا واحدًا والأمر واضح من شهادة الصوت الإلهي الذي يخبرنـا بكل وضوح أن للآب والابن والروح القدس اسمًا واحدًا؟ لأنه مكتوب: "اذهبوا وتلمذُوا جميع الأمم وعمدوهم بِاسم الآب والابن والروح القدس "(مت 28: 19) بِاسم وليس بأسماء، والاسم الواحد يعني أن الجوهر الإلهي واحد والقوة الإلهية واحدة" (103).
ويقول "القديس يوحنا ذهبي الفم": "أن نفس سلطة الآب هيَ نفس سلطة الروح لأن الرسول بولس يقول عن الآب: {لكن الله واحد، الذي يعمل الكل في الكل} (1 كو12: 6) وهذا هو نفس الكلام عن الروح القدس {هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحدٍ بمفرده، كما يشاءُ} (1 كو 12: 11)، وهنا نرى بكل وضوح كمال سلطة وقوة الروح، لأنه طالما أن الجوهر الإلهي واحد فمن يتجاسر ويشك في أن السلطة واحدة، ولأن الأقانيم متساوية فقوتهم وسلطانهم واحد"(104).
وقال "البابا أثناسيوس الرسولي": "وإن كانت توجد في الثالوث القدوس هذه المساواة وهذا الاتحاد، فمن الذي يستطيع أن يفصل الابن عن الآب، أو يفصل الروح القدس عن الابن أو عن الآب نفسه؟ من ذا الذي تبلغ به درجة الجسارة إلى حد أن يقول أن الثالوث غير متماثل في ذاته ومتعدد الطبيعة، أو أن جوهر الابن غريب عـن الآب، أو أن الـروح القدس غريب عن الابن" (سيرابيون1: 20) (105).
ويقطع "البابا أثناسيوس الرسولي": حرمًا على كل مَنْ يميز بين الأقانيم ويدعي أن أقنومًا أعظم من الآخر فيقول: " هكذا نقر ونعترف أن الابن والروح القدس مساويان للآب، وكل من لا يؤمن ولا يقر أنهم (الأقانيم الثلاثة) جوهر واحد وطبع واحد بالقول والفعل، فليكن محرومًا".
ويقول "القديس كيرلس عمود الدين": "علمنا آباؤنا القديسين أن نؤمن بإله واحد ضابط الكل وهو بلا ابتداء وليس له انقضاء. آب واحد كامل في أقنومه، وابن واحد كامل في أقنومه، وروح قدس كامل في أقنومه وصورته، وليس هؤلاء مثل درجات مملكة بل جوهر واحد. سلطان واحد. مسرة واحدة. إرادة واحدة. ربوبية واحدة ".
"لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منه" (مز51: 11) "ولا تحزنوا روح الله القدوس"(أف 4: 30) والروح القدوس هو روح القداسة "وتعيَّن ابن الله بقوةٍ من جهة روح القداسة "(رو1: 4)، فالروح القدس هو الله الكلي القداسة الذي يحرق خطايانا ويقدسنا وينير لنا طريق الملكوت، ويقول "القديس كيرلس الكبير" عن عمل الروح القدس في النفس أنه: " تطهير للنفس... وتغيير داخلي... وعبور من حالة الموت والفساد إلى الحياة وعدم الفساد... وانتقال من الرذيلة إلى الفضيلة... ومن العبودية إلى الحرية... هو مصالحة الإنسان مع الله... وارتقاء الإنسان إلى حالة تفوق طبيعته... وبالإجمال هو ولادة جديدة وخلقة جديدة... أي صلاح وتقويم لطبيعتنا الساقطة بحيث تستعيد حالتها الأولى التي خُلـق بهـا الإنسـان الأول" (106).
قال الملاك لزكريا النبي: " هذه كلمة الرب إلى زربابل قائلًا: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود "(زك 4: 6)، وقال "ميخا النبي": "لكنني أنا ملآن قوة روح الرب "(مي 3: 8)، وقال "الرب يسوع" لتلاميذه: " لكنـكم ستنالـون قـوةً متى حلَّ الروح القدس عليكم" (أع 1: 8) ويقول "معلمنا بولس": "بقـوة آيـاتٍ وعجائب، بقوة روح الله"(رو 15: 19) وقال أيضًا: " لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبَّة والنصح "(2 تي1: 7) ويقول "القديس يوحنا فم الذهب": "بالروح القدس تحرَّرنا من العبودية ودعينا إلى حرية أولاد الله بعمل الروح في التبني بل من خلاله أُعيدت خلقتنا وخلعنا كل أغلال خطايانا. بالروح القدس نرى جوقة الكهنة في خدمتنا (عمل الروح القدس في سـر الكهنوت) وبـه ننـال معونة فـي مدارس المعلمين (عمل الروح القدس في التعليم) ومنه تأتي مواهب الإعلانات وعطايا الشفاء وكل المواهب الأخرى التي تغني الكنيسة" (107).
قال "الرب يسوع" عن الروح القدس: "أمَّا المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب بِاسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم"(يو 14: 26) وقال "معلمنا بولس الرسول": "لأن مَنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلاَّ روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلاَّ روح الله"(1 كو 2: 11) ويعلق على هذا "القديس يوحنا فم الذهب" قائلًا: "في هذه الكلمات نرى تعليمًا كاملًا بسيطًا لأن كل ما يشغل عقل أي إنسان لا يعرفه أحد آخر سواه وحده، وهكذا كل ما في عقل الله لا يعرفه أحد سوى الله، وبهـذا التشبيه الكامـل الصحيح الذي استعمله الرسول يتضح أنه أراد أن يقول لنا: "لا يوجد إنسان لا يعرف ما في عقلـه. هكـذا الله فإن الروح القدس يعـرف كل الأمور التي تخص الله، وبهذا الوضوح الشديد أكد لنا الرسول أن الروح القدس من ذات جوهر الله" (108).
قال "الكتاب المقدس": "وكانت الأرض خربةً وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه "(تك 1: 2) وقال "المرنم": " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح، وسكنت في أقاصي البحر، فهناك أيضًا تهديني يدك وتمسكني يمينك "(مز 139: 7 ـ 10)، ويعلق "القديس اكليمنضس الروماني" قائلًا: "بهذا نحتمي بروحه من الدينونة القادمة لأنه أين يهرب كل منا من يده القادرة؟ أي عالم يمكنه أن يختفي هاربًا من وجه الله؟!.. أين يمكن الإنسان أن يهرب ممن يحتضن كل شيء" (109) ويقول "إشعياء النبي": "من قاس روح الرب، ومن مشيره يعلمُهُ"(إش40: 13) ويقول "الرب يسوع" عن الروح القدس: "لأنه ماكثٌ معكم ويكون فيكم"(يو14: 17) ويقول "معلمنا بولس الرسول": "أما تعلمُون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم"(1 كو 3: 16).
"روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني"(أي 33: 4) وفي رؤيا حزقيال يقول الله: "أجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم، فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب" (حز 37: 14) والروح القدس هو الذي أقام الرب يسوع من الموت "وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم"(رو 8: 11).
ويقول "القديس أبو مقار الكبير": "كما أن الجسد بدون النفس يكون ميتًا ولا قدرة له على عمل أي شيء. كذلك النفس بدون الروح القدس تكون ميتة بالنسبة لملكوت الله ولا قدرة لها على فعل أي عمل من أعمال الله... وكما أن حياة الجسد في هذه الدنيا هيَ النفس. كذلك النفس في الأبدية حياتها روح الله، ولهذا يجب على كل طالب الإيمان أن يلتمس نوال الروح القدس لأنه حياة النفس، وقد جاء الرب خصيصًا ليمنحنا روحه القدوس الذي هو النور {والحياة كانت نور الناس} (يو1: 4)، فالذي لا ينال في هذا العالم نور الروح الإلهي فأنه لا يعاين النور وقت خروجه عن الجسد ولا يدخل ملكوت الله" (110).
"لأن الروح يفحص كلَّ شيء حتى أعماق الله"(1كو 2: 10) ويقول "الرب يسوع": "وأمَّا متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو 16: 13) ومعرفة الروح القدس ليست مكتسبة ومستمرة من الغير لكنها معرفة ذاتية.
" لكن اغتسلتم، بـل تقدَّستم، بل تبرَّرتم بِاسم الرب يسوع وبروح إلهنا"(1 كو 6: 11) والروح القدس هو الذي يحرك النفس للتوبة، وهو الذي يغفر خطاياها من خلال سر التوبة والاعتراف.
"الله روحٌ. والذين يسجدون له... "(يو 4: 24).
_____
(102) الروح القدس في كتابات الآباء جـ 2 ص 18.
(103) المرجع السابق جـ 2 ص 15.
(104) المرجع السابق ص 6.
(105) رسائل أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس ـ تعريب القمص مرقس داود ص 60.
(106) كيف يتم تقديس النفس ـ الروح القدس في لاهوت القديس كيرلس الكبير ـ لأحد آباء دير أنبا مقار ص7.
(107) الروح القدس في بعض كتابات الآباء جـ 2 ص 15.
(108) المرجع السابق جـ 2 ص 9.
(109) الروح القدس وكمال استعلان الثالوث عند القديس أثناسيوس ص 36.
(110) الروح القدس وعمله داخل النفس ص 5.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/trinity-and-unity/holy-spirit-attributes.html
تقصير الرابط:
tak.la/xa2b4n9