قرارات المجمع :
1- إعادة أوطيخا إلى رتبته الكهنوتية وإلى ديره بأغلبية الأصوات إذ وافق على ذلك 114 أسقف من الحاضرين أولهم يوبيناليوس ودمنوس وأخرهم البابا ديسقورس ويقول الدكتور أسد رستم " المجمع اللصوصي: ودعا ديسقورس الوفود إلى الاجتماع في كنيسة السيدة في أفسس في الثامن من آب سنة 449م فلبى الدعوة مئة وثلاثون أسقفًا أو أكثر... ثم طرح ديسقورس قضية أوطيخا للتصويت فقال باستقامة رأيه مائة وأربعة عشر أسقفًا أولهم دومنوس أسقف أنطاكية ويوبيليانوس أسقف أورشليم وآخرهم ديسقورس (Mansi,VI,Cal.839)! فشهد أوطيخا أرثوذكسيًّا وأعيد إلى مقامه ورئاسة ديره " (11)(لاحظ أن لاون كتب إلى بوليكاريا يخبرها بأن أوطاخي سقط في الهرطقة عن جهل وإن تاب يُقبل في الكنيسة).
2-حَرمْ فيلابيانوس وستة من الأساقفة النساطرة منهم ثيؤدوريت أسقف قورش. كما أن المجمع حكم على دومنيوس أسقف أنطاكية، وكان البابا ديسقورس أخر من نطق بالحرم عليه.
أنفضَّ التجمع في 22 أغسطس سنة 449م، وصدَّق الإمبراطور على الحكم ونفى فيلابيانوس الذي مات في منفاه، وتم تنصيب اناطوليوس الشماس السكندري أسقفًا على القسطنطينية عوضًا عن فيلابيانوس، وقد حضر البابا ديسقورس الاحتفال بسيامته ثم عاد إلى الإسكندرية، كما أُقيم مكسيموس أسقفًا لأنطاكية عوضًا عن دومنيوس... عاد وفد روما يعلن فشله في حماية فيلابيانوس، وأرسل فيلابيانوس إلى لاون أسقف روما يطلب معونته... كما هرب يوسابيوس أسقف دوريلم إلى روما يستجير بلاون الذي رأى عَقْد مجمع آخر بإيطاليا يلغى أحكام مجمع أفسس الثاني، ولكن الإمبراطور ثيؤدوسيوس لم يوافق لاون على هذا رغم محاولاته العديدة وإلحاحه حتى أنه أرسل إلى الإمبراطور يقول له " أن الديانة المسيحية تكاد تضمحل ما لم تلغَ أحكام مجمع أفسس " كما أرسل إلى بوليكاريا وإلى إكليروس القسطنطينية دون جدوى.
ثم استعان لاون بإمبراطور الغرب فالينتينان الثالث ووالدته جالابلاسيديا وزوجته أدوكسيا مقنعًا إياهم بأن مجمع أفسس الثاني قد أساء إلى كرسي بطرس وحط من قدره، فأرسل فالينتينان ووالدته إلى ثيؤدوسيوس إمبراطور الشرق، وأرسلت أودكسيا إلى بوليكاريا شقيقة ثيؤدوسيوس، ولكن هذه المحاولة أيضًا ضاعت إدراج الرياح، ورسائل لاون من 43-72 خلال هذه الفترة تُظهر بوضوح حيرته وقلقه وغيرته المرة من البابا السكندري، والعجيب أن الغرب الذي قَبِل مجمع أفسس الأول رفض مجمع أفسس الثاني مع أن كلاهما يدحض النسطورية!!
إن الفترة من سنة 449 إلى 451 كانت فترة نزاع بين لاون والنساطرة من جانب، وبين الفكر اللاهوتي السكندري الصحيح المتمثل في البابا ديسقورس من الجانب الآخر، فأطلقوا على مجمع أفسس الثاني " مجمع اللصوص " وأطلقوا على البابا ديسقورس "السفاح المصري"، و"معلم أخطاء الشيطان"، و" الباذل بقوة جهده لبث التجاديف المرة وسط إخوته"، واتهموه بالأوطاخية، وشعر لاون أن بابا الإسكندرية قد انتصر عليه وأن عدم قراءة رسالته في المجمع يعتبر استخفاف بالسلطة البطرسية لذلك عندما سقط الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير من على حصانه ومات في 28 يوليو سنة 450 وتولى الحكم مرقريان وبوليكاريا وجد لاون فرصته للتشفي من بابا الإسكندرية في مجمع خلقيدونية... لقد خططت بوليكاريا لأمرين:
أولهما: تعضيد كرسي روما ومقاومة كرسي الإسكندرية كرد فعل لسياسة كريسافيوس الذي كان مؤيدًا لأوطيخا وكرسي الإسكندرية ولذلك ساعدت لاون ليكون طومسه الوثيقة الإيمانية الأولى في الكنيسة الجامعة، فأجبرت أناتوليوس السكندري أسقف القسطنطينية الذي لم يقبل رسالة لاون على التوقيع عليها بحضور أسقفين وكاهنين من روما ممثلين للبابا لاون وذلك يوم 21 أكتوبر سنة 450م، و"في 13 ابريل سنة 451م كتب لاون إلى اناتوليوس يطلب منه أن يمحو أسماء ديسقورس وجوفينال ويوستاثيوس من البستك وهكذا يحرمهم بسلطته هو، وطلب كذلك أن يترك قضية الرجال الذين اشتركوا في مجمع سنة 449م ليقرّر هو بنفسه فيها، وبهذه الطريقة استطاع لاون أن يسيطر على الموقف تمامًا، بل واستطاع أن يضع نظرية تقول بأن ديسقورس وبعض الرجال الجهلة هم وحدهم المسئولون عن قرارات مجمع سنة 449م، أملًا بذلك أن يضع الكنيسة كلها تحت سلطانه المطلق بدون أي مجمع أو أتفاق أو مداولة مع زملائه الأساقفة خاصة من الشرق " (12)
وثانيهما: عدم ترك كرسي روما ليتمتع بالزعامة والسلطة الدينية في العالم لذلك سعت الإمبراطورة مع زوجها إلى رفع كرسي القسطنطينية عاصمة إمبراطوريتها ليكون مساويًا لكرسي روما، ولذلك عندما أصرَّ مرقريان على عقد مجمع رغم رغبة لاون عقده في الشرق وليس في إيطاليا كما طلب لاون من قبل من إمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير.
وقد شوَّه بعض المؤرخين مثل لويس ديشن L.Duchesne ، وف. بونيفاس F.Bonifas صور البابا ديسقورس في مجمع أفسس الثاني قائلين أن البابا فرض عقيدة الطبيعة الواحدة بالعنف وكان من خلفه الإمبراطور وأوطيخا برهبانه الذين يزيد عددهم عن الثلثمائه راهبًا... فقالوا أن هذه مؤامرة بين القصر وكنيسة الإسكندرية، ولذلك دُعي للمجمع معظم المواليّن لأوطيخا فحضر نحو مئة عضو (من مائة وثلاثين عضوًا) موالين لأوطيخا والقصر وديسقورس. كما أن الإمبراطور ثيؤدوسيوس أصدر أمره بعدم حضور ثيؤدوريت أسقف قورش ومشايعيه من أصحاب الطبيعتين، وقالوا أنه عندما اقترح ديسقورس خلع فيلابيانوس ويوسابيوس أسقف دوريلم وقع الخبر كالصاعقة على وفد روما فصرخ الشماس هيلاري الروماني باللاتينية "أنا غير موافق"، وتجمع الأساقفة حول ديسقورس يستعطفونه ويسقطون على قدميه فاستغل ديسقورس هذه الفرصة التي يتجمعون فيها حوله، وصرخ طالبًا حماية الحرس الإمبراطوري، وكان البيديوس وأولوجيوس بالقرب من البابا فأمرا بفتح الأبواب فاقتحم الجنود المدججين بالسلاح مع البحارة والخدم الذين جاءوا مع ديسقورس المكان وأغلقوا الأبواب مما أثار خوف وجزع الأساقفة وحاول كل منهم أن ينجو بنفسه. ثم أصدر ديسقورس أمره بجلوس الجميع في أماكنهم وأرغمهم على التوقيع على خلع فيلابيانوس أسقف القسطنطينية الذي كان واقفًا في ركن من أركان الكنيسة فاقترب منه ديسقورس ورماه بالشتائم وصفعه على وجهه، فهرع فيلابيانوس إلى المذبح محتميًا به، ولكن انتزعه اثنان من شمامسة الإسكندرية وهما "هاربوكراتيوس" و"بطرس" والقياه على الأرض فأوسعه البابا ضربًا وداسه بالأقدام حتى أنه لقي حتفه بعد ثلاث أيام في النفي وقالوا أن مجمع اللصوص اجتمع وانقضَّ في يوم واحد (تاريخ الفكر المسيحي - د.ق حنا الخضري ح3 ص228-231)، وللأسف نفس المعنى يكرَّره المطران الكسندروس جحا مطران حمص وتوابعها فيقول:
" كل الذين اجتمعوا في المجمع (الأفسسي الثاني) نحو 130 أسقفًا، ولم يستدع الأساقفة الشرقيون إلى المجمع وبدأت المحادثات المجمعية بقضية أفتيخي (أوطاخى) ولكن ديسقورس لم ينتظر حل الموضوع بطريق البحث المعتاد وقرَّر استعمال القوة، فجمع جمهورًا من الرهبان المنتمين إلى أفتيخي وغيرهم كان نقلهم إلى هنا، وأقتحم هذا الجمهور الكنيسة ودخلها عنوة حيث كانت تسير جلسات المجمع، وهو يصيح: اشطروا إلى قسمين الذين يقسمون طبيعتي المسيح إلى أثنين. فحدث اضطراب عظيم، وتمزَّقت الأعمال المجمعية التي بدئ بها وكُسِرت أصابع الكتَّاب وطرد فلافيان والأساقفة الأرثوذكس (يقصد اتباع فيلابيانوس) بعد ضرب كثير وأما الذين بقوا فأُجبروا بالقوة على التوقيع على صفحات بيضاء من البرغامنت. ثم حكم ديسقورس على فلافيان وأنزل دومن الأنطاكي والمغبوط ثيؤدوريت وايفا أسقف اديسا، مع أن الأخيرين لم يكونا في المجمع. وفي الختام اعترف مع مجازيبه بأن تعليم افتيخي (أوطاخي) أرثوذكسي، وثبَّت الدستور النيقاوي الذي قدمه في تاليف خاص مع حذف الكلمات " الذي تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء" وارجع أفتيخى (أوطاخي) إلى درجته. فاعترض قضاء رومية على هذا التصرف الأستبدادي ولكن بلا نجاح. وقد هيأ فلافيان أيضًا شكوى إلى رومية والقسطنطينية، وحالما علم ديسقورس بهذه صفَّده بالقيود وعرَّضه لعذاب قاس فمات بعد ثلاث أيام، فأقام ديسقورس مكانه بطريركًا على القسطنطينية شماسه أناطولى حاسبًا إياه من أتباعه. وهذا المجمع الأفسسي (سنة 449 م.) معروف باسم "المجمع اللصوصي". فالإمبراطور ثيودوسي الذي عُرضت عليه تحديدات هذا المجمع لتثبيتها أعتبره مجمعًا مسكونيًا " (13)
وكل هذا لم يحدث لكنه مجرد افتراءات كان القصد منها تشويه سمعة البابا ديسقورس وكنيسة الإسكندرية بدليل الآتي:
1- إن كان البابا ديسقورس هو رئيس مجمع أفسس الثاني، وهذا بحسب إقرارهم، فكيف يهجم على المجمع بصحبة الغوغاء ويحدث اضطراب عظيم ويمزقون الأعمال المجمعية ويكسرون أصابع الكتاب؟! وهل كان البابا ديسقورس جالسًا على منصة الرئاسة حسب قولهم أو قائد للغوغاء مقتحمًا مكان المجمع حسب قولهم أيضًا؟! أم إنه كان هناك شخصان باسم البابا ديسقورس السكندري؟!!
2- معظم الآباء الأساقفة الذين حضروا مجمع أفسس الثاني ثم حضروا مجمع خلقيدونية، لماذا لم يقل أحد منهم أن البابا ديسقورس ضرب هو وشمامسته فيلابيانوس؟!!
3- وفد روما الذي رأس مجمع خلقيدونية وحكم على البابا ديسقورس بالحرم، لماذا لم يوجه له تهمة ضرب فيلابيانوس؟!!
4- فيلابيانوس نفسه الذي أرسل إلى لاون بابا روما يقصَّ عليه ما حدث ويطلب منه عقدًا مجمعًا لتصحيح الأوضاع لماذا لم يشكو ديسقورس الذي تعدى عليه وبالتعذيب القاسي؟!
5- فيلابيانوس لم يمت بعد ثلاثة أيام لأن أسقف روما أرسل له رسالة في 13 أكتوبر سنة 449 م. أي بعد خمسين يومًا من انفضاض المجمع.
6- ما دام المجمع أدان فيلابيانوس وحكم عليه بالخلع والحرم فما الداعي لاستعمال القسوة والضرب معه؟!!
7- لو كان البابا ديسقورس استخدم أسلوب الإرهاب في المجمع فكيف استطاع 16 أسقف رفض عودة أوطيخا؟
8- لو كان الحصار ضُرِب على النساطرة وأغلقت الأبواب عليهم فكيف هرب أوسابيوس إلى روما؟!
9- المجمع لم يجتمع لينفض في يوم واحد بل استمر من 8 إلى 22 أغسطس سنة 449م.
10- كان مبدأ البابا ديسقورس دائما الحفاظ على عقيدة الآباء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فكيف يحذف جملة (الذي تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء) من قانون الإيمان النيقاوي التي تؤكد عقيدته..؟! أننا مازلنا لليوم نردد هذه العبارة في قانون الإيمان.
11-لأن مجمع أفسس الثاني لم يضف شيئًا جديدًا للعقيدة لذلك لم يفكر أحد في وصفه بالمجمع المسكوني.
_____
(11) كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى ح1 ص333، 334.
(12) V.C. SAMUEL - THE COUNCIL OF CHALCEDON RE - EXAMINED, P. 43
(13) تاريخ الكنيسة المسيحية ص264، 265.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/council-ephesus-ii-decisions.html
تقصير الرابط:
tak.la/yqyznf8