St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

632- أين كُتب إنجيل يوحنا؟ ومتى؟ وبأي لغة وأي أسلوب كُتب إنجيل يوحنا؟

 

ج: أولًا: أين كُتب إنجيل يوحنا؟... كتب القديس يوحنا الرسول إنجيله في مدينة أفسس لأنها كانت مكان إقامة الكاتب يوحنا الحبيب، وفيها كان هناك تواجد لجماعة المعمدانيين الذين عظموا يوحنا المعمدان عن السيد المسيح فكتب يوحنا الحبيب موضحًا الحقيقة، وأيضًا نؤكد أن يوحنا الرسول كتب إنجيله في مدينة أفسس بشهادة كثير من الآباء الأولين مثل القديس إيرينيئوس الذي بعد أن تحدث عن أناجيل متى ومرقس ولوقا قال: "وفيما بعد، كتب يوحنا تلميذ الرب، والذي اتكأ على صدره، إنجيله أثناء إقامته بأفسس في آسيا" (إيرينيئوس 3: 1: 1) (4). ويقول "حبيب سعيد": "في ولاية آسيا الرومانية لم تكن ثمة مدينة أهم من أفسس، مع أنه لم يبقَ منها اليوم غير خرائب جرداء، وقد زال عنها مجدها الغابر. أما أعظم آثارها وبقايا تاريخها فلم يزال ملكًا للإنسانية ألا وهو بشارة يوحنا" (5). لقد كتب قديمًا نحو سنة 190م "بوليكريتس" Polycrates أسقف أفسس إلى "فيكتورنيوس" أسقف روما يخبره أن يوحنا الرسول عاش في أفسس وتنيح فيها، كما أن علماء الآثار النمساويين اكتشفوا مقبرة القديس يوحنا في أفسس (راجع القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب يوحنا جـ 1 ص 14). ومدينة "أفسس" لها حضارتها اليونانية العريقة، معنى اسمها "المرغوبة" تقع على نهر الكايستر غرب بحر إيجه، قال عنها بعض الكتَّاب الرومان أنها "نور آسيا" ودعاها المؤرخ الجغرافي "سترابو" أنها "سوق آسيا"، ودعاها البعض الآخر أنها "سوق أباطيل العالم القديم" نظرًا لرواجها التجاري، فقد كانت أعظم مواني أسيا الصغرى، كما كانت تقع في مُلتقى الطرق التجارية بين الشرق وروما، تستقبل القوافل القادمة من بلاد ما بين النهرين مرورًا بكولوسي ولادوكية، وهي تمثل بوابة الدخول إلى آسيا، فالحاكم الروماني القادم للحكم في آسيا كان يحط الرحال أولًا في مدينة أفسس، وطالما اقتادوا الشهداء من آسيا إلى روما مرورًا بأفسس ليلقوا حتفهم بإلقائهم للحيوانات المفترسة لتمسُكهِم بمسيحهم، حتى أن الشهيد أغناطيوس دعى تلك الطريق "طريق الشهداء السلطانية". وكانت أفسس مدينة حرة بسبب إخلاصها للإمبراطور، فهي تحكم نفسها بنفسها، ولا تكون محطًا لجيوش روما، يزورها الحكام لنظر القضايا الكثيرة. وكان في أفسس "معبد أرطاميس" أحد عجائب الدنيا السبع (أع 19: 35) بطول 342 قدمًا وعرض 164 قدمًا، والهيكل قائم على 100 عمود رُخامي بارتفاع 55 قدمًا، ومُزخرف ومُزين، حتى قيل أن الشمس في مسيرتها لا ترى ما هو أفخم وأروع من هيكل أرطاميس، وصنع الصيَّاغ تماثيل أرطاميس من الذهب والفضة لبيعها لرواد الهيكل. كما كانت أفسس مركز شهير لأعمال السحر والعرافة، فيقبل الزائرون على شراء تلك الطلاسم، وضمت المدينة مسرحًا ضخمًا يسع نحو 25 ألف شخص، فعندما كانوا يهتفون كانت الأرض تهتز من تحتهم. ولأن أفسس كانت مدينة مقدَّسة لذلك لا يجوز القبض على أن مجرم يحتمي بأسوارها أو يقف على مسافة رمية حجر من أسوارها، ولذلك طالما آوى إليها المجرمون الخطرون الذين احتموا بحرمتها، فهم في حماية أرطاميس. وكان لهيكل أرطاميس نحو ألف كاهنة من اللواتي يمارسن العهر المقدَّس مع المتعبدين، فقد مزجن العبادة بالنجاسة، وطالما بكاها "هيراقيلطس" (535 - 470 ق. م) الفيلسوف الباكي بسبب عظم شرورها وفسادها... تلك المدينة التي تعاظم فيها الشر تعاظمت فيها نعمة الله، فكرز فيها بولس الرسول لمدة سنتين (أع 19: 1 - 12) وأكيلا وبريسكلا وأبولس السكندري (أع 18: 24 - 26) وقامت فيها كنيسة قوية، وأقام عليها بولس الرسول تلميذه تيموثاوس أسقفًا عليها، والذين آمنوا في أفسس حرقوا كتبًا تختص بالسحر بلغت قيمتها خمسين ألفا من الفضة (أع 19: 19). وتساءل البعض لماذا لم يذكر بولس الرسول اسم يوحنا الحبيب في رسالته لأهل أفسس؟ والحقيقة أن يوحنا الحبيب ذهب إلى أفسس نحو سنة 67م بعد استشهاد بولس الرسول وفيها أقام الكنائس التي أشار إليها في سفر الرؤيا، فحملت مدينة أفسس الروح الرسولية وصار لكنيستها شأن في العالم المسيحي شأن أورشليم وإسكندرية وروما وأنطاكية، وبعد نياحة القديس يوحنا تولى الخدمة في أفسس الشهيد بوليكاربوس أسقف سميرنا (أزمير) (110 - 155م) ثم تبعه القديس إيرينيئوس قبل أن يتولى المسئولية في ليون بفرنسا.

وبالرغم من أن الرأي المستقر أن القديس يوحنا الرسول كتب إنجيله في مدينة أفسس، فإن هناك بعض الآراء الضعيفة التي قالت أن يوحنا كتب إنجيله في أنطاكية أو الإسكندرية أو اليهودية... لماذا اقترحوا أنطاكية؟... لأنهم اعتمدوا في هذا على قول مارإفرام السرياني في تفسيره للدياتسرون، وأغفلوا أقوال الآباء الأقرب للحدث مثل القديس إيرينيئوس تلميذ الشهيد بوليكاربوس تلميذ يوحنا الرسول، ويقول "يوسف دره الحداد": "فإيرينيئوس في نسبته الإنجيل إلى يوحنا الرسول يستند إلى ما سمعه بنفسه من بوليكاربوس تلميذ الرسول الحبيب. فشهادته قائمة، وإسنادها يرتقي بالتواتر الصحيح إلى صاحب الإنجيل. وفيها نسمع شهادة الشرق والغرب" (6). كما أن الذين اقترحوا أنطاكية اعتمدوا على ما جاء في كتاب "أعمال أغناطيوس" بأن يوحنا الرسول كتب إنجيله في أنطاكية، وتغافلوا أن هذا الكتاب مجهول الكاتب وأيضًا زمن كتابته (راجع موقع هوليبايبل - قانونية إنجيل يوحنا)... ولماذا اقترحوا الإسكندرية؟... لأنها محل إقامة الفيلسوف اليهودي الشهير فيلون الذي تكلم باستفاضة عن "اللوغوس"، وأيضًا لأن في مصر استخدم ورق البردي في الكتابة بوفرة ولاسيما في مكتبة الإسكندرية، ولكن أصحاب هذا الرأي تغافلوا أن بعض الفلاسفة اليونانيين الذين لم يقيموا في الإسكندرية تكلموا عن اللوغوس مثل هيراقليطس وغيره كما سنرى فيما بعد بالتفصيل، وأيضًا ورق البردي الذي أُستخدم بوفرة في الإسكندرية كان يُصدَر لمدن كثيرة في العالم... ولماذا اقترحوا اليهودية؟... لأن إنجيل يوحنا اهتم بخدمة السيد المسيح في اليهودية، وتغافلوا أن يوحنا الإنجيلي لم يكتب لليهود فقط، بل بالأكثر للأمم، كما أن قيمة اليهودية قد تضاءلت بعد خراب أورشليم وهدم الهيكل سنة 70م.

 

ثانيًا: متى كُتب إنجيل يوحنا؟... بعد أن أمضى يوحنا الرسول سنة ونصف في منفاه بجزيرة بطمس وكتب سفر الرؤيا، وبعد اغتيال الإمبراطور دوميتبان (81 - 96م) عاد إلى أفسس، وفيها كتب إنجيله خلال الفترة من (96 - 98م) وقال القديس أكليمنضس السكندري أن يوحنا الرسول كتب إنجيله سنة 96م، وعندما ادَّعت مدرسة توبنجن الألمانية أن إنجيل يوحنا كُتب سنة 150م، وبالتالي فأنها أنكرت نسبة هذا الإنجيل ليوحنا الحبيب الذي كان قد فارق هذه الحياة، ظهرت المخطوطة P52 التي يرجع تاريخها إلى نحو 125م فظهر بطلان رأي مدرسة توبنجن وكل النُقَّاد الذين انساقوا ورائها. ويقول "جون إلدر": "من أهم الآثار التي اُكتشفت في الأيام الأخيرة، ما يُعرف بمخطوط ريلاند (P52) وهو يحتوي كلمات قليلة إلاَّ أنها غاية في الأهمية، ذلك لأنها أقدم أثر اكتُشِفَ حتى الآن من مخطوطات العهد الجديد، ويرجح أنه يرجع إلى عام 125 للميلاد، وقد اُكتشف هذا المخطوط في رمال مصر " (7). أيضًا أثبت علم الآثار أن بعض رسومات المعجزات التي وردت في إنجيل يوحنا والتي تم اكتشافها في سراديب روما ترجع إلى بداية القرن الثاني الميلادي، وهذا يؤكد قول القديس أكليمنضس السكندري أن هذا الإنجيل كُتب سنة 96 م مع نهاية القرن الأول الميلادي... ويقول "الأستاذ زكي شنودة": "بعد قتل دومتيانوس سنة 96م رجع يوحنا إلى أفسس وهناك كتب إنجيله ورسائله باللغة اليونانية" (8). ويقول "الأنبا يؤانس" أسقف الغربية: "كتب يوحنا إنجيله في أفسس في أواخر القرن الأول الميلادي" (9).

 

St-Takla.org Image: Saint John the Evangelist. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا الإنجيلي.

St-Takla.org Image: Saint John the Evangelist.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس يوحنا الإنجيلي.

ثالثًا: بأي لغة وبأي أسلوب كُتِبَ إنجيل يوحنا؟

1- كُتب إنجيل يوحنا باللغة اليونانية وقد استخدم الكاتب الأسلوب الأرامي، ويقول "وليم ماكدونالد": "يتفرَّد هذا الإنجيل (إنجيل يوحنا) بأسلوبه المميز ولغته ولا تشبهه فيهما إلاَّ رسائل يوحنا، فالجُمَل قصيرة وبسيطة. إنها عبرانية في المغزى مع كونها يونانية في المبنى. وعلى وجه العموم، كلما قصرت الجملة ازداد عمق ما تحتويه من حق. ومن جهة أخرى، فإن يوحنا يعتمد في كتابته عددًا من العبارات يقل عن باقي الأناجيل، إلاَّ أن هذه العبارات تبقى الأكثر عمقًا في معناها، فلنلاحظ قليلًا الألفاظ الهامة التالية وعدد مرات تكرارها: الآب (118)، الإيمان (100)، العالم (78)، المحبة (45)، الشهادة ومشتقاتها (47)، الحياة (37)، والنور (24)" (10). ويقول "د. محمد على زهران" عن إنجيل يوحنا: "الإنجيل بليغ بأسلوب فلسفي خالٍ من الأخطاء اللغوية. إن الأمر المُجمَع عليه عند علماء الكتاب المقدَّس إجماعًا تامًا كاملًا في إنجيل يوحنا في اليونانية في قمة البلاغة والسلامة اللفظية ولا يوجد به أي خطأ لغوي وأنه في أسلوب سهل الفهم مما يستدل به على بلاغة مؤلفه ودرايته بأساليب اليونانية وقواعدها" (11).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

2- لقد كتب القديس يوحنا إنجيله باليونانية بأسلوب أرامي، ولذلك عندما كان يستخدم مصطلحات أرامية كان يترجم معناها باليونانية، ومن أمثلة ذلك:

أ - " مَسِيَّا الَّذِي تَفْسِيرُهُ الْمَسِيحُ" (يو 1: 41).

ب - " صَفَا الَّذِي تَفْسِيرُهُ بُطْرُسُ" (يو 1: 42).

جـ - " سِلْوَامَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ" (يو 9: 7).

د - " تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ" (يو 11: 16).

هـ - " الْبَلاَطُ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ جَبَّاثَا" (يو 19: 13).

و - " مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ جُلْجُثَةُ" (يو 19: 17).

ز - " رَبُّونِي الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا مُعَلِّمُ" (يو 20: 16).

 

3- استخدم القديس يوحنا الأسلوب الأرامي، ومن سمات هذا الأسلوب:

أ - استخدم أسلوب الإثبات مع النفي مثل قوله: "فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ" (يو 1: 20). وهذا الأسلوب لا يستخدم في اليونانية.

ب - استخدم جمل قصيرة متعاقبة ليست محمولة على بعضها البعض إنما معطوفة بحرف العطف "الواو" لربط الجمل والكلمات (راجع يو 9: 6؛ 17: 10).

جـ - استخدم غالبًا صيغة الماضي ولم يبدل ولم يغير صيغ الفعل.

د - استخدم أدوات الضمير بكثرة نحو (28) مرة مثل الأسلوب الأرامي، بينما هذا غير مستحب في الأسلوب اليوناني.

 

4- القديس يوحنا في كتابة إنجيله بالأسلوب الأرامي استخدم أسلوب السجع والقافية، فقال "بورني" سنة 1925م أن كلمات السيد المسيح كما جاءت في إنجيل يوحنا كُتبت سجعًا بالنثر، أو مقفى بالشعر، شأنه شأن الأسفار الموحى بها في المزامير والأمثال، مما يشير إلى أنها من أصل أرامي محفوظ، وفي سنة 1946م قدم "متى بلاك" مثلًا على ما قاله "بورني" في الآية: "كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ" (يو 8: 34) فكلمتي " يَعْمَلُ " و" عَبْدٌ " في الأرامية لها نطق واحد وهو "أبد" (راجع الأب متى المسكين - المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا ص77)... وهكذا استخدم كلمة يونانية واحدة للتعبير عن "الريح" و"الروح" و"النفخة" (يو 3: 8؛ 19: 30؛ 20: 22)، وكلمة واحدة تُعبر عن بركة "سلوام" ومعناها "مُرسَل" (يو 9: 7). واستخدم فعل "رُفع" سواء على الصليب (يو 3: 14) أو رُفع إلى المجد (يو 8: 58؛ 12: 34)، وفعل "صعد" سواء صعد إلى أورشليم (يو 7: 8، 10) أو صعد إلى السماء (يو 3: 13؛ 6: 62؛ 20: 17)... إلخ.

 

5- في استخدام القديس يوحنا للأسلوب الأرامي، استخدم أسلوب التبادل المعنوي بين النفي والإيجاب، ومن أمثلة ذلك:

أ - " كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو 1: 3).

ب - " لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 16).

جـ - " لَمْ يُرْسِلِ الله ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ" (يو 3: 17).

د - " اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ" (يو 3: 18).

هـ - " أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً.. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْء" (يو 18: 20).

و - " أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ" (يو 5: 43) (راجع يو 3: 20، 36).

 

6- أيضًا في استخدام القديس يوحنا الأسلوب الأرامي استخدم أسلوب التوازي ومن أمثلة ذلك:

أ - " لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ" (يو 5: 19).

ب - " لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ" (يو 5: 21).

 

7- كذلك استخدم القديس يوحنا أسلوب المقابلات، مثل مقابلته بين النور والظلمة (يو 1: 5؛ 3: 19؛ 8: 12؛ 12: 35، 46)، والمقابلة بين الحياة والموت (يو 1: 4) والمقابلة بين الحق والباطل (يو 3: 20-21؛ 8: 44).

 

8- عمد القديس يوحنا إلى تكرار اللفظ ومشتقاته، لتسليط الضوء على كلمة معينة، ومن أمثلة ذلك:

أ - التركيز على كلمة "اللوغوس": "1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله" (يو 1: 1)... " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14).

ب - التركيز على كلمة "النور": "هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. 8لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ" (يو 1: 7-8).

جـ - التركيز على "الراعي الصالح": "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَه... أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ" (يو 10: 11 - 14).

د - التركيز على كلمة "السجود": "سَجَدُوا... يُسْجَدَ فِيهِ... تَسْجُدُونَ (2)... فَنَسْجُدُ... السَّاجِدُونَ... يَسْجُدُونَ" (يو 4: 20 - 24).

هـ - التركيز على كلمة "الشهادة": "أَشْهَدُ... فَشَهَادَتِي... يَشْهَدُ... شَهَادَتَه... يَشْهَدُهَا... فَشَهِد... شَهَادَةً (2)... تَشْهَدُ... يَشْهَدُ لِي..." (يو5: 31 - 39).

و - تكرار كلمة "خبز" (14 مرة) (إشارة إلى جسد المسيح) (يو 6: 31 - 59).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

9- استخدم القديس يوحنا الكلمة الأخيرة من الجملة ليبدأ بها الجملة التالية، وهو أسلوب أرامي، ومثال على ذلك:

أ - " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ. وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله" (يو 1: 1).

ب - " فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ. وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ" (يو 1: 4).

جـ - " وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ. وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يو 1: 5).

 

10- نستطيع أن نقول أن القديس يوحنا استخدم أسلوبًا فريدًا في كتابة إنجيله، جمع بين:

أ - الأسلوب اللاهوتي السامي: وخير شاهد على هذا مقدمة إنجيله الخالدة، ترنيمة الأزل (يو 1: 1 - 18).

ب - الأسلوب البسيط العميق: جمع إنجيل يوحنا بين بساطة التعبير وعمق التفكير، فيستطيع الإنسان البسيط أن يفهمه وينهل منه، وكذلك العلماء الأتقياء والفلاسفة الأنقياء، وعلى الدارسين أن يتلمسوا المعونة الإلهيَّة في إدراك عمق المعاني، ولسان حالهم يقول: "يَا سَيِّدُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ" (يو 12: 21)، فكل إصحاح بمثابة صالة فخمة تحوي لوحات رائعة الجمال عن شخصية السيد المسيح محور الإنجيل، اللوغوس، العريس، المصلوب، الماء الحي، خبز الحياة، باب الخراف، الراعي الصالح، القيامة والحياة... إلخ.

جـ - أسلوب السباعيات: استخدم القديس يوحنا أسلوب السباعيات، فمن الملاحظ أنه تخيَّر سبع معجزات أجراها السيد المسيح حتى صلبه وقيامته، كما ذكر سبع شهادات للسيد المسيح (راجع س635)، وهناك سبع إعلانات للسيد المسيح عن نفسه، وهيَ:

(1) " أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ" (يو 6: 35).

(2) " أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ" (يو 8: 12).

(3) " أَنَا هُوَ الْبَابُ" (يو 10: 9).

(4) " أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ" (يو 10: 11).

(5) " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ" (يو 11: 25).

(6) " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يو 14: 6).

(7) " أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ" (يو 15: 1).

 أيضا ذكر يوحنا الرسول سبع محاولات لقتل السيد المسيح، وهي:

(1) بسبب شفائه لمريض بيت حسدا يوم السبت وأمره بحمل فراشه، ومعادلة نفسه باللَّه (يو 5: 16 - 18).

(2) بسبب تعاليمه (يو 7: 19 - 30).

(3) بسبب إعلانه عن أزليته: "قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ. فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ" (يو 8: 58-59).

(4) بسبب إعلانه عن لاهوته: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ. فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ" (يو 10: 30-31).

(5) بسبب اتهامه بالتجديف فطلبوا أن يمسكوه فخرج من أيديهم (يو 10: 33 - 39).

(6) بعد إقامة لعازر: "فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ" (يو 11: 53).

(7) في الساعة المحددة سلَّم يسوع نفسه لليهود فقادوه للصلب (يو 18: 1 - 9).

 ويقول "دكتور غالي" أن الإصحاح السابع عشر (الصلاة الوداعية) بحسب النص اليوناني واضح جدًا أسلوب السباعيات بصورة جلية، بدليل:

(1) مجموع الكلمات في (يو 17: 1 - 26) 497 كلمة أي 7 × 71.

(2) الظروف المستخدمة في الإصحاح 70 أي 7 × 10.

(3) الأفعال المستخدمة في الإصحاح 98 أي 7 × 14.

(4) كلمات الربط المستخدمة في الإصحاح 7.

(5) الجمل التي نطق بها السيد المسيح في الإصحاح 49 جملة أي 7 × 7.

(6) قال السيد المسيح "أنا" وتصريفاتها 49 مرة أي 7 × 7.

(7) أشار السيد المسيح للناس 91 مرة أي 7 × 13.

(8) الأسماء التي استخدمت في النص 77 اسم أي 7 × 11.

(9) فعل "أرسل" المستخدم في الإصحاح 7 مرات.

(10) لفظة "أيها الرب" أو "الإله" وردت في النص 7 مرات [ راجع موقع هوليبايبل - السباعيات في صلاة يسوع في إنجيل يوحنا توكد وحيه (يو 17: 1 - 26) ].

د - الأسلوب الروائي: في إنجيل يوحنا يظهر كل إصحاح كأنه دراما كاملة، في الإصحاح الخامس مثلًا تجد محاولة قتل يسوع: "وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ... يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ" (يو 5: 16، 18)، وفي الإصحاح العاشر تجد الدراما مستمرة: "فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ... فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَمَضَى" (يو10: 31، 39-40) وهكذا يأخذك الإنجيل من دراما إلى دراما تكتمل ذروتها بالصلب والموت والدفن والقيامة.

هـ - الأسلوب التأملي: فمثلًا تجد الحديث عن الحياة مع الله وفي الله: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي وَأَنْتُمْ فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 14: 20)... " لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّها الآبُ فِيَّ وَأَنا فِيكَ لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا" (يو 17: 21).

و - الأسلوب التعليمي: نلتقي في إنجيل يوحنا بتعاليم السيد المسيح الرفيعة الراقية المستوى التي تفوق الفهم الشعبي، فلا مجال للأمثال المستمدة من واقع الحياة المادية. وأيضًا نلتقي بالأسلوب الرمزي، فتارة يشبه السيد المسيح نفسه بأنه باب الخراف وتارة بالراعي الصالح وثالثة بالكرمة الحقيقية... إلخ.

ز- الأسلوب الحواري: مثلما جرى الحوار مع يوحنا المعمدان (يو 1: 19 - 34؛ 3: 22- 36)، وأندراوس وبطرس (يو 1: 40- 42)، وفيلبس ونثنائيل (يو 1: 43- 51)، ونيقوديموس (يو 3)، والمرأة السامرية (يو 4)، وعلماء اليهود في أورشليم (يو 5: 17 - 47؛ 7: 14؛ 8: 59؛ 10: 1 - 42)، ويهود الجليل (يو 6: 22 - 66)، وبطرس والتلاميذ (يو 6: 67 - 71)، وأخوة يسوع (يو 7: 1 - 9)، ومع المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل (يو 8: 1 - 11)... إلخ.

ح - الأسلوب الجدلي: فنجد في إنجيل يوحنا الإجابات الشافية الكافية والردود المقنعة على ما أثير من أفكار مشوشة من بدع الأبيونية، والغنوسية، والألوجينية، والمانوية، والكيرينثية، وجماعة المعمدانيين، بل وعلى البدع التي ظهرت فيما بعد مثل السابلية والأريوسية، والنسطورية...

حقًا أن يوحنا الإنجيلي، قلم كاتب ماهر، فعل ثلاثة أمور رائعة:

أولًا: أخبر الناس بما هو مزمع أن يخبرهم به (يو 1: 18).

ثانيًا: أخبر الناس بما يريد أن يخبرهم به (يو 1: 19 - 10: 29).

ثالثًا: أخبر الناس بما أخبرهم به لتكون لهم حياة أبدية (يو 20: 30-31).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(4) أورده القمص عبد المسيح بسيط - هل كتب القديس يوحنا الإنجيل الرابع، ص16، 17.

(5) المدخل إلى الكتاب المقدَّس، ص261.

(6) صوفية المسيحية 1- الإنجيل بحسب يوحنا، ص162.

(7) الأحجار تتكلم، ص60.

(8) الكنيسة في عصر الرسل، ص287.

(9) تاريخ الأقباط جـ 1، ص75.

(10) تفسير إنجيل يوحنا، ص379.

(11) إنجيل يوحنا في الميزان، ص117.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/632.html

تقصير الرابط:
tak.la/t7aw3sx