St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

589- ما الفرق بين إرسالية الاثني عشر (لو 9: 1-6)، وإرسالية السبعين (لو 10: 1-24)، ولماذا سبعين رسولًا بالذات (لو 10: 1)؟ وهل عدد الرسل (70) مثل الترجمة البيروتية وترجمة كينج جيمس (KJV)، وغيرهما، أم (72) مثل الترجمة اليسوعية، والنسخة الدولية الجديدة (NIV) والنسخة الإنجليزية القياسية (ESV) وغيرهم؟ وكيف يرسل السيد المسيح رسله كحملان وسط ذئاب (لو 10: 3) فهل هو في غنى عنهم؟ وهل تحية السلام أمر معنوي أم أنها أمر مادي يذهب ويرجع (لو 10: 6)؟

 

س589: ما الفرق بين إرسالية الاثني عشر (لو 9: 1-6)، وإرسالية السبعين (لو 10: 1-24)، ولماذا سبعين رسولًا بالذات (لو 10: 1)؟ وهل عدد الرسل (70) مثل الترجمة البيروتية وترجمة كينج جيمس (KJV)، وغيرهما، أم (72) مثل الترجمة اليسوعية، والنسخة الدولية الجديدة (NIV) والنسخة الإنجليزية القياسية (ESV) وغيرهم؟ وكيف يرسل السيد المسيح رسله كحملان وسط ذئاب (لو 10: 3) فهل هو في غنى عنهم؟ وهل تحية السلام أمر معنوي أم أنها أمر مادي يذهب ويرجع (لو 10: 6)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- ما الفرق بين إرسالية الاثني عشر (لو 9: 1-6)، وإرسالية السبعين (لو 10: 1-24)..؟

أ– جاء ذكر إرسالية الاثني عشر في الأناجيل الأزائية الثلاثة (مت 10، مر 6: 7-13، لو 9: 1-6) أما إرسالية السبعين فقد إنفرد بذكرها القديس لوقا فقط: "وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا وَأَرْسَلَهُمُ..." (لو 10: 1-24). وقوله " آخَرِينَ" أي غير الاثني عشر. إذًا ليس هناك موضع لآراء بعض النُقَّاد أنه لم تكن سوى إرسالية واحدة فقط، لأن القديس لوقا ذكر كل من الإرساليتين في أصحاحين متتاليين.

ب- هؤلاء السبعين رسولًا لم يتركوا كل شيء ويتبعوا المسيح تبعية كاملة كما فعل الاثني عشر، ولكنهم كانوا يستمعون إلى تعاليمه معظم الوقت ويشاهدون معجزاته، فهم من: "الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ" (أع 1: 21)، وكانوا من جملة المائة والعشرين الذين اجتمعوا في العلية ينتظرون موعد الآب (أع 1: 15).

جـ- اختيار التلاميذ كان اختيارًا دائمًا، انفصلوا عن الكل وعاشوا مع المسيح. أما السبعين فكان اختيارهم مؤقتًا ولذلك فهم لم ينفصلوا عن أسرهم ومجتمعاتهم ولم يتركوا كل شيء ويتبعون المسيح تبعية كاملة، ولم ترد أسمائهم في أي من الأناجيل، بينما وردت أسماء الاثني عشر في الأناجيل الثلاثة الإزائية وكذلك سفر الأعمال. وصاروا في مجملهم يمثلون الكنيسة الأولى، وعندما سقط يهوذا الإسخريوطي اختاروا بدلًا منه متياس الرسول. أما السبعين فقد سجل هيبوليتس أسمائهم، كما جاء ذكر بعضهم في التاريخ الكنسي.

د– أرسل السيد المسيح الاثني عشر إلى خراف بيت إسرائيل الضالة وقد أوصاهم: "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا" (مت 10: 5). أما السبعين فأرسلهم للجميع، يهود وأمم، في منطقة "بيريه" وكلمة "بيرا" أي "عبر" فالمقصود عبر الأردن، أي المنطقة التي تقع شرق الأردن، والتي سكن فيها قديمًا سبطي راوبين وجاد ونصف سبط منسى، وقد أرسل السيد المسيح السبعين خلال رحلته الأخيرة إلى أورشليم والتي استغرقت نحو ستة أشهر.

لماذا سبعين رسولًا بالذات (لو 10: 1)..؟ لأن عدد سبعين عدد مميز في الكتاب المقدَّس، فبعد الطوفان تناسل أبناء نوح وتفرقوا في الأرض، وكان عددهم سبعين عائلة، أربعة عشر من نسل يافث، وثلاثين من نسل حام، وستة وعشرين من نسل سام (راجع تك 10، 11)، وعندما خرج بنو إسرائيل من أرض مصر وجاءوا إلى إيليم وجدوا هناك اثنتا عشرة عينًا تنبع وتفيض وسبعين نخلة (خر 15: 27) والاثني عشر عينًا رمزًا للتلاميذ الاثني عشر، والسبعون نخلة رمزًا للرسل السبعين. ويقول "القديس كيرلس الكبير": "فإننا نجد اثنتي عشر عين ماء (خر 15: 27) أي الرسل القديسين، وسبعون نخلة أي هؤلاء الذي عيَّنهم المسيح. فحسن جدًا أن يُشبَّه التلاميذ بالينابيع، والسبعين الذين أقامهم بعد ذلك بشجر النخل. فكما أننا نحصل من تلاميذ المسيح على معرفة كل صلاح كما من ينابيع مقدَّسة، فإننا نكرم السبعين أيضًا وندعوهم بالنخيل، لأن هذه الشجرة قوية، وذات جذر ثابت، ومثمرة جدًا وهي تنمو دائمًا بجوار المياه، ونحن هنا نؤكد أنه هكذا ينبغي أن يكون القديسون ذوي ذهن نقي، ثابتين، مثمرين، ويبهجون أنفسهم باستمرار بمياه المعرفة" (247).

وأيضًا قال الرب لموسى أن يجمع سبعين رجلًا من شيوخ الشعب ويأتي بهم إلى خيمة الاجتماع ففعل موسى هكذا " فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي سَحَابَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى السَّبْعِينَ رَجُلًا الشُّيُوخَ" (عد 11: 25) ومن هنا كوَّن اليهود مجمع السنهدريم من سبعين عضوًا من شيوخ اليهود، مع رئيس الكهنة الذي هو رمز لموسى النبي. وقد أمضى بنو إسرائيل في أرض السبي في بابل سبعين سنة.

St-Takla.org Image: Icon of the twelve disciples (apostles) caring for and establishing the first Christian church. صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة التلاميذ الاثني عشر (الرسل) يعتنون بالكنيسة الأولى، ويقومون بتأسيسها.

St-Takla.org Image: Icon of the twelve disciples (apostles) caring for and establishing the first Christian church.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة التلاميذ الاثني عشر (الرسل) يعتنون بالكنيسة الأولى، ويقومون بتأسيسها.

وقد يتساءل البعض: ما الداعي لهذه الإرسالية الضخمة التي تضم سبعين رسولًا..؟ ذلك لأن يسوع كان يجول يصنع خيرًا، فكان ينتقل من قرية إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى ببطء، فأينما حلَّ يجد الشعب كخراف لا راعٍ لها، فيتشبثون به، وهم في احتياج شديد له، لهذا كان يوجد احتياج ليمهد الأماكن المزمع أن يأتي إليها، حتى تتهيأ القلوب للقائه، ولا سيما أن هذه هيَ الفرصة الأخيرة لأنه مزمع أن يصل إلى أورشليم مدينة موته وقيامته... لقد سبق وخدم في المناطق الشمالية في الجليل، كما أرسل تلاميذه الاثني عشر وكرزوا فيها. أما هذه الإرسالية فهيَ تحتاج لهذا العدد لتغطي ساحات أكبر من اليهود والأمم في المنطقة الجنوبية من الجليل ومنطق شرق الأردن. وكلمة "عَيَّنَ" الرب، في الأصل اليوناني تعني رُفع إلى أعلى، وكأن هؤلاء السبعين رسولًا مصابيح مُضيئة وضعها مُخلصنا الصالح على المنارة ليُضيئوا للجميع، يهود وأمم. وقد أرسلهم اثنين اثنين حتى إذا تكلم أحدهما سانده الآخر بصلواته، وإذا تهاون أحدهما أيقظه الآخر من تهاونه، وإذا تعثر أحدهما وسقط يُقيمه الآخر، هكذا أرسل اللَّه موسى وهرون ليخرجا الشعب من أرض مصر، وتجسَّس يشوع بن نون وكالب بن يفنه أرض الموعد وشجعا الشعب على امتلاكها، وخدم إيليا وأليشع في المملكة الشمالية، وانطلق بولس وسيلا، وأيضًا برنابا ومرقس للكرازة وهلم جرا...

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

 

2- هل عدد الرسل (70) مثل الترجمة البيروتية وترجمة كينج جيمس (KJV)، وغيرهما، أم (72) مثل الترجمة اليسوعية، والنسخة الدولية الجديدة (NIV) والنسخة الإنجليزية القياسية (ESV) وغيرهم..؟ جاء في ترجمة كينج جيمس (70) رسولًا:

After these things the Lord appointed other seventy also... And the seventy returned again with joy (Luke 10: 1, 17).

وجاء في النسخة الدولية الجديدة (NIV) وأيضًا في النسخة الإنجليزية القياسية (ESV) (72) رسولًا:

After this the Lord appointed seventy - two others and sent them... The seventy - two returned with joy (Luke 10: 1, 17).

وهناك أدلة تؤيد كل قراءة، ومما يؤيد أن القراءة الأصلية (70) رسولًا:

أ– جاءت في معظم المخطوطات القديمة سبعين رسولًا مثل النسخة السينائية التي يرجع تاريخها للقرن الرابع الميلادي، والنسخة السكندرية والأفرامية اللتان ترجعان للقرن الخامس الميلادي، والمخطوطة P45 التي يرجع تاريخها للقرن الأول الميلادي، وفي العديد من المخطوطات القديمة مثل مخطوطة واشنطن.

ب- جاءت في اقتباسات الآباء الأوائل (70) مثل القديس إيرنيؤس في القرن الثاني الميلادي، والقديس أكليمنضس السكندري، والعلامة أوريجانوس، والعلامة ترتليان، وفي القرن الثالث ذكر هيبوليتس أسماء السبعين رسولًا، وفي القرن الرابع القديس جيروم، والقديس أمبروسيوس.

جـ- جاءت (70) رسولًا في بعض الترجمات القديمة مثل الترجمة اللاتينية، والسريانية البشيتا، والترجمة القبطية البحيرية.

د– من جهة الرمز عندما جاء بنو إسرائيل إلى إيليم وجدوا: "وَهُنَاكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً" (خر 15: 27).

هـ- جاءت (70) رسولًا في النسخة المنقحة سنة 1885م، والنسخة القياسية الأمريكية (ASV) سنة 1901م، وغيرهما الكثير.

ومما يؤيد القراءة (72) رسولًا:

أ– جاءت في بعض المخطوطات القديمة (72) رسولًا مثل الفاتيكانية.

ب- جاءت في بعض الترجمات (72) مثل الترجمة القبطية الصعيدي.

جـ- ذكر بعض الآباء العدد (72) رسولًا مثل القديس أُغسطينوس والقديس يوحنا ذهبي الفم.

د– من جهة الرمز فإنه بالإضافة إلى الشيوخ السبعين الذين تجمعوا أمام خيمة الاجتماع وتنبأوا، كان هناك أيضًا الداد وميداد اللذان تنبأ أيضًا (عد 11: 26) فيصبح العدد اثنين وسبعين. كما أن الشيوخ الذين رحلوا من أورشليم إلى الإسكندرية ليترجموا التوراة كان عددهم 72 شيخًا ويُقال أنه مات منهم اثنين وهم في طريقهم من أورشليم للإسكندرية.

هـ- دعَّمت هذه القراءة (72) رسول "نستلة - آلاند" (NA) فنص ويستكوت وهورت اليوناني (Westcott and Hart) ذكر العدد (72) وكذلك جاءت في الكتاب المقدَّس الدراسي (BSB). والنتيجة النهائية أن معظم النسخ التقليدية، وأيضًا النقدية جاء فيها العدد (70)، وجاء في هامش الترجمة البيروتية: قرئت اثنين وسبعين (راجع د. غالي - موقع هوليبايبل - سبعين أم اثنين وسبعين تلميذًا؟). وصدر قرار من المجمع المقدَّس في 17 يونيو سنة 2000م بتعديل عدد الرسل في الذكصولوجية الخاصة بالرسل من (72) إلى (70) رسولًا " اطلبوا من الرب عنا. يا سادتي الآباء الرسل. والاثنان والسبعون (عُدّلت إلى والسبعون) تلميذًا. ليغفر لنا خطايانا". لكن لم يجرؤ أحد أن يغير مخطوطات الترجمة القبطية الصعيدي، فالعدد ما زال (72) رسولًا.

 

3- كيف يُرسِل السيد المسيح رسله كحملان وسط ذئاب (لو 10: 3) فهل هو في غنى عنهم..؟ سبق الإجابة على هذا التساؤل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد جـ 4 س323. ونضيف هنا قول "القديس كيرلس الكبير" حيث يقول: "لماذا يوصي الرسل القديسين الحملان الأبرياء، بأن يعملوا مع الذئاب، ويذهبوا إليهم بمحض إرادتهم؟ أما من خطر يدهمهم؟ أما تنقض عليهم الذئاب؟ هل بمقدور الحمل أن يدفع عنه ذئبًا؟ كيف يقدر المسالم أن ينتصر على وحش مفترس؟ يقول لا بأس عليهم، لأني سأكون لهم راعيًا، لصغيرهم وكبيرهم، لعامة الناس، للرؤساء، للمعلمين وللطلاب، سأكون معكم وسأساعدكم وسأخلصكم من كل شر. سأروض الحيوانات الضارية، سأحول الذئاب إلى حملان، وسأجعل المُضطهِدين مساعدين للمُضطَهدين، والمسيئين شركاء في أعمال البر والتقوى. إني أصنع كل شيء جديدًا" (تفسير القديس لوقا 61 إحياء لذكرى الرسل)" (248).

ويقول "القديس أُغسطينوس": "إن الذئاب حينما إلتهمت الحملان تحوَّلت الذئاب إلى حملان" (249).

وإن كانت الذئاب حيوانات شرسة نهمة ذات حاسة شم قوية تلتهم الحملان، فإن الذئاب البشرية عندما تلتهم حملان يسوع، فالأمر العجيب أن طبيعتها تتحوَّل إلى طبيعة الحملان، ومثال عملي على أحد هذه الذئاب التي تحوَّلت إلى حمل وديع "أريانوس" والي أنصنا الذي عُرِف بالقسوة في تعذيب المسيحيين، ولكن حياته انتهت بأنه آمن بالمسيح وصار شاهدًا وشهيدًا على اسم المسيح. وذئاب الشيوعية في روسيا والكتلة الشرقية التي وصلت إلى قمة اللاإنسانية والهمجية، وبلغ ضحاياها بالملايين، حتى قيل أن شهداء الشيوعية يتساوى عددهم مع شهداء المسيحية خلال التسعة عشر قرنًا السابقة، وأخيرًا انتهت الشيوعية وعاد الإيمان بالمسيح إلى ربوع الدول (راجع كتابنا: رحلة إلى قلب الإلحاد جـ 1، جـ 2).

ومن جانب آخر منح السيد المسيح رسله قوة عظيمة يعجز العالم كله أن يمنحهم إياها، وهيَ قوة صنع المعجزات، كدليل صادق على صحة إيمانهم وشهادتهم، فيقول "القديس كيرلس الكبير": "وحتى لا يشك الناس في الذين أرسلهم المسيح، فإنه أعطاهم السلطان على الأرواح النجسة والقدرة على عمل الآيات، لأنه إذا ما تبعت المعجزة الإلهيَّة الكلمة، فلن يكون لا للمشتكي أو لليهودي الكاذب أن يجد فرصة ضدهم لأنهم سيُوبَّخون بسبب اتهامهم لهم بلا سبب، بل بالحري لأنهم قصدوا أن يحاربوا اللَّه. إن عمل المعجزات ليس في استطاعة أي إنسان، إلاَّ إذا أعطاه اللَّه القوة والسلطان لهذا الغرض. أن نعمة الروح شهدت لهؤلاء الذين أرسلهم المسيح أنهم لم يكونوا أشخاصًا ركضوا من أنفسهم، أو دعوا أنفسهم للكلام عن المسيح، بل على العكس، إنما هم قد أقيموا ليكونوا خدامًا لرسالته. أن السلطان الذي حمله التلاميذ لينتهروا الأرواح الشريرة، والقوة لسحق الشيطان، لم تُعطَ لهم لكي ينظر الناس إليهم بإعجاب، بل لكي يتمجد المسيح بواسطتهم، ولكي يؤمن أولئك الذين يعلّمونهم... أما التلاميذ الذين حُسبوا مستحقين لهذه النعمة العظيمة، فالكتاب يقول أنهم "رجعوا بفرح عظيم قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا بِاسمك". أنهم اعترفوا بسلطان المسيح الذي شرفهم به، وتعجبوا من قوته الفائقة والعظيمة" (250).

 

4- هل تحية السلام أمر معنوي أم أنها أمر مادي يذهب ويرجع (لو 10: 6)؟... قال السيد المسيح لتلاميذه: "وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ السَّلاَمِ يَحُلُّ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ وَإِّلاَّ فَيَرْجعُ إِلَيْكُم" (لو 10: 5، 6) وكملاحظة مبدئية أن وصية السيد المسيح لتلاميذه هنا بإلقاء السلام لا تتعارض مع قوله: "وَلاَ تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ" (لو 10: 4) لأن المقصود بقوله هذا عدم الانشغال وعدم الارتباك وعدم الاستغراق في المجاملات، فهيَ ليست دعوة للانعزالية، ولا حض على النفور من الآخرين، ولا إزدراء بالعلاقات الإنسانية ومشاعر الغير، فيقول "القديس أمبروسيوس": "السلام عادة جميلة، ولكن إتمام الأعمال الإلهيَّة أجمل، وهيَ تستلزم السرعة" (251). فالسيد المسيح الذي حذر تلاميذه من معطلات الخدمة والكلام المستهلك وضياع الوقت باطلًا، هو هو الذي أوصاهم أن يهبوا الناس سلامه الذي يفوق كل عقل كعطية حقيقية لمن يستحقها. فتحية السلام في المسيحية ليست كلامًا مهرقًا في الهواء، إنما هيَ عطية إلهيَّة تسلَّمها الرسل الأطهار من الرب يسوع كوديعة، وأودعوها لمن يستحقونها. نعم تحية السلام في المسيحية ليست أمرًا معنويًا، وليست مجرد كلام شكلي، إنما هيَ بركة يقينية تنبع من المسيح ذاته وتصل لمن يستحقها (راجع مدارس النقد - عهد جديد جـ 4 س 322).

ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "العبارة "ابْنُ السَّلاَمِ" عبرية في مبناها يُراد بها الشخص الذي يُحسب أهلًا لسلامهم فيقبله، وإلاَّ فسلامهم يرجع إليهم لأنه يحمل معه مكافأة نفسية، فهو ليس كالماء المهراق الذي يذهب ضياعًا، لكنه كالحمامة الوديعة تعود وفي فمها غصن الزيتون. أن من قَبِل سلام هؤلاء الرسل فقد صار له سلامًا وبركة، ومن رفضه فقد حرم نفسه من هذه البركة وردها إلى الرسل" (252). أما المدينة التي ترفض رسل المسيح ستكون حالتها أشنع من حالة سدوم التي احترقت بنار وكبريت (لو 10: 12).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(247) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص294.

(248) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد جـ 3 - الإنجيل كما دوَّنه لوقا، ص278، 280.

(249) أورده القس أنجيلوس جرجس - يوميات مع كلمة الحياة - إنجيل لوقا، ص218.

(250) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص310.

(251) أورده القس أنجيلوس جرجس - يوميات مع كلمة الحياة - إنجيل لوقا، ص220.

(252) شرح بشارة لوقا، ص265، 266.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/589.html

تقصير الرابط:
tak.la/p3g6fyx