St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

538- متى كتب القديس لوقا إنجيله؟ وأين كتبه؟ وما هيَ المصادر التي اعتمد عليها في كتابة إنجيله؟

 

س538: متى كتب القديس لوقا إنجيله؟ وأين كتبه؟ وما هيَ المصادر التي اعتمد عليها في كتابة إنجيله؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- زمن كتابة إنجيل لوقا: هذا الزمن غير مُحدد على وجه الدقة، فيرى القديس إيرينيؤس في القرن الثاني الميلادي أن القديس لوقا قد كتب إنجيل قبل استشهاد بولس الرسول سنة 67م، بينما يرى القديس جيروم اعتمادًا على يوسابيوس القيصري أنه كتب إنجيله بعد استشهاد بولس الرسول. وهناك من اعتقد بأن القديس لوقا كتب إنجيله وسفر الأعمال في نهاية القرن الأول الميلادي، معتمدين على أدلة مردود عليها:

أ- ذكر القديس لوقا في سفر الأعمال ثورة ثوداس ومعه أربعمائة رجل، هذه الثورة التي ذكرها المؤرخ اليهودي يوسيفوس في نهاية القرن الأول الميلادي، معتقدين أن القديس لوقا اقتبس من يوسابيوس، ولكن هذا الرأي مردود عليه، فكون أن اثنين من المؤرخين يذكران نفس الحدث، هذا لا يعني بالضرورة أن أحدهما اقتبس من الآخر، ولكن يعني أن ذلك الحدث كان معروفًا لدى الخاصة والعامة وكل من المؤرخين كان على دراية بالحدث.

ب– ذكر كل من القديس لوقا ويوسيفوس خراب أورشليم، وهناك تقارب بين ما ذكره هذا وذاك، والحقيقة أن أحدهما لم يقتبس من الآخر، إنما الحقيقة أن القديس لوقا ذكر النبوءة التي نطق بها السيد المسيح العالِم بكل شيء، والمستقبل بالنسبة له مثل الماضي والحاضر، فجاءت النبوءة دقيقة، وجاء وصف يوسيفوس الصادق متقارب جدًا مع ما ذكره القديس لوقا في إنجيله. فقد ذكر لوقا النبوءة وذكر يوسيفوس تحقُّق هذه النبوءة. ويقول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": "وصراحة لوقا في نبوءة المسيح عن خراب أورشليم وهيكلها، وانتقال الدين السماوي وملكوت اللَّه من إسرائيل إلى "الأمميين" المؤمنين، بواسطة الدعوة الإنجيلية، تظهر وصفه قريبًا من وصف يوسيفوس المؤرخ اليهودي. لقد جمعهم الواقع نبوءة وتاريخًا، ولم يجمعهم الاقتباس، فالخلافات بين لوقا ويوسيفوس أكثر من اللقاءات، والتلاقي على الواقع بين النبوءة والتاريخ، ليس دليلًا على تأخر تدوين الإنجيل عن عهد الرسل، بل دليلًا على صحة النبوءة وتاريخها" (21).

جـ- أيضًا اعتمد البعض في قوله بأن القديس لوقا كتب في نهاية القرن الأول الميلادي، التشابه والتقارب بين إنجيلي لوقا ويوحنا. وقد أحصى "هوك" نحو أربعين تشابهًا بين إنجيلي لوقا ويوحنا، منها (24) تشابه في قصة الصلب والموت والقيامة. والحقيقة أن سبب هذه التشابهات أن أصل القصة واحد، وإن كان هناك تشابهات فإن هناك تباينات، ويقول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": "ذلك لا يعني أن الإنجيل بحسب لوقا هو زمن الإنجيل بحسب يوحنا... فشتان ما بين الإنجيليين، ولوقا من "الأناجيل المؤتلفة" دعوة وأسلوبًا، لا من مدرسة يوحنا الرسول، وهو أقرب من تفكيره وتعبيره إلى بولس منه إلى يوحنا الرسول. فتلك الموافقات بين لوقا ويوحنا دليل وحدة المصادر الرسولية، لا دليل وحدة التأليف والزمان، وهيَ شهادة قيّمة على صحة مصادر لوقا، وعلى شمولها، وعلى صحة تاريخيتها، فقد بلغت خصوصيات بولس ويوحنا، فكان لوقا صلة الوصل بين دعوة الرسل المتمثلة في متى ومرقس، وبين بولس، ثم يوحنا الرسول"(22).

ومن السهل يا صديقي أن نصل للحقائق الآتية:

أ- أن القديس لوقا كتب إنجيله قبل خراب أورشليم سنة 70م لأنه لم يذكر شيئًا عن دمار أورشليم والكارثة العظمى التي لحقت بها، ولكنه ذكر فقط نبوءات السيد المسيح عن خرابها (لو 21: 20 - 24)، فلو كتب إنجيله بعد سنة 70م لأشار لتحقُّق نبوءة السيد المسيح. وقال البعض أن لوقا ألمح إلى سقوط أورشليم بصورة غير مباشرة عندما قال: "وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ" (لو 21: 24). ولكن هذا غير صحيح لأن القديس لوقا اعتاد أن يغفل التلميحات، فلماذا غير أسلوبه هنا واتجه للتلميحات؟ ثم أنه ذكر هذا القول على فم السيد المسيح على أنه نبوءة، وليست حدثًا وقع في الماضي، وأيضًا هذه النبوءة تتوافق مع ما جاء قديمًا في سفر التثنية منذ نحو ألف وخمسمائة عام قبل الكارثة التي حلت بأورشليم سنة 70م: "وَيُبَدِّدُكَ الرَّبُّ فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا" (تث 28: 64).

ب- كتب القديس لوقا إنجيله قبل سفر الأعمال، لذلك أشار في سفر الأعمال إلى إنجيله قائلًا: "اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنشَأتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ عَنْ جَمِيعِ مَا ابتَدَأَ يَسُوعُ يَفعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ إِلَى الْيَوْمِ.." (أع 1: 1 - 3). وبما أنه من الثابت أن القديس لوقا كتب سفر الأعمال قبل سنة 67 م. بدليل أنه لم يذكر استشهاد بولس الرسول، بينما ذكر لقاء بولس الرسول بقسوس كنيسة أفسس في ميليتس، وقوله لهم أنهم لن يروا وجهه ثانية (أع 20: 25، 38). فلو كتب سفر الأعمال بعد استشهاد بولس الرسول سنة 67م، لذكر هذا الاستشهاد الذي تحققت به نبوءة بولس مع قسوس أفسس، ولكنه ذكر النبوءة دون أن يذكر تحقُّقها. والخلاصة أنه من الثابت كتابة سفر الأعمال خلال الفترة من 64 – 66م، وبذلك نستطيع أن نقول أنه كتب إنجيله خلال الفترة من 59 - 66م... غالبًا بدأ كتابة إنجيله خلال فترة سجن بولس الرسول في قيصرية لمدة سنتين (57 - 59م) عقب الرحلة التبشيرية الثانية (أع 24: 27). وقد لازمه القديس لوقا ملتصقًا بكنيسة أورشليم حيث توافرت لديه الفرصة كاملة للرجوع للمصادر التي استعان بها.

جـ- كتب القديس لوقا بعد أن كتب القديس مرقس إنجيله خلال الفترة من 63-67م، بدليل أن القديس لوقا اقتبس 350 آية من إجمالي 660 آية حواها إنجيل مرقس، كما كان تحت يديه إنجيل متى، وهذا يرجح الفترة التي كتب فيها لوقا إنجيله من 59-66م.

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

St-Takla.org Image: Saint Luke the Evangelist - Saint George Coptic Orthodox Church, Sporting, Alexandria, Egypt (image 9) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 12 October 2011 & 26 December 2013. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس لوقا الإنجيلي - من صور كنيسة مارجرجس، سبورتنج، الإسكندرية، مصر (صورة 9) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 12 ديسمبر 2012 م.، و26 سبتمبر 2013 م.

St-Takla.org Image: Saint Luke the Evangelist - Saint George Coptic Orthodox Church, Sporting, Alexandria, Egypt (image 9) - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, 12 October 2011 & 26 December 2013.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس لوقا الإنجيلي - من صور كنيسة مارجرجس، سبورتنج، الإسكندرية، مصر (صورة 9) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 12 ديسمبر 2012 م.، و26 سبتمبر 2013 م.

2- مكان كتابة إنجيل لوقا: رأى البعض مثل القديس جيروم والقديس غريغوريوس النازينزي أن القديس لوقا كتب إنجيله في أخائية، وقال البعض أنه كتبه في أنطاكية، وقال آخرون في روما أثناء سجن بولس الرسول الأول لمدة سنتين في بيت استأجره لنفسه، بينما يرى معظم الدارسين أن القديس لوقا كتب إنجيله في قيصرية أثناء سجن بولس الرسول لمدة سنتين (57-59م)، أو على الأقل بدأ كتابته في قيصرية وأكمله خلال تجواله مع بولس الرسول سواء في أخائية باليونان أو في روما خلال سجن بولس الرسول الأول (أع 28: 30).

 

3- المصادر التي اعتمد عليها القديس لوقا في كتابة إنجيله: قد توافرت للقديس لوقا مصادر عديدة موثوق بها، ومن هذه المصادر:

(1) الذين تشتَّتوا من جراء الضيق الذي حدث في أورشليم بعد رجم استفانوس، وجاءوا إلى أنطاكية، حيث موطن القديس لوقا، يكرزون بالكلمة: "أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ اسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ" (أع 11: 19).

(2) القديس برنابا وشاول الطرسوسي عندما كرزا في أنطاكية لمدة سنة كاملة وعلما جمعًا غفيرًا (أع 11: 26).

(3) بولس الرسول عندما صاحبه القديس لوقا في رحلته التبشيرية الثانية، وكان من ضمن فريق العمل الكرازي مع بولس الرسول الذي تركه في فيلبي يخدم لمدة سبع سنوات، وعاد فاصطحبه معه، ودخل معه بيت فيلبس المُبشر في قيصرية، وكان أحد السبعة الذين أقامهم الرسل لخدمة الموائد في أورشليم وأقاموا عنده أيامًا كثيرة، وعنده التقوا بأغابوس الذي جاء من اليهودية (أع 21: 8-11) ولا بد أن القديس لوقا استمع لفيلبس وأغابوس وغيرهما من أهل قيصرية الذين عاصروا السيد المسيح.

(4) عندما وصل بولس الرسول ومعه القديس لوقا إلى أورشليم وتعرض للاعتداء من اليهود والقبض عليه وسجنه في قيصرية لمدة سنتين (أع 21: 17-24: 27) التصق القديس لوقا بكنيسة أورشليم خلال هاتين السنتين، وكان له شرف لقاء العذراء مريم، التي حكت له عن أمور ربما لا يعرفها غيرها، مثل بتوليتها والأحداث الخاصة بالبشارة، وزيارتها لأليصابات وزكريا، وولادة يوحنا وتسبحة زكريا، وميلاد المسيح في بيت لحم، وظهور الملائكة للرعاة، وختان الطفل يسوع، ودخولها الهيكل بعد ولادة يسوع بأربعين يومًا مع أسرتها المُباركة، ولقائها مع سمعان الشيخ، وتسبحة سمعان، وحديث حنة بنت فنوئيل عن الخلاص المنتظر... إلخ، واحتفاظ العذراء مريم بما سمعته من رئيس الملائكة جبرائيل ومن سمعان الشيخ في قلبها، وبقاء يسوع، وهو له من العمر اثني عشر عامًا، في الهيكل ثلاثة أيام، فالأصحاحين الأولين من إنجيل القديس لوقا مصدرهما بالأكثر السيدة العذراء مريم أم النور.

(5) أثناء إقامة القديس لوقا في أورشليم حتمًا إلتقى بأعمدة الكنيسة بطرس ويعقوب ويوحنا وسمع منهم الكثير والكثير.

(6) أيضًا أثناء إقامة القديس لوقا بأورشليم حتمًا استمع للذين عاصروا السيد المسيح وسمعوا تعاليمه بأذانهم وشاهدوا معجزاته بعيونهم، ورأوه مُعلقًا على الصليب على جبل الجلجثة، وكثيرون ظهر لهم بعد قيامته، وعاينوا صعوده، وحضروا حلول الروح القدس ونشأة الكنيسة.

(7) إلتقى القديس لوقا بالقديس مرقس الرسول في روما، ومن الثابت أنه كان تحت يد القديس لوقا إنجيلي مرقس ومتى كمصدرين موثوق بهما، فأخذ منهما الكثير... وهكذا تعددت مصادر القديس لوقا، وجميعها مصادر موثوق بها، وكانت الثمرة هيَ إنجيل القديس لوقا. وبلا شك أن استعانة الكاتب بالمصادر المتاحة لا يُنقِص من قدر الوحي الإلهي، فالروح القدس يترك للكاتب الحرية في اختيار كل ما هو صحيح، ويُعبّر عنه بلغته وأسلوبه، وهو يرافقه ويُنير ذهنه، ويعصمه من أي خطأ، ويساعده على انتقاء الألفاظ، دون أن يُلغي شخصيته.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(21) دراسات إنجيلية (2) تاريخ المسيحية في الإنجيل بحسب لوقا، ص45.

(22) المرجع السابق، ص46.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/538.html

تقصير الرابط:
tak.la/2gfgg4n