س539: ما هيَ الأدلة أن القديس لوقا كتب إنجيله لليونانيين؟ ومن هو أكثر من كتب في العهد الجديد؟ ولماذا يشار لإنجيل لوقا بالثور؟
ج: 1- الأدلة على أن القديس لوقا كتب إنجيله لليونانيين: كتب القديس لوقا إنجيله إلى شخصية يونانية، وهو صديقه اليوناني "العزيز ثاؤفيلس"، وتساءل البعض: هل إنجيل لوقا لا يعتبر إنجيلًا عامًا، إنما هو رسالة شخصية، لأنه مُوجَّه لشخص بعينه..؟ والحقيقة أن القديس لوقا وجه إنجيله إلى ثاوُفيلُس كنائب عن الأمم، فهو لم يكتب له عن أمور خاصة تخص أحدهما أو كليهما فقط، إنما كتب عن قصة الخلاص التي تخص كل إنسان. هكذا شاء القديس لوقا أن يُوجه إنجيله وسفر الأعمال كليهما لنفس الشخص، وهو يقصد الفائدة العامة، وهذا لا يُنقص من قدسية العمل ولا من قدر الوحي الإلهي الذي يترك الحرية للكاتب ليتخير أسلوبه ومفرداته في دائرة العصمة الإلهيَّة. ثم أن هناك رسائل كُتبت لأشخاص ونقبلها كأسفار مقدَّسة تخص الجميع، مثل رسالتي تيموثاوس ورسالة تيطس، ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة. أما عن الأدلة أن القديس لوقا وجَّه إنجيله لليونانيين فهيَ عديدة، نذكر منها الآتي:
(1) عندما ذكر سلسلة أنساب المسيح لم يتوقف عند إبراهيم أب الآباء، وإنما صعد بالنسب إلى آدم أب كل البشرية (لو 3: 23 - 38)، والسيد المسيح في إنجيل لوقا هو " ابْنَ الإِنْسَانِ"، وهو الإنجيلي الوحيد الذي ذكر إرسالية السبعين رسولًا للأمم (لو 10: 1 - 24).
(2) ركز القديس لوقا في إنجيله على معاملات اللَّه مع الأمم، ومن أمثلة ذلك:
أ– ذكر في تسبحة الملائكة " وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14) كل الناس يهود وأمم.
ب- ذكر في تسبحة سمعان الشيح: "نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ" (لو 2: 32).
جـ- في كرازة يوحنا ذكر: "وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللَّهِ" (لو 3: 6)، كما ذكر مجيء الجنود إلى يوحنا المعمدان (لو 3: 14) وهؤلاء الجنود قد يكونوا من جنود الهيكل اليهود أو من جنود الأمم.
د– ذكر إحسانات اللَّه للأمم في العهد القديم مثل اختيار أرملة صرفة صيدا لتعول إيليا النبي، وشفاء نعمان السرياني على يد أليشع النبي (لو 4: 25 - 27).
هـ- ذكر أن قائد المئة الأممي بنى مجمعًا لليهود (لو 7: 2 - 10).
و– ذكر دفاع السيد المسيح عن السامريين الذين رفضوه (لو 9: 51-56).
ز– ذكر مَثَل السامري الصالح (لو 10: 3-36).
ح– ذكر قول السيد المسيح: "وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ" (لو 13: 29).
ط– ذكر الأبرص السامري الذي عاد بعد شفائه يقدم الشكر للسيد المسيح (لو 17: 15).
ى– ذكر إيمان قائد المئة الأممي الذي مَجَّد اللَّه قائلًا: "بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا" (لو 23: 47).
ك– ذكر قول السيد المسيح: "وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ" (لو 24: 47).
(3) لم يذكر القديس لوقا بعض الكلمات الأرامية أو العبرية مثل "قربان ومسيا وهوشعنا وأفثا وبوانرجس... إلخ" التي جاء ذكرها في الأناجيل الأخرى.
(4) أوضح القديس لوقا معاني بعض الكلمات التي يستخدمها اليهود دون الأمم، فمثلًا:
أ– قال مرقس الرسول: "سِمْعَانَ الْقَانَوِيَّ" (مر 3: 18)، بينما قال القديس لوقا: "سِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ" (لو 6: 15).
ب- قال القديس لوقا عن المفلوج: "وَدَلَّوْهُ مَعَ الْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ الأَجُرِّ" (لو 5: 19) والأجر هو القراميد المعروف لدى اليونانيين، بينما لم يكن شائعًا في أرض فلسطين.
جـ- قال القديس لوقا: "وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ" (لو 22: 1).
د – قال متى الإنجيلي: "مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ" (مت 27: 33)، بينما قال القديس لوقا: "الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى جُمْجُمَةَ" (لو 23: 33).
(5) حدّد القديس لوقا مواقع المُدن الفلسطينية التي يجهلها اليونانيون، مثل:
أ– " مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ" (لو 1: 26).
ب– " كَفْرِنَاحُومَ مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ" (لو 4: 31).
جـ- " وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ" (لو 8: 26).
د– " الرَّامَةِ مَدِينَةٍ لِلْيَهُود" (لو 23: 51).
هـ- " قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً اسْمُهَا عِمْوَاسُ" (لو 24: 13).
(6) لم يذكر القديس لوقا العبارات التي لا يستريح لها اليونانيون، مثل:
أ– بينما قال متى الإنجيلي أن السيد المسيح أوصى تلاميذه: "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا" (مت 10: 5) لم يذكر القديس لوقا هذه الوصية.
ب– بينما ذكر القديس متى قول السيد المسيح للمرأة الكنعانية: "لَمْ أُرسَل إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة... لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب" (مت 15: 24-26) فإن القديس لوقا لم يذكر هذه ولا تلك.
جـ- بينما يقول متى الإنجيلي: "وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي" (مت 24: 9) قال لوقا الإنجيلي: "وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي" (لو 21: 17) فلم يذكر اسم " الأُمَمِ".
(7) لم يهتم القديس لوقا بأن يذكر الأمور التي تخص اليهود ولا تشغل الأمم، مثل الحديث عن تقليد الشيوخ (مت 15: 1-20، مر 7: 1-23)، والحديث عن الطلاق (مت 19: 3- 12، مر 10: 2-12).. إلخ.
وبسبب اهتمام القديس لوقا بالأمم دُعي إنجيله: "الإنجيل المسكوني" لأنه كُتب لليونانيين الذي يملأون المسكونة، كما دُعي "إنجيل المسيح المُخلّص" لأنه اهتم بخلاص كل أحد، وأيضًا دُعي "إنجيل الصداقة الإلهيَّة" لأنه قدم السيد المسيح كصديق للبشرية، فقدم السيد المسيح كشفاء للبشرية الساقطة، بعد أن فشلت الفلسفة اليونانية في إسعاد الإنسان وإصلاحه. ويقول "وليم ماكدونالد": "كان اليونانيون يطلبون كائنًا بشريًا إلهيًّا كاملًا، له أفضل ما يتحلى به الرجال والنساء من صفات، وخاليًا من سقطاتهم. هكذا كانت صورة المسيح كما يرسمها قلم لوقا، إذ أنه وهو ابن الإنسان كان قديرًا وفي الوقت عينه لطيفًا" (23).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
2- من هو أكثر من كتب في العهد الجديد؟: من جهة عدد الأسفار تجد بولس الرسول سجل أربعة عشر سفرًا من إجمالي سبعة وعشرين سفرًا، ومن جهة عدد الأصحاحات نجد أيضًا بولس الرسول كتب مائة أصحاح من إجمالي 260 أصحاحًا. أما من جهة الكم فيعتبر القديس لوقا هو أكثر من كتب في العهد الجديد، وإنجيله من جهة الكم، ومن جهة عدد آياته التي بلغت (1151) آية يعتبر هو أكبر الأناجيل من جهة الكم وليس من جهة عدد الأصحاحات، لأن إنجيل متى حوى (28) أصحاحًا بينما إنجيل لوقا حوى (24) أصحاحًا. وما كتبه لوقا، أي إنجيله وسفر الأعمال، أكثر من ربع العهد الجديد، إذ بلغت نسبة السفرين 27,5% من العهد الجديد.
3- لماذا يُشار لإنجيل لوقا بالنور..؟ إذا كان يُرمَز لإنجيل مرقس بالأسد، وإنجيل متى بالإنسان، وإنجيل يوحنا بالنسر، فإنه يُرمَز لإنجيل لوقا بالثور... فلماذا الثور؟
أ- لأن القديس لوقا يفتتح إنجيله بالهيكل والكهنوت اللاوي المبني على الذبائح الحيوانية، بدأ بكاهن العهد القديم باسطًا يديه أمام مذبح البخور، وأنهى إنجيله بالسيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم باسطًا يديه وصاعدًا إلى السماء ليشفع في شعبه أمام اللَّه الآب، ورسل المسيح: "كانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون اللَّه" (لو 24: 53).
ب– في إنجيل لوقا نلتقي بالسيد المسيح الكاهن والذبيحة، يُقدِّم ذاته ذبيحة عن فداء شعبه: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لو 19: 10).
جـ- كثيرًا ما تحدث إنجيل لوقا عن الفداء، ويقول "القديس أمبروسيوس" في افتتاحية كتابه "دراسة لإنجيل القديس لوقا": "إن ربنا يسوع المسيح، يصوَّر في الأناجيل برموز أربعة الحيوانات (غير المتجسدة). فهو الإنسان، وهو الأسد، وهو الثور، وهو النسر. هو الإنسان لأنه وُلِدَ من مريم، وهو الأسد لأنه قوي، وهو الثور لأنه ضحية (فدية)، وهو النسر لأنه القيامة" (الافتتاحية - فقرة 8)" (24).
وإن كنا في إنجيل متى نلتقي بيسوع المسيا، وفي إنجيل مرقس بيسوع الخادم، وفي إنجيل يوحنا بيسوع ابن اللَّه، فإننا من خلال إنجيل لوقا نلتقي بابن الإنسان الفادي. ويؤكد القديس لوقا على فكرة شمولية الخلاص لجميع الأمم (راجع لو 2: 30-32، 3: 6). فالمسيح هو مسيح العالم كله، وهذا كان محور كرازة بولس الرسول كاروز الأمم... وإن كان مفتاح إنجيل متى "الملكوت"، ومفتاح إنجيل مرقس "القوة"، ومفتاح إنجيل يوحنا "لاهوت الابن"، فإن مفتاح إنجيل لوقا هو "فداء المحبة"، فقد استطاع القديس لوقا أن يسلط الأضواء على إشراقة الحب الإلهي البازل ولا سيما خلال الأصحاح الخامس عشر الذي ينفرد بإظهار مشاعر الحب الإلهي تجاه الإنسان الخاطئ من خلال أمثال الخروف الضال، والدرهم المفقود، والابن الشاطر.
_____
(23) الإنجيل بحسب لوقا، ص494.
(24) أورده الأنبا غريغوريوس - الكتاب المقدَّس "الجزء الرابع" في تفسير إنجيل القديس لوقا، ص12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/539.html
تقصير الرابط:
tak.la/9ws74z7