س484: ما هيَ أهم السمات التي تميَّز بها إنجيل القديس مرقس الرسول؟
ج: من أهم السمات التي تميَّز بها إنجيل القديس مرقس الرسول:
أولًا: كتب للرومان، فتجد الإنجيل مفعمًا بالحيوية، وبالرغم من أنه موجز فهو شامل يقدم صورة بديعة للمسيح القوي صانع المعجزات، واستخدم مرقس الإنجيلي كلمات آرامية وأخرى لاتينية، وشرح العادات اليهودية.
ثانيًا: الكاتب شاهد عيان، فتجده يهتم بالمكان والزمان والأسماء والأعداد والألوان، والملامح والمشاعر، والوصف التفصيلي.
ثالثًا: يقدم شخصية المسيح ابن الله، الخادم المعلم المحبوب، الذي صار مثار تساؤلات الشعب.
رابعًا: التركيز على الصليب.
خامسًا: التركيز على كلمة الإنجيل.
سادسًا: لغة الإنجيل.
سابعًا: الاهتمام بالصور التصويرية.
ثامنًا: الاهتمام بالبدايات.
تاسعًا: الاهتمام بالترتيب.
ويمكن إلقاء الضوء على هذه السمات بصورة مختصرة:
أولًا: كتب للرومان: فتجد الإنجيل مفعمًا بالحيوية وسرعة الحركة، واختار القديس مرقس الجمل القصيرة مستخدمًا أدوات الربط بينها مثل أداة العطف "و"، و "أيضًا"، حتى أنه في الأصحاح الثالث يذكر (34) عبارة بعد فعل رئيسي واحد وربط هذه العبارات بحرف العطف "واو" (راجع وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - إنجيل مرقس ص 17) وأكثر مرقس البشير من استخدام صيغة المضارع، حتى أنه استخدم الفعل في المضارع نحو 150 مرة. والأسلوب البسيط الذي استخدمه مرقس البشير في كتابة إنجيله وُجِد مثله على أوراق بردي عُثِر عليها في مصر وترجع للقرن الأول الميلادي، هو أسلوب يُستخدم في القصص، فمثلًا تجده يستخدم كلمة "صغار" مرات عديدة، صغار الكلاب، وصغار النفوس، وصغار الأسماك، والبنت الصغيرة والمركب الصغيرة... إلخ (راجع يوحنا كرافيذوبوليس - إنجيل مرقس ص 13، 14). ولأن الرومان ليسوا أصحاب فلسفات كاليونانيين وليسوا أصحاب تعاليم ونبوات كاليهود، إنما يتميزون بالنشاط وسرعة الحركة والإعجاب بالقوة، لذلك يكتب لهم مرقس البشير عن السيد المسيح النشط الذي يعمل ويعمل حتى أنه لا يجد وقتًا لتناول طعامه (مر 3: 20، 6: 31)، ويكثر من استخدام الكلمة المفتاحية " للوقت" أو "حالًا"، وقد وردت هذه الكلمة في العهد الجديد 80 مرة منها 42 مرة في إنجيل مرقس، 39 مرة " للوقت"، و (3) مرات "حالًا". قال "وستكوت" Westecott عن هذا الإنجيل: " أنه مقتطفات من الحياة"، وقال عنه "أ. ب. بروس": " أنه مجموعة ذكريات كتبها شخص مُحب غيور" (راجع وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - إنجيل مرقس ص 15).
ولأن الرومان كانوا يعجبون بالقوة الخارقة، لذلك سجل لهم مرقس الرسول تسعة عشر معجزة أظهر خلالها سلطان السيد المسيح على الشياطين (مر 1: 24، 27، 34، 3: 11، 5: 7، 7: 30، 9: 25 - 27)، بل أنه أعطى هذا السلطان لتلاميذه (مر 3: 15، 6: 7)، وأظهر سلطانه على شفاء أصعب الأمراض كالبرص (مر 1: 42) والفالج (مر 2: 11) وشفى اليد اليابسة (مر 3: 5) ونازفة الدم (مر 5: 29) وشفى الصم (مر 7: 32 - 35) وفتح أعين العميان ( مر 8: 22 - 25، 10: 51، 52) وأشبع الآلاف من خبزات قليلة (مر 6: 34 - 44، 8: 1 - 9)، وصنع معجزات جماعية " حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ دَاءٌ" (مر 3: 10).. " وَابْتَدَأُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى عَلَى أَسِرَّةٍ إِلَى حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّهُ هُنَاكَ. وَحَيْثُمَا دَخَلَ إِلَى قُرىً أَوْ مُدُنٍ أَوْ ضِيَاعٍ وَضَعُوا الْمَرْضَى فِي الأَسْوَاقِ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ" (مر 6: 55 - 56). وأظهر مرقس البشير أيضًا سلطان المسيح على الطبيعة (مر 4: 39، 6: 49) وأنه رب السبت (مر 5: 28) وأنه صاحب الهيكل (مر 11: 28) وهو الذي يعرف الأفكار (مر 2: 8)، وهو غافر الخطايا (مر 2: 5).. حقًا لقد نجح القديس مرقس أن يغزو قلوب الرومان ويقتحم حياتهم، فآمن الكثيرون منهم وصاروا أبناء الملكوت.
ويقول "القس سمعان كلهون": " إنجيل مرقس هو إنجيل عمل وسرعة ونشاط ومروءة وحماسة. وهذا الإنجيل مناسب لآراء وطبيعة الرومان، لأن مملكتهم في ذلك الوقت كانت في غاية نجاحها واقتدارها، وكان ملكهم قيصر قويًا ومملكتهم واسعة جدًا، ولذلك يتحدث مرقس عن مُلك أقوى وملكوت أوسع لأن كل ما يذكره من افتتاح كلامه... إلى ختامه، بارتفاع يسوع إلى عرش الله في السماء، مرتَّب على أسلوب يدهش القارئ جدًا من قدرة المسيح على كل شيء وسلطانه على الكون كله. فملكوت المسيح حسب نص مرقس هو ملكوت القوة أكثر مما هو ملكوت النبوّة" (186).
ولأن القديس مرقس كتب للرومان لقد قدم تفسيرًا للكلمات الأرامية التي استخدمها، ومن أمثلة ذلك:
أ - " وَجَعَلَ لَهُمَا اسْمَ بُوَانَرْجِسَ أَيِ ابْنَيِ الرَّعْدِ " (مر 3: 17).
ب - " وَقَالَ لَهَا طَلِيثَا قُومِي. الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا صَبِيَّةُ لَكِ أَقُولُ قُومِي" (مر 5: 41).
جـ - " إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ قُرْبَانٌ أَيْ هَدِيَّةٌ" (مر 7: 11).
د - " وَقَالَ لَهُ إِفَّثَا. أَيِ انْفَتِحْ" (مر 7: 34).
هـ - " وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ جُلْجُثَةَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ جُمْجُمَةٍ" (مر 15: 22).
و - " إِلُوِي إِلُوِي لِمَا شَبَقْتَنِي؟ اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" (مر 15: 34 ).
ولأن مرقس البشير كتب للرومان ولغتهم هيَ اللاتينية، لذلك لم يفسر الكلمات اللاتينية التي استخدمها وقد سجلها بحروف يونانية، لأنها مفهومة بالنسبة لهم، ومن أمثلة هذه الكلمات:
أ - كلمة " سَّرِيرَ" (مر 2: 4) ويقصد بها المضجع أو الأريكة أو الكنبة.
ب - كلمة " لَجِئُونُ" (مر 5: 9، 45) أي فرقة في الجيش الروماني.
جـ - كلمة " سَيَّافًا" (مر 6: 27) أي ضابط أو جندي روماني.
د - كلمة " دِينَارٍ" (مر 6: 37) وهيَ مشتقة من "دينوريوس" أي وحدة ذهبية.
وقد يتساءل أحد: ما دام مرقس البشير يكتب للرومان الذي يتحدثون اللاتينية، فلماذا لم يكتب لهم باللاتينية التي يجيدها؟.. مرجع ذلك أن اللغة اليونانية كانت هيَ الأوسع انتشارًا ولغة العالم الأولى، حتى أن الرومان حافظوا عليها لأنها كانت وسيلة لربط العالم كله، فلو كتب إنجيله باللاتينية لاستفاد منه الرومان فقط حتى يتم ترجمته للغات الأخرى، بينما كونه كتب باليونانية فذلك ساعد على انتشاره في العالم كله، وقد صار كرازة للخليقة كلها، ولا ننسى أن كنيسة روما ظلت تستخدم اللغة اليونانية حتى أواخر القرن الثالث.
ولأن مرقس البشير كتب للرومان لذلك قدم شرحًا مبسطًا للعادات اليهودية، مثل:
أ - " يَأْكُلُونَ خُبْزًا بِأَيْدٍ دَنِسَةٍ أَيْ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ لاَمُوا. لأَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ الْيَهُودِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ بِاعْتِنَاءٍ لاَ يَأْكُلُونَ" (مر 7: 2 - 4).
ب - " قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ" (مر 12: 18).
جـ - " وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ" (مر 14: 12).
د - " وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ" (مر 15: 42).
ثانيًا: الكاتب شاهد عيان: بينما يظهر القديس متى كمحامٍ بارع يثبت براءة السيد المسيح، فهو القدوس وحده الذي شهد بيلاطس ببراءته وكذلك قائد المئة وغيرهما، وبينما ظهر القديس لوقا كفنان يرسم لوحاته البارعة الجمال عن شخص يسوع المسيح، وبينما يظهر يوحنا الحبيب كلاهوتي يحلق في السماء يحدثنا عن ذاك الذي جاء من السماء وهو الأزلي الكائن قبل الأكوان، فإن مرقس الرسول يظهر كصحفي بارع يقدم الأحداث بصورة تفيض بالحيوية، مستخدمًا الزمن الحاضر كثيرًا، يجيد فن نقل الرؤية بالعين، فيسرع بك من مشهد إلى مشهد، فتقف مشدوهًا وكأنك ترى فيلمًا لا مثيل له يفيض بالحياة والحركة. وبالرغم من أن القديس مرقس أراد أن يخفي شخصيته تمامًا، حتى أنه لم يخاطب القارئ ولا مرة واحدة، ولم يستخدم على الإطلاق ضمير الملكية، وعندما ذكر قصة الشاب حامل الجرة (مر 14: 13) وأيضًا الشاب الذي هرب عريانًا من البستان ساعة القبض على السيد المسيح (مر 14: 51، 52) لم يصرح أنه هو، وربما إخفاء مرقس البشير لشخصيته هو الذي دفع بابياس إلى قوله بأن مرقس البشير لم يرى ولم يسمع الرب (وتم الرد على هذا في س 474). ويقول "الأب متى المسكين": " ولكن ق. مرقس كان عن قُرب وشاهد وشهد وسمع قائد المئة وهو يقول شهادة ختام الإنجيل: " وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ قَالَ حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ" (مر 15: 39)" (187). ولأن القديس مرقس شاهد عيان لذلك تجده يهتم بتحديد المكان، فمثلًا:
أ - " دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ عَلَى الْبَحْرِ وَالْجَمْعُ كُلُّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ عَلَى الأَرْضِ" (مر 4: 1).
ب - " ثُمَّ خَرَجَ أَيْضًا مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ" (مر 7: 31).
جـ - " وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ" (مر 11: 1).
د - " فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ" (مر 11: 4).
هـ - " وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ" (مر 12: 41).
كما اهتم الكاتب بتحديد الزمان أيضًا، والتزم بالترتيب الزمني إلى حد بعيد، بينما اهتم بقية البشيرين بوحدة الموضوع، ومن أمثلة اهتمامه بالزمن:
أ - " وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ" (مر 11: 19).
ب - " وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ" (مر 14: 1).
جـ - " وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ" (مر 16: 2).
ومن تدقيق الكاتب أيضًا اهتمامه بالأسماء، ومن أمثلة ذلك:
أ - " وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا" (مر 1: 29).
ب - " وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى لاَوِيَ بْنَ حَلْفَى جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ" (مر 2: 14).
جـ - ذكر أسماء الاثنى عشر تلميذًا (مر 3: 16 - 19).
د - " كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي" (مر 10: 46).
هـ - " سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ" (مر 13: 3).
و - " سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ" (مر 15: 21).
ز - " وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ" (مر 15: 40). وعدد الكلمات في إنجيل مرقس (1330) كلمة منها (60) كلمة أسماء أعلام منها أسماء أشخاص ومنها أسماء أماكن مثل الناصرة، وطبرية، وقيصرية فيلبس، ودلمانوثة، وصور وصيدا، وأريحا، وبيت عنيا، وجبل الزيتون، وأورشليم، والجلجثة.
وأيضًا اهتم الكاتب بالأعداد، فمثلًا يقول:
أ - " فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ" (مر 5: 13).
ب - " وَدَعَا الاثْنَيْ عَشَرَ وَابْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ" (مر 6: 7).
جـ - " أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزًا بِمِئَتَيْ دِينَارٍ وَنُعْطِيَهُمْ لِيَأْكُلُوا" (مر 6: 37).
د - " فَاتَّكَأُوا صُفُوفًا صُفُوفًا مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ" (مر 6: 40).
هـ - " وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ" (مر 8: 14).
وأيضًا من ملاحظات الكاتب الشخصية اهتمامه بالألوان فيذكر لون العشب الذي اتكأ عليه الآلاف بأنه كان أخضر (مر 6: 39) وأن ثياب المسيح في لحظات التجلي كانت تلمع وهيَ بيضاء جدًا كالثلج (مر 9: 3).
ولأن الكاتب شاهد عيان لذلك استطاع أن ينقل لنا الملامح والمشاعر، فمثلًا يقول:
أ - في شفاء الأبرص: " فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ" (مر 1: 41).
ب - " فَانْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ" (مر 1: 43).
جـ - " فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ" (مر 3: 5).
د - " وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ" (مر 6: 6).
هـ - "
فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ
عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا"
(مر 6: 34).
و - " وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَأَنّ.." (مر 7: 34).
ز - " فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً" (مر 8: 12).
ح - " فَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ" (مر 9: 36).
ط - " فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ" (مر 10: 14).
ى - " فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ" (مر 10: 16).
ك - ومع الشاب الغني: " فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ" (مر 10: 21).
ل - " فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ يَابَنِيَّ" (مر 10: 24).
م - في بستان جثسيماني: " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ" (مر 14: 33).
ولأن مرقس الإنجيلي شاهد عيان لكثير من الأحداث لذلك اهتم بتقديم وصف تفصيلي للأحداث، فمثلًا:
أ - قال عن نازفة الدم: " وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ" (مر 5: 26 بالمقارنة مع مت 9: 20 - 22، لو 8: 43).
ب - عقب إشباع الجموع ذكر أنه تبقى سمك: " اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوَّةً وَمِنَ السَّمَكِ" (مر 6: 43).
جـ - في شفاء الأصم الأعقد: " فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ" (مر 7: 33).
د - وعندما كان في السفينة كان: "
فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ"
(مر 4: 38 بالمقارنة مع
مت 8: 24).
هـ - على جبل التجلي: "
فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَيْرَ
يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ"
(مر 9: 8).
و - عندما ذكر بركات العطاء أضاف "مع اضطهادات" (مر 10: 3).
ز - ذكر أن الهيكل لجميع الأمم: " أَلَيْسَ مَكْتُوبًا بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ" (مر 11: 17).
ح - عندما ذكر شجرة التين: " رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ" (مر 11: 20).
ط - لأن الفصح أقيم في بيته قال: " وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ" (مر 14: 17 بالمقارنة مع مت 26: 20، لو 22: 14).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
ثالثًا: قدم شخصية المسيح: واضح من إنجيل مرقس من الآية الأولى أن هدف الإنجيل هو تقديم شخصية يسوع المسيح ابن الله، ولهذا قال:
أ - " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ" (مر 1: 1).
ب - " أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مر 1: 11).
جـ - " فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ الْمَسِيحُ" (مر 8: 29).
د - في التجلي: "هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا" (مر 9: 7).
هـ - " فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ. فَقَالَ يَسُوعُ أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ" (مر 14: 61 - 62).
و - شهد قائد المئة: " قَالَ حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ" (مر 15: 39).
ولأن السيد المسيح هو ابن الله، لذلك يُعلن عن نفسه أنه غافر الخطايا والآثام (مر 2: 5 ، 10) وأنه رب السبت (مر 2: 28) وله سلطان على كل شيء حتى البحر الهائج (مر 4: 39) وهو الديان (مر 14: 62).. إلخ. وعندما يقدم الإنجيل "المسيح ابن الله" فهو يتحدث عن طبيعته اللاهوتية، فيقول "الأب متى المسكين": " ولكن لا الأبوة بالنسبة للَّه ولا البنوة حدث هيَ، بل هيَ طبيعة أصيلة متأصلة أزلية وأبدية - فاللَّه في ذاته الواحدة أب هو وابن معًا، لأن ذات الله كاملة في الله كمالها المطلق لا تحتاج لمن يحبها ولا تحتاج لمن تحبه، فاللَّه مُحب ومحبوب معًا، له وفيه كمال الحب الأبوي وكمال الحب البنوي بآن واحد، لأن ذاته منبع وأصل كل أبوة في العالم، وبآن واحد منبع وأصل كل بنوة في العالم أيضًا" (188).
ومع أن مرقس البشير ركز على لاهوت المسيح، فأنه لم يهمل إظهار ناسوته. فقال عنه أنه كان يتحنن (مر 1: 41، 6: 34)، وينتهر (مر 1: 43)، ويغضب في حزم من غلاظة القلوب (مر 3: 5)، وينام (مر 4: 38) ولا يجد وقتًا ليأكل خبزًا (مر 6: 31)، ويندهش ويتعجب من عدم إيمان أهل الناصرة (مر 6: 6)، ويحتضن الأولاد (مر 9: 36، 10: 16) ويغتاظ من التلاميذ (مر 10: 14) ولا يعرف ساعة المجيء الثاني (مر 13: 32) ويُدهش ويكتئب أمام خطايا العالم (مر 14: 13).
وأيضًا يقدم القديس مرقس شخصية المسيح الخادم المعلم المحبوب، فيحدثنا عن خدمته في الجليل (مر 1: 14 - 9: 50)، ثم خدمته في بيريه (ص 10) ثم خدمته في أورشليم (ص 11 - 13) ثم خدمته الخلاصية (ص 14، 15). وإن كان القديس مرقس قدم في النصف الأول من إنجيله سيرة السيد المسيح، وركز في النصف الثاني على تعاليمه، فأنه في الحقيقة قدم في السيرة تعليمًا وفي التعليم سيرة، ويقول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": " فالإنجيل دعوة دينية، ولا غرابة أن يمتزج فيه الهدف التاريخي (السيرة) بالهدف التعليمي... فجاء الإنجيل بحسب مرقس، مثل سائر الأناجيل سيرة وتعليمًا، ولم يشوّه فيه الهدف التعليمي الهدف التاريخي، لأن سيرة المسيح أساس تعليمه وهدفه، ولا قيمة لهذا التعليم بدون التاريخ الصحيح لسيرة المسيح" (189).
واستخدم المسيح الكلمة اليونانية "ديدسقلون" أي يعلم نحو (15) مرة كما ركز على كلمة "أسمع" (مر 4: 3، 7: 4، 9: 7)، وكلمة "أفهم" (مر 4: 24، 33، 7: 18) وكلمة "أتبع" (مر 1: 7، 8: 34، 10: 21) وهيَ كلمات تخص خدمة التعليم والآية المحورية في الإنجيل: " لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مر 10: 45). ويقول "القمص تادرس يعقوب": " فأنه كمعلم جاء فريدًا في سلطاته... جاء السيد يطرد بسلطان الأرواح الشريرة مُطهّرًا الخليقة التي استخدمها عدو الخير مراكز عمل له... بهذا يكون هذا السفر في جوهره ليس عرضًا لحياة المعلم بل هو إنجيل الغلبة على قوات الشر وخلاص الخليقة من سلطانها خلال التمتع بالمعلم شخصيًا كغالب ومنتصر!" (190).
والسيد المسيح كمعلم صالح، كان يعلم حتى المعاندين من الكتبة والفريسيين، فمثلًا:
أ - عندما غفر خطايا المفلوج واحتجوا عليه، قال لهم: " لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ" (مر 2: 8 - 9).
ب - عندما احتجوا عليه لأنه يأكل مع الخطاة والعشارين، قال لهم: " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (مر 2: 17).
جـ - عندما احتجوا على التلاميذ لأنهم لا يصومون: " فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ... وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ" (مر 2: 19 - 20).
د - عندما اتهموه أنه ببعلزبول يُخرِج الشياطين، قال لهم: " كَيْفَ يَقْدِرُ شَيْطَانٌ أَنْ يُخْرِجَ شَيْطَانًا؟ وَإِنِ انْقَسَمَتْ مَمْلَكَةٌ عَلَى ذَاتِهَا لاَ تَقْدِرُ تِلْكَ الْمَمْلَكَةُ أَنْ تَثْبُتَ. وَإِنِ انْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَقْدِرُ ذلِكَ الْبَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ" (مر 3: 23 - 25).
وحول شخصية يسوع المسيح ابن الله الخادم المحبوب الذي يبذل نفسه فدية عن العالم كله، التفت حوله الجموع:
أ - " وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى الْبَابِ" (مر 1: 33).
ب - " وَلِلْوَقْتِ اجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ الْبَابِ" (مر 2: 2).
جـ - " وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ... جَمْعٌ كَثِيرٌ إِذْ سَمِعُوا كَمْ صَنَعَ أَتَوْا إِلَيْهِ" (مر 3: 7، 8).
د - " فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ عَلَى الْبَحْرِ وَالْجَمْعُ كُلُّهُ... " (مر 4: 1).
هـ - في الطريق إلى بيت يايرس: " فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ" (مر 5: 24).
و - في معجزة إشباع الجموع الأولى كان عدد الرجال فقط خمسة آلاف (مر 6: 44) وفي الثانية أربعة آلاف (مر 8: 9).
وفي تقديم مرقس البشير لشخصية يسوع المسيح ابن الله الخادم المُعلم المحبوب موضع اهتمام الجموع، نلاحظ تركيزه على معجزاته بمقدار تركيزه على تعليمه، فبلغت نسبة التعاليم في إنجيل مرقس 50% بينما في إنجيل لوقا نحو 66% وفي إنجيل متى نحو 75 %، فالعظات الخمس الطويلة في إنجيل متى لا نجد ما يناظرها في إنجيل مرقس، فمثلًا العظة على الجبل التي شغلت ثلاثة أصحاحات في إنجيل متى (ص 5 - 7) نجد أجزاء صغيرة منها منثورة في إنجيل مرقس (مر 4: 21 - 25)، وعظة الإرسالية في الأصحاح العاشر من إنجيل متى والتي استغرقت (37) عددًا، يرد منها فقط (6) أعداد في إنجيل مرقس.
وكان القديس مرقس يفضل أن يذكر القصة ويعقبها بتعليم، ومن أمثلة ذلك:
أ - قصة شفاء المفلوج (مر 2: 3 - 10) انتهت بقول السيد المسيح: " وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا" (مر 2: 10).
ب - عندما احتج الكتبة والفريسيون على أكله مع الخطاة والعشارين (مر 2: 16، 17) انتهت بقوله: " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (مر 2: 17).
جـ - عندما قطف التلاميذ سنابل الحقل واحتج عليهم الفريسيون (مر 2: 23 - 26) انتهت بقوله: " السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. إِذًا ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا" (مر 2: 27).. إلخ.
وبالمثل أيضًا لم يورد القديس مرقس سوى أربعة أمثال، وهيَ:
أ - مَثَل الزارع (مر 4: 2 - 21).
ب - مَثَل النبات الذي ينمو سرًا (مر 4: 26 - 29) وهذا المَثَل انفرد به القديس مرقس.
جـ - مَثَل حبة الخردل (مر 4: 30 - 32).
د - مَثَل الكرم والكرامين (مر 12: 3 - 12).
وأيضًا لم يكثر القديس مرقس من الاقتباسات من العهد القديم، فبينما أورد القديس متى نحو (40) اقتباسًا، و (100) استشهادًا من العهد القديم، أورد القديس مرقس (19) اقتباسًا، (58) استشهادًا من العهد القديم.
وشخصية السيد المسيح في إنجيل مرقس كانت موضع تساؤلات الشعب:
أ - " مَا هذَا ؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟" (مر 1: 27).
ب - " لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ الله وَحْدَهُ؟" (مر 2: 7).
جـ - " مَا بَالُهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟" (مر 2: 16).
د - " مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ" (مر 4: 41).
هـ - الشيطان: " وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَمَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ الله الْعَلِيِّ؟" (مر 5: 7).
و - " وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ؟ وَمَا هذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَه؟.. ألَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ... ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا؟" (مر 6: 2 - 3).
رابعًا: التركيز على الصليب: الأحداث في إنجيل مرقس تسرع نحو الصليب، وتشغل أحداث الصلب مساحة أكبر مما تشغلها في أي إنجيل آخر، فهيَ تشغل نحو ثلث الإنجيل، وما يسبقها لا يخلو من الإشارات للصليب، مثل قول السيد المسيح: " وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ" (مر 2: 20)، وقال لابني زبدي: " أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا" (مر 10: 38) " لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مر 10: 45). وأخبر السيد المسيح تلاميذه بأحداث الصلب في قيصرية فيلبس عقب اعتراف بطرس بألوهيته (مر 8: 31 - 35)، وعقب التجلي (مر 9: 9 - 13) وفي طريقه إلى أورشليم (مر 10: 32 - 34).
خامسًا: التركيز على كلمة الإنجيل: كلمة الإنجيل نطق بها السيد المسيح أكثر من مرة أثناء تجسده سواء قبل صلبه وموته وقيامته أو بعد قيامته، وعرفت الكنيسة الإنجيل الشفاهي وعاشت عليه نحو ربع قرن (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س56) والجديد أن مرقس البشير عندما كتب سفره دعاه بالإنجيل، ووضع هذا في صدارة السفر عندما قال " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّـهِ" (مر 1: 1) وأشار للإنجيل مرات ومرات، فالبشارة بملكوت الله هيَ بشارة بالإنجيل " فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (مر 1: 15) فالإنجيل هو الدعوة للتوبة والرجوع إلى أحضان الآب، وجاء ذكر الإنجيل بالموازاة مع اسم السيد المسيح عندما قال رب المجد: " لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ" (مر 10: 29) والإنجيل هو دعوة للترك، وهو هدف الترك أيضًا (مر 10: 29)، والإنجيل للجميع يهود وأمم: " وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلًا بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ" (مر 13: 10) فالإنجيل لكل العالم: " حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ" (مر 14: 9)، وبعد القيامة أوصى السيد المسيح تلاميذه ليحملوا الإنجيل لكل الخليقة: " وَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16: 15).
ويُعتبر "إنجيل مرقس" أول نموذج للفن الأدبي الذي أُطلق عليه اسم "إنجيل" وسار بحذوه كل من متى الإنجيلي ولوقا الإنجيلي، فاهتمام القديس مرقس بالإنجيل انسحب على إنجيلي متى ولوقا، فيقول "الأب باسيليوس المقاري": " إذًا، فإسهام إنجيل القديس مرقس في كتابة الأناجيل اللاحقة، وفي الكرازة والبشارة بإنجيل المسيح أمرًا واردًا يؤكده استخدام كتبة الأناجيل والرسل المبشرين نفس المنهج الذي استخدمه القديس مرقس. وبهذا يكون إنجيل مرقس قد وضع أيضًا منهج الحديث عن الرب يسوع باعتباره يسوع هو نفسه الإنجيل" (191).
سادسًا: لغة الإنجيل... بالرغم من إجادة مرقس البشير للغتين اليونانية واللاتينية، إلَّا أنه كتب إنجيله باللغة اليونانية الشعبية الدارجة الشائعة التي كان يتحدث بها عامة الناس، ويفهمها الجميع، مبتعدًا تمامًا عن اللغة اليونانية الأدبية المتقنة المنمَّقة، وتحاشى استخدام العبارات البليغة الرنَّانة، وأسلوب الفلاسفة وكبار المؤرخين، لأنه كان يهدف أن تصل بشارة الإنجيل للخليقة كلها كوصية سيده (مر 16: 15). استخدم مرقس البشير الأسلوب البسيط السهل الممتنع، الذي يتميز بالواقعية والحيوية، يروي الحدث كما شاهده، وظهرت براعته بالرغم من بساطة المفردات التي استخدمها.
ويقول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": " والأسلوب اللغوي عند مرقس أقرب إلى الأسلوب السامي العبراني الأرامي الذي يربط الجمل بعضها على بعض بدلًا من تأليفها جملًا مركبة، عطف بعضها على بعض بحسب العوامل السببية والغائبة والظرفية، كما في الأسلوب الأغريقي. لذلك فأسلوبه اللغوي أقرب إلى أسلوب المسيح في حديثه الشعبي مع الجماهير اليهودية" (192).
كما يقول "الأرشمندريت يوسف دره": " وهذا الأسلوب المستهجن في اليونانية الفصحى. هو ميزة الأسلوب السامي الصحيح الفصيح، فلا ضير على الإنجيل في استخدامه... فالإنجيل بحسب مرقس، في أسلوبه اللغوي، أقرب في لغته ونحوه وبيانه إلى الأرامية، منه إلى اليونانية، وما يعدونه عيبًا في لغتهم، نعدَّه صحيحًا في لغتنا السامية. فأسلوب مرقس اللغوي صحيح في أصله الأرامي، ضعيف في أسلوبه اللغوي اليوناني وما يعتبره الغربيون عيبًا لغويًا، نعتبره نحن الشرقيين فخرًا في لغتنا السامية" (193).
وتميّز مرقس البشير بالصراحة التامة والواقعية والصراحة، ومن أمثلة عباراته الفارقة:
أ - " وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ مُخْتَل" (مر 3: 21 بالمقارنة مع مت 12: 36، لو 8: 19).
ب - يقول عن السيد المسيح في وطنه: " وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً" [(مر 6: 5) بالمقارنة مع (مت 13: 58)].
جـ - يقول عن التلاميذ: " لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا بِالأَرْغِفَةِ إِذْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً" (مر 6: 52).
د - " فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ" (مر 8: 17).
سابعًا: الاهتمام بالصور التصويرية... اقتنص مرقس البشير الصور التصويرية التي نطق بها السيد المسيح، فهذه الصور تضفي على الموقف حيوية ونشاط، ومن أمثلة هذه الصور التصويرية:
أ - الأصحاء والمرضى (مر 2: 17).
ب - العريس والصوم (مر 2: 19، 20).
جـ - الرقعة الجديد والثوب العتيق (مر 2: 21).
د - الخمر الجديدة والزقاق العتيق (مر 2: 22).
هـ - المملكة المنقسمة ونهب القوى (مر 3: 27).
و - السراج والمكيال (مر 4: 21).
ز - المكيال (مر 4: 24، 25).
ح - الحجر المرذول (مر 12: 10 - 12).
ط - عبرة شجـرة التين (مر 13: 28 - 29).
ى - الإنسان المسافر والوصية (مر 13: 24).
ثامنًا: الاهتمام بالبدايات... مرقس الرسول هو أول من كرز في الإسكندرية، وأول من أسَّس كرسي الإسكندرية، فصار البطريرك الأول لها، وأول من وضع ليتورجية القداس الإلهي، وأول من أسَّس مدرسة لاهوتية، وأول من كتب إنجيلًا، وفي إنجيله واضح اهتمامه بالبدايات، فمثلًا يقول:
أ - " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّـهِ" (مر 1: 1).
ب - " وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَابْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيرًا وَيُذِيعُ الْخَبَر" (مر 1: 45).
جـ - " وَابْتَدَأَ أَيْضًا يُعَلِّمُ عِنْدَ الْبَحْرِ" (مر 4: 1).
د - " فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ" (مر 5: 20).
هـ - " وَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ، ابْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ" (مر 6: 2).
و - " وَدَعَا الاثْنَيْ عَشَرَ وَابْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ" (مر 6: 7).
ز - " فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ رَأَى جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا فَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيرًا" (مر 6: 34).
ح - " فَطَافُوا جَمِيعَ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَابْتَدَأُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى عَلَى أَسِرَّةٍ إِلَى حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّهُ هُنَاكَ" (مر 6: 55).
تاسعًا: الاهتمام بالترتيب... كتب مرقس البشير إنجيله مرتبًا ترتيبًا منهجيًا متكاملًا، فالإنجيل لا يمثل وحدات مبعثرة، إنما يضم وحدات أدبية مترابطة، فمثلًا مقاومات الكتبة والفريسيين واحتجاجاتهم حول الصوم والسبت، وغير هذا، تأتي في وحدة واحدة (مر 2: 6 - 3: 6) وأمثال السيد المسيح تأتي ثلاثة من أربعة مجمَّعة في (مر 4: 1 - 34)، ومعجزات السيد المسيح يأتي جزء كبير منها في (مر 4: 35 - 5: 43)، وحديث السيد المسيح عن نهاية الأيام تأتي في (مر 13: 1 - 37)، والحديث حول آلام المسيح وصلبه وموته وقبره وقيامته تأتي في (مر 14: 1 - 16: 8).
ويقول "ستيفن ميلر" عن مارمرقس أنه: " كتب إنجيله بتصنيف الأحداث حسب مواقع حدوثها، فأولًا في الجليل، وثانيًا في الطريق إلى أورشليم، وثالثًا في أورشليم. وكثيرًا ما جمع بين الأحداث المتشابهة أو الأقوال المتشابهة معًا كما نرى ذلك في الأمثال الثلاثة عن البذار المذكورة في الأصحاح الرابع" (194).
وقول "بابياس": " أن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقة ولو من غير ترتيب، كل ما تذكَّره عما قاله المسيح أو فعله.." (مر 3: 39: 15) (195).. فهل هذا حقيقة أن إنجيل مرقس يعوزه الترتيب؟.. كلاَّ، ويقول "الأب متى المسكين": " أما بخصوص نقد ما جاء في بابياس أسقف هيرابوليس بخصوص أن حوادث إنجيل ق. مرقس (ليس لها ترتيب) في حياة وتعليم المسيح، فهيَ تهمة تنفيها الفحوص والبحث العلمي الموثوق به، وهيَ تهمة لا وجود لها. وهذا بالتالي يخلخل كل ما جاء عند بابياس ومَنْ أخذ منه. لأن نظام وترتيب الحوادث والأقوال في إنجيل ق. مرقس واضحة ومفهومة، وأنها في ترتيبها الصحيح" (196).
_____
(186) اتفاق البشيرين ص 36، 37.
(187) الإنجيل بحسب القديس مرقس ص 59.
(188) الإنجيل بحسب القديس مرقس ص 77.
(189) الدفاع عن المسيحية جـ 1 في الإنجيل بحسب مرقس ص 54.
(190) الإنجيل بحسب القديس مرقس ص 20.
(191) مارمرقس كاروز الديار المصرية - إصدار مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطي ص 44.
(192) الدفاع عن المسيحية جـ 1 الإنجيل بحسب مرقس ص 110.
(193) المرجع السابق ص 111، 112.
(194) أستيفن ميلر وروبرت ف.هوبر - ترجمة وليم وجيه - تاريخ الكتاب المقدَّس ص 73.
(195) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م ص 158.
(196) الإنجيل بحسب القديس مرقس ص 66، 67.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/484.html
تقصير الرابط:
tak.la/nn4p8hw