س387: ما ذنب شجرة التين التي لعنها السيد المسيح؟ وكيف يتأتى لنبي كريم أن يُلعن شجرة لا تملك لنفسها نفعًا أو ضررًا؟ وهل الفم الذي ينطق بالبركة ينطق باللعنة؟ وهل كان المسيح يجهل موسم الإثمار؟ (مر 11: 13)؟ وكيف يخاطب شجرة لا تدرك؟ وكيف أراد أن يأكل تينًا من شجرة الغير وبدون استئذان؟ وما ذنب صاحبها أن يفقد تلك الشجرة الوارفة؟ وألاَّ يُعد هذا تدميرًا للبيئة؟ وإذا كان قد ألمَّ بالشجرة مرضًا فلم تثمر ألم يكن من الأفضل أن السيد المسيح يبسط إليها يد الشفاء فيجعلها تثمر عوضًا عن لعنها؟ ومتى يبست هذه الشجرة، هل في الحال كقول إنجيل متى (مت 21: 19) أم في اليوم التالي كقول إنجيل مرقس (مر 11: 20، 21)؟ وهل ما حدث مع التينة لا يحمل طابع الإعجاز لأنه من المعروف أن شجرة التين لن تُعمر إلى الأبد؟ (راجع فراس السواح - الوجه الآخر للمسيح ص48، ومحمد توفيق - نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية ص31، وحفيظ اسليماني - الأناجيل الأربعة دراسة نقدية ص127، 128، وعلاء أبو بكر - البهريز جـ 1 س67 ص56، س277 ص192، البهريز جـ2 س179 ص160، 161، س180، س181، س182، س186، س187 ص161، س188 ص162، س210 ص184، 185، س228 ص196، 197، س776 ص386، البهريز جـ 3 س 205 ص136، البهريز جـ4 س140 ص105، س168 ص130، 131، س282 ص197، 198، س347 ص386، البهريز جـ5 س95، وأينوك باول - تطوَّر الأنجيل ص318).
ج: نظرة إلى الناقد علاء أبو بكر الذي طرح ثمانية عشر سؤالًا حول شجرة التين، وبلا شك أن هذا تكرارًا مُمل ينم عن عدم صفاء النية، فسؤال واحد كان يُغني عن الثمانية عشر سؤالًا، ولكنه وضع هدفًا أمام عينيه وهو نقض الكتاب المقدَّس بضرب الحد الأقصى من الأسئلة، ثم راح يتفاخر في ظهر أغلفة كتبه بهذا العدد الضخم متحديًا الإجابة عليها، وهذه النظرة المتعالية تجهل أن لكل سؤال في الكتاب المقدَّس بنعمة المسيح إجابة وافية شافية لمن تصفو نيته ويبحث عن الحق باخلاص.
1ــ ما ذنب شجرة التين التي لعنها السيد المسيح؟ وكيف يتأتى لنبي كريم أن يُلعن شجرة لا تملك لنفسها نفعًا أو ضرًا؟ وهل الفم الذي ينطق بالبركة ينطق باللعنة؟ وألم يكن من الأفضل أن يبسط إليها يد الشفاء فيجعلها تُثمر؟
اللَّه حر في خلائقه يتصرف فيها حسبما ترى حكمته، وهو يستخدم خلائقه غير العاقلة لتعليم الإنسان العاقل، فعندما استخدم الشيطان الحيَّة لغواية الإنسان لعنها اللَّه ليُعلّم الإنسان أن الخطية ووسائلها تقع تحت طائلة اللعنة، ولا ننسى تساؤلات النُقَّاد حول ما هو ذنب الحيَّة في هذه الأحداث؟ (راجع مدارس النقد - عهد قديم جـ 5 س368) وعندما أعطى اللَّه للحمار أن ينطق ويتكلم لكيما يخجل بلعام النبي (2 بط 2: 16) تساءل النُقَّاد كيف للحمار أن ينطق؟ (راجع مدارس النقد - عهد قديم جـ 7 س818) وعندما سمح السيد المسيح للشياطين أن تدخل قطيع الخنازير وتهلكه تساءل النُقَّاد: لماذا هذا الإتلاف (راجع مدارس النقد ــ عهد جديد جـ 3 س304) والآن يُلعن الشجرة المورقة الخادعة وهيَ لا تحمل ثمرًا ليُعلّم الإنسان أن اللعنة تحل بالإنسان المنافق الذي يُظهِر غير ما يُبطِن. ومن المعروف أن أوراق شجرة التين تظهر مع ظهور الثمار المبكرة، وكانت هذه الشجرة مورقة وجاء إليها السيد المسيح ليجد فيها ثمرًا فإذ هيَ خالية الوفاض فقال لها: "لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ. فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ" (مت 21: 19).
والذين يستنكرون على السيد المسيح الذي ينطق بالبركة أن ينطق باللعنة، لم يلاحظوا أن السيد المسيح لم يقل لها: "ملعونة أنت" كما سبق ولعن الحيَّة (تك 3: 14) بل " قال لها لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ" (مر 11: 14) فيبست الشجرة وانقطع إثمارها. وفي اليوم الأخير: "يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِه" (مت 25: 41)، وبهذا علَّم السيد المسيح البشرية على مرّ العصور ذاك الدرس الخطير، فعاقبة الإنسان المرائي اللعنة والموت. وقد شبه الكتاب الإنسان بالعشب، فقال داود النبي: "الإِنْسَانُ مِثْلُ الْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهَرِ الْحَقْلِ كَذلِكَ يُزْهِرُ" (مز 103: 15).. " لأَنَّ كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ" (1 بط 1: 24).. عجبًا أن ملايين الأشجار تنمو حتى تشيخ وتموت، أما هذه الشجرة الفريدة التي انتهت حياتها مبكرًا هيَ التي اجتمع حولها النُقَّاد يبكون ويولولون على ما عانته من ظلم لا يد لها فيه!!! والحقيقة أن مرد جميع هذه التساؤلات هو إنكار هؤلاء النُقَّاد ألوهية المسيح، فلو اعترفوا بحقيقة أن السيد المسيح هو اللَّه الحر في خلائقه، والمنزَّه عن أي خطأ ما كانوا طرحوا مثل هذه التساؤلات التي لا تنتهي.
وأوراق شجرة التين هيَ التي عجزت قديمًا عن ستر عري آدم وحواء (تك 3: 7) فهذه الأوراق لا تستر عري الإنسان ولا تشبع جوعه، ولا ننسى أن ما فعله السيد المسيح هنا حمل نبوءة تجاه الأمة اليهودية، فشجرة التين المورقة عديمة الإثمار كانت رمز لهذه الأمة اليهودية التي جاء منها الإله متجسدًا وهيَ رفضته (يو 1: 11) فحلَّت عليها اللعنة كنبوءة إرميا النبي قديمًا: "نَزْعًا أَنْزِعُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ عِنَبَ فِي الْجَفْنَةِ وَلاَ تِينَ فِي التِّينَةِ وَالْوَرَقُ ذَبُلَ وَأُعْطِيهِمْ مَا يَزُولُ عَنْهُمْ" (إر 8: 13). ويقول "القس منيس عبد النور:" (3) هذه التينة مثل المرائي الذي يتظاهر بالتقوى وهو مجرَّد منها، فعليه علامات القداسة وقلبه ملآن بالنجاسة، وهيَ تشير إلى الأمة اليهودية التي خصها اللَّه بالنواميس والشرائع والأنبياء، ومع ذلك كانت مجرَّدة من الإيمان والمحبة والتواضع، ورفضت المسيح ولم تُذعن لأوامره، ولم تأتِ بثمر، بل ارتكنت على أنها شعب اللَّه، فلهذا قال المسيح للشجرة: "لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ" ليعلم الناس أن الأهم هو الثمر.
(4) لعن التينة نبوءة على مستقبل الأمة اليهودية وإنذار للناس في كل عصر بأنهم إن لم يأتوا بأثمار القداسة والتقوى، حلت بهم دينونة اللَّه العادلة، والقول: "فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ " إشارة إلى خراب مدينة أورشليم وعقاب الأمة اليهودية. وقد كانت آيات المسيح كلها مبنية على الرحمة، ولكنه علّم تلاميذه أنه شديد العقاب، وإن كان رحيمًا" (1079).
وإن كانت حكمة اللَّه شاءت أن تصير هذه الشجرة وسيلة إيضاح لذاك الدرس الهام والخطير، فهل للنُقَّاد أن يتساءلوا لماذا لم يبسط السيد المسيح لها يد الشفاء ويجعلها تُثمر، وكأنهم يدركون ما لم يدركه الرب يسوع ويودون لو كانوا أوصياء على تصرفاته!!!
2ــ هل كان يجهل السيد المسيح موسم الإثمار؟ وهل كان يجهل أنه لا يوجد ثمر في الشجرة؟ ولو كان يعلم لماذا جاء إليها؟
السيد المسيح هو الإله المتجسّد، وهو العالِم بكل شيء، ويعلم بكل تأكيد موسم الإثمار وأن الشجر ليس بها ثمر، ولكنه قصد أن يُعطي الدرس العملي لتلاميذه ولكل البشرية، لذلك جاء إلى الشجرة. فما دامت الشجرة مورقة فكان من المفروض أن يظهر فيها الثمر المبكر، وقول الإنجيل: "لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ" (مر 11: 13) أي لم يكن وقت الإثمار العادي، وهذا لا يُنفي وجود الثمر المُبكر المصاحب لظهور الأوراق. فقد أعطى السيد المسح بلعنه شجرة التين درسًا عمليًا لن يُمحى من ذهن التاريخ قط. ويقول "القس منيس عبد النور":" (2) ولما كان عليها ورق أخضر اتخذ ذلك علامة على وجود باكورة ثمرة التين. فإن التين في أرض فلسطين يثمر عند ظهور الورق، وأحيانًا تطلع الثمار قبل النضج العام بأيام كثيرة، وهو المعروف عند العامة في الشام بالديفور. والقول " لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ " يعني أنه ليس وقت جنيه العمومي، ولو أنه كان وقت باكورة التين...
(5) لم يكن المسيح جاهلًا بأمر الشجرة، كيف لا وهو الذي يعرف خبايا كل إنسان، حتى أخبر السامرية مثلًا بكل ما فعلت. ولكنه تصرف بهذه الكيفية ليعرف الرسل بالعقاب الذي يحل بالمنافقين، وفي نفس الوقت يحل بالتينة التي أظهرت بأورقها الخضراء أنها تحمل باكورة التين دون أن تحمله فعلًا" (1080).
ويقول "وليم ماكدونالد": "وقد أثار بعضهم هذه الحادثة كصعوبة كتابية، لكن ذلك الإنتقاد ينم عن جهل بشخص المسيح، فهو اللَّه سيد الكون، ولا نستطيع تفسير كل أعماله في الخليقة، لكن علينا أن ننطلق من الافتراض الذي يُسلّم مسبقًا بأنه دائمًا على حق. ففي هذه الحالة عرف الرب أن شجرة التين تلك لن تحمل ثمرًا البتة، ولذلك تصرَّف كفلاح يقلع الشجرة من البستان.
كان لعن المسيح لتلك الشجرة رمزيًا، وهذا ما يُسلّم به حتى الذين ينتقدون الرب. ففي هذه الحادثة يكشف المخلص لنا حقيقة ذلك الترحيب الصاخب الذي قُوبل به وهو يهم بالدخول إلى أورشليم. وتمثل شجرة التين أمة إسرائيل، كما كانت تمثلها أيضًا الكرمة وشجرة الزيتون. فحينما جاء يسوع إلى الأمة كان فيها أوراق ما هيَ إلاَّ مظاهر الإيمان، لكن لم يكن لديها ثمر حقيقي للرب. أما يسوع فكان يتوق لرؤية ذلك الثمر الحقيقي في الأمة... كانت تلك الحادثة صورة مسبَّقة عن القضاء الذي سيقع على الأمة في السنة 70 ميلادية" (1081).
3ــ كيف يخاطب السيد المسيح شجرة لا تُدرك؟
يعلم السيد المسيح جيدًا أن الشجرة لا تُدرك، فهيَ لا تملك عقلًا مثل الإنسان، ولا تُدرك ما يُدركه الإنسان، ومع ذلك فقد خاطبها لأنه يعلم، فيما هو يخاطبها، أنه يخاطب كل من ترمز له هذه الشجرة العقيمة الثمار، وغاية هذا الدرس توضيح النهاية الطبيعية للمنافقين، والنهاية الحتمية لخراب أورشليم وتشتُّت الأمة اليهودية، كما يُظهِر هذا الدرس سلطة السيد المسيح على النباتات.
ويقول "دكتور وليم إدي": "لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ: خاطب الشجرة كأنها ذات إدراك وكأنها أذنبت، لأنه قصد بذلك إفادة العقلاء، فلا مدخل للظن أن المسيح أتى ذلك غضبًا، فمراده أن يعلمهم مثال منظور كما علمهم كثيرًا مثل ذلك بأمثلة مسموعة... والمسيح لعن الشجرة لا لأنها بلا ثمر بل لأنها لكثرة أوراقها كأنها إدعت الإثمار كذبًا. وكان دعاء المسيح على تلك الشجرة كنبوءة بمستقبل الأمة اليهودية وشتاتها في كل البلاد مثل أغصان من تلك التينة، وهو إنذار للناس في كل عصر بوقوع دينونة اللَّه عليهم إن لم يأتوا بثمار القداسة لأنهم كأغصان الكرم التي ينتزعها الكرَّام ويحرقها (يو 15: 2، 6)، ومثل " أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ" (يه 12) وهو إنذار لكل الكنائس غير المثمرة ككنيسة أفسس (رؤ 2: 5)" (1082).
4ــ ما ذنب صاحب هذه الشجرة حتى يُحرَم من ثمارها؟ وألاَّ يُعد هذا تدميرًا للبيئة؟ وكيف أراد المسيح أن يأكل تينًا من شجرة الغير وبدون استئذان؟ قال الإنجيل عن السيد المسيح: "فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ" (مت 21: 19)، فهيَ شجرة نبتت على جانب الطريق، فلم تكن ملكًا لأحد، وبالتالي ليس هناك أي داعي لتساؤل الناقد عن أذية صاحب الشجرة، بينما الشجرة ليس لها صاحب، فكانت ثمارها مُباحة لكل الناس، وحتى لو كانت هذه الشجرة ملكًا لشخص بعينه فإن الشريعة اليهودية سمحت لأي إنسان بأن يأكل من كرم أو حقل غيره، غير أن لا يحمل معه شيئًا، فجاء في سفر التثنية: "إِذَا دَخَلْتَ كَرْمَ صَاحِبِكَ فَكُلْ عِنَبًا حَسَبَ شَهْوَةِ نَفْسِكَ شَبْعَتَكَ. وَلكِنْ فِي وِعَائِكَ لاَ تَجْعَلْ. إِذَا دَخَلْتَ زَرْعَ صَاحِبِكَ فَاقْطِفْ سَنَابِلَ بِيَدِكَ وَلكِنْ مِنْجَلًا لاَ تَرْفَعْ عَلَى زَرْعِ صَاحِبِكَ" (تث 23: 24، 25). ولا يجب أن نغفل أن السيد المسيح هو اللَّه المالك الحقيقي ليس للشجرة فقط بل لكل شيء ولجميع الكائنات العاقلة وغير العاقلة، وهو لم يؤذي أحدًا فيما يخصه، بل أفاض على الجميع من إحساناته، فهو الذي شفى المرضى وأراح المتعبين وأقام الموتى، وهو الذي يُعطي الجميع بسخاء ولا يُعيّر، ويُشرق شمسه على الأبرار والأشرار، وأوصى تلاميذه قائلًا: "اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ مَجَّانًا أَعْطُوا" (مت 10: 8). وما فعله السيد المسيح له المجد لا يُعد تدميرًا للبيئة، فتيبُّس شجرة تين واحدة لن يُدمر البيئة ولن يؤثر على المناخ في بلاد فلسطين، بل أنه كفلاح ماهر اقتلع هذه الشجرة العقيمة التي لا تُثمر حتى لا تعطل الأرض، فهذا تصرف حكيم نظر إليه أصحاب النظرة السوداء على أنه تدمير للبيئة!!!
5ــ متى يبست شجرة التين، هل في الحال (مت 21: 19) أم في اليوم التالي (مر 11: 20، 21)؟ وهل حادثة هذه الشجرة كانت بعد تطهير الهيكل (مت 21: 18 - 22) أم قبل تطهير الهيكل (مر 11: 12 - 14)؟
كما تعودنا من القديس متى الاختصار ودمج الأحداث، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هكذا دمج بين ما حدث للشجرة لحظة نطق السيد المسيح بالحكم عليها إذ بدأت الأوراق تذبل والأغصان تجف، وبين تيبس أصول الشجرة في اليوم التالي، فذكر الحدثين مرة واحدة (مت 21: 18 - 22). أما القديس مرقس فقد ذكر كل حدث في حينه، فذكر حُكم السيد المسيح على الشجرة (مر 11: 12 - 14)، ثم ذكر نتيجة حُكم اللعنة في اليوم التالي (مر 11: 20 - 25) وبينهما ذكر تطهير الهيكل (مر 11: 15 - 19). أي أن هناك حدثان مرتبطان بالشجرة الأول لحظة الحكم عليها وهذا حدث قبل تطهير الهيكل، والآخر ظهور نتائج الحكم في اليوم التالي، أما القديس متى فدمج الحدثين ووضعهما بعد تطهير الهيكل. ويقول "دكتور وليم إدي": "كثيرًا ما ذكر متى الأحداث بدون إلتفات إلى ترتيب وقوعها. وأما مرقس فرتب الأحداث حسب أزمنتها وذكرها تفصيلًا، فنتعلم من بشارة مرقس ما لا نتعلمه من بشارة متى، وهو أن المسيح لعن التينة في صباح يوم الإثنين عند ذهابه إلى المدينة لكي يُطهِر الهيكل، وأن التلاميذ شاهدوا أنها يبست في صباح الغد أي يوم الثلاثاء، ومتى ذكر لعنة التينة وتيبسها معًا بقطع النظر عن أن بينهما يومًا فذكرها في أحداث يوم الثلاثاء، أي بعد تطهيره الهيكل بيوم" (1083). (راجع الخوري بولس الفغالي - تفسير إنجيل متى جـ 3 ص 193، 194).
6ــ هل ما حدث للشجرة أمر عادي خالي من طبع الإعجاز لأن شجرة التين من الطبيعي أنها لا تبقى إلى الأبد؟
قال "أينوك باول": "استخدام قوة الإيمان والصلاة لتيبيس شجرة تين غير مثمرة. وتوجيه الخطاب للشجرة ليس إنفعاليًا فقط ولكنه عديم المعنى أيضًا، فأشجار التين لا تبقى " إلى الأبد". وكذلك فالموعد للتلاميذ: إن كان لكم إيمان ولا تشكَّون، فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون" (1084). وقول "أينوك باول" يُمثل فكر المدرسة العقلانية التي ترفض حدوث المعجزات، وقد تم مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم - مقدمة (2) من س63 إلى س84. وقد تغافل أينوك باول ما أوضحه الإنجيل في أن أمر الشجرة لم يكن أمرًا عاديًا، فبمجرد أن نطق السيد المسيح بحكمه بدأت أوراق تلك الشجرة تذبل وأغصانها تجف، وهذا لم يحدث قبل نُطق السيد المسيح أو بعد ذلك بأيام، بل ارتبط موت الشجرة بالحكم الذي صدر ضدها، وفي اليوم التالي جف جذع الشجرة كما جفت جذورها بهذه السرعة، وهذا ما دعى التلاميذ للتعجب: "فَلَمَّا رَأَى التَّلاَمِيذُ ذلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ" (مت 21: 20)، وفي اليوم التالي قال بطرس للسيد المسيح: "يَا سَيِّدِي انْظُرْ اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ" (مر 11: 21). إذًا الأمر ليس بالصورة التي يُستهان بها، وعندما قال السيد المسيح: "لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ" كان قوله واضح أنه لن تُثمر هذا العام ولا في أي عام قادم، وليس كما يصوّر الناقد الموقف وكأن هذه الشجرة ستثمر سنو حياتها حتى تجف وتموت مثل أي شجرة. ونظرة للتاريخ في نفاذ الوعود الإلهيَّة، يكفينا نقل جبل المقطم في عصر المعز لدين اللَّه الفاطمي، وما حياتنا إلاَّ سلسلة من المعجزات، ونحن نعيش المعجزات في كنيستنا بروح الإيمان يومًا فيومًا لأننا نثق أن إلهنا هو إله المستحيلات.
_____
(1079) شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص321.
(1080) شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص320، 321.
(1081) تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ 1 ص137، 138.
(1082) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص354، 355.
(1083) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص353.
(1084) ترجمة أحمد أيبش - تطوُّر الإنجيل ص318.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/387.html
تقصير الرابط:
tak.la/pjfj97k