St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

385- هل أحضر التلميذان من القرية أتانًا وجحشًا (مت 21: 2)، أم أنهما أحضرا جحشًا فقط (مر 11: 2، لو 19: 30، يو 12: 14)؟ وكيف يأمر المسيح تلميذيه بسرقة الدابتين؟ وهل ذكر متى أتانًا وجحشًا لكيما يتوافق مع نبوءة زكريا النبي (زك 9: 9)، مع أن هذه النبوءة لا تتوافق مع السيد المسيح لأنه لم يكن ملكًا على أورشليم، ولم يكن ملكًا منصورًا إنما مصلوبًا، ولم يمتد مُلكه من البحر إلى البحر، ولم يقطع المركبة والفرس وقوس الحرب عن أورشليم، ولم يتكلم بالسلام للأمم، بل قال: "مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (مت 10: 34)؟ وكيف جلس السيد المسيح على الدابتين في وقت واحد؟ وهل الرب مالك السموات والأرض يحتاج إلى أتان وجحش ابن أتان (مت 21: 3)؟ وكيف حمل الحمار ما عجز الجبل عن حمله (خر 19: 16 - 18)؟

 

س385: هل أحضر التلميذان من القرية أتانًا وجحشًا (مت 21: 2)، أم أنهما أحضرا جحشًا فقط (مر 11: 2، لو 19: 30، يو 12: 14)؟ وكيف يأمر المسيح تلميذيه بسرقة الدابتين؟ وهل ذكر متى أتانًا وجحشًا لكيما يتوافق مع نبوءة زكريا النبي (زك 9: 9)، مع أن هذه النبوءة لا تتوافق مع السيد المسيح لأنه لم يكن ملكًا على أورشليم، ولم يكن ملكًا منصورًا إنما مصلوبًا، ولم يمتد مُلكه من البحر إلى البحر، ولم يقطع المركبة والفرس وقوس الحرب عن أورشليم، ولم يتكلم بالسلام للأمم، بل قال: "مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (مت 10: 34)؟ وكيف جلس السيد المسيح على الدابتين في وقت واحد؟ وهل الرب مالك السموات والأرض يحتاج إلى أتان وجحش ابن أتان (مت 21: 3)؟ وكيف حمل الحمار ما عجز الجبل عن حمله (خر 19: 16 - 18)؟ (راجع دكتور محمد توفيق - نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية هامش ص33، وحفيط اسليماني - الأناجيل الأربعة دراسة نقدية ص96، 97، وعلاء أبو بكر - البهريز جـ 2 س219 ص191، س222، س223 ص192، جـ 3 س234 ص147، جـ 4 س189 ص160، 161، س191 ص173، 174، والسيد سلامة غنمي - التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص372، ونبيل نيقولا جورج - الأناجيل الأربعة لماذا لا يُعوَل عليها ص118.

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت
St-Takla.org Image: "They brought the donkey and the colt, laid their clothes on them, and set Him on them. And a very great multitude spread their clothes on the road; others cut down branches from the trees and spread them on the road. Then the multitudes who went before and those who followed cried out, saying: “Hosanna to the Son of David! ‘Blessed is He who comes in the name of the Lord!’ Hosanna in the highest!”" (Matthew 21: 7-9) - "And many spread their clothes on the road, and others cut down leafy branches from the trees and spread them on the road. Then those who went before and those who followed cried out, saying: “Hosanna! ‘Blessed is He who comes in the name of the Lord!’ Blessed is the kingdom of our father David that comes in the name of the Lord! Hosanna in the highest!”" (Mark 11: 8-10) - from "The Forecourt of the Soul" book, by Frans van Hoogstraten, Romeyn de Hooghe, Engelbertus Solmans, Hendrik van Puer, 1698. صورة في موقع الأنبا تكلا: دخول المسيح أورشليم: "وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق. والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!»" (متى 21: 7-9) - "وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق. والذين تقدموا، والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنا! مبارك الآتي باسم الرب! مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب! أوصنا في الأعالي!»" (مرقس 11: 8-10) - من صور من كتاب "حصن الروح"، تأليف: فرانس فان هوجستراتن، رومين دي هوغ، إنجيلبيرتوس سولمانز، هندريك فان بيور، إصدار 1698 م.

St-Takla.org Image: "They brought the donkey and the colt, laid their clothes on them, and set Him on them. And a very great multitude spread their clothes on the road; others cut down branches from the trees and spread them on the road. Then the multitudes who went before and those who followed cried out, saying: “Hosanna to the Son of David! ‘Blessed is He who comes in the name of the Lord!’ Hosanna in the highest!”" (Matthew 21: 7-9) - "And many spread their clothes on the road, and others cut down leafy branches from the trees and spread them on the road. Then those who went before and those who followed cried out, saying: “Hosanna! ‘Blessed is He who comes in the name of the Lord!’ Blessed is the kingdom of our father David that comes in the name of the Lord! Hosanna in the highest!”" (Mark 11: 8-10) - from "The Forecourt of the Soul" book, by Frans van Hoogstraten, Romeyn de Hooghe, Engelbertus Solmans, Hendrik van Puer, 1698.

صورة في موقع الأنبا تكلا: دخول المسيح أورشليم: "وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق. والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!»" (متى 21: 7-9) - "وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق. والذين تقدموا، والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: «أوصنا! مبارك الآتي باسم الرب! مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب! أوصنا في الأعالي!»" (مرقس 11: 8-10) - من صور من كتاب "حصن الروح"، تأليف: فرانس فان هوجستراتن، رومين دي هوغ، إنجيلبيرتوس سولمانز، هندريك فان بيور، إصدار 1698 م.

ج: 1ــ من قال أن مارمرقس أو لوقا الإنجيلي قال أن التلميذين أحضرا الجحش فقط؟!

كلمة "فقط" هيَ من تصوُّر الناقد حتى ينطلي على القارئ التهمة الباطلة بأن هناك تناقض بين الأناجيل، فقد سجل مارمرقس قول السيد المسيح لتلميذيه: "تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. فَحُلاَّهُ وَأْتِيَا بِهِ" (مر 11: 2)، وكذلك سجل لوقا الإنجيلي: "اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا وَحِينَ تَدْخُلاَنِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَطُّ. فَحُّلاَهُ وَأْتِيَا بِهِ" (لو 19: 30)، فواضح أنه لا مارمرقس ولا لوقا الإنجيلي ذكر أي لفظ يُشتَم منه أنه لم يكن هناك غير الجحش فقط، وقد سبق الرد على مثل هذا الإتهام عندما ذكر القديس متى اثنين مثل مجنونين أو أعميين بينما ذكرت الأناجيل الأخرى واحد فيُرجى الرجوع إلى إجابة س303، س384.

وسبب تركيز كل من مرقس ولوقا على الجحش لأنه لم يجلس عليه أحد من قبل، مثلما كانت البقرة الحمراء التي قدمها موسى النبي ذبيحة خطية لم يعلوها نير (عد 19: 2) وأيضًا البقرتان اللتان جرتا العربة الجديدة التي حملت تابوت العهد لم يعلوهما نير (1 صم 6: 7)، وواضح أن هناك حكمة إلهيَّة من استخدام الأتان والجحش فالأتان يرمز للأمة اليهودية التي تمرَّست على نير الشريعة، والجحش فهو يرمز للأمم في طياشته وعدم تمرّسه، فهؤلاء الأمم لم يخضعوا للشريعة ولم يصغوا لنداءات الأنبياء، وعندما ركب السيد المسيح الأتان أولًا وتركها ففي هذا إشارة إلى رفض الأمة اليهودية له (يو 1: 11) وتخليه عنها، وركوبه الجحش رمزًا لقبول الأمم الإيمان به. أما يوحنا الإنجيلي فقال: "وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ" (يو 12: 14، 15)، وقد صاحبت الأتان ابنها حتى لا يهرع من هتاف الجموع الهادرة، وتم تزيين الدابتين بالثياب فلم يضع التلاميذ ثيابهم على حيوان واحد فقط بل على الاثنين، لأنهما لم يعلما أيهما سيجلس عليه المسيح الملك، وهو جلس على الدابتين بالتبادل " الْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ" (مت 21: 8) مثلما فعل أصحاب ياهو عندما سمعوا أن اللَّه مسحه ملكًا على إسرائيل: "فَبَادَرَ كُلُّ وَاحِدٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَوَضَعَهُ تَحْتَهُ عَلَى الدَّرَجِ نَفْسِهِ وَضَرَبُوا بِالْبُوقِ وَقَالُوا قَدْ مَلَكَ يَاهُو" (2 مل 9: 13). وهذه هيَ المرة الأولى التي يُذكر فيها أن السيد المسيح ركب على دابة خلال خدمته وكرازته بطول البلاد وعرضها، فقد إعتاد أن يقطع المسافات القصيرة والطويلة سيرًا على الأقدام، يجول يصنع خيرًا.

ومع أن المسافة الباقية على أورشليم من بيت فاجي نحو الميلين وكان من السهل أن السيد المسيح يقطعهما سيرًا على الأقدام، ولكنه قصد أن يدخل إلى أورشليم في موكب ملوكي، وكان الطريق إلى أورشليم يتخذ مسلكًا هبوطًا وصعودًا، وبسبب رأفة السيد المسيح على الحيوانات استخدم في رحلته القصيرة هذه كلاَّ من الحيوانين، فركب أولًا على الأتان، وفي دخوله إلى أورشليم ركب على الجحش، فهو بالطبع، ومن البديهي أنه لم يستخدم الحيوانين في آن واحد، وعندما قال الإنجيل " وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا" (مت 21: 7)، كان من المفهوم ضمنًا أنه جلس عليهما بالتبادل، فالإنجيل كُتِب لأناس يعقلون، فليس من الضروري أن يذكر ما هو معلوم. وعندما أقول: "قرأت هذين الكتابين" أو "أكلت رغيفين من الخبز" فمن المعلوم أنني قرأت كتابًا وبعد أن انتهيت منه قرأت الكتاب الثاني، أو أنني أكلت رغيفًا ثم أعقبته برغيف ثانٍ.

ونحن لا نستطيع أن نوافق البعض في قولهم أنه كان هناك جحش فقط، ولكن "متى" كتب انطلاقًا من نبوءة زكريا (زك 9: 9) وليس انطلاقًا من واقع الحدث، كقول "الخوري بولس الفغالي": "ولكن إذا تحدث مرقس ولوقا عن جحش واحد، وتحدث متى (مت 21: 2) عن أتان وجحش، وشدَّد في (مت 21: 7) على أن يسوع ركب عليهما (كيف؟). في الواقع تكلم نص زكريا عن حمار وجحش، ولكن كان هذا إسهابًا في الحديث عن حيوان واحد. وقد أراد الحدث في متى أن يلتصق التصاقًا ماديًا بالنبوءة. ماذا يعني هذا؟ هل كتب متى التاريخ إنطلاقًا من النبوءة أم من الحدث؟ في النهاية، أن يكون هناك حيوان أو حيوانان فهذا أمر ثانوي" (1073). نحن نؤمن أن الإنجيل كما هو معصوم في مجمله فهو أيضًا معصوم في جميع تفصيلاته، وما كتبه القديس متى يتوافق مع نبوءة زكريا تمامًا، فأنه بالحقيقة كان هناك أتان وجحش ابن أتان استخدمها السيد المسيح بالتبادل.

ويقول "البابا شنوده الثالث": "جوهريًا وحقيقيًا ليس هناك اختلاف بين رواية الإنجيل للقديس متى من جهة، وبين روايات الإنجيل للقديس مرقس ولوقا ويوحنا من جهة أخرى. إنما الاختلاف ظاهري، لأن الإنجيل للقديس متى يروي القصة كاملة ويذكر تفصيلًا أن الرب يسوع ركب الأتان كما ركب الجحش أيضًا، وفي هذا تحقيق لما أنبأ به زكريا في القديم: (مت 21: 5، زك 9: 9).. أما الإنجيليون الآخرون فقد ذكروا أن المسيح له المجد ركب الجحش ودخل إلى أورشليم.

إن الوحي الإلهي لا يتناقض ولا يتعارض مع ذاته. فما دام الإنجيل للقديس متى قد ذكر صراحة أن تلميذي الرب قد: "أَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا "، فلا بد أن الإنجيل صادق، وأن الأتان والجحش كانا معًا، ولم يكن الجحش وحده، وأن الرب يسوع قد ركب على كل من الأتان والجحش، غير أنه ليس من المعقول أن يكون السيد المسيح قد ركب عليهما معًا في وقت واحد إنما المعقول والمقبول أن يكون السيد المسيح قد ركب عليهما في فترتين متتاليتين، أي أنه ركب على أحدهما وقتًا ما، ثم تركه وركب بعد ذلك على الآخر.

وحيث أن رواية الإنجيليين الثلاثة مرقس ولوقا ويوحنا تجمع أن الرب يسوع دخل إلى أورشليم وهو راكب جحش، ولا بد أن يكون الوحي الإلهي صادقًا فالمعقول والمقبول أن يكون المسيح الرب قد ركب على الأتان أولًا، ثم تركها، وركب بعد ذلك على الجحش، ودخل أورشليم راكبًا على الجحش، وبهذا الوضع يكون مخلصنا ركب على الأتان والجحش معًا، ولكن في فترتين متعاقبتين.." (أسئلة عن الكتاب المقدَّس - موقع الأنبا تكلا).

واستقبال الجموع للسيد المسيح بأغصان الزيتون وسعف النخيل، أعاد للأذهان ذكريات عيد التجديد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي سنة 175 ق.م استولى أنطيوخس الرابع ملك سوريا على أورشليم، وأراد أن ينشر الثقافة والعبادات اليونانية بدلًا من اليهودية المنغلقة، فنجَّس الهيكل إذ قدم خنازير على مذبح المحرقة، وحوَّل حجرات الهيكل إلى حجرات للدعارة، فجاء يهوذا المكابي وحارب قوات أنطيوخس وانتصر عليها واسترد أورشليم وأعاد تدشين الهيكل وسط تهليل الجموع بأغصان الأشجار وسعف النخيل " ولذلك سبحوا لمن يسر بطهر هيكله وفي أيديهم غصون ذات أوراق وأفنان خضر وسعف" (2 مك 10: 7)، فصار يوم التدشين هذا عيدًا سنويًا يحتفلون به، وهو عيد التجديد.

 

2ــ تنبأ زكريا النبي عن دخول السيد المسيح إلى أورشليم قائلًا: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ وَمِـنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ" (زك 9: 9، 10). والنبوءة انطبقت على السيد المسيح بالمعنى الحرفي في أجزاء منها وبالمعنى الروحي في أجزاء أخرى، كما يتضح مما يلي:

(أ) هل السيد المسيح هو ملك أورشليم؟ نعم ليس بالمعنى الحرفي، بل بالمعنى الروحي، فأورشليم تتكون من قطعين، أولهما "أور" أي "موقع مخصَّص لعبادة اللَّه وخدمته"، والثاني "سليم" أي سلام، فهيَ مدينة السلام والسيد المسيح هو ملك السلام وهيَ مدينة الهيكل والسيد المسيح هو رب الهيكل، وأورشليم هيَ مدينة اللَّه والسيد المسيح هو الإله المتجسّد: "سَبِّحِي يَا أُورُشَلِيمُ الرَّبَّ سَبِّحِي إِلهَكِ يَا صِهْيَوْنُ" (مز 147: 12)، وأورشليم هيَ مدينة الملك داود، والسيد المسيح هو ابن داود الجالس على عرش داود (لو 1: 32) فعندما جاء المجوس إلى أورشليم يسألون: "أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ" (مت 2: 2) اضطربت المدينة، وفي دخوله الملوكي إليها صرخت الجموع: "أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي. وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا" (مت 21: 9، 10). أورشليم التي قال عنها اللَّه: "وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي" (2 مل 19: 34).. " مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ. فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ... عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ... قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ" (إش 62: 1 - 11).

وكانت أورشليم في زمن السيد المسيح من أقدم مدن فلسطين وأشهرها وأكبرها من جهة المساحة، ومن جهة عدد السكان، ولا سيما أن اليهود في جميع أرجاء الأرض كانو يحجون إليها، فبلغ عدد سكانها نحو خمسين ألفًا، بينما يتزايد العدد في الأعياد إلى أكثر من مليوني شخص، وعندما دخلها السيد المسيح دخلها كملك متواضع راكبًا ليس على صهوة جواده، إنما جالسًا على جحش فارتجت المدينة لقدومه، فهو رب أورشليم وهو الإله الوحيد وحده. وقد دُعي ملكوت السموات بأورشليم السمائية، والحديث عن أورشليم لا ينتهي.

(ب) هل السيد المسيح هو المنتصر الذي امتد ملكوته أم أنه المصلوب؟

على جبل الجلجثة صُلِب السيد المسيح عريانًا على خشبة العار ومات على الصليب، وبموته المحيي سحق قوة الشيطان: "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ" (كو 2: 15).. ورآه المرنم وهو يملك على عرش الصليب فترنم قائلًا: "تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ... كُرْسِيُّكَ يَا اللَّه إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ" (مز 45: 3، 6)، ومَلَكَ السيد المسيح من على الصليب على قلوب محبيه، ورآه يوحنا الرائي راكبًا على: "فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ" (رؤ 6: 2)، وامتد سلطانه ليس من البحر للبحر فقط كما جاء في نبوءة زكريا النبي بل أن المسيحية انتشرت في جميع أرجاء الأرض، فالنبوءة تحقَّقت بصورة روحية.

(جـ) هل قطع السيد المسيح المركبة والفرس وقوس الحرب عن أورشليم أم أن الحرب مع الرومان استعرت نيرانها؟

السيد المسيح هو ملك السلام، في يوم ميلاده تهللت الملائكة وأنشدت: "الْمَجْدُ للَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14)، فحلَّ المسيح بأرضنا وصنع سلامًا لجميع من قبلوه، وتحقَّقت نبوءة إشعياء النبي: "سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ" (إش 57: 19).. " فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ" (أف 2: 17)، كما قال بولس الرسول أيضًا: "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنـَا سَلاَمٌ مَعَ اللَّه بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو 5: 1).. حلَّ بأرضنا ملك السلام، مصدر السلام الذي صالح اليهود مع الأمم: "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِـدًا وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ" (أف 2: 14)، وصارت كنيسة المسيح مزيجًا من اليهود والأمم كأخوة متحابين عوضًا عن العداوة التي كانت سائدة بينهما. كما صالح السيد المسيح أيضًا السمائيين مع الأرضيين: "وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ عَامِلًا الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ بِوَاسِطَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ" (كو 1: 20).. حلَّ ملك السلام بأرضنا ووهبنا سلامه: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا" (يو 14: 27) فجميع الذين قبلوا المسيح هم أبناء أورشليم السمائية وقد نعموا بالسلام الإلهي، أما الذين رفضوا مُلك المسيح عليهم فلم يجدوا سلامًا لأنه: "لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلهِي لِلأَشْرَارِ" (إش 57: 21)، ولو أن أورشليم قبلت المسيح ما كان حلَّ بها الخراب والدمار والحرق والدماء على يد القوات الرومانية سنة 70م فأُحرق الهيكل ونقضت المدينة التي رثاها السيد المسيح قبل خرابها: "وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا. قَائِلًا إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ.." (لو 19: 41 - 44).. " يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا" (مت 23: 37، 38).

( د) هل تكلم السيد المسيح بالسلام للأمم أم أنه جاء ليُلقي سيفًا (مت 10: 34)؟

تكلم السيد المسيح بالسلام للجميع، لليهود والأمم، للقريبين والبعيدين (إش 57: 19، أف 2: 17). أما قول السيد المسيح " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (مت 10: 34) فقد أوضحنا أن السيف واقع على الذين آمنوا بِاسمه القدوس من قِبل ذويهم المتعصبين، وقد سبق الحديث عن هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى إجابة س 326.

 

3ــ هل أمر السيد المسيح تلميذيه بسرقة الدابتين؟

هذا التساؤل مثال صارخ للإتهامات الباطلة، لأن التلميذين لم يسرقا الدابتين، ولم يستوليا عليهما في غفلة من أعين أصحابهما، وهذا الأمر واضح جدًا في الكتاب، فمن المستبعد أن يجهل الناقد هذا الأمر، وهذا يفضح سوء النية... ماذا قال الكتاب؟ قال إنجيل مرقس أن السيد المسيح أرسل اثنين من تلاميذه إلى القرية وأخبرهما أنهما سيجدان جحشًا مربوطًا: "وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ لِمَاذَا تَفْعَلاَنِ هذَا فَقُولاَ الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا. فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ فَحَلاَّهُ. فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ الْقِيَامِ هُنَاكَ مَاذَا تَفْعَلاَنِ تَحُلاَّنِ الْجَحْشَ. فَقَالاَ لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا" (مر 11: 3 - 6).. " وَفِيمَا هُمَا يَحُّلاَنِ الْجَحْشَ قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ لِمَاذَا تَحُّلاَنِ الْجَحْشَ. فَقَالاَ الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْه" (لو 10: 33، 34).. كانت الأتان وابنها على أهبة الاستعداد ومالكهما كان ينتظر النطق بكلمة السر: "الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْه" ولا نعرف السر المخفي وراء هذه العبارة، لعلها تخفي وراءها رؤية رآها صاحب الدابتين والآن تدخل حيز التنفيذ.

 

4ــ كيف يحتاج مالك السماء والأرض إلى أتان وجحش ابن أتان (مت 21: 3)؟

في رحلته الأخيرة إلى أورشليم تحرَّك السيد المسيح مع تلاميذه وعدد ليس بقليل من الجليليين الذين شايعوه كمواطن جليلي، وهو المسيا المخلص، وجاز في أريحا ومنها صعد إلى أورشليم سالكًا طريقًا بمحاذاة الطرف الشرقي لجبل الزيتون حيث تقع قريتي بيت عنيا وبيت فاجي، وعند بيت فاجي تلتف الطريق إلى وادي يهوشافاط ثم تصعد إلى أورشليم (راجع وليم مكدونالد - تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ1 ص135) وعند بيت فاجي أرسل السيد المسيح اثنين من تلاميذه لهذه القرية الصغيرة شرقي أورشليم على السفح الشرقي من جبل الزيتون قرب بيت عنيا، وقال لهما: "اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا" (مت 21: 2، 3).. ما هذا الأمر العجيب... الرب الإله خالق الكون كله يحتاج، ويحتاج إلى أتان وجحش؟!! نعم ففي تجسّده عاش على أرضنا هذه كإنسان فقير، وُلِد في مزود البقر ودُفن في قبر مستعار، فقد اختبر حياة الفقر من المهد للحد، وهذا ما أثار دهشة بولس الرسول: "فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِه" (2 كو 8: 9).. هو الغني بحسب لاهوته وهو الفقير بحسب ناسوته، حتى أنه يحتاج إلى أتان وجحش.

وكيف حمل الحمار ما عجز الجبل عن حمله (خر 19: 16 - 18)؟!!

نعم عندما نزل اللَّه على الجبل لم يحتمل الجبل حلول اللَّه عليه حتى: "أَنَّهُ صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى الْجَبَلِ وَصَوْتُ بُوق شَدِيدٌ جِدًّا... وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ... وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا" (خر 19: 16، 18). لكن في تجسّده حجب السيد المسيح مجد لاهوته داخل ناسوته، فعاش في وسط الناس يأكل ويشرب وينام معهم ويمشي في الشوارع ويلتقي بالكبار والصغار ولم يحترق أحد بنار لاهوته " لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ" (عب 12: 29)، حتى الأشرار تجادلوا معه وتآمروا عليه وحدث كل ما حدث ولم يُظهِر أي نوع من النقمة على هؤلاء الأشرار، وبالمثل احتمله الحمار ودخل به إلى أورشليم... يا ليتنا يا صديقي نتأمل قليلًا في تجسُّد اللَّه وولادته كطفل صغير في مزود البقر لندرك عظمة اللَّه في اتضاعه وتنازله إلينا!!!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1073) دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى جـ 1 ص304.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/385.html

تقصير الرابط:
tak.la/yjps6v2