س303: هل جاء السيد المسيح: "إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ" (مت 8: 28)، أم: "إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ" (مر 5: 1، لو 8: 26)؟ وهل كان هناك مجنونان (مت 8: 36)، أم إنسان به روح نجس (مر 5: 2)؟ (راجع البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ5 س1، س63 بشبكة الانترنت، وحفيظ اسليماني - الأناجيل الأربعة دراسة نقدية، وفراس السواح ــ الوجه الآخر للمسيح ص15، وعلي زلماط - دراسة في إنجيل لوقا ص100، 101، وعلى الريس - تحريف مخطوطات الكتاب المقدَّس ص129 - 139، وأينوك باول - تطوُّر الإنجيل ص216).
كما يقول "علاء أبو بكر": "س210: كم مجنونًا شفاهم يسوع؟
مجنونين عند متى... (مت 8: 28 - 34) ومجنونًا واحدًا عند مرقس... (مر 5: 1 - 13).
الغريب أنهم يقولون أن متى ومرقس من الحواريين ومن شهود العيان، فكيف لم يعرفوا هم أنفسهم عدد المجانين في هذه الحادثة؟ ناهيك عن قولهم بوحي هذا الكتاب، إذ لم يعرف الرب أيضًا عددهم! أضف إلى ذلك كون عيسى عليه السلام عندهم الإله الذي قام بهذه المعجزة، وهو الذي أوحى بهذا الكلام، ومع ذلك لم يعرف الحقيقة" (768).
وتقول "دكتورة سارة بنت حامد": "ومن أمثلة التحريف بالزيادة ما ورد في قصة شفاء المسيح عليه السلام للرجل المجنون، فيُلاحَظ أن هذه القصة وردت بنفس التفاصيل في مرقس وفي لوقا وفي متى، إلاَّ أن متى قد زاد فيها فجعل بدلًا من كونه مجنونًا واحدًا فقد ضاعفه إلى اثنين... وإذا وُجِد رأيين مختلفين، فأنه عند ثبوت صحة أحدهما فبلا شك لا بد أن يثبت خطأ الرواية الأخرى، فإذا ثبتت صحة رواية مرقس ولوقا فلا بد أن يثبت خطأ رواية متى والعكس صحيح" (769).
ج: 1ــ سبق الإجابة على التساؤل الأول الخاصة بكورة الجرجسيين أو الجدريين (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س7)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حيث أوضحنا أنه كان هناك مدينتان، الكبرى بِاسم "جدرة" حتى أن كل المنطقة دُعيت بكورة الجدريين، ومدينة جدرة هذه بعيدة عن شاطئ بحر الجليل بنحو ثمانية أمثال، ووصفها يوسيفوس في القرن الأول الميلادي وقال أنها تقع شرق الأردن مقابل طبربة، والمدينة الأخرى صغيرة وتُدعى "جرسة" أو "جرجسة" وتقع في نطاق كورة الجدريين على شاطئ بحر الجليل، على بُعد نحو خمسة أو ستة أميال من دخول الأردن بحيرة الجليل، حيث تقترب الهضاب إلى البحر، فمن السهل أن يندفع قطيع الخنازير للبحر، وهيَ المدينة التي حدثت فيها المعجزة، ولأن القديس متى كتب لليهود العارفين بجغرافية أرض فلسطين ذكر المكان بالتحديد وهو جرسة أو كورة الجرسيين رغم صغرها، أما مرقس ولوقا اللذان كتبا للأمم فذكرا اسم المنطقة ككل وهيَ كورة الجدريين الأكثر شهرة. وقول القديس متى يشبه قولنا بأن المتحف القبطي في مصر القديمة، أو أن جامع محمد علي في القلعة، وقول مرقس ولوقا يشبه قولنا بأن المتحف القبطي أو جامع محمد علي في مدينة القاهرة، ولا يوجد تناقض، لأن مصر القديمة، والقلعة مناطق داخل القاهرة.
وفي سنة 1970م تم إكتشاف بعض الآثار في منطقة جرسة بقرب حافة مرتفعة تطل على بحر الجليل بجوار منطقة قبور، وقد بُنيت في هذه المنطقة في العصر البيزنطي كنيسة لتخليد تلك المعجزة، وهذا يؤكد أن المسيحيين الأوائل كانوا على علم بمكان المعجزة، ولهذا لم تظهر أية اعتراضات ترجع لذلك الزمان، إنما هيَ اعتراضات في العصر الحديث بسبب الجهل بجغرافية فلسطين في القرن الأول الميلادي.
(راجع Archaeogyand and the New Testement Jahn Mcray، وموقع هولي بايبل، والأب متى المسكين - الإنجيل بحسب القديس متى ص319، 320، والقس سمعان كلهون - إتفاق البشيرين، ووليم أدي - الكنزل الجليل في تفسير الإنجيل - تفسير إنجيل متى، ووليم باركلي - تفسير العهد الجديد ط 1، وقاموس الكتاب المقدَّس ص255، 256، والكتاب المقدَّس الدراسي ص2272).
2ــ قال البعض أن كلمة كورة الجرسيين أُدخلت في النص بواسطة أوريجانوس لأنه لا جدرا ولا جرسة كانت على شاطئ البحيرة (راجع التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل متى - هامش ص174)، وهذا أمر يصعب تصديقه لأن أي أحد من الآباء لم يجرؤ على تغيير أي شيء في نص الإنجيل، فلو فعل أوريجانوس هذا ما صمت بقية الآباء، وهب أنه فعل هذا في مخطوطة فما بالك ببقية المخطوطات التي انتشرت في بقاع العالم؟!!
3ــ أقام النُقَّاد أمثال علاء أبو بكر، وفراس السواح، وعلي زلماط، وعلي الريس، وغيرهم، الدنيا ولم يقعدوها بسبب اختلاف المخطوطات في اسم المكان عما إذا كان جدرة أو جرسة، وهم في هذا يكيلون بمكيالين، وهم يتهمون القديس لوقا تارة بأنه يجهل البيئة الجغرافية لأرض فلسطين، وتارة يتهمون القديس متى بهذا الجهل، بينما غضوا الطرف عن الألفاظ المختلف عليها في القرآن، فمثلًا عبارة " عَبَدَ الطَّاغُوتَ " قُرأت بتشكيلات مختلفة أدت لاختلاف المعاني، فجاء في كتاب التسهيل لتأويل التنزيل: "س: اذكر بعض وجوه القراءات في قوله " وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ" (المائدة 60) مع بيان معانيها.
" ج: من ذلك ما يلي:
(1) عَبَدَ الطَّاغُوتَ: وعزا الطبري هذه القراءة إلى قراءة الحجاز والشام والبصرة وبعض الكوفيين، والمعنى: وجعل بعضهم القردة والخنازير ومن عَبَدَ الطاغوت، أي: وجعل منهم القردة والخنازير وعابد الطاغوت.
(2) عَبُدَ الطَّاغُوتَ: بفتح العين وضم الباء... بإضافة (عبد) إليه، عزاها الطبري إلى جماعة من الكوفيين، والمعنى: وخَدَمَ الطاغوت.
(3) عُبُدَ الطاغوت: بمعنى عبيد الطاغوت.
(4) عابد الطاغوت: ذكرها الطبري بسندٍ ضعيف عن بُريده الأسلمي رضي اللَّه عنه.
واختار الطبري رحمة اللَّه الوجهين الأولين، وانتصر لأولهما، ومعناه: ومن عبد الطاغوت" (من شبكة الانترنت).
كما أن القرآن نزل بسبعة أحرف، حتى عندما اختلف عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم واحتد عليه، لاختلافها في قراءة سورة معينة، وإحتكما للرسول، فحكم أن كل من القراءتين صحيح لأن القرآن نزل بسبعة أحرف، كما أنه كان هناك أكثر من مصحف، مثل مصحف ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وابن عباس الأشعري، وقد عالج عثمان بن عفان هذه المشكلة بالاحتفاظ بمصحف واحد وحرق بقية المصاحف، ولذلك دُعي المصحف الحالي بمصحف عثمان بن عفان، وذلك لكيما يتخلص من الاختلافات الظاهرة بين المصاحف، بينما احتفظت الكنيسة بالأناجيل الأربعة بالرغم من الاختلافات الظاهرية بينهم، وقد سبق مناقشة الموضوع بتفصيل أكثر فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س54.
4ــ ذكر القديس متى مجنونين، بينما ذكر كل من مارمرقس والقديس لوقا مجنون واحد، وهو الذي كانت حالته أخطر، ووصفه مارمرقس قائلًا: لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. وَكَانَ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ" (مر 5: 4، 5)، وقال عنه القديس لوقا: "رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيل وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ بَلْ فِي الْقُبُورِ" (لو 8: 27). وهذا الشخص هو الذي تكلم إلى يسوع (مر 5: 6، لو 8: 28). وما دام أن القديسين مرقس ولوقا لم ينفي أحدهما وجود مجنون آخر، فيُعد قول القديس متى بمجنونين قول مقبول بدون أي تناقض. وهناك قاعدة هامة في الرياضة وهيَ حيثما وُجِد اثنان وُجِد واحد، لأن الواحد من مكونات الاثنين، بينما الثلاثة وما تليها ليست من مكونات الاثنين.
ويقول "القديس كيرلس الكبير": "لا يوجد هناك تناقض لأن الثلاثة البشيرين ذكروا المعجزة دون أن ينفي أحدهما الآخر، فإن متى ذكر الاثنان أما مرقس ولوقا ذكرا الذي كانت حالته صعبة دون أن يذكر الآخر" (770).
5ــ نظرة الدكتورة سارة للأمور نظرة ضيقة، حيث تقول أن ثبوت صحة أحد الروايتين يُعد حكمًا على الأخرى بأنها خطأ... وهل تستطيع أن تحكم بنفس المنطق على ما جاء في سورة الكهف عن الاختلاف في عدد من كانوا في الكهف والقرآن ذكر هذا الخلاف دون أن يحسمه، فقال: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" (سورة الكهف 18: 22).. هذه هيَ نظرتها الضيقة بينما هناك نظرة أوسع، وهيَ أن كل إنجيلي من الإنجيليين أخذ لقطة من زاوية مختلفة للحدث، واللقطات الثلاث تكمل بعضها البعض، فكما أن القديس متى انفرد بذكر مجنونين، فإن القديس مرقس انفرد بأن أحدًا لم يقدر أن يربط المجنون بسلاسل، لأنه رُبط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود، كما انفرد القديس لوقا بقوله أن هذا المجنون كانت تسكنه الشياطين منذ زمن طويل وأنه كان لا يرتدي ثوبًا.
ومن الملاحظ أن القديس متى في إنجيله ركز على الثنائيات لأنه: "عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْر" (تث 19: 15) فذكر هنا مجنونين، وفي (مت 9: 27) ذكر أعميين، وفي (مت 20: 30) ذكر أيضًا أعميين، وفي (مت 21: 1) ذكر التلميذين اللذين أرسلهما السيد المسيح ليحضرا الأتان والجحش، وفي (مت 26: 60) ذكر شاهدي الزور. وتضاربت آراء النقاد حول تركيز القديس متى على الثنائيات، فقال البعض أن متى كان يحاكي القصص الشعبية، وقال آخرون أن الهدف هو المبالغة في أهمية المعجزة، وقال آخرون أن متى أراد أن يجعل إرسالية المسيح أكثر شمولية، فالعدد اثنين يشير لليهود والأمم، وقال آخرون أن متى أخذ من مصدر غير الذي أخذ منه مرقس، وهكذا تجدهم لا يتفقون فيما بينهم. ويقول "ر. ت. فرانس": "ويقول " بولتمان " R. Bultmann أن ذكر اثنين كان بغرض التناسق كالقصص الشعبي، لكنه لا هنا ولا في (مت 20: 30) تحقَّق مثل هذا التأثير. فهل ضاعف متى المرضى للمبالغة في عظم المعجزة، أم لكي يشير إلى إرسالية أكثر شمولية خاصة باخراج الشياطين، أم كان ببساطة يأخذ عن تقليد مختلف للحدث والذي ذكر مجنونًا آخر لا يستحق الذكر تجاهله مرقس ولوقا؟ وليس ثمة حل متفق عليه، بيد أن أحد الآراء المثيرة تقول أن اللذين ذكرا في (مت 8: 28) وما بعدها، (مت 9: 27 وما بعدها)، (مت 20: 3 وما بعدها)، في كل حالة تتضمن اعترافًا بأن يسوع هو ابن اللَّه أو ابن داود، فنظرًا لأن الشريعة اليهودية تتطلب شاهدين، فيؤكد متى هذه الشهادة يذكره شاهدين (وهذا يطابق توضيح متى شاهدين في مت (26: 60)" (771).
_____
(768) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 ص182، 183.
(769) التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة ص140.
(770) أورده القس يوسف البراموسي - تساؤلات حول إنجيل متى ص54.
(771) تعريب أديبة شكري - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد ــ إنجيل متى ص175.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/303.html
تقصير الرابط:
tak.la/xxhhth3