س384: هل التقى السيد المسيح بالأعميين في خروجه من أريحا (مت 20: 29، مر 10: 46)، أم أنه وهو داخل إلى أريحا (لو 18: 35)؟ وهل كان هناك أعميان (مت 20: 30) أم أعمى واحد، وهو بارتيماوس ابن تيماوس (مر 10: 46، لو 18: 35)؟ (راجع رحمة اللَّه الهندي - إظهار الحق ص219، وحفيظ اسليماني - الأناجيل الأربعة دراسة نقدية س151، 152، وعلاء أبو بكر - البهريز جـ 2 س229 ص197، س372 ص377، والسيد سلامة غنمي - التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص372، ودكتورة سارة بنت حامد - التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة ص144 - 147، ونبيل نيقولا جورج - الأناجيل الأربعة لماذا لا يُعوَل عليها ص117).
ج: 1ــ قال القديس متى: "وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا" (مت 20: 29) ووافقه القديس مرقس: "وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا" (مر 10: 46)، بينما قال لوقا الإنجيلي: "وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا" (لو 18: 35).. فهل السيد المسيح صنع المعجزة فيما هو خارج من أريحا، أو عندما إقترب من أريحا في دخوله إليها؟ الاحتمال الأرجح أن السيد المسيح اجتاز أريحا دون أن يبيت فيها، فقد سار السيد المسيح وتلاميذه وبعض من أتباعه في الطريق المنحدر من الجليل إلى وادي الأردن، واجتاز أريحا مدينة النخيل، وصعد منها نحو الصحراء الجرداء متجهًا إلى أورشليم الجالسة على قمم التلال السبع، فالقديس لوقا يسجل الحدث أثناء دخول السيد المسيح إلى أريحا، فقال: "وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا". بينما رأى القديس متى والقديس مرقس أن السيد المسيح كان في طريقه إلى أورشليم فهو اجتاز في أريحا وفي خروجه منها حدثت هذه المعجزة.
ويقول "سمعان كلهون": "ومن المحتمل أن المسيح لم يبت في المدينة، بل نزل عند أصحابه بالقرب منها، ثم اجتاز فيها فقط في طريقه إلى أورشليم، وشفى الأعميين وهو داخل، ولكن بما أنه اجتاز فيها ولم يتوقف يمكن أن يُقال أن ما حدث كان عند دخوله أو عند خروجه على السواء. ويقول القديس يوحنا فم الذهب أن ما يُرى بين البشائر من الفروق هو من أعظم البينات على صحتها، لأنه لو كان الاتفاق تامًا بينها في كل الأمور لكان أعداء الحق يقولون أن الذين كتبوها اتفقوا معًا على ما يكتبونه!" (1070).
ويقول "الدكتور القس منيس عبد النور" رواية لوقا لا تفيد حتمًا أن المعجزة تمت قبل دخول المسيح المدينة. فلو لم يكن لدينا إلاَّ ما جاء في لوقا، لجاز لنا أن نستنتج هكذا (أن الشفاء تم عند دخول المسيح أريحا)، أما وقد جاء في متى ومرقس ما يُظهِر أن المعجزة تمت عند خروج المسيح من المدينة، فعلينا أن ننظر في القضية نظرًا دقيقًا، فنرى أن رواية لوقا لا تُنفي إمكانية حصول الشفاء بعد دخول المسيح المدينة أو عند خروجه منها، لأن لوقا يفيد فقط أن الأعمى كان جالسًا يستعطي عندما اقترب المسيح من المدينة، ولا يقل صريحًا أن الشفاء تم في تلك اللحظة عينها، أي قبل دخول المسيح المدينة. نعم أن لوقا يذكر الشفاء قبل أن يذكر اجتياز المسيح إلى أريحا وخروجه منها. وهو إذ يذكر اسم الأعمى يشير إلى شفائه، مع أن هذا حصل بعد حين (أي عند خروج المسيح من المدينة). فمن المحتمل أن بارتيماوس اجتاز مع الجمع إلى أريحا عند دخول المسيح وأتباعه إليها (وهو ما زال ضريرًا). ثم انضم إليه أعمى آخر وصرخا معًا إلى المسيح (فشفاهما)" (1071).
2ــ ذكر القديس متى أن السيد المسيح شفى أعميين في أريحا، بينما ذكر كل من القديسين مارمرقس ولوقا أنه شفى أعمى واحد، وهذا يشبه تمامًا ما سبق وذكره القديس متى عن إبراء مجنوني كورة الجدريين (مت 8: 28) بينما ذكر مارمرقس أعمى واحد (مر 5: 2) وكذلك لوقا الإنجيلي (لو 8: 27)، وقد سبق الإجابة على هذا التساؤل فيُرجى الرجوع إلى س303، فسبق أن ذكرنا أن كون القديس متى يذكر مجنونين أو أعميين، بينما يذكر كل من مرقس ولوقا مجنون واحد أو أعمى واحد، دون أن ينفي أي منهما وجود مجنون ثانٍ أو أعمى ثانٍ، لا يُعد هذا تناقض على الإطلاق، فالتناقض يقع عندما يذكر القديس متى أنه كان هناك مجنونان أو أعميان، ويذكر مار مرقس أو لوقا الإنجيلي أنه لم يكن سوى مجنون واحد لا غير أو أعمى واحد (أي لم يكن هناك مجنون ثانٍ أو أعمى ثانٍ)، ولا نغفل أن القديس متى قد كتب لليهود الذين استقر في وجدانهم أن كل شهادة تقوم على فم شاهدين أو ثلاثة (2 كو 13: 1). وهذا يشبه قولنا أننا رأينا الجليد يتساقط على الأرض، أو رأينا المطر ينهمر والجليد يتساقط، ولا تناقض بين القولين. أو قولنا أن السيد المسيح شفى بارتيماوس، أو السيد المسيح شفى بارتيماوس وصديقه، فلا تناقض بين القولين.
وكما قلنا أن هناك قاعدة هامة جدًا في الرياضيات وهيَ حيثما وُجِد اثنان وُجِد واحد بالضرورة، لأن الواحد من مكونات الاثنين. لقد ذكر القديس متى أعميين، أما مارمرقس فقد اكتفى بذكر الأعمى الأشهر فيهما، وحدَّده بالاسم، وهو " بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ" (مر 10: 46) ومعجزة شفاء الأعميين هيَ المعجزة الأخيرة قبل دخوله أورشليم ليُصلب، وللمعجزة مغزى روحي وهو أن كل من اليهود والأمم هم في حاجة إلى البصيرة الروحية، ويقول "القديس أغسطينوس": "من هما الأعميان الجالسان على الطريق؟ إنهما هذان الشعبان اللذان جاء المسيح ليشفيهما! اليهود والأمم، محقّقًا ما وعد به إبراهيم " وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ" (تك 22: 18). لذلك ذهب أيضًا الرسول بعد قيامة الرب وصعوده إلى الأمم عندما إزدرى بهم اليهود... لذلك أيضًا دُعي السيد حجر الزاوية (1 تس 2: 10) " الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا" (أف 2: 14)، إذ يضم حجر الزاوية حائطين في إتجاهين مختلفين. وأي اختلاف مثلما كان بين المختونين والغرل، فقد أقام حائطًا من اليهود وآخر من الأمم، جميعهما معًا حجر الزاوية... إذًا، فالأعميان اللذان كانا يصرخان إلى الرب إنما هما الحائطان في هذا المَثَل" (1072).
_____
(1070) إتفاق البشيرين ص417.
(1071) شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص319.
(1072) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص431.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/384.html
تقصير الرابط:
tak.la/k33b55p