س3 : هل يمكن إلقاء الضوء قليلًا على منطقة اليهودية وبعض مدنها التي جاء ذكرها في الأناجيل؟
تقع جنوب فلسطين، يحدها من الشمال الخط من يافا على ساحل البحر المتوسط إلى نهر الأردن شمال البحر الميت بنحو 16 كم، ومن الجنوب الخط الواقع من وادي غزة، جنوبي عزة بنحو 11 كم إلى بئر سبع إلى جنوبي البحر الميت، ويحدها من الشرق نهر الأردن والبحر الميت ومن الغرب البحر المتوسط، ويبلغ طولها مثل عرضها تقريبًا نحو 88 كم، وفي منطقة اليهودية سكن العائدون من سبي بابل في أورشليم وتخومها. ومن أهم مدن اليهودية أورشليم، وبيت لحم (بيت لحم أفراتة - بيت لحم زبولون)، وبيت عنيا، وعمواس، وأريحا، كما ضمت إليها قيصرية:
← أورشليم في حكم الملك هيرودس الكبير - دمار أورشليم (خرب أورشليم)
تقع أورشليم شمال غربي البحر الميت بنحو 22.5 كم، وشمال شرقي بيت لحم بنحو 8 كم، ويبلغ ارتفاع أورشليم نحو 2300 قدمًا فوق سطح البحر، يحدها من الشرق وادي قدرون، ومن الغـرب والجنوب وادي هنوم، ويوجد بها نبع ماء بالقرب من باب القديس أسطفانوس الذي يدعوه المسيحيون "عين ستي مريم"، ويدعونـه الأوربيـون "نبع العذراء".. تعرّضت أورشليم في تاريخها للحرق والتدمير على يد نبوخذ نصر ملك بابل، وأعيد تعميرها وبناء أسوارها بعد العودة من سبي بابل، ولكثرة الأمور المتعلّقة بأورشليم يمكنك يا صديقي الرجوع إلى دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 511 - 550، ونكتفي هنا بالقدر القليل... دُعيت أورشليم أيام إبراهيم "ساليـم" أو "شاليم" (تك 14 : 18، مز 76 : 2)، وأشارت إليها ألواح تل العمارنة سنــة 1450 ق. م بِاسم " أورو - سا - ليم"، ودُعيت "أورشليم" في أيــام القضـاة ويشوع بِاسم "يبوس" (قض 19 : 10)، ودُعيت في أيام داود بأورشليم، ونحو سنة 950 ق. م بنى سليمان الملك هيكلها العظيم كآية رائعة من الفن والروعة، فكان سبب شهرة عظيمة للمدينة، ودمره نبوخذ نصر سنة 586 ق. م وأعيد بناءه بعد العودة من السبي على يد زربابل إلاَّ أنه لم يبلغ عظمة الهيكل الأول، ودُعيت أورشليم في سفر إشعياء "أريئيل" (إش 29 : 1)، و"مدينــة العدل" (إش 1 : 26) و "مدينة القدس" (إش 48 : 2، نح 11 : 1)، ودعاهـا السيد المسيح: "المكان المقدَّس" (مت 24 : 15)، ودعاها العرب "القدس الشريف" و"بيت المقدس" و"القدس".
وقدم المؤرخ اليهودي الشهير "يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي وصفًا للمدينة قائلًا: "كانت المدينة مبنية على تلّين يواجه أحدهما الآخر، ويفصل بينهما وادٍ هو وادي "باعة الجبن" كما كان يُطلق عليه، وكان يفصل تل الجزء الأعلى من المدينة عن تل الجزء الأسفل منها والذي كان يمتد حتى سلوام.."(2).
وميز يوسيفوس بين خمس مناطق في أورشليم، وهي:
1ــ المدينة العليا أو السوق الأعلى: وهى على المنطقة المرتفعة والأكثر استقامة في الطول.
2ــ أكرا والمدينة السفلى: وتقوم على الجزء الأسفل من المدينة.
3ــ تل الهيكل: وهو أقل ارتفاعًا من أكرا.
4ــ بزيثا: وهيَ منطقة توسعية جديدة شمال الهيكل مقابل قلعة أنطونيا، جعلت المدينة أكثر اتساعًا، وربطت التل الرابع "بزيثا" الشمالي الشرقي بالمدينة، وصارت المنطقة آهلة بالسكان.
5ــ الحي الشمالي من المدينة (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 519 - 520).
بلغت أورشليم في تلك الفترة أوج عظمتها، فوصلت إلى مرحلة لم تبلغها من قبل، وفي سنة 24 ق. م بنى الملك هيرودس قصرًا عظيمًا له في أعلى المدينة على التل الجنوبي الغربي، كما أقام عدة أبراج عالية دعاها "أنطونيا" تخليدًا لاسم "أنطونيو"، وأنشأ مدرجًا (إستادًا) كبيرًا لممارسة الرياضة، كما أنه رمَّم الأسوار ودعمها، وفي نحو سنة 19 ق. م بدأ بتجديد هيكل أورشليم وتزيينـه: "وَإِذْ كَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ عَنِ الْهَيْكَلِ إِنَّهُ مُزَيَّنٌ بِحِجَارَةٍ حَسَنَةٍ وَتُحَفٍ" (لو 21 : 5)، وظل العمل قائمًا عشرات السنين، وشارك في بناء القدس ألف كاهن، تدرّبوا على أعمال البناء، على مدار إحدى عشر شهرًا، حيث تمت عملية إعادة بناء أروقة الهيكل، وعمل في تجديد الهيكل نحو 18 ألفًا من العمال، وقاموا برصف شوارع المدينة بالحجارة البيضاء، والجميع يحترمون خط الشارع فلا يُسمح بأي بروز يجور على الشارع.
ويقول "ألفريد أيديرشيم": "وكانت اليهودية هيَ المعسكر المقدَّس وفي وسطه الهيكل رمز ونبوة قيامة إسرائيل. وكان الوقوف ولو لمرة واحدة داخل الأروقة المقدَّسة والاشتراك مع مصليها وإحضار التقدمات ورؤية الكهنة يخدمون في أرديتهم البيضاء، وسماع ترانيم اللاويين ورؤية دخان الذبائح يرتفع إلى السماء، والمشاركة في كل هذا، كان حلم حياته سماء ثانية على الأرض إتمام النبوة، فلا عجب أن يزداد سكان أورشليم وما حولها داخل النطاق المقدَّس ملايين من بينهم رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء (أع 2 : 5)، وكلما توالت العلامات ازدادت الدلالات على أن النهاية قد اقتربت لأن أزمنة الأمم قد انقضت وربما يظهر المسيح الموعود في أية دقيقة ليعيد المُلك لإسرائيل، ونعلم من يوسيفوس أنهم كثيرًا ما رجعوا إلى نبوات دانيال... وهكذا استطاع شخص يدعى ثوداس أن يُحرّض عددًا كبيرًا من الناس أن يتبعوه إلى شواطئ الأردن آملًا في رؤية المياه تنشق كما حدث أيام موسى. كما استطاع نصَّاب مصري أن يُحرّضهم على الذهاب إلى جبل الزيتون انتظارًا لرؤية أسوار أورشليم تسقط. بل أن هوس التعصب وفتنته بلغت حدًا تمكن معه نبي كذَّاب بينما كان الجنود الرومان يستعدون لحرق الهيكل من جمع 6000 رجل وامرأة وطفل أن يجتمعوا في أروقة الهيكل وتحت أقبيته انتظارًا لخلاص السماء"(3).
وقام السيد المسيح بزيارة أورشليم عدة مرات، وذكر إنجيل لوقا أنه كان يصعد مع أسرته إلى أورشليم، وعندما كان في عمر الثانية عشرة مكث بالهيكل ثلاثة أيام (لو 2 : 46) وعندما شبَّ كان يزورها في الأعياد (يو 2 : 13، 5 : 1، 7 : 10، 10 : 22 ـ 23) ودخلها كملك (مت 21 : 1 – 11)، وتردَّد عليها في الأسبوع الأخير (مر 11 : 15، 27)، وكان يبيـت في بيـت عنيا في بيت لعازر وأختيه مرثا ومريم (مت 21 : 17).
وفي سنة 66 م. كان والي اليهودية "فلورس" وهبّت ثورة عارمة من اليهود ضد الحكم الروماني، شارك فيها الأسينيون والغيورون، حتى أنهم أشعلوا النيران في القصور والأبنية العامة، وقلعة أنطونيا، وذبحوا حراسها، فأسرع رسستيوس جالوس بجيوشه من سوريا، وحاصر المدينة المحاطة بعدة أسوار، فاقتحم السور الثالث وأحرق ضاحية "بيزيثا" بالنار، ثم عوضًا عن الهجوم على السور الثاني انسحب انسحابًا مشينًا، وتتبعه اليهود في الطريق إلى بيت حورون حتى أنتيباترس. وفي سنة 70م جاء فسباسيان إلى أرض فلسطين في حملة عسكرية فحقَّق انتصارات باهرة على اليهود، ولكن تم استدعائه إلى روما لتنصيبه إمبراطورًا، فعهد لابنه تيطس باستكمال حملته على أورشليم، وفعلًا سقطت أورشليم على يد القائد الروماني تيطس ابن الإمبراطور فسباسيان.
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية" : " لم تكن المدينة - في أي وقت من الأوقات - مثل تلك الروعة، كما لم تكن تحصيناتها بمثل هذه القوة، أو عدد سكانها بمثـل تلك الكثرة. وكان الوقت عيد الفصح، وبالإضافة إلى الجمهور الذي احتشد فيها لهذه المناسبة، فإن أعدادًا غفيرة قد هرعت إلى هناك هربًا من الجيش الروماني الزاحف، فكانت الخسائر في الأرواح فادحة...
انقسام الأحزاب داخل الأسوار المحاصرة: بدأ الحصار في الرابع عشر من شهر نيسان في سنة 70م، وانتهى في الثامن من أيلول أي أنه استمر 134 يومًا، استشرت فيها الانقسامات الداخلية بين الأحزاب، واشتدت الخصومات، وقد أشرف سمعان على المدينتين العليا والسفلى، ويوحنا - من جسكالا - على الهيكل والقلعة، ودافع الأدوميون - الذين جاء بهم الغيورون - عـن أنفسهم فحسب، فأعفوا المدينة مما كانوا يسببونه لها من رعب. وكانت هناك جماعة أخرى - أضعف من أن تجعل لرأيها اعتبارًا - تسعى للسلام مع روما... وفي اليوم الخامس عشر من الحصار اقتحم الرومان السور الثالث (سور أغريباس) الذي كان قد أُقيم على عجلة عند تقدم الرومان، ثم اقتحموا السور الثاني فـي اليوم الرابع والعشرين، وفي اليوم الثاني والسبعين سقطت قلعة أنطونيا، وبعد ذلك بأثنى عشر يومًا توقف تقديم الذبيحة اليومية.
فتح المدينة وتدميرها نهائيًا: وفي اليوم الخامس بعد المائة - التاسع مـن شهر آب، اليوم المشئوم. أُحرق الهيكل والمدينة السفلى، ولم يأتي اليوم الأخير إلاَّ وكانت المدينة كلها شعلة من النيران، ولم يبقَ منها سوى أبراج هيرودس الثلاثة الكبيـرة: هيبيكوس، وفارسئيل، وماريامن مع السور الغربي، التي لم تُحرق، وذلك لحماية معسكر الفرقة العاشرة التي تركت لحراسة الموقع" لتكشف للأجيال القادمة عما كانت عليه المدينة، وكم كانت حصينة " وأما سائر المدينة فقد هُدِم إلى الأساسات" (4).
توجد قريتان بِاسم بيت لحم: بيت لحم أفراتة - بيت لحم زبولون
ومعناها "بيت الخبز"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وتقع جنـوب غربي أورشليم بنحو 8 كم، على ارتفاع نحو 2350 قدمًا فوق مستوى سطح البحر، وتحتل مكانًا حصينًا متميزًا، وهيَ على مقربة من الطريق الرئيسي إلى حبرون (الجليل) كما أنها تشرف على الطريق الرئيسي إلى تقوع وعين جدى، وقد توفيت بالقرب منها راحيل زوجة يعقوب (تك 35 : 19)، وهي قرية تقع في سبط يهوذا (قض 17 : 7) وسكنت فيها راعوث الموآبية (را 1 : 19) وفيها وُلِد داود الملك (1صم 16 : 1)، وتنبأ عنها ميخا النبي قائلًا : "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5 : 2) فوصفه إياها بأفراتة وأنها في سبط يهوذا يثبت أنه يقصد هذه القرية وليس غيرها.
وقد عاينت هذه القرية ولادة السيد المسيح وانفتاح السماء على الأرض، وظهور جمهور الملائكة مسبحين ومبشرين الرعاة، كما شاهدت أيضًا مذبحة الأطفال التي أرتكبها الملك هيرودس الكبير، وفي سنة 132 م. أراد الإمبراطور هادريان أن يطمس معالم بيت لحم فخرَّبها وأقام في موضعها نصبًا للإله "أدونيس" حتى لا يقترب منها المسيحيون، ولكن انتهى هادريان وعادت القرية لأمجادها، وقد شيد فيها الإمبراطور قسطنطين سنة 330م كنيسة ضخمة على الطراز الروماني فوق موقع كهف المذود، كما أن جستنيان زين هذه الكنيسة ووسعها.
وكانت تقع في سبط زبولون (يش 19 : 15) على بُعد إحدى عشر كيلومترًا غرب مدينة الناصرة، وما زالت قائمة للآن قريـة صغيـرة تحمل نفس الاسم (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 302، 303).
ربما يعني الاسم "بيت العناء"، وبيت عنيا قرية صغيرة تقع على مقربة من أورشليم على بُعد نحو ثلاثة كيلومترات جنوب شرقي أورشليم، وفيها كان بيت لعازر وأختيه مرثا ومريم، وعلى هذا البيت تردَّد السيد المسيح مع تلاميذه، وفيها مات لعازر ودُفن، وبعد أربعة أيام أقامه السيد المسيح (يو 11 : 1 ـ 44)، وفي قرية بيت عنيا كان هناك أيضًا بيت سمعان الأبرص الذي استضاف السيد المسيح، وفيه سكبت مريم أخت لعازر قارورة طيب ناردين كثير الثمن على رأس السيد المسيح لتكفينه (مر 14 : 3 - 9)، وفي بيت عنيا بارك السيد المسيح تلاميذه وأُصعد للسماء (لو 24 : 50، 51)، وما زالت هذه القرية قائمة للآن بِاسم "العازرية"، وفيها بعض الأطلال التي تُذكّر الزائر بقبــر لعـازر (راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 204).
اسم عبري معناه "الينابيع الحــارة" ودُعيت فــي العصر الرومانـي "نيقوبوليس" أي مدينة النصر بمناسبة انتصار فسباسيان على اليهود، وجاء ذكرها مرة واحدة في إنجيل لوقا عند ظهور السيد المسيح لاثنين من رسله كانا منطلقين لهذه القرية، وتكلّم معهما في الطريق من أورشليم لعمواس عن الأمور المختصة به في العهد القديم من توراة موسى وجميـع الأنبياء (لو 24 : 13 - 35). وفي العصر الإسلامي دخل عمر بن العاص عاموس وجعلها مقرًا لقواته، وفي زمن عمر بن الخطاب تفشى فيها مرض الطاعون فقضى على الآلاف.
وتقع عمواس غرب أورشليم بستين غلوة، وهنا أُثير سؤالًا هامًا وهو أن ما جاء في (لو 24 : 13) من جهة الستين غلوة وُجِد في المخطوطة السينائية وبعض المخطوطات الأخرى أن المسافة 160 غلوة، وأيد هذا يوسابيوس القيصري، وجيروم.
والحقيقة أنه جاء في بردية بودمر التي ترجع إلى أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلادي، وهو أقدم من المخطوطة السينائية أن المسافة 60 غلوة، وجاء هذا أيضًا في المخطوطة الفاتيكانية التي ترجـع للقرن الرابع الميلادي، وبعد دراسة المتخصصين لهذا الأمر اقترحوا ثلاثة مواقع لعمواس:
أ - قرية عمواس الحالية، وهيَ تبعد 160 غلوة من أورشليم، ولكن أُستبعد هذا الأمر نظرًا لكثرة عدد المخطوطات التي سُجل فيها 60 غلوة.
ب - مستعمرة فسباسيان وقد أطلق عليها يوسفوس اسم عمواس، وتبعد عن أورشليم 34 غلوة، وهذا أمر مستبعد أيضًا.
ج - قرية "القبيبة" على الطريق إلى روما وتبدو فيها الأطلال الأثرية وهذه تتفق مع قول كثير من مخطوطات الإنجيل، إذ تبعد عـن أورشليم ستين غلوة، مما يجعل هذا الموقع أفضل المواقع المقترحة(راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 338، 339، ودكتور غالي - موقع هولي بايبل).
تقع أريحا مقابل جبل نبو الذي صعد عليه موسى النبي ومات هناك بحسب أمر الله له (تث 34 : 1)، وهيَ تقع شمال شرقـي أورشليم بنحو 26 كـم، ومعنــى اسمها "مدينة القمر" ربما لانتشار عبــادة إلـه القمر فيها، أو "مكان الروائح العطرية" لانتشار أشجار الفاكهة فيها، ودُعيت أيضًا "مدينة النخيل" (تث 34 : 3) لنفس السبب، وأريحا هيَ أول مدينة دخلها بنو إسرائيل في أرض كنعان على يد يشوع بن نون بمعجزة باهرة، إذ بالصلاة والإيمان سقطت أسوارها وأحرقها يشوع لأن شرها صعد إلى عنان السماء (يش 6 : 1 - 25) ولعن يشوع من يعيد بنائها، وقال أن ببكره يؤسسها وبصغيره ينصب أبوابها (يش 6 : 26)، وعندما تجرّأ حيئيل البيتئلي في أيام أخاب الملك وأعاد بنائها، انطبقت عليه نبوة يشوع بن نون (1مل 16 : 34)، وشيَّد فيها الملك هيرودس الكبير قصرًا وقلعة وحمامات عامة، فوصفها "يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي بعبارات رائعة، وكان الذين يأتون من الجليل إلى أورشليم أو العكس، ولا يريدون أن يعبروا بالسامرة، كانوا يعبرون بأريحا، فهي ملتقى المسافرين والزائرين، وكان الطريق من أورشليم لأريحا غير آمن كما هو واضح من مثل السامري الصالح (لو 10 : 30)، وفي أريحا سكن زكا العشار الذي دخل السيد المسيح بيته فحدث خلاص لهذا البيت (لو 19 : 1 - 10).
ويقول "الفريد أيديرشيم": "مدينة أريحا يحيط بها ويحميها أربعة حصون، وبنى هيرودس أسوارها وسرحها ومدرجها الضخم، وبنى أرخيلاوس، قصرها الجديد تحيط به الحدائق الفخمة، ولقد سار خلال أريحا طريق الحجاج من الجليل وهو الطريق الذي سار فيه سيدنا المسيح" (5).
تقع على شاطئ البحـر الأبيض المتوسـط، وكانـت تدعى أولًا "برج ستراتو" وأنشأها الملك هيرودس الكبير على مدار اثنى عشر عامًا من 22 - 10 ق. م تكريمًا للإمبراطور أوغسطس قيصر، وأُقيم فيها هيكلًا للإمبراطور الروماني، وتعتبر قيصرية ميناءً هامًا على البحر المتوسط بين حيفا ويافا، فهيَ تقع جنوب حيفا بنحو 40 كيلومتر، وشمال يافا بنحو 48 كم، وشمال غرب أورشليم بنحو 104 كيلومترًا، في منطقة سهل شارون، ودُعيت بِاسم "قيصرية البحرية"، وصارت الميناء الرئيسي لفلسطين في القرن الأول الميلادي، وكانت تمثل العاصمة الإدارية لمنطقة اليهودية فـي العصر الروماني، فكان قصر الوالي الروماني فيها وفي الأعياد كان يذهب إلى أورشليم لضبط الأمن، وعاش فيها ثلاثة من الولاة الرومان جاء ذكرهم في العهد الجديد، وهم بيلاطس البنطي، وفيلكس (أع 24) وفستوس (أع 25 : 1، 6)، وتميَّزت المدينة بقصورها الفخمة ومبانيها الفاخرة، وأفاض يوسيفوس المؤرخ في وصفت ميناؤها الرائع في قيصرية كان بيت فيلبس المبشر (أع 8 : 40، 21 : 8)، وإليها ذهب بولس الرسول مرات عديدة (أع 9 : 30، 18 : 22، 21 : 8، 23 : 33)، وفيها ظل سجينًا في قصر هيرودس لمدة سنتين (أع 23 : 35، 24 : 27)، وفيها بشَّر بطرس الرسول قائد المئة كرنيليوس الذي كـان يمثل باكورة كنيسة الأمم، وقد حلَّ الروح القدس في بيت كرنيليوس (أع 10 : 1 - 48)، وكان في قيصرية قصر الملك هيرودس أغريباس الذي جلس على عرشه يخاطب الصوريين والصيدونيين حتى قالوا أن صوته صوت إله، وضربه ملاك الرب فصار يأكله الدود حتى مات (أع 12 : 2 - 23).
وفي العهد الجديد نجد تفرقة بين مدينة قيصرية وإقليم اليهوديـة (أع 12 : 19، 21 : 10).. لماذا؟ لأن قيصرية ضُمّت لليهودية في وقت متأخر، ويقول "الفريد أيديرشيم": "في فترة متأخرة أُعلنت قيصرية تابعة لليهودية... وربما أُضيفت إلى اليهودية لا لشيء إلاَّ أنها فيما بعـد سكنهـــا بعض المعلمين (الرابي). وأهمية قيصرية في التبشير بالإنجيل وبتاريخ القديس بولس وبالكنائس المسيحية الأولى والمزدهرة التي تأسست هناك يُكسب ما قيل عن المدينة أهمية خاصة... وكان سكانها خليطًا من اليهود والإغريق والسوريين والسامريين... ويسميها التلمود (مدينة الملوك)، وكمقر لقوة الرومان كانت مكروهة عند اليهود كراهة عظيمة ولذلك سُميت ابنة أدوم ومدينة الرجس والتجديف، مع أن المكان كان يُسمى (مدينة الحياة) لكثرة الثراء به، وكما كان متوقعًا نشأت خلافات مستمرة بين السلطات اليهودية والسلطات الرومانية في قيصرية... ومن السهل أن نفهم أن قيصرية كانت لليهود رمز روما - روما أدوم وكانت أدوم للهلاك - وفي الواقع كانوا يعتقدون أن أورشليم وقيصريــة لا يمكن أن يتعايشا"(6). وفي سنة 70م عاد القائد الروماني تيطس إلى قيصرية بعد أن خرَّب أورشليم وأهلك سكانها، وفيما بعد أقام يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي الشهير بقيصرية، كما أقام فيها أوريجانوس أثناء فترة تواجده بأرض فلسطين. وفي سنة 1959 إلى 1961م بينما كانت البعثة الإيطالية تقوم بالتنقيب في قيصرية اكتشفت حجرًا من حجارة المسرح عليه اسم "طيباريوس قيصر"، وفي سنة 1962م عثرت البعثات الأثرية على مجمع به قائمة بأسماء 24 كاهنًا وأسماء المدن التي كانوا يقيمون فيها والكاهن رقم (18) كان يقيم في الناصرة، كما تم اكتشاف ميدان سباق ضخم يكفي لثلاثين ألف مقعد يبدو أنه بُني في القرن الثاني الميلادي، وأيضًا تم اكتشاف مبنى لحفظ السجلات الرسمية، وعلى أرضيته المغطاة بالفسيفساء اقتباسان باللغة اليونانية من (رو 13 : 3)، وفي سنة 1970م تم العثور على ميناء قيصرية وحجرات التخزين العديدة التي تحيط به.
_____
(2) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 98.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/3.html
تقصير الرابط:
tak.la/czywt42