St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

12- هل استطاع هيرودس الكبير تكوين مملكة يهودية شبه مستقلة تحت ظلال الإمبراطورية الرومانية؟ وكيف جمع هيرودس الكبير بين الحنكة السياسية، والتعمير، والدموية؟

 

س 12 : هل استطاع هيرودس الكبير تكوين مملكة يهودية شبه مستقلة تحت ظلال الإمبراطورية الرومانية؟ وكيف جمع هيرودس الكبير بين الحنكة السياسية، والتعمير، والدموية؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: كان لأنتباتر الأدومي وزير يوحنا هيركانوس الثاني آخِر ملوك الحشمونيين ابنان حكيمان، أكبرهما "فأسائيل" الذي صار حاكمًا لأورشليم، والثاني "هيرودس" الذي وُلِد سنة 73 ق. م وصار أيضًا حاكمًا محليًا علـى الجليل، وعمره خمسة وعشرين عامًا، وكان داهية في السياسة مثل أبيـه، فتهوَّد، وطهر المنطقة من عصابات اللصوص وقطَّاع الطرق، فسرَّ به الشعب، ولكن الفريسيين لم يرضوا عنه بسبب أصله الأدومي، ولا أحد يجهل العداوة القديمة التقليدية بين اليهود والأدوميين، فأوعزوا صدر يوحنا هيركانوس الثاني عليه، فاستدعاه للمسائلة، ووقف هيرودس أمام مجلس السنهدريم ليُحاكم، وإذ به شاب وسيم فارع الطول يرتدي ملابسه الفاخرة وحوله الحرس الخاص به، مما كان كفيلًا بتراجع أعضاء المجلس عن محاكمته، ومع هذا فإن هيرودس لم ينسَ هذا الموقف لهذا السنهدريم ولجماعة الفريسيين، ففيما بعد انتقم من الأعضاء البارزين منهم.

 وفى سنة 40 ق. م جمع "أنتيجونيس" وهو ابن أرسطوبولس الثاني جيشًا وهاجم عمه يوحنا هيركانوس الثاني ليغتصب منه الحكم، وأمده الفرس بجيش فتمكن من عمه وانتزع أُذنه بأسنانه لكى يحرمه من رتبة رئاسة الكهنوت، ما دام أصبح مشوَّهًا، ونفاه إلى بابل، وتولى هو حكم اليهودية ورئاسة الكهنوت، وكان محبوبًا من اليهود بسبب عدائه الشديد للرومان، ولكن في سنة 38 ق. م حاصر والي سوريا أورشليم وقبض على أنتيجونيس، وقاده معه إلى أنطاكية وهناك حكم عليه بالإعدام، وبموته انتهى عصر رئاسة الكهنوت، وبعد أن نفى يوحنا هيركانوس إلى بابل لجأ وزيره "هيرودس" إلى روما، ومَثَل أمام مجلس الشيوخ فأقنعهم أنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يخضع أورشليم لسلطة روما، فعينه مجلس الشيوخ ملكًا على اليهودية ليتحاشوا المقاومة اليهودية العنيدة للحكم الروماني. وأمدوه بجيش قوامه ثلاثين ألف جندي، فدخل أورشليم سنة 37 ق. م وظل وفيًا لروما حتى موته سنة 4 ق. م، وكانت شخصيته مزيجًا من البراعة السياسية والجنون، ويمكن تقسيم فترة حكم هيرودس الكبير على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى (37 – 27 ق. م) - المرحلة الثانية (27 – 13 ق. م) -  المرحلة الثالثة (13 - 4 ق. م):-

 

 المرحلة الأولى (37 – 27 ق. م):

عمل على تثبيت ملكه على اليهودية والجليل، وحاول التودُّد للفريسيين فقرَّب إليه "بولبو" وتلميذه "شماي" من كبار الفريسيين، وتزوج بمريمن Mariamne من نسل المكابيين، وأنجب منها إسكندر وأرسطوبولس، وأحضر يوحنا هيركانوس الثاني الذي قطع أنتيجونيس أذنه من منفاه وأشركه معه في الحكم لمدة سبع سنوات مما أثلج قلب اليهود من جانب، ولكن من جانب آخَر كان اعتماده على الرومان ومعاداته للأسرة الحشمونية وجشعه في تحصيل الضرائب وأصله الأدومي جعله مُبغَضًا من اليهود ولكنهم لم يجرؤا على إعلان هذا، بل عندما اعترض بعض أعضاء مجلس السنهدريم على تطبيق القوانين الرومانية أعدم 46 من الأعضاء البارزين في السنهدريم، وكان هيرودس يعين ويعزل رئيس الكهنة حسب هواه، وعندما اتصلت زوجته المحبوبة مريمن وأمها ألكسندرا سرًّا بكليوباترا للتوسط لدى عشيقها أنطونيو للضغط على هيرودس لإقامة شقيقها أرسطوبولس الثالث رئيسًا للكهنة، وكان عمره ستة عشر عامًا، واكتشف هيرودس هذا، أغرق أرسطوبولس الثالث في حمام السباحة وادَّعى أنه مات في حادثة غرق مؤسفة، وبكاه ذاك الماكر أمام الناس الذين لم يصدقوه. وبعد هزيمة أنطونيو أمام أوكتافيوس سنة 31 ق. م استطاع هيرودس بمهارته السياسية البارعة أن يكسب ثقة أوكتافيوس الذي ثبَّته ملكًا على اليهودية والجليل، وضم له أيضًا غزة ويافا والقلاع المحيطة والسامرة، فصار هيرودس ملكًا لشبه مملكة مستقلة تخضع للرومان ويقول "راندال. إيه ويس" Randall A. Weiss : "كان من مصلحة الرومان أن يحكم اليهود أنفسهم، ولكن ألاَّ ينجحوا كثيرًا في هذا. أراد الرومان إقامة تحالف مع اليهود. ليس تحالفًا بين قوتين متعادلتين، ولكن تعترف أحداهما بوضوح بالسيادة الرومانية. وبالإشارة إلى حكم هيرودس الذي يشبه عرائس الماريونت: "كانت الأسرة الحاكمة الجديدة تدين بكل شيء إلى الرومان ولهذا دعمتها بكل القلب. وكان مؤسس هذه الأسرة الحاكمة هو هيرودس الكبير (37 ق.م إلى 4م)" (Shaye J. D. Cahen، From the Maccabees to the Mishnah P 15-16).

 

St-Takla.org Image: The wise men asking Herod about the King (Matthew 2:2) - from "Standard Bible Story Readers", book 1, Lillie A. Faris. صورة في موقع الأنبا تكلا: المجوس يسألون هيرودس الكبير عن الملك (متى 2: 2) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الأول، ليلي أ. فارس.

St-Takla.org Image: The wise men asking Herod about the King (Matthew 2:2) - from "Standard Bible Story Readers", book 1, Lillie A. Faris.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المجوس يسألون هيرودس الكبير عن الملك (متى 2: 2) - من كتاب "قراء قصص الكتاب المقدس الأساسية"، الكتاب الأول، ليلي أ. فارس.

المرحلة الثانية (27 – 13 ق. م):

وهى مرحلة الازدهار والتعمير، ولكنها لم تخلو من المنغصات، فقد ضم قصر هيرودس عشر زوجات، أنجب من ثمانية منهنَّ فتفشت الدسائس والمؤامرات في القصر، وفى سنة 25 ق. م عندما اكتشف تآمر زوجته مريمن وأمها ألكسندرا عليه، لأنه أغرق أرسطوبولس الثالث، تسرّع وحكم بالإعدام عليهما، فألحقهما بأرسطوبولس، ولكن بعد هذا اجتاحته موجة ندم وحزن شديد على زوجته المحبوبة مريمن، وتوقّع أطبائه أنه سيموت حتمًا، ولكنه شفيَ من هذه الصدمة غير أنه صار معكر المزاج كثير الشك فيمن حوله، فكان يرسل جواسيسه في كل مكان ليأتوا له بالأخبار، وكان هو نفسه يتنكر ويتجوَّل في الأماكن العامة ليعرف آراء الناس فيه.

 وبسبب الضغوط العصبية التي تعرّض لها هيرودس وجد متنفسه في التعمير والبناء، ففي سنة 20 ق. م بدأ بتجديد هيكل أورشليم حتى تضاعفت مساحته إلى نحو 35 فدانًا، وعمل في الهيكل ألف كاهن كانوا قد تدرّبوا على أعمال البناء، بالإضافة إلى آلاف من العاملين الآخرين، حتى صار الهيكل تحفة معمارية بلمعان جدرانه المرتفعة المبنية بالحجر الأبيض والمطعَّمة بالذهب والفضة فصارت تُبهر الأنظار، وحفر خزانًا كبيرًا للمياه في الصحراء وأوصله للهيكل، ويقول "ألفريد أيديرشيم": "كان يعمل فى إعادة بناء الهيكل أكثر من ثمان عشر ألفا من صناعات يدوية مختلفة تتطلب مهارة فنية عالية، ويُقال أن هيرودس الكبير قبل ذلك استخدم عددًا كبيرًا من رؤساء العمال ذوي الخبرة الممتازة ليُعلّموا الألف كاهن الذي كان عليهم أن يبنوا المكان المقدَّس ذاته لأنه لم يعمل في بناء هذا الجزء من الهيكل أي علماني، وكما نعلم أن لا يُستعمَل مطرقة أو فأس أو إزميل أو أية أداة حديدية داخل الأماكن المقدَّسة"(41).

 وأقام هيرودس الكبير قصرًا فخمًا في أورشليم زخرفه بالزخارف الرائعة وحصَّنه بثلاثة أبراج، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وزود أورشليم بكل مرافق المدينة اليونانية الرومانية، فأقام فيها مسارح وملاهي ونوادي وحمامات عامة... الخ، وحاكى الرومان في عادتهم ومساكنهم وملابسهم وأسمائهم. كما أعاد بناء وتجديد مدينة السامرة ودعاها سبطسية، وأيضًا أقام في منطقة "برج ستراتو" على مدار اثنى عشر عامًا (22 - 10 ق. م) ميناءً هامًا على البحر المتوسط به قلعة حصينة ودعاه "قيصرية" تكريمًا لأوغسطس قيصر، وأقام حاجزًا للأمواج أمام هذا الميناء، وبنى مدن أنتيباترس شمال شرق يافا تكريمًا لذكرى أبيه أنتيباتر، ومد يد التعمير خارج أرض فلسطين تمامًا، فأقام معابد لآلهة الأمم، فبالرغم من أنه كان يظهر ولائه لإله اليهود، إلاَّ أنه كان في الحقيقة وثنيًا.

 

 المرحلة الثالثة (13 - 4 ق. م):

مرحلة الأزمات داخل القصر وخارجه، فقد حكم هيرودس الكبير شعبه بقبضة حديدية، وكنوع من السياسة كان يقف بجوار هذا الشعب في أزماته، فعندما تعرّضت البلاد للمجاعة والقحط استورد كميات ضخمة من القمح من مصر لينقذ حياة الكثيرين، أمّا القصر فتزاحمت فيه المؤامرات والدسائس، وتمسّك هيرودس بتلابيب عرشه أكثر من تمسكه بمحبته لأولاده، ففي سنة 7 ق. م شعر أن ابنيه إسكندر وأرسطوبولس من زوجته مريمن يتآمران عليه لأنه قتل أمهما وجدتهما، فحكم عليهما بالإعدام في سبسطية، وفي سنة 4 ق. م قبل موته بخمسة أيام أكتشف أن ابنه "أنتيباتر" ولي عهده قد دسَّ له السم في الطعام، وبالرغم أن هيرودس كان قد أوصى بأن ابنه هذا يخلفه في الحكم، لكن هذا الابن تعجَّل الأمور، فجرَّ على نفسه حكم الموت إذ حكم عليه بالإعدام، وعندما أحسَّ هيرودس بدنو أجله، وهو موقن أن شعبه لن يبكيه، استدعى وجهاء الأمة لمقابلته في أريحا، وقبض عليهم وأصدر أمره بإعدامهم على أن يُنفَّذ الحكم يوم موته حتى تكون هناك مناحة في أرض فلسطين ولكن أوامره هذه لم تُنفَّذ. وفى عهد هيرودس الكبير وُلِد ملك الملوك ورب الأرباب رئيس السلام ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، وعندما علم هيرودس هذا من المجوس طلب منهم متى وجدوه أن يأتوا ويخبرونه، وإذ عادوا في طريق آخَر إلى بلادهم غضب هيرودس وأصدر أمره بذبح كل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(41) ترجمة زكي مسيحة - صور من الحياة الاجتماعية اليهودية في أيام المسيح ص 151.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/12.html

تقصير الرابط:
tak.la/mr94vqn