وقد ركز د. محمد عبد الله الشرقاوي أستاذ الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان المساعد بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة على الذين شكَّكوا في نسبة التوراة بما فيها سفر التثنية لموسى النبي وخص بالذكر(9):
1- الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا الذي أنكر نسبة التوراة لموسى النبي، وعلَّق على ملاحظات ابن عزرا قائلًا " بهذه الكلمات القليلة يبين (ابن عزرا) ويثبت أن موسى ليس هو مؤلف الأسفار الخمسة، بل أن مؤلفها شخص آخر عاش بعده بزمن طويل... من هذه الملاحظات كلها يظهر واضحًا وضوح النهار أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، بل كتبها شخص آخر عاش بعد موسى بقرون عديدة"(1)(2).
2- ابن حزم الأندلسي(3) في كتابه " الفصل في الملل والأهواء والنحل " الذي يقول عنه الدكتور الشرقاوي " أعتقد أن ابن حزم قد برهن بصورة منهجية وثائقية قاطعة على أن الظروف كانت مهيأة تمامًا لفقدان التوراة كلية، أو أن المناخ كان مهيأ لإمكانية تحريفها وتزييَّفها على الأقل... وخلاصة رأي ابن حزم: أن نسبة هذه التوراة إلى موسى غير صحيح... وكان ابن حزم من كبار علماء مقارنة الأديان في تاريخ الإنسانية كلها"(4).
3- أبو المعالي الجويني(5) في كتابه " شفاء العليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل " الذي قال عنه الدكتور محمد الشرقاوي " يقطع إمام الحرمين -أبو المعالي الجويني- بأن هذه الأسفار الخمسة المسماة التوراة ليست هي التي أنزلها الله على موسى عليه السلام. ولكن هي التوراة التي كتبها عزرا الورَّاق، بعد فتنتهم مع بختنصر، وقتله جموعهم وطوائفهم، وإتلافه ما بأيديهم من الكتب"(6).
4- السموال بن يحيى المغربي(7) وهو اليهودي شموائيل بن يهوذا الذي أسلم، وكتب كتابه " إقحام اليهود".
5- رحمة الله الهندي(8) في كتابة " إظهار الحق".
6- الإمام القرطبي في كتاب " لإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، وإظهار محاسن دين الإسلام، وإثبات نبوءة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام".
7- الإمام القرافي الصنهاجي في كتابه "الأجوبة الفاخرة على الأسئلة الفاجرة".
ج: كاتب سفر التثنية (باستثناء الإصحاح الأخير) هو موسى النبي بلا منازع، وما أكثر الأدلة التي تُثبت هذا، سواء كانت أدلة داخلية من داخل السفر، أو أدلة خارجية، ونذكر من هذه الأدلة ما يلي:
1- هناك نصوص صريحة واضحة قاطعة من داخل السفر تخبرنا بأن موسى، وليس سواه، هو كاتب سفر التثنية، مثل " وكتب موسى هذه التوراة وسلَّمها لكهنة بني لاوي" (تث 31: 9).. " فعندما كمَّل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتابٍ إلى تمامها. أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلًا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم" (تث 31: 24 - 26).
وجاء في دائرة المعارف تعليقًا على هذه الفقرة " وهذه الفقرة لها قيمة أكبر من القيمة التقليدية، ولا ينبغي أن نتجاهلها كما يحدث كثيرًا، ولا يكفي أن نقول أن موسى هو المصدر الرئيسي للشريعة العبرانية، أو أنه أعطى شعبه تشريعات شفهية وليست مكتوبة، أو أن موسى كان المصدر التقليدي الوحيد لهذه التشريعات، لأن التوراة قد ذكرت بكل وضوح وتأكيد " وكتب موسى هذه التوراة " كما ذكرت بعد ذلك أن موسى " كتب هذا النشيد" (تث 31: 22) وهو النشيد الموجود في الإصحاح الثاني والثلاثين"(10) (راجع أيضًا تث 32: 44 - 46).. لقد ظهر في السفر نحو أربعين مرة أن موسى هو كاتب السفر.
2- استخدم كاتب السفر ضمير المتكلم في أمور تخص موسى النبي مثل:
أ - حديث الله مع موسى " فقال الرب لي" (تث 1: 42، 2: 31، 5: 28، 9: 12).. " لكن الرب غضب عليَّ" (تث 3: 26).. " في اليوم الذي وقفت فيه أمام الرب" (تث 4: 10).. " قال لي الرب" (تث 10: 1، 11).. " كلمني الرب" (تث 2: 1، 2، 17، 9: 13).
ب - أحداث شارك فيها موسى النبي مثل:
" الرب إلهنا كلمنا في حوريب" (تث 1: 6).
" فقلتُ لكم لا ترهبوا ولا تخافوا منهم" (تث 1: 29).
" فعبرنا وادي زارد" (تث 2: 13).
" وأمرتُ قضاتكم في ذلك الوقت قائلًا... وأمرتكم في ذلك الوقت بكل الأمور التي تعملونها" (تث 1: 16 - 18).
" ثم ارتحلنا من حوريب وسلكنا... كما أمرنا الرب إلهنا... فقلت لكم" (تث 1: 19، 20).
" وعليَّ أيضًا غضب الرب بسببكم" (تث 1: 37).
" وأمرتُ يشوع في ذلك الوقت قائلًا... لكن الرب غضب عليَّ بسببكم" (تث 3: 23، 26).
" فمكثنا في الجواء مقابل بيت فغور" (تث 3: 29).
ج - أعطى موسى الفرائض والأحكام التي تسلَّمها من الله، فيقول:
" هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل" (تث 1: 1).
" ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا" (تث 1: 5).
" فالآن يا إسرائيل اسمع الفرائض والأحكام التي أنا أعلمكم لتعملوها لكي تحيوا... أنظر. قد علمتكم فرائض وأحكامًا كما أمرني الرب إلهي لكي تعملوا هكذا... وإياي أمر الرب في ذلك الوقت أن أُعلمكم فرائض وأحكامًا لكي تعملوها" (تث 4: 1 - 14).
" هذه هي الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل" (تث 4: 44).
" ودعا موسى جميع إسرائيل وقال لهم... اسمع يا إسرائيل الفرائض والأحكام التي أتكلم بها في مسامعكم اليوم وتعملوها" (تث 5: 1).
" جميع الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم تحفظون" (تث 8: 1).
" فاحفظوا جميع الفرائض والأحكام التي أنا واضع أمامكم اليوم لتعملوها" (تث 11: 32) [وأيضًا تث 27: 10، 29: 1].
3- بدأ سفر التثنية بما انتهى به سفر العدد " هذه هي الوصايا والأحكام التي أوصى بها الرب إلى بني إسرائيل عن يد موسى في عربات موآب في أردن أريحا" (عد 36: 13) فبدأ سفر التثنية بالقول " هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن في البرية في العربة" (تث 1: 1) وفي ترجمة كتاب الحياة " هذه هي الأقوال التي خاطب بها موسى جميع الإسرائيليين المخيمين في وادي العربة في صحراء موآب شرقي نهر الأردن".
4- شهادة رجال العهد القديم: ومن أمثلة ذلك:
أ - جاء في سفر التثنية أن موسى أوصى الشعب " وتبني هناك مذبحًا للرب إلهك مذبحًا من حجارة لا ترفع عليه حديدًا من حجارة صحيحة" (تث 27: 5، 6) وعندما نفَّد يشوع هذا الأمر نسبه إلى توراة موسى لأن موسى هو كاتب سفر التثنية فقال يشوع " كما هو مكتوب في سفر توراة موسى. مذبح حجارة صحيحة لم يرفع أحد عليها حديدًا" (يش 8: 31).
ب - عندما ملك أمصيا الملك قتل الذين قتلوا أبيه يوآش " ولكنه لم يقتل أبناء القاتلين حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى حيث أمر الرب قائلًا لا يُقتل الآباء من أجل البنين والبنون لا يقتلون من أجل الآباء" (2 مل 14: 6) وقد جاءت هذه الوصية في (تث 24: 16) وقد دعى الملك أمصيا سفر التثنية بشريعة موسى لأنه هو كاتب السفر.
5- شهادة السيد المسيح: ونذكر منها الآتي:
أ - قال السيد المسيح " لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني" (يو 5: 46) وهو يشير إلى ما جاء في التوراة عنه مثلما جاء في سفر التثنية " يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من أخوتك مثلي. له تسمعون... أُقيم لهم نبيًا من وسط أخوتهم مثلك" (تث 18: 15، 18).
ب - قال السيد المسيح لليهود " أليس موسى قد أعطاكم الناموس" (يو 7: 19) وفي هذا يشير إلى ما جاء في سفر التثنية عندما بارك موسى بني إسرائيل قبل موته " بناموس أوصانا موسى" (تث 33: 4).
ج - عندما أحضر الكتبة والفريسيون المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل قالوا للسيد المسيح " وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم" (يو 8: 5) وهذا ما جاء في سفر التثنية " إذا وُجد رجلًا مضطجعًا مع امرأة زوجة بعل يُقتل الاثنان" (تث 22: 22) ولم يعترض السيد المسيح على نسبة ما جاء في سفر التثنية إلى موسى النبي، لأن موسى هو كاتب السفر.
د - عندما تكلم السيد المسيح عن عدم الطلاق قال له الفريسيون " فلماذا أوصى موسى أن يعطي كتاب طلاق فتُطلق" (مت 19: 7) وهذا ما جاء في سفر التثنية " إذ أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق.." (تث 24: 1) ولم يعترض السيد المسيح على نسبة ما جاء في سفر التثنية لموسى النبي، وقال للفريسيين " إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن.." (تث 19: 8).
هـ- قال الصدوقيون للسيد المسيح " يا معلم كتب لنا موسى إن مات لأحد أخ ولم يخلف أولادًا أن يأخذ أخوه إمرأته ويقيم نسلًا لأخيه" (مر 12: 19) وهذا ما جاء في سفر التثنية (تث 25، 5، 6) ولم يعترض السيد المسيح على نسبة ما جاء في سفر التثنية لموسى النبي، لأن موسى هو كاتب السفر.
6- شهادة رجال العهد الجديد: ونذكر منها ما يلي:
أ - أشار إسطفانوس أول الشهداء إلى ما جاء في (تث 18: 15، 18) وقال " هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم له تسمعون" (أع 7: 37) فقد نسب ما جاء في سفر التثنية لموسى النبي لأن موسى هو كاتب السفر.
ب - قال يوحنا الإنجيلي " لأن الناموس بموسى أُعطي" (يو 1: 18) وهو يشير إلى ما جاء في سفر التثنية " وهذه هي الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل" (تث 4: 44).. " بناموس أوصانا موسى" (تث 33: 4) وذلك لأن موسى هو كاتب السفر.
جـ- عندما " فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس" (يو 1: 45) كان يشير إلى ما جاء في سفر التثنية (تث 18: 18).
د - عندما قال بطرس الرسول " فإن موسى قال للآباء أن نبيًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به" (أع 3: 22) كان يشير إلى ما جاء في سفر التثنية " يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من أخوتك مثلي. له تسمعون" (تث 18: 15).
هـ- قال بولس الرسول " أولًا موسى يقول أُغيركم بما ليس أمَّةً. بأمة غبيَّة أغيظكم" (رو 10: 19) وقد وردت هذه العبارة في سفر التثنية " فأنا أغيرهم بما ليس شعبًا. بأمَّةٍ غبيةٍ أغيظهم" (تث 32: 21) وقد نسبها بولس الرسول لموسى النبي لأنه هو كاتب سفر التثنية.
و - قال بولس الرسول " فإنه مكتوب في ناموس موسى لا تكمَّ ثورًا دارسًا" (1 كو 9: 9) وهذا ما ورد في سفر التثنية " لا تكمَّ الثور في دراسه" (تث 25: 4) ونسبها بولس الرسول لموسى النبي لأن موسى هو كاتب السفر.
ز - قال بولس الرسول " ومن خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة" (عب 10: 28) وهذا ما ورد في سفر التثنية " على فم شاهدين أو ثلاثة شهود يُقتل الذي يُقتل" (تث 17: 6) وقد نسب بولس الرسول هذا القانون لموسى النبي لأن موسى هو كاتب سفر التثنية.
7- مادة سفر التثنية تشبه إلى حد كبير مادة سفر الخروج باستثناء (خر 25 - 31، 35: 40) وكذلك تشبه ما جاء في سفر العدد، ومن أمثلة هذه التشابهات:
أ - ما جاء في الإصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التثنية بشأن رحلات بني إسرائيل في البرية يعد درجًا لما جاء من قبل في سفري الخروج والعدد.
ب - العهد والوصايا العشر التي وردت في (تث 4: 44 - 5: 22) سبق أن وردت في (خر 19 - 23).
جـ- خطية بني إسرائيل في عبادة العجل الذهبي، وشفاعة موسى لدى الله حتى لا يُفنى هذا الشعب (تث 9: 7 - 10: 5) سبق أن وردت في (خر 32 - 34).
د - ذكر موسى أخطاء بني إسرائيل " في تبعيرة ومسَّه وقبروت هتاوة أسخطتم الرب" (تث 9: 22) ووردت في سفر العدد (عد 11: 1 - 3، 34).
هـ- ذكر موسى استلامه للشريعة للمرة الثانية " في ذلك الوقت قال لي الرب انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين وأصعد إليَّ إلى الجبل.." (تث 10: 1) قد وردت في سفر الخروج (خر 34: 1، 2).
و - بعض الشرائع عن الذبائح والأعياد وغيرهما في سفر التثنية سبق أن وردت في سفري الخروج واللاويين... إلخ.
8- ظهر في السفر نفس صفات وخصائص موسى النبي التي ظهرت في الأسفار الأخرى، فيقول القمص تادرس يعقوب " روحه الحماسية وحديثه الخارج من كل قلبه (خر 2: 12، 13) ومقدرته ككاتب وقائد، وتركيزه على التعاليم الأساسية دون إهمال التفاصيل، وحديثه النابع عن اختباراته الواسعة. بل أن أسلوبه الشعري والنثري يثير الإعجاب. وذكر الله المتكرر على لسانه كعبد الرب المكرَّس (34: 5) وقوة إعلانه للحق واضحة في هذا السفر كما وضحت في تاريخه المسجل في سفري الخروج والعدد"(11).
9- تظهر في السفر غيرة الكاتب على شعبه، وتحفيزه لهذا الشعب ليتقي الله، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ - " فالآن يا إسرائيل ماذا يطلب منك الرب إلهك إلاَّ أن تتقي الرب إلهك لتسلك في كل طرقه وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك. وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم لخيرك" (تث 10: 12، 13) فمن له غيرة على شعبه مثل موسى النبي..؟! ومن أوصى شعبه بوصايا الرب وفرائضه أكثر من موسى النبي؟!
ب - أوصى الشعب متى أقاموا ملكًا عليهم " عندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين" (تث 17: 18).
جـ- أوصى موسى الشعب بإقامة حجارة كبيرة عند عبور الأردن، وأن يشيّدها بالشيد ويكتب عليها كلمات الناموس لكيما تكون أمام أعينهم دائمًا (تث 27: 1 - 3).
د - أوصى موسى الكهنة بأن يجمعوا الشعب في كل إسرائيل " لكي يسمعوا ويتعلَّموا أن يتقوا الرب إلهكم ويحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة" (تث 31: 12).
10- شهادة علماء اليهود مثل فيلون السكندري ويوسيفوس فلافيوس، وأيضًا آباء كنيسة العهد الجديد مثل إيريناؤس وترتليان وأكليمنضس السكندري وجيروم وأثناسيوس الرسولي. جميعهم شهدوا بأن موسى النبي هو كاتب التوراة بما فيها سفر التثنية.
11- يقول " جوش مكدويل": "أن موسى كان متفوقًا ومستعدًا لتأليف عمل (عظيم) مثل الأسفار الخمسة نراها في المؤهلات الآتية:
أ - التعليم: لقد تدرب موسى في المدارس المتطورة جدًا في البلاط الملكي المصري.
ب - التقاليد: بدون شك أنه تعرَّف على تقاليد التاريخ العبري القديم وعلاقة العبرانيين مع الله.
جـ- المعرفة الجغرافية: كان موسى عنده معرفة كاملة بمناخ وجغرافية مصر وسيناء كما ظهر في أسفار التوراة الخمسة.
د - الباعث أو المحرك: كمنشئ لأمة إسرائيل، فقد كان لديه أكثر من دافع كاف أن يعطي الأمة أساسيات أخلاقية ودينية.
هـ- الوقت: إن أربعين سنة من التجول في برية سيناء أمدته بفرصة كافية لكي يكتب هذا العمل.
في الوقت الذي فيه كان العبيد غير المتعلمين الذين يعملون في مناجم الفيروز المصرية يكتبون سجلاتهم على حوائط النفق، فليس من المعقول أن رجلًا له خلفيات موسى يفشل في تسجيل تفاصيل تاريخ واحد من أهم العصور"(12).
12- باروخ سبينوزا الذي أنكر نسبة الأسفار الخمسة لموسى النبي، اعترف بأن سفر التثنية يُنسب لموسى النبي ذاته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول دكتور محمد عبد الله الشرقاوي " يرى سبينوزا أن سفر التثنية الحالي هو السفر الوحيد الذي يمكن نسبة محتواه إلى موسى، لأنه قد احتوى على الشريعة التي شرحها موسى لبني إسرائيل. ومن جانبنا نقول: أن هذا السفر قد احتوى على وصايا خلقية، وآداب شرعية لا ريب أن فيها بقية وحي وإثارة نبوءة، لأنها من معدن التعاليم والآداب التي يدعو الأنبياء إليها، ولا بأس برأي سبينوزا هذا، لأن مثل هذه التعاليم قد حث عليها القرآن الحكيم والسنة المُطهَرة، ومن ثم فهي صادقة -في سفر التثنية- في جزء كبير من مضمونها ومحتواها"(13).
13- يذكر نورمين جيسلر بعض الأدلة على كتابة موسى النبي لسفر التثنية فيقول:
" أولًا: التصريح المتكرر بأن هذه كلمات موسى كما في (تث 1: 1، 4: 44، 29: 1) وبإنكارها يصبح الكتاب مزيفًا.
ثانيًا: نُسب في سفر يشوع خليفة موسى مباشرة سفر التثنية إلى موسى... " إنما كن متشددًا وتشجع جدًا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي" (يش 1: 7).
ثالثًا: هناك إصحاحات في العهد القديم تشير إلى أن موسى هو كاتب سفر التثنية:
-".. هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آباءهم عن يد موسى" (قض 3: 4).
-".. تحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى" (1 مل 2: 3).
-".. حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى.." (2 مل 14: 6).
-".. كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله" (عز 3: 2).
-".. ولم نحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أمرت بها موسى عبدك" (نح 1: 7).
-".. عرف موسى طرقه وبني إسرائيل أفعاله" (مز 103: 7).
-".. فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله" (دا 9: 11).
- " أذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب" (ملا 4: 4).
رابعًا: يُعد سفر التثنية هو ناموس العهد القديم الذي أشار إليه العهد الجديد بعبارة " موسى قال للآباء" (أع 3: 22) وعبارة " موسى يقول" (رو 10: 19) وعبارة " فإنه مكتوب في ناموس موسى" (1كو 9: 9).
خامسًا: أشار إلهنا إلى سفر التثنية (تث 6: 13، 16) خلال مقاومته للشيطان في التجربة على الجبل بكلمات الله (مت 4: 7، 10) والرب يسوع أشار أيضًا مباشرة إلى موسى بقوله " موسى قال" (مر 7: 10) و" كتب موسى" (لو 20: 28).
سادسًا: التفاصيل الجغرافية والتاريخية المذكورة في سفر التثنية تنم عن المعرفة الأولى التي لا يكتبها إلاَّ موسى نفسه.
سابعًا: دراسات النقاد لمعاهدات الشرق من حيث الشكل والمضمون تدل على أن سفر التثنية يرجع إلى أيام موسى.."(14)(15).
وستجد يا صديقي أدلة أخرى نتناولها في السؤال التالي.
_____
(1) رسالة سبينوزا في اللاهوت والسياسة ص 266، 271.
(2) أوردها د. محمد عبد الله الشرقاوي - نقد التوراة والأناجيل الأربعة ص 72، 77.
(3) المتوفي سنة 456 هـ.
(4) أوردها د. محمد عبد الله الشرقاوي - نقد التوراة والأناجيل الأربعة ص 108.
(5) المتوفي سنة 478 هـ.
(6) المرجع السابق ص 112.
(7) المتوفي سنة 570 هـ.
(8) المتوفي سنة 1891م.
(9) راجع نقد التوراة والأناجيل الأربعة ص 59 - 138.
(10) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 444.
(11) تفسير سفر التثنية ص 31.
(12) برهان يتطلب قرارًا ص 410، 411.
(13) نقد التوراة والأناجيل الأربعة بين انقطاع السند وتناقض المتن ص 78.
(14) When Critics Ask. P 113.
(15) ترجمة بتصرف قام بها أحد الأحباء الإكليريكيين بالإسكندرية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/835.html
تقصير الرابط:
tak.la/ryb2m2t