ج: 1- رغم أن الدكتور موريس بوكاي قد هاجم الكتاب المقدَّس إلاَّ أنه أشار بدقة التوراة في تحديد خط سير بني إسرائيل في خروجهم من أرض مصر فقال " لا يعطي القرآن أي إشارة إلى خط السير على حين تشير التوراة على خط سير، وبكثير من الدقة، وقد قام الأب ديفو ب. مونتي بدراسة هذا الخط ويفترض أن نقطة الانطلاق كانت من تانيس " قنطير " أما فيما يتعلق ببقية الطريق فلم يعثر في أي مكان على آثار من شأنها أن تؤكد رواية التوراة، كما أنه ليس بالإمكان تحديد المكان الذي أنفتح فيه البحر حتى تمر جماعة موسى"(1).
2- يقول الأستاذ سليم حسن " ويرجع الفضل إلى أعمال الحفر والبحوث التي قامت حديثًا في " قنتير " وتوحيدها مع " بررعمسيس " وما كتبه الأستاذ " جاردنر" و"بتري " في تسهيل عمل مصوَّر جغرافي للطريق التي سلكها هؤلاء القوم في هجرتهم من مصر إلى فلسطين وقد بدأوا طريقهم في بلدة " رعمسيس" (قنتير) التي كانت وقتئذ مقر قصر الفرعون وكان موسى يحاور الفرعون فيها، ويلتمس منه السماح لقومه بالخروج من مصر، وقد أمضوا الليلة الأولى في بلدة " سكوت" (تل اليهودية) وعسكروا الليلة الثانية في " إيتام " على حافة الصحراء، وبعد ذلك حوَّلوا طريقهم وضربوا خيامهم في الليلة الثالثة أمام المكان المعروف باسم " فم الحيروث " بين " مجدول " والبحر، وفي هذا المكان لحقهم الفرعون وجيشه في عرباته التي كانت تجرها الصافنات الجياد، يمتطيها الفرسان الذين كانوا من خيرة جنوده، وقد استولى الفزع على بني إسرائيل عندما رأوا الفرعون وجنوده، وعندئذ رفع موسى يده إلى الله فأرسل الله لإغاثته هو وقومه ريحًا شرقية عاتية هبت طوال الليل، وفي الصباح جف مجرى البحر... فعبره واستمروا في سيرهم...
وهاك أسماء المدن والأماكن كما ذُكرت في التوراة:
(1) رعمسيس (2) سكوت (3) بيداء إيتام (4) طريق الفلسطينيين (5) فم الحيروث (6) بحر سوف (7) مجدول (8) بعل زيفون.
وكل هذه الأماكن قد حققها " على بك شافعي " ووصفها في مصوَّره الجغرافي الذي يتفق مع الأصول التي كانت سائدة زمن الخروج بقدر المستطاع"(2).
3- إن خط سير بني إسرائيل منذ تحركهم من أرض جاسان حتى وصولهم أرض كنعان قد ذُكر بالتفصيل في التوراة (عد 33) وفيما يلي نعرض لأهم المحطات التي مرَّ بها العبرانيون والتي ذُكرت في سفر الخروج:
براعمسيس - سكوت - إيثام - فم الحيروث - برية شور - مارة - إيليم - برية سين - رفيديم - برية سيناء (جبل موسى - جبل كاترين)
1- براعمسيس: جاء في دائرة المعارف أن " رعمسيس اسم مصري قديم معناه " ابن رع " إله الشمس وقيل أيضًا أن معناه "رع قد خلقه" وهو اسم مدينة من أخصب بقاع مصر (تك 47: 6) ومنها انطلق بنو إسرائيل في رحلة خروجهم من أرض مصر (خر 12: 37، عد 33: 3، 5)"(3) وقد سبق الحديث بالتفصيل عن هذه المدينة فيرجى الرجوع إلى إجابة السؤال 574.
وتمثل رعمسيس نقطة الانطلاق في رحلة الخروج، حيث خرج الشعب يحمل خبزه غير المختمر، وكان أمامهما طريقان للوصول إلى أرض كنعان، الطريق الأول هو طريق البحر الذي يسير في السهل الساحلي بحذاء البحر الكبير (البحر المتوسط) ويمتد من مصر إلى فلسطين إلى لبنان وسوريا، وخشى موسى أن يقود الشعب إلى هذا الطريق لأن الحاميات العسكرية المصرية تعسكر في هذا الطريق، كما أنهم سيجدون مقاومة شديدة من أهل كنعان، وأيضًا من السهل أن يتعقبهم فرعون في هذا الطريق المسلوك ويعيدهم إلى العبودية. أما الطريق الآخر فهو طريق القوافل في الصحراء، وكان أيضًا طريقًا مسلوكًا تسير فيه القوافل القادمة من بلاد العرب، ولم يرد الله أن يسلك شعبه في هذا الطريق لئلا يخور الشعب في الطريق إذا رأي حربًا، فيعود أدراجه إلى أرض العبودية، فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف (خر 13: 17، 18).
2- سكوت (خر 13: 20): ومعناها مظلات، فقد تحرك بنو إسرائيل من أرض جاسان بعد منتصف الليل حاملين عظام يوسف معهم، متجهين نحو سكوت التي تبعد 15 ميلًا، فكانت سكوت نقطة اللقاء، وفيها استراح بنو إسرائيل، إذ صنعوا مظالًا من أغصان وأوراق الأشجار، وخبزوا فطيرهم، وقال البعض أن الموقع الحالي لسكوت هو " تل المسخوطة"، ويقول الأستاذ سليم حسين " وأهم برهان - يمكن الاستناد عليه في تحقيق موقع بلدة " سكوت " وأنه عند " الصالحية " - قد استقيناه من ورقة " أنسطاسي " التي يرجع عهدها إلى الأسرة التاسعة عشرة، وهي التي تصف لنا " سكوت " بأنها أرض متأخمة، أو على الحدود ويسكنها أجانب، وفيها قلعة تدعى " ختم سكوت " ومستنقعات تُعرف باسم بحيرات " بثوم مرنبتاح " التابعة لبلدة " سكوت".. وقد كان الفراعنة مغرمين بالصيد والقنص في أعشاب هذه المستنقعات، وكانوا يستعملون قوارب من الغاب للسير فيها، ولا يبعد أنها كانت مخصصة لفراعنة الرعامسة الذين كانوا يسكنون " قنتير " على مسافة خمسة عشر كيلومترًا من الشمال الغربي لهذه الجهة"(4).
3- إيثام (خر 13: 20): وتقع جنوب طريق القوافل المحاذي لشاطئ البحر الأبيض، وبها قلعة لمراقبة وحماية الحدود، وتعتبر المحطة الثانية في الرحلة إلى أرض كنعان، وتقع في أطراف البرية، حيث تنتهي المزارع الخضراء، وتبدأ رمال الصحراء الممتدة، ويقول الأستاذ سليم حسن " ومن ذلك نعلم أن إيتام بيداء وهي بالعبرية "مدبار" ومعناها صحراء أو بيداء حيث تُرعى الغنم، وكان معسكرهم في "إيتام" على حافة الصحراء (راجع سفر الخروج 13 - 20)"(5).
وفي إيتام فوجئ موسى بأن عمود السحاب يتجه جنوبًا بمحاذاة خليج السويس عوضًا عن الاتجاه للشرق تجاه أرض الموعد، حيث الطريق المسلوكة بين مصر وفلسطين والتي كان يسلكها التجار وعمال التعدين والجيوش، فإن " الله لم يهدهم في طريق أرض فلسطين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصر" (خر 13: 17) وجاء في دائرة المعارف عن إيتام " في العبرية " إيثام " وفي اليونانية " أوثوم" (خر 13: 20، عد 33: 6 - 8) ولعل معناها " الحصن " ولكنها كثيرًا ما تُفسر على أساس الكلمة القبطية " أيتوم " أي " تخوم البحر " مما يتفق مع ما جاء في سفر العدد " برية إيثام" (عد 33: 8) وهي أول مكان نزل به الإسرائيليون بعد مغادرتهم لسكوت، ولا يُعلَم موقعها بالضبط، ولكنها كانت على طرف برية شور (خر 15: 22) التي كان يطلق على جزء منها " برية إيثام" (عد 33: 6 - 8) ويحتمل أنها كانت على الطرف الشمالي لبحيرة التمساح، وكانت جزءًا من الحصون المصرية التي كانت تحمي حدودها الشرقية (لاحظ الإشارة إلى " مجدل " أي " برج المراقبة " في العدد 33: 7) وقد اضطرت قوة هذه الحصون بني إسرائيل إلى الدوران جنوبًا مما جعل فرعون يظن أنهم قد وقعوا في مصيدة بين البرية والبحر (خر 14: 1 - 3)"(6).
4- فم الحيروث (خر 14: 2): تقع شمال إيثام بين مجدل والبحر قرب مدينة بعل صفون المشهورة بمعبد الإله الكنعاني " بعل " وجاء في دائرة المعارف " ولا يُعلم تمامًا موقع فم الحيروث أو مجدل أو بعل صفون، فمعرفة موقع أحداهما كان يمكن أن يساعد على تحديد موقع الآخرين... إن بني إسرائيل لم يسيروا في طريق أرض الفلسطينيين (خر 13: 17) القريبة من ساحل البحر المتوسط، بل ساروا في طريق برية بحر سوف (خر 13: 18) والأرجح أنها الطريق التي كان يسير فيها المصريون إلى مناجم النحاس والفيروز في شبه جزيرة سيناء"(7).
وبلغ بنو إسرائيل فم الحيروث غالبًا في اليوم الخامس من الخروج، وعندما أدرك فرعون أن بني إسرائيل قد أفلتوا من يديه أسرع خلفهم بمركباته وفرسانه " فانتقل ملاك الرب السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم" (خر 14: 19) أما الشعب فقد خاف وارتعب، وصرخ موسى لإلهه وقال لشعبه " قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضًا إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14) وضرب موسى البحر بعصاه فانفتح فيه درب طويل وطريق متسعة وعبر الشعب، بينما غرق فرعون وكل من معه، ومن ثمَ ودع بنو إسرائيل حياة الذل والعبودية وانطلقوا للحرية وهم يسبحون تسبحة النصرة.
5- برية شور (خر 15: 22): انطلق الشعب من البحر إلى برية شور بصحراء سيناء مقابل أرض جاسان، ومعنى " شور" أي "سور"، فهذه البرية كانت بمثابة السور الواقي لأرض مصر من الناحية الشرقية، وهي غالبًا تمثل عيون موسى حاليًا، ومن برية شور انتقل الشعب إلى مارة التي تقع على بعد نحو 40 ميلًا فوصلوا إليها عبر وديان الصحراء الجافة بعد مسيرة ثلاثة أيام.
6- مارة (خر 15: 23): تقع على بعد 36 ميلًا من عيون موسى، وهي تمثل الآن "هوَّارة" وفي مارة تزمر الشعب بسبب احتياجهم للمياه، ولأنهم لم يجدوا إلاَّ ماءًا مرًّا، فصرخ موسى للرب، فأراه شجرة طرحها في الماء فصار عذبًا، ومياه هذه البقعة مازالت مرة للآن، فلا يستقي العربان لجمالهم منها.
7- إيليم (خر 15: 37): تقع على بعد نحو 15 ميلًا جنوب مارة، وعندما وصل بنو إسرائيل إلى إيليم، وهي وادي خصيب شُبه بجنة وسط الصحراء، ويدعى هذا الوادي الآن "وادي الغرندل" ويبعد 63 ميلًا جنوب السويس، حيث حمامات فرعون، فوجدوا فيه اثنتي عشرة عينًا تنبع وتفيض مع سبعون نخلة فشرب الشعب وارتوى، وهناك نصبوا خيامهم.
8- برية سين (خر 16: 1): والاسم مشتق غالبًا من " سين " إله القمر، وهي غير برية "صين" (عد 20: 1) وغير برية سيناء(8) فقد سار بنو إسرائيل إلى الجنوب الغربي من إيليم حيث تغيرت طبيعة الأرض من رمال منبسطة إلى سلسلة جبال، فعبروا وادي الطيّبة، حيث أدى بهم الطريق نحو البحر عند رأس أبو زنيمة غرب سيناء بموازاة خليج السويس فوصلوا إلى برية سين بعد نحو شهر ونصف من الخروج، وقد اختفت الخضرة في هذه البرية باستثناء شجيرات قليلة من التمر حنة واللبخ والأشجار الصمغية التي تظهر بين الحين والحين، وظهرت الجبال شديدة الانحدار والأودية المتعرجة، وكان هناك بعض قبائل البدو الذين يرعون الجمال والماعز الجبلي، كما سكنت المنطقة بعض الحيوانات المفترسة مثل الذئاب والضباع والفهود والنمور، وفي هذه البرية كان الطعام قد بدأ ينفذ منهم، فتزمروا على موسى وهرون قائلين " ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل الخبز للشبع" (خر 16: 3) فأرسل الله إليهم في المساء أسراب ضخمة من طيور السلوى، وفي الصباح أرسل لهم المن، ولكن بسبب تذمرهم أدبهم الله وضربهم ضربة عظيمة حتى مات منهم الكثيرون، فدعى اسم ذلك الموضع "قبروت هتَّاوة" (عد 11: 34).
9- رفيديم (خر 17: 1): وهي كلمة عبرية معناها "راحات" والأرجح أنها في جبل موسى في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء بين خليجي السويس والعقبة، ومعنى هذا أنها هي وادي فيران(14) فقد سار الشعب في طريق مناجم النحاس والفيروز القديم (سيرابيت الخادم) حتى وصلوا إلى هذه المنطقة، وعسكروا في أحد الأودية بالقرب من الشاطئ، وتعرض الشعب للعطش، فضرب موسى الصخرة الصماء، فانفجر منها الماء الذي روى كل هذا الشعب ومواشيه ودوابه.
ويقول أحد الآباء الرهبان بدير القديس أنبا مقار " إن الناظر إلى وادي فيران حاليًا الذي هو رفيديم قديمًا، يجده أخصب وديان شبه الجزيرة قاطبة، بعد أن كان برية قاحلة لا ماء فيها على الإطلاق، وفي طرف الوادي توجد صخرة ضخمة ناتئة تميل بزاوية حادة ملفتة للنظر بسبب ضخامتها واختلافها عن كل الصخور المحيطة، يسميها العرب هناك "حسية الخطاطين" أو "الحسوة" (من الفعل يحتسي أو يشرب) يخرج منها نبع ماء يُدعى نبع فيران، وهو أغزر نبع في سيناء كلها يجري كالنهر، وحولها كمية كبيرة من الحصى الصغير ويؤكدون أنها هي التي ضربها موسى بعصاه ففاضت المياه"(9).
وظهر في الأفق العماليق الذين ظنوا أن هذه الجحافل أتت لتزاحمهم الماء والكلأ، كما طمعوا في سلب غنائمهم، فاستغلوا ظروف هذه الشعب المنهك الخارج لتوه من نير العبودية. وليس لموسى ذراع يعتمد عليه سوى ذراع الله القوية، فرفع ذراعيه يستصرخ إلهه، بينما أرسل يشوع لصد الهجوم العماليقي، ومع مغيب الشمس حطم الله عماليق الجبار أمام قوات يشوع المتواضعة، فأقام موسى مذبحًا في أرض المعركة دعاه " يهوه نسي " أي " الرب رايتي " أو الله عوني معترفًا بالفضل لله فطمأن الله موسى قائلًا " أكتب هذا تذكارًا في الكتاب وضعه في مسامع يشوع. فإني سوف أمحو عماليق من تحت السماء" (خر 17: 14).. وأتى يثرون كاهن مديان حمو موسى مع صفورة زوجة موسى وابنيها والتقوا مع موسى، وأيضًا تقبَّل موسى نصيحة حماه يثرون في توزيع المسئوليات، فأقام رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات.
10- برية سيناء (خر 19: 1): قطع الشعب الرحلة من رفيديم (واحة فيران) إلى جبل سيناء والتي تبلغ نحو 63 كم. عبورًا بوادي الطرفا ثم وادي الشيخ حتى وصلوا إلى سهل الراحة بعد تجوال دام نحو ثلاثة أشهر، فوصلوا إلى هذا السهل المسطح الذي يبلغ طوله نحو أربعة أميال وعرضه أكثر من الميل(10)، وتنتشر به أشجار الآتل، وعلى سفح الجبل توفرت المياه والمراعي، فكان حقًا مكان لراحة الشعب حيث نصبوا خيامهم في هذا السهل المتسع، أمام جبل موسى وجبل كاترين، وهما من أعلى جبال سيناء.
أ - جبل موسى: يستغرق صعوده نحو ثلاث ساعات، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 2285 م. فوق سطح البحر، وفوق هذا الجبل كان موسى قد شاهد العليقة المشتعلة، وتسلَّم المهمة الصعبة بإطلاق شعب الله من قبضة فرعون، وهوذا الآن قد أتم الرسالة على أكمل وجه وجاء ليتسلم الشريعة الإلهيَّة.
والشخص الصاعد إلى قمة الجبل حاليًا يلتقي بصخرة منبسطة أُقيم عليها قلاية، كما توجد عين ماء، وقال البعض أن هذا المكان هو الذي اجتمع فيه هرون وموسى مع الاثنين والسبعين شيخًا، وقبل الوصول للقمة توجد 3000 درجة من الجرانيت، وقبيل الوصول للقمة يوجد باب يدعى "باب الإيمان" حيث يخلع الصاعد الحذاء، وعلى قمة الجبل توجد كنيسة يرجع تاريخها إلى عصر الإمبراطور الروماني جستنيان، كما توجد مغارة grotte التي قيل عنها أن موسى اختبأ فيها لكيما يرى القليل من المجد الإلهي(11).
ب- جبل كاترين: يبلغ ارتفاعه نحو 2639 مترًا، ويستغرق صعوده نحو خمس ساعات، والصاعد للقمة يلتقي بكنسية صغيرة باسم هارون، وثلاثة أديرة صغيرة باسم دير الحديقة، ودير الرسل القديسين، ودير الشهداء، واستراحة كانت مخصَّصة للملك فؤاد. كما يوجد سلم يؤدي إلى قمة الجبل حيث كنيسة القديسة كاترين، ومنها يهبط الزائر إلى دير الأربعين شهيدًا(15).
ويصف أحد الرحَّالة في القرن التاسع عشر جبل سيناء فيقول " لا يمكن لأحد أن يقترب إلى هذا الجبل عن طريق "سهل الراحة" أو يعاين هذا البقيع المتسع من أعلى "جبل موسى" إلاَّ ويقتنع تمامًا أن هذا الموقع بالذات... مقابل تلك القمة الشامخة الارتفاع يطابق تمامًا ما جاء في الكتاب المقدَّس... بل ويؤكد بالأحرى أن الذي دوَّن رحلات بني إسرائيل في سيناء وكيفية استعلان الله لهم في هذا الجبل هو "شاهد عيان" فهذا الاقتراب المهيب من المذبح المقدَّس بتكوينه الطبيعي الجغرافي (باعتباره قمة جبل شامخة) هو أوفق ما يكون لهذا الاستعلان الإلهي، إذ يرتفع كمذبح ضخم مقابل هذا الحشد الهائل مكشوفًا أمام عين كل إنسان، وخلفه زرقة السماء الصافية تعد كل نفس لسماع صوت الله إلى أبعد مدى في وسط السكون الرهيب الذي يلف المنطقة"(12).
و"يقول يوسيفوس أن جبل سيناء {أكثر الجبال ارتفاعًا في تلك المنطقة} ثم يقول أيضًا {أنه أعلى الجبال في تلك البلاد، وأنه ليس شامخ الارتفاع فحسب، ولكنه أيضًا صعب المرتقى جدًا -ليس لارتفاعه العظيم فحسب- بل لصخور سفوحه الحادة، ولا يستطيع أحد أن يرفع عينيه طويلًا إلى القمة دون أن تؤلمه عيناه. كما أنه كان مهيبًا مرهوبًا يُخشى الاقتراب منه للاعتقاد بأن الله يسكن هناك}.."(13).
جاء بنو إسرائيل في الشهر الثالث إلى برية سيناء وعسكروا أمام جبل سيناء الصخري الشاهق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وطلب الرب من موسى أن يتقدَّس الشعب ويغسلوا ثيابهم ويستعدوا لنزول الرب، وفي اليوم الثالث جاءت رعود وبروق وسحاب ثقيل مع صوت بوق شديد جدًا وكان الجبل كله يدخن وصعد دخانه كدخان الآتون، وصعد موسى ليتسلم الوصايا والإرشادات الإلهيَّة (خر 2: 23) ثم بنى موسى مذبحًا أسفل الجبل وأقام اثني عشر عمودًا، وأصعد فتيان إسرائيل المحرقات وذبائح السلامة، ثم صعد موسى وهرون وناداب وأبيهو وسبعون شيخًا ورأوا مجد إله إسرائيل، وغطى مجد الرب جبل سيناء ستة أيام، وفي اليوم السابع دعا الله موسى من وسط السحاب وكان مجد الرب كنار آكلة، وظل موسى في الجبل 40 يومًا (خر 24) تسلم خلالها لوحي العهد وتفصيلات خيمة الاجتماع، وكهنوت هرون وأولاده وملابسهم وتكريسهم (خر 15-31) وعاد موسى ليجد شعبه قد ضل وراء العجل الذهبي، فصحح الأوضاع (خر 32، 33) وعاد للجبل ووجهه يلمع، وأقيمت خيمة الاجتماع (خر 34-40) وظل الشعب عند جبل سيناء نحو عام كامل، فتحوَّل إلى أمة واضحة المعالم لها طقوسها المتكاملة في العبادة، وتم تنظيم الأسباط، وأصبح لكل سبط رايته وقائده العسكري، ووضعت خطة محكمة للترحال حيث يتقدم اللاويون المسيرة حاملين تابوت العهد وأجزاء الخيمة، وتحيط الأسباط بالخيمة، وكل سبط يلتزم بمكانه.
_____
(1) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 257، 258.
(2) مصر القديمة جـ 7 ص 120، 121.
(3) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 115.
(4) مصر القديمة جـ 7 ص 123، 124.
(5) المرجع السابق ص 125.
(6) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 561.
(7) دائرة المعارف الكتابية جـ 6 ص 112.
(8) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 482.
(9) شرح سفر الخروج ص 379.
(10) دائرة المعارف الكتابية جـ 2 ص 486.
(11) راجع قليني نجيب - فرعون مصر ص 58.
(12) دير القديس أنبا مقار - شرح سفر الخروج ص 420، 421.
(13) دائرة المعارف الكتابية جـ 2 ص 486.
(14) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 123.
(15) راجع قليني نجيب - فرعون مصر ص 59.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/631.html
تقصير الرابط:
tak.la/n73q2dx