يقول الدكتور محمد بيومي " ما أورده سفر التكوين من أن يوسف أسكن أباه وأخوته في أرض رعمسيس، وهذا خطأ تاريخي، ذلك لأن استعمال كلمة رعمسيس (نسبة إلى ملوك الرعامسة) لم تستعمل إلاَّ منذ الأسرة التاسعة عشرة (1308 - 1194 ق. م.) وليس منذ عهد الهكسوس (عهد يوسف)"(1).
ج: 1- مدينتيّ فيثوم ورعمسيس حقيقة تاريخية ثابتة في علم الآثار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فمدينة فيثوم أي بيت إله الشمس " نوم " وتقع في منتصف المسافة بين السويس وبورسعيد عند بحيرة التمساح، وتدعى الآن " تل المسخوطة " ومدينة " رعمسيس " تقع على بُعد 30 كم جنوب غربي بورسعيد، ويقال أنها الآن " صان الحجر " بمحافظة الغربية، وكانت تُسمى في القديم " تانيس " أو " أفاريس " وهي التي أتخذها الهكسوس عاصمة لهم ثم صارت عاصمة لرمسيس الثاني الذي أنشأ فيها توسعات وأقام فيها مخازن الغلال(2).
بينما جاء في دائرة المعارف الكتابية أن موقع مدينة رعمسيس هو قنتير وليس صان الحجر (تانيس) " وتدل الأبحاث الأثرية الأخيرة التي قام بها الدكتور لبيب حبشي والأستاذ محمود حمزة الأمين المساعد للمتحف المصري، على أن " رعمسيس " كانت في موقع بلدة " قنتير " الواقعة على بُعد نحو عشرة كيلومترات شمالي مدينة فاقوس على الطريق إلى صان الحجر، حيث وُجِد قصر فخم لرمسيس الثاني، وعثر على حجر جيري منقوش عليه اسم هذا الملك ولقبه، وغير ذلك من الآثار... هذه الحفائر أثبتت أن بلدة " قنتير " هي التي كانت عاصمة لرمسيس الثاني... وتدل قطع الجرانيت الوردي المنتشرة في أراضي " قنتير " على أنه كان هناك معبد كبير للإله "آمون رع" كما عُثر فيها أيضًا على معبد للملك سيتي الأول.
ومما يؤكد أن " قنتير " هي الموقع الصحيح لرعمسيس(3):
1- لا توجد آثار في عصر رمسيس أو ما قبله في " تانيس" (صا الحجر) فلا توجد بها قصور أو قبور، على عكس ما وُجِد في " قنتير".
2- كانت " رعمسيس " تقع على " مياه رع " أو الفرع البوبسطي من فروع النيل، الذي كان صالحًا للملاحة من البحر حتى مدينة رعمسيس، وهو ما يتفق مع موقع قنتير، وليس مع موقع " تانيس".
3- أن خصوبة أرض " رعمسيس " كما تصفها البرديات القديمة، تنطبق على أرض " قنتير " وليس على أرض " تانيس " حيث تكثر المسطحات المائية.
4- تُذكر " رعمسيس" و"تانيس " كمدينتين منفصلتين في البرديات القديمة، مما ينفي أنهما اسمان لنفس المدينة.
5- كانت " رعمسيس " على رأس الطريق إلى فلسطين عن طريق " سيل" (قرب القنطرة حاليًا) وهو ما ينطبق على " قنتير " وليس على " تانيس".
6- تتوفر في " قنتير " المواصفات الأخرى المذكورة في " رعمسيس " مثل ذكر " سكوت " بعدها مباشرة".
ويقول الأستاذ سليم حسن أنه جاء في قصة الراهبة " إيثبريا " التي ذهبت للأماكن المقدَّسة نحو 533 - 540 م أنها مرت على بلدة رعمسيس التي تقع على بُعد أربعة أميال من " أرابيا " وهي مدينة فاقوس حاليًا، وقالت عنها " حقًا أنها كانت ظاهرة للعيان لأن سورها كان ضخمًا وفيه مبان عديدة، وعلى أية حال فإن مبانيها ساقطة على الأرض... بيد أنه لا يوجد شيء الآن منها إلاَّ حجر ضخم طيبي قد نُحِت فيه تمثالان ضخمان يقال أنهما للقديسين موسى وهارون لأنه يقال: أن بني إسرائيل قد وضعوهما هناك تذكارًا لها"(4).
2- يقول الأستاذ سليم حسن أن البعض مثل " جاردنو" يرى أن " تانيس" و"أواريس" و"بررعمسيس " هم مدينة واحدة، وإن كان لا يوجد نقش مصري يُصرح بهذا لكن الدارس يمكنه أن يستنبط هذه الحقيقة، فالأسماء الثلاثة هم لنفس المدينة ولكن في عصور مختلفة(10) كما يقول الدكتور سليم حسن أيضًا أن البعض مثل " هايس" و"ثيوبري " والأستاذ " حمزة " أن علم الآثار يؤيد أن برعمسيس هي " قنتير " وأن " سيتي الأول " أول من أقام فيها قصرًا لقربها من آسيا، فيستطيع أن يستريح في هذا المكان عقب عودته من حروبه في " آسيا " وفي عهد " رعمسيس الثاني " نقل العاصمة من طيبة إلى قنتير ليستطيع أن يُحكم قبضته على ممتلكاته في آسيا ويصد غارات الساميين المتتالية، وكان يطلق على هؤلاء الساميين اسم " شاسو " وبذلك أصبحت العاصمة في الدلتا بدلًا من صعيد مصر، وكان " آمون رع " هو الإله الرئيسي لهذه المدينة، ولهذا وُجد أسمه وألقابه على قطع جرانيت ضخمة بالإضافة لأشياء كثيرة عُثر عليها في هذه البقعة، كما عُرف في المدينة أيضًا الإلهين "ست" أو و"بتاح" . وتدل شواهد الأصول على أن هذه المدينة قد بدئ العمل فيها في العهد الذي أشترك فيها رعمسيس (رمسيس الثاني) مع والده سيتي في الحكم، بل يحتمل أن رعمسيس قد أتخذها مركزًا له ولما توفي والده وانفرد بالحكم نقل الحكومة إليها(5).
3- في سنة 1885م أكتشف عالِم الآثار " إدوار نافيل " آثار مدينتيّ فيثوم ورعمسيس، حتى أنه عُثر على بعض الطوب اللبن، والأمر العجيب أن شيئًا منه يخالطه التبن، وآخر يخالطه القش، وهذا يوضح ما صرح به سفر الخروج أن فرعون كان يعطي بني إسرائيل التبن، وبعد لقائه مع موسى وهرون منع عنهما التبن " هكذا يقول فرعون لست أعطيكم تبنًا... فتفرق الشعب من كل أرض مصر ليجمعوا قشًا عوضًا عن التبن" (خر 5: 10 - 12) وأثناء حفر قناة السويس عثرت شركة قناة السويس على طبقات من التراب التي كان الإسرائيليون يستخدمونها لصنع الطوب، فاستغلته الشركة في صنع الطوب اللبن لإنشاء مدينة الإسماعيلية، كما عثر على نقش بجدران مقبرة رجل عامل يدعى " رخمارا " أو " رخمي رع " أحد وزراء تحتمس الثالث (1495 - 1441 ق. م.) ويظهر في هذا النقش بعض الأسرى الذين يحفرون التراب بالمعاول، ويحضرون الماء، ويعجنون الطين، ويصنعون الطوب، ويحملونه إلى المعبد، بينما بعض المراقبين المصريين يحملون العصي يهددون بها هؤلاء الأسرى. كما عُثر على صورة أخرى في إحدى المدائن يظهر فيها أسرى ساميون يبنون الأسوار بالطوب اللبن ويظهر بعض المصريين يحمل كل منهم سوطًا أو عصا طويلة، ووجد في آثار رعمسيس الثاني نقش للكاتب " كنيامن " إلى رئيسه " كجانا هوى " يفيده بأنه أطلع على أمر سيده بإعطاء الجنود أرزاقهم والعبريو أيضًا الذين ينقلون الحجارة إلى هيكل الشمس(6).
كما يقول أ. م. هوددجكن " على حوائط أحد مدافن مدينة طيبة توجد صورة دقيقة للعبودية كالتي أحتملها الإسرائيليون، وتدل ملامح أوجه العمال المُسخَرين على أنهم من الجنس السامي. وقد مثلت في هذه الصورة جميع تفاصيل صناعة اللبن (الطوب) في كل أطوارها بما في ذلك وقوف الرئيس المصري والعصا في يده يحث الصنَّاع قائلًا {ها هي العصا في يدي فلا تتكاسلوا} وقد ذُكرت في الآثار مدينتا المخازن اللتان أعدهما فرعون -فيثوم ورعمسيس- ولقد اكتُشِفَت أطلال هاتين المدينتين"(7).
4- امتازت مدينة رعمسيس بشوارعها العريضة، وقصورها الرائعة، ومعابدها الجميلة، وفي أطرافها قامت مخازن القمح والشعير، وامتدت حول المدينة الحقول الخضراء والبساتين المثمرة، فيقول الأستاذ سليم حسن " كانت عاصمة الملك كما ذكرنا من قبل في عهد " رعمسيس الثاني " في بادئ الأمر " طيبة " ثم نقلها إلى الشمال على مقربة من حدود الإمبراطورية الآسيوية الشرقية... وقد صلت إلينا وثائق عدة تصف لنا هذه العاصمة الجديدة التي سماها " رعمسيس " باسمه " بررعمسيس" (بيت رعمسيس) وصفا شيقًا ممتعًا... إن الكاتب " بيبسا " يحيي أستاذه الكاتب " أمنمايت " قائلًا: تحية أخرى لأستاذي أُخبره فيها أنني وصلت " بررعمسيس " محبوب (آمون) وقد ألفيتها في غاية من الازدهار، حقًا أن موقعها جميل منقطع النظير وهي شبيهة بطيبة، وقد أقامها " رع " نفسه. ومقر الملك تُحب الإقامة فيه، فحقوله مملوءة بكل شيء طريف، ومجهز بالأغذية الوفيرة يوميًا... ومياهه الخلفية تزخر بالسمك، وبركة مزدحمة بالطيور ومراعيه نضرة أعشابها... وطعم فاكهته المغروسة في حقوله كالشهد بعينه، ومخازن غلاله مكدَّسة بالقمح والشعير وتناهض عنان السماء في سموها. والبصل والكرات... طاقات أزهار في الخميلة... وفيه الرمان والتفاح والزيتون والتين من البستان، ونبيذ " كنكمي " الحلو الذي يفوق الشهد، والسمك الأحمر من بحيرة مقر الملك... أما مياه " صور " فيستخرج منها الملح والنطرون. ومنها تروح وتغدو إلى الميناء، والطعام الوفير فيها كل يوم. حقًا أن الإنسان ليبتهج بالسكنى فيها... وقد تساوى فيها الصغير مع العظيم. تعال، دعنا نحتفل بأعيادها السماوية وأعياد باكورة الفصل.."(8).
وجاء في دائرة المعارف الكتابية " وقد ذكرت القديسة "سيلفيا" (التي زارت مصر في نحو 385 م) أن مدينة " رعمسيس " تقع على بُعد سبعة كيلومترات من مدينة "طرابية" (أي فاقوس) وقد وصفها كاتب مصري قديم بأنها كانت مدينة غنية جدًا، وأنها كانت "با - خينو" أي مدينة القصر، وكان تشقها القنوات المائية المليئة بالأسماك، كما كان بها بحيرات زاخرة بالطيور وتغطيها حقول العدس والبطيخ والقمح والبصل والسمسم، وحدائق الكروم، والرمان واللوز والتين، وترسو المراكب في مينائها، كما كان اللوتس والبردي ينميان في مياهها وكان سكانها يستقبلون رمسيس الثاني بأكاليل الزهور. كما كانت كرومها تنتج أجود أنواع النبيذ حلو المذاق كالعسل. وتسجل النقوش التاريخية -بين ما تسجله- أن رمسيس الثاني قد بنى " حصن رعمسيس " مستغلًا العبيد من الأسرى الأسيويين"(9).
_____
(1) تاريخ الشرق الأدنى القديم - تاريخ اليهود ص 276.
(2) راجع تفسير سفر الخروج - دير القديس أنبا مقار ص 71.
(3) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 116، 117.
(4) راجع مصر القديمة جـ 7 ص 120، 121، وقليني نجيب - فرعون مصر ص 37.
(5) راجع سليم حسن - مصر القديمة جـ6 ص 383 - 389.
(6) راجع المطالب النظرية في المواضيع الإلهية ص 507 - 509، وقليني نجيب - الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 10.
(7) تعريب حافظ داود - شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 25.
(8) سليم حسن - مصر القديمة جـ 6 ص 598 - 600.
(9) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 115.
(10) راجع مصر القديمة جـ 4 ص 76 - 80.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/574.html
تقصير الرابط:
tak.la/mbrxtj8