يقول الأستاذ علاء أبو بكر " ما حاجة يعقوب للتآمر وسرقة البركة من أبيه، إذا كان قد اشتراها من أخيه عيسو بطبق عدس؟"(10) وفي موضع آخر يقول الأستاذ علاء أبو بكر " هل تتخيل أن البنوة وحق البكورية قد باعها عيسو ليعقوب أخيه بطبق عدس..؟ أنا لا أصدق هذا الهراء، فقد اخترع بنو إسرائيل هذه الروايات لإزالة البكورية عمن أرادوا، فأزالوها عن إسماعيل بطرده هو أمه، وأزالوها عن عيسو من أجل وجبة عدس... ولو كان هذا صحيح، فلماذا لجأ يعقوب إلى خداع أبيه وسرقة حق البكورية والنبوءة من أخيه عيسو فيما بعد، لدرجة أن عيسو فكر في نفسه أن يقتل أخيه؟(1).
ويقول الدكتور مصطفى محمود " أما النبي إسحق وولداه يعقوب وعيسو، فتروي لنا التوراة حكايات عجيبة عن مخادعة يعقوب لأبيه العجوز الضرير، وكيف أنه لبس فروة ليوهم الأب أنه عيسو... وتحسَّس الأب الضرير ولده ورآه مغطى بالشعر، ففرح به وظن أنه عيسو وأعطاه البركة والعهد... وبذلك أصبح نبيًا، وجاء الابن الثاني ليأخذ البركة، وفطن الأب للخدعة ولكن بعد فوات الأوان، فقد ذهبت البركة، أخذها يعقوب الكذاب المخادع وأصبح نبيًا... وحُرم منها الأخ الطيب البار عيسو... ولا نفهم من المخدوع هنا... هل هو إسحاق..؟ وإن استطاع الابن أن يخدع أباه الضرير فكيف يخدع الله السميع البصير في السموات وهو المانح الحقيقي للبركة وهو الذي يختار الأنبياء... وكيف تنفذ بركة الله من أول لمسة فيسلبها نبي محتال ولا يبقى منها شيء لأخيه"(2).
ويقول ليوتاكسل " إننا لن نتوقف عند غرابة مثل هذا النزاع في زمن لم يكن قد ظهر فيه حق البكورية بعد، فلم يأمر يهوه إلاَّ بعد زمن طويل، بأن يأخذ الابن البكر نصيبًا مضاعفًا من تركة أبيه، ولكننا لن نستطيع تجاوز ما يتصف به سلوك يعقوب هذا من خسة ونذالة. فحسب النص المقدَّس أن عيسو كان يموت جوعًا، وأن يعقوب استغل حال أخيه تلك أسوأ استغلال، فهل من مبرر لسلوك يعقوب ؟ إنه لم يكتف بأن باع عدسه بثمن باهظ جدًا، بل ابتز أخاه كما يبتز قاطع الطريقة الفدية من ضحيته، فقد أرغمه على قسم يمين التنازل عن حقوقه. ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يظلم فيها يعقوب عيسو. ولكن ما هو موقف يهوه إزاء هذه الصفقة الرخيصة التي خدع عيسو فيها بكل وقاحة؟ هذه الصفقة الهزيلة، هذا التنازل الذي يلغيه أي قاض كان لأنه ناتج عن الابتزاز، أقرَّه يهوه نفسه، حامي الضعيف، المنتقم من كل ظالم. هذا الإله بجلاله كله اعترف ليعقوب بحق البكورية وأقرَّ إفلاس عيسو"(3).
ج: 1- كثير من الأمور التي جاءت في التوراة كانت معروفة شفاهة من قبل، فمثلًا تقديم الذبائح قبل أن يأتي ذكره في شريعة موسى، نجد الآباء الأولون قد قدموا ذبائحهم، مثل آدم، وهابيل، ونوح، وأيوب، والآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب. وكذلك بركة البكورية قبل أن يأتي ذكرها في التوراة كانت معروفة شفاهة، ويقول "هيربرت وولف".. " عندما باع عيسو البكورية لأخيه يعقوب (تك 25: 33) كان ذلك إتباعًا لعادة ذُكرت في الفخاريات التي عُثر عليها في نوزي Nuze وفي نفس الوقت نجد من يدَّعون أن هذه الفخاريات لم تتضمن شيئًا عما يمكن أن يورث مستقبلًا. وعلى أي حال توجد أمثلة عديدة عن إمكانية أن يرث أخ ما يمكن أن يرثه أخ آخر"(4)(5).
2- مواعيد الله لا بُد أن تتحقق، ومن المفروض أن تتحقق بوسائل صحيحة، فلو سعى الإنسان إلى تحقيقها بوسيلة خاطئة، فإن هذا لا يعفي المخطئ من المسئولية، وغني عن البيان أن يعقوب لو سلك باستقامة لنال المواعيد بلا أدنى متاعب. هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يمكن أن نُحمّل الكتاب المقدَّس أخطاء الأشخاص، نحن نعلم أنه لا أحد يستطيع أن يبرر يعقوب في خداعه، ولكن أخطاء الإنسان شيء، وصحة وصدق الكتاب الذي أورد هذه الأحداث كما هي، بما فيها من صواب وخطأ شيء آخر، ولا يخلط بينهما إلاَّ الإنسان المتحيز.
3- يعلق قداسة البابا شنودة الثالث على تصرف رفقة ويعقوب فيقول "عيب رفقة الأساسي، أنها لم تنتظر الرب... ظنت أن الرب قد تأخر، فلجأت إلى الطرق البشرية، لتحقق بها الإرادة الإلهية!! كان يجب أن تثق بالله وصدق مواعيده، وتنتظر الرب. ولكنها وجدت أن الساعة الحرجة قد حلت. وإسحق أرسل عيسو ليحضر الصيد ويباركه. لذلك يجب أن تتصرف بسرعة... وبدأ ذكاؤها البشري يتصرف. فرأت أن ينتحل يعقوب شخصية عيسو، ويأخذ البركة من أبيه بأسلوب الخداع... وبخطية فيها كذب وغش..!
لحظات حرجة جدًا. وخطايا كذب كثيرة وقع فيها يعقوب. ومع ذلك فإن الله ستره ولم يكشفه. ما أعجب حنان الرب في تلك اللحظات!! بينما كان يعقوب يغش ويخدع ويكذب، وينتحل شخصية أخرى. ولا يحترم أباه الضرير... ومع ذلك نرى ستر الرب عليه، وهو في عمق الخطية، فلم ينكشف على الرغم من كل شكوك أبيه التي تدل عليها أسئلته... ربما ما كان يتصور ذلك البار أن ابنه يخدعه. وأخيرًا باركه"(6).
4- تقول الأخت الأكليريكية مارجريت عزت عزمي - كلية القديس أثناسيوس الرسولي بدمنهور " كان حق البكورية يعد امتيازًا خاصًا للابن البكر، يضمن نصيبًا مضاعفًا من الميراث، وأن يصبح الابن الأكبر زعيم وكبير العائلة، وكان للابن البكر الحق في بيع حق البكورية أو التخلي عنه إذا أراد، فكان لعيسو الحق أن يبيع بكوريته، ولكنه بهذا أبدى استهانة كاملة بالبركات الروحية المتعلقة بالبكورية، ولأهمية البكورية والبركة المتعلقة بها لجأ يعقوب مع أمه رفقة لخداع أبيه الشيخ الضرير، ولو لم تكن البكورية لها أهمية ما كان عيسو يفكر في قتل أخيه... كان الله سيبارك يعقوب بحسب وعده السابق لأمه رفقة، وكان يعقوب سيحصل على البركة بدون تعب ولا عناء، ولكنه لأنه خدع أباه فقد نال البركة (لأن الله سبق ووعد بها) ومعها الضيق والتعب والهرب والخوف "(7).
4- من قال أن يهوه أقرَّ تصرف يعقوب في تصرفه هذا..؟! الذي يطالع النص بشيء من الاهتمام يدرك أن الله بسابق علمه اختار البركة ليعقوب قبل أن يولد... ألم يقل الله لرفقة أثناء فترة الحمل " في بطنك أمَّتان. ومن أحشائك يفترق شعبان شعب يقوى على شعب. وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23) مع ملاحظة أنه لدى الله كل من الهدف والوسيلة مقدسان، والغاية لا تبرر الوسيلة على الإطلاق. أما تصرف رفقة الخاطئ فقد دفعت ثمنه غاليًا إذ جنت الخصام بين أبنيها، وصارت حياة يعقوب في خطر، فصرفته بعيدًا عند خاله لابان، وحُرمت من رؤيته، وماتت ولم تره قط، وتصرف يعقوب الخاطئ دفع ثمنه غاليًا إذ خدعه خاله في زواج ليئة، وخدعه أولاده في موت ابنه يوسف، ولولا تصرف رفقة ويعقوب لحقق الله وعده بطريقة هادئة صحيحة بلا أية متاعب لكل منهما.
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث " سألني أحدهم قائلًا " هل من المعقول أن يكون يعقوب قد أخذ النبوة عن طريق الخداع، حينما خدع أباه إسحق؟ فبماذا أجيب على هذا السؤال؟
الجواب: أولًا يعقوب لم يأخذ النبوة عن طريق الخداع، بل أخذ البركة.
إذ قال لأبيه " كل من صيدي لكي تباركني نفسك" (تك 27: 19).. هذه هي البركة التي حُرم منها عيسو وبكى قائلًا " باركني أنا أيضا يا أبي " فرد عليه أبوه قائلًا " قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك" (تك 27: 34، 35).
ثانيًا: ومع ذلك فهذه البركة كانت معدة من الله أصلًا ليعقوب وليس لعيسو...
وهذا ما يتضح من النبوءة التي قيلت لأمه رفقة أثناء حملها " قال لها الرب: في بطنك أمَّتان ومن أحشائك يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب. وكبير يسعتبد لصغير" (تك 25: 23) كان الله بسابق علمه الإلهي يعرف أفضلية يعقوب على عيسو، فاختاره لتلك البركة. وهكذا قال القديس بولس الرسول في الرسالة إلى رومية بخصوص الاختيار الإلهي " بل رفقة أيضًا وهي حبلى... لأنه وهما لم يُلدا بعد ولا فعلا خيرًا ولا شرًا لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار... قيل لها أن الكبير يُستعبد للصغير. كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 9: 10 - 13).
ثالثًا: ومع ذلك لا ننكر أن يعقوب وقع في خطيئة الخداع، وقد نال الجزاء عليها...
فقد خدعه خاله لابان في وقت زواجه، وقدم له ليئة بدلًا من راحيل (تك 29: 23 - 25)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وخدعه أيضًا من جهة أجرته، فغيرها له عشر مرات (تك 31: 41) وكذلك خدعه أبناؤه لما باعوا يوسف أخاهم، وأخذوا قميص يوسف وغمسوه في دم تيس ذبحوه، وأرسلوا هذا القميص الملون إلى يعقوب حتى يتحقق أن وحشًا رديئًا قد افترس يوسف!! " فمزق يعقوب ثيابه ووضع مسحًا على حقويه وناح على ابنه أيامًا كثيرة... ورفض أن يتعزى" (تك 37: 31 - 35).
ولكن خطأ يعقوب وخداعه لأبيه، لم يمنع تنفيذ القصد الإلهي...
وكان القصد الإلهي هو أن يأخذ البركة فأخذها. أما كونه قد قلق وأسرع لينال البركة بطريقة مخادعة كما نصحته أمه... فهذا لا يمنع أنه كان لا بُد سينال البركة بطريقة شرعية روحية سليمة، لو أنه لم يقلق ولم يسرع"(8).
5- يقول الخوري بولس الفغالي " لاشك لو أننا لو أردنا أن نحكم على الآباء بمعيار الإنجيل يكون حكمنا قاسيًا عليهم، لأنه لو سجل الله جميع خطايانا من ينجو من دينونته وعقابه (مز 130: 3) وإذا أردنا أن نحكم على يعقوب بمعزل عن أشخاص العهد القديم نكون له ظالمين... إنما نود أن نقول أن يعقوب كان إنسانًا خاطئًا، والكتاب المقدَّس يحدثنا عن أناس خاطئين أخذهم الله بطبيعتهم، فأقام معهم عهدًا وحقق معهم مخططه الخلاصي. وعندما نتطلع إلى أوغسطينوس، لا نتوقف على حياته الخاطئة بل نتأمل بإعجاب إلى ما آلت إليه حياته بعد ارتداده إلى الله، وهكذا نتطلع إلى يعقوب بعد الاختبار الذي عاشه على نهر يبوق انقلبت حياته، فلم يعد رجل الكذب والحيل، بل رجل الإيمان الذي رأى الرب فتعلق به وربط حياته بحياته. وخير دليل على هذا التبدُّل هو صلاته للرب قبل أن يلتقي بأخيه عيسو (تك 32: 9 - 13).. ويذكرنا الكاتب بأن يعقوب هو وارث الوعد، وأن مغامراته على علاتها تدخل في مخطط الله. الله يخطط خطوطًا مستقيمة غير خطوطنا الملتوية، وينفذ إرادته رغم الالتباسات التي تتميز بها أعمال يعقوب. منذ ولادته يتعقب أخاه ويغلبه، ويأخذ من أبيه بركة تجعله وارثًا للوعد، والله يوافق، فيعده بأن يعطيه الغنى ويدافع عنه بوجه لابان ويحميه من غضب أخيه. آمن يعقوب بالله وارتبط بكلمته ومواعيده، فكان رجل الثقة بالله كما كان إبراهيم رجل الإيمان"(9).
6- ما ذكر من كلام ليوتاكسل في السؤال فهو الكلام المهذب الذي تم الإجابة عليه، ولكن ما أكثر عباراته البذيئة الجارحة. وخير رد على مثل هذه السخافات هو عدم الرد، وإن ما دعاني لذكر مثل تلك العبارات هو كشف الحقد الدفين الكائن بقلب إبليس المجدف وأولاده تجاه الله المحب العادل.
_____
(1) البهريز جـ 1 س 288.
(2) التوراة ص 12 - 15.
(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 120.
(4) AN INTRODUCTION TO THE OLD TESTAMENT PENTATEUCH P 117.
(5) ترجمة خاصة بتصرف قام بها الأستاذ بشرى جرجس خليل أستاذ اللغة الإنجليزية بإكليريكية طنطا.
(6) تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف ص 15 - 17.
(7) من أبحاث مادة النقد الكتابي.
(8) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص 39، 40.
(9) المجموعة الكتابية - سفر التكوين ص 365، 366.
(10) البهريز جـ 1 س 411.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/501.html
تقصير الرابط:
tak.la/58zwpp6