St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1690- هل نستر على الخطية ونغطي عليها: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ" (مز 32: 1)، أم أن من يكتمها لا ينجح: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ" (أم 28: 13)..؟ وهل السكوت يُبلي العظام: "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (مز 32: 3)، أم أن السكوت يعدُّ فضيلة: "جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ" (مرا 3: 26)؟

 

س 1690: هل نستر على الخطية ونغطي عليها: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ" (مز 32: 1)، أم أن من يكتمها لا ينجح: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ" (أم 28: 13)..؟ وهل السكوت يُبلي العظام: "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (مز 32: 3)، أم أن السكوت يعدُّ فضيلة: "جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ" (مرا 3: 26)؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: 1ــ أخطأ داود في حق الله وحق نفسه، وحق الآخرين، وظل صامتًا نحو العام، لم يعترف بخطيته، مما أثرَّ على صحته، وهذا أضناه وأعياه، وأصابه بالسقم الشديد، فالذي يخفي خطيته ويتناساها ولا يُقدّم عنها توبة صادقة، وهو يظن أن الزمن سيداوي ويُعالج الأمور، فهو يعيش في وهم كبير، لأن الفشل سيظل يلاحقه، وهذا ما أوضحه سليمان الحكيـم: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ" (أم 28: 13)، أما من يعترف بخطيته ويتوب عنها يستريح منها إذ تُغفر له، وهذا ما أوض حه الجزء الثاني من الآية السابقـة: "وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ" (أم 28: 13)، وهذا ما أكده القديس يوحنا الحبيب: "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1يو 1: 9)، والإنسان الذي يفعل هذا ينال المغفرة والتطويب من الله، وهذا ما أوضحه داود النبي عندما قال: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ" (مز 32: 1).

 وليس معنى " سُتِرَتْ" أي أنها موجودة وفقط تم تغطيتها، إنما يعني أن الله قد محاها بالكامل، فلم يعد لها وجود، ولم يعد لها سلطان على الإنسان، ويتحقق الوعد الإلهـي: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا" (إش 43: 25).. " قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ" (إش 44: 22)، ويجـب ملاحظة أن الآية الثالثة من المزمور: "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (مز 32: 3) يتوافق تمامًا مع قول سفر الأمثــال: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ" (أم 28: 13)، فهذا ما أختبره داود شخصيًا إذ صمت على خطاياه نحو العام فعانى الأمرين وكأن السوس ينخر في عظامه ويبليها، ولهذا تهلَّل داود بمغفرة الله له، وترنَّم المُرنّم: "رَضِيتَ يا رب عَلَى أَرْضِكَ. أَرْجَعْتَ سَبْيَ يَعْقُوبَ. غَفَرْتَ إِثْمَ شَعْبِكَ. سَتَرْتَ كُلَّ خَطِيَّتِهِمْ" (مز 85: 1، 2)، وفي حديث معلمنا بولس الرسول عن نعمة الله الغافرة قال: "كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال. طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً" (رو 4: 6 - 8).

 فعندما تاب داود النبي عزف على أوتار قلبـه الحزين مزمور التوبة (51)، وعندما شعر داود أن الله غفر له وسامحه عزف على أوتار قلبه مزمور المغفرة (32) الذي عُرِف بمزمور " أشير" ومعناه "السعيد" أو "المطوَّب"، وإن كان لا أحد يدرك قدر البصر إلاَّ الكفيف، ولا أحد يعرف قدر الصحة والعافية إلاَّ طريح الفراش، فأنه لا أحد يعرف معنى السعادة والتطويب إلاَّ من غُفر إثمه وسُترت خطاياه، ويُعتبر هذا المزمور (32) المزمور الثاني من مزامير التوبة السبعة (6، 32، 38، 51، 102، 130، 148).

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "قيل أن هذا المزمور هو المزمور المفضل جدًا لدى القديس أُغسطينوس، إعتاد أن يصليه بقلب حزين وعينين باكيتين. عندما اقترب القديس من الرحيل من هذا العالم طلب أن يُكتب هذا المزمور (مع بقية مزامير التوبة) بحروف كبيرة على لافتة ضخمة، وتوضع مقابل سريره، وكان يردّد كلمات هذه المزامير بقلــب منسحق مع أنفاسه الأخيرة" (269).

 فواضح تمامًا أنه لا يوجد أي تناقض بين (مز 32: 1)، و (أم 28: 3)، بل بالعكس يوجد اتفاق وتقارب شديد بين الآيتين، فما جاء في سفر الأمثال يحفزنا على الاعتراف بخطايانا لأن من يكتم خطاياه لا ينجح، وما جاء في المزمور يحفزنا أيضًا على الاعتراف بخطايانا لكيما ننال السعادة والطوبى من فم الله تبارك اسمه.

 

2ــ هناك سكوت يُبلي العظام، وهناك سكوت يعدُّ فضيلة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل أن الجاهل عندما يصمت يُحسَب له ذلك حكمة، أما الساكت عن الحق فهو شيطان أخرس... إذًا هناك أنواع من الصمت لا يمكن المساواة بينها، وعندما قال داود النبي: "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (مز 32: 3) فهو يصف الحالة التي آل إليها عندما صمت على الخطية وتغافلها ولم يتب عنها، فصارت كالسوس تنخر العظام وتبليها، أما الصمت الذي تحدث عنه إرميا النبي في مراثيه، بعد أن جاز مع الشعب أيام عصيبة أثناء السبي وسقوط أورشليم والأهوال التي حاقت بسكانها، ومع ذلك كان واثقًا أن الله سيرد الشعب ثانية بعد سبعين عامًا، وأن أورشليم ستعمر والهيكل سيُبنى ثانية، لذلك قال: "طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ. جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ" (مرا 3: 25، 26)، وهذا ما أورده داود في مزمور آخر إذ قال: "انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ" (مز 37: 7)، وفي مزمور ثالث قال: "اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي" (مز 40: 1)، فانتظار الرب يقـود الإنسان للخلاص: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ" (إش 30: 15).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(269) تفسير المزامير جـ 4 ص 520.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1690.html

تقصير الرابط:
tak.la/99rb532