St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1666- كيف يصير الله كأسًا لداود: "الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي. أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي. حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي النُّعَمَـاءِ فَالْمِيرَاثُ حَسَنٌ عِنْدِي" (مز 16: 5، 6).. وما هيَ الحبال التي وقعت لداود..؟ وفي أي مكان وقعت..؟ وما معنى "النُّعَمَاءِ"؟

 

س 1666 : كيف يصير الله كأسًا لداود: " الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي. أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي. حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي النُّعَمَـاءِ فَالْمِيرَاثُ حَسَنٌ عِنْدِي" (مز 16 : 5، 6).. وما هيَ الحبال التي وقعت لداود..؟ وفي أي مكان وقعت..؟ وما معنى " النُّعَمَاءِ

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : 1ــ قال داود في مذهَّبته هذه: " الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي. أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي. حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي النُّعَمَــاءِ فَالْمِيرَاثُ حَسَنٌ عِنْدِي" (مز 16 : 5، 6).

 وفي "الترجمة القبطي": " الرب هو نصيب ميراثي وكأسي. أنت الذي ترد لي ميراثي. حبال التقسيم وقعت لي من الأعزاء. وأن ميراثي لثابت لي".

 وقال موسى النبي لشعبه: " حِينَ قَسَمَ الْعَلِيُّ لِلأُمَمِ حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ نَصَبَ تُخُومًا لِشُعُوبٍ حَسَبَ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنَّ قِسْمَ الرَّبِّ هُوَ شَعْبُهُ. يَعْقُوبُ حَبْلُ نَصِيبِهِ" (تث 32 : 8، 9) أي أن الله اختار بني إسرائيل من بين شعوب الأرض لكيما يكونوا شعبًا خاصًا به، ويُدعَى اسمه عليهم " شعب الله "، وهنا يقول داود النبي: " الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي" فهو يؤكد ما سبق وقاله موسى النبي، فالله ارتضى أن يكون هذا الشعب شعبه ونصيبه وخاصته، وداود النبي والملك ارتضى أن يكون الرب هو قسمته ونصيبه، وفي موضع آخر: " صَرَخْتُ إِلَيْكَ يا رب قُلْتُ أَنْتَ مَلْجَإِي نَصِيبِي فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ" (مز 142 : 5)، وقال آساف المرنّم: " وَنَصِيبِي اللهُ إِلَى الدَّهْرِ" (مز 73 : 26)، وجاء في المزمور الكبير: " نَصِيبِي الرَّبُّ قُلْتُ لِحِفْظِ كَلاَمِكَ" (مز 119 : 57)، وفيما بعد قال أرميا النبي فـي مراثيـه: " نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ قَالَتْ نَفْسِي مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُوهُ" (مرا 3 : 24).

 ومعنى قول داود " الرَّبُّ... كَأْسِي" أي نصيبي أو ميراثي، فكما أن الميراث يُقسَّم بين الأبناء، وكما تُقسَّم الكؤوس على المتكئين في الوليمة، هكذا صار الرب بالنسبة لداود، فهو كأسه الذي يرتوي منه ماء الحياة، وفي " ترجمة كتاب الحياة ": " الرب نصيبي وميراثي وكأس ارتوائي"، وفي مزمور الراعي قال داود " كَأْسِي رَيَّا" (مز 23 : 5).. لقد صار الرب بالنسبة لداود كطعامه وشرابه، ولذلك ختم المزمور بقوله: " تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ" (مز 16 : 11).. لقد ارتبط الكأس بالنصيب، لذلك قال داود عن الأشرار أن النار والكبريت وريح السموم " نَصِيبَ كَأْسِهِمْ" (مز 11 : 6) أي من نصيبهم وهيَ تصيبهم، وقال " جرانت": " قسمتي أي حصتي، ملكي، سواء تمتعت به أم لا، وكأسي هو ما أستمتع به فعلًا، وما أحققه وأختبره فعلًا. كم من الناس لهم أنصبة لا يقدمون على التمتع بها، أما الرب فكان قسمته وكأسه شيئًا واحدًا" (169).

 وجاء في "الكتاب المقدَّس الدراسي": " كَأْسِي: استعارة تشير إلى الشراب الذي يقدمه المُضِيف إلى الضيوف. الرب يقدم لأتقيائه كأس بركة (مز 23 : 5) أو خلاص (مز 116: 13). أما الأشرار فيدعهم يتجرعون من كأس الغضب (إر 25 : 15، رؤ 14 : 10، 16 : 19)" (170).

 ويقول "القديس أُغسطنيوس": " ليختر آخرون أنصبة لأنفسهم، أنصبة أرضية زائلة، ليتمتعوا بها. أما نصيب القديسين فهو الرب، نصيب أبدي. يشرب آخرون من المسرات المميتة، أما نصيب قسمتي وكأسي فهو الرب" (171).

 ويقول "أبونا باخوميوس آڤا مينا": " يقصد المُرَتِّل بالكأس هنا كل ما يشبعه ويرويه سواء كان من طعام أو شراب أو أي ميراث أرضي وقعت قرعته عليه، فالله هو المُشبِع والمُروي لكل الاحتياجات المادية والروحية أيضًا، وقد جاءت كلمة " كأس " تحمل نفس المعنى في مزمور الراعي " تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً... كَأْسِي رَيَّا" (مز 23 : 5). فداود كفرد من سبط يهوذا وقعت له قرعة في تقسيم الأرض التي ورثها من أبائه في بيت لحم، ولكنه هنا يتشبه بسبط لاوي الذي جعل الرب نصيبه: " وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ لاَ تَنَالُ نَصِيبًا فِي أَرْضِهِمْ وَلاَ يَكُونُ لَكَ قِسْمٌ فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا قِسْمُكَ وَنَصِيبُكَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (عد 18 : 20).. وداود هنا يسمو بنظره فلا يهتـم بشيء إلاَّ أن يكون الله هو نصيبه وكأسه" {من أبحاث النقد الكتابي}.

 

 2ــ قال داود: " أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي" وفي " ترجمة كتاب الحياة": " أنت حافظ قسمتي"، وقديمًا قسم يشوع بن نون أرض غرب الأردن على الأسباط عن طريق القرعة، وداود يعلن إيمانه هنا أن القرعة في يد الرب، وهو الذي يحدد نصيبه الصالح، بل أن الله هو نصيبه وكأسه وقسمته وميراثه، هكذا كان الرب نصيبًا لسبط لاوي، فأعطاهم يشوع مدن للسكنى ولـم يعطهــم من الأرض شيئًا: " وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ لاَ تَنَالُ نَصِيبًا فِي أَرْضِهِمْ وَلاَ يَكُونُ لَكَ قِسْمٌ فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا قِسْمُكَ وَنَصِيبُكَ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (عد 18 : 20).. " لأَجْلِ ذلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلاَوِي قِسْمٌ وَلاَ نَصِيبٌ مَعَ إِخْوَتِهِ. الرَّبُّ هُوَ نَصِيبُهُ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ إِلهُكَ" (تث 10 : 9)، وفي العهد الجديد قال بولس الرسول: " لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ" (في 1 : 21).

 

 3ــ قال داود: " حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي النُّعَمَاءِ"، وقديمًا كانوا يقسمون حدود التخوم وحدود الأراضي بالحبال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقال آساف المرنّم: " وَطَرَدَ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِهِمْ وَقَسَمَهُمْ بِالْحَبْلِ مِيرَاثًا وَأَسْكَنَ فِي خِيَامِهِمْ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ" (مز 78 : 55)، وقال عاموس النبي لأمصيا ملك يهوذا: " وَأَرْضُكَ تُقْسَمُ بِالْحَبْلِ وَأَنْتَ تَمُوتُ فِي أَرْضٍ نَجِسَةٍ وَإِسْرَائِيلُ يُسْبَى سَبْيًا عَنْ أَرْضِهِ" (عا 7 : 17)، وفي رؤيا زكريا النبي يقول: " فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ وَنَظَرْتُ وَإِذَا رَجُلٌ وَبِيَدِهِ حَبْلُ قِيَاسٍ. فَقُلْتُ إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ. فَقَالَ لِي لأَقِيسَ أُورُشَلِيمَ لأَرَى كَمْ عَرْضُهَا وَكَمْ طُولُهَا" (زك 2 : 1، 2).

وداود يثق أن الله اختار له النصيب الأفضل " فِي النُّعَمَاءِ" أي في أخصب وأجود الأراضي وأبهجها، فالنعماء هيَ أرض النعم والخير والبركات، ولذلك أكمل داود قائلًا: " فَالْمِيرَاثُ حَسَنٌ عِنْدِي"، وقديمًا كانـوا يقولون هذا المثل: " حبال وقعت عليَّ من السعادة والحظ".

 ويقول "القس بطرس جرجس": " كانت الحبال تستعمل قديمًا كمقاييس لتقسيم الأراضي وتحديد التخوم، وقد استعملت في هذا العدد استعارة للدلالة على أن نصيب القديسين في المسيح كافٍ، ونصيبه تعالى فيهم وافٍ إذ لم يضْع منه شيء، فقد اختار شعب إسرائيل قديمًا خاصته وبعد أن رفضوه صار كل الذين قبلوه من الأمم المختلفة مختاريه كنصيب أعز وأوفى، وليس المقصود من هذا التعبير تحديد مُلك المسيح الذي له السموات والأرض وكل ما فيها" (172).

 ويقول "أبونا باخوميوس آڤا مينا": " كان تقسيم الأرض يتم عن طريق الحبال كما ذُكر في:

 † " وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَــا بِالْخَيْطِ" (إش 34 : 17).

 † " وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ الْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَـى أَكَمَةِ جَارِبَ وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ" (إر 31 : 39).

 † " وَلَمَّا أَتَى بِي إِلَى هُنَاكَ إِذَا بِرَجُل مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ وَبِيَدِهِ خَيْطُ كَتَّانٍ وَقَصَبَةُ الْقِيَاسِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْبَابِ: (حز 40 : 3).

 فالمقصود هنا أن نصيبه من الأرض التي تم قياسها عن طريق الحبال ووقع عليه بالقرعة هو أفضل ما يكون لأنه لم يكن من قبيل الصدفة، ولكن الله هو الذي أعطاه إياه، ومكانه في وسط أرض يهوذا وبالتحديد في بيت لحم، ولكنه بالنسبة إليه أفضل من أي مكان آخر لأنه اختيار الله له وهو متأكد من عناية الله ورعايته.

 ومعنى " النُّعَمَاءِ " كما في " معجم الكتاب المقدَّس " أن النعماء تعني الخفض والدعة واليد البيضاء الصالحة، والكلمة في العبرية هيَ نعيم وتعني حلواٍ أو بهيجًا، أي أن نصيبه وقع في أرض خصبة أو بهيجة" {من أبحاث النقد الكتابي}.

 

 4ــ حملت الآية بُعدًا نبويًّا، فالمقصود بالميراث الشعوب والأمم المختلفة، وفي المزمور الثاني قال الآب للابن: " اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ" (مز 2 : 8)، ويجب أن ندرك أن كل أفعال الأخذ والعطاء والسؤال بين الآب والابن إنما تخص الابن من جهة ناسوته: أما من جهة اللاهوت فكل ما هو للأب فهو للابن، وكل ما للابن فهو للأب أيضًا: " كُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ... وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي" (يو 17 : 10) وقال السيد المسيح للأب: " الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِـي... وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ" (يو 17 : 6، 12)، وفي موضع آخر قال: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي" (يو 10 : 27، 28).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (169) أورده يوسف رياض - المزامير المسياوية ص 52.

 (170) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1288.

(171) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير المزامير جـ 2 ص 257.

 (172) الكوكب المنير في تفسير المزامير جـ 1 ص 155، 156.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1666.html

تقصير الرابط:
tak.la/32jkwzz