St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1652- هل السُخط من لوازم الربوبية "إِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ" (مز 7 : 11)..؟ وهل الله يظل يسخط على خليقته يومًا فيومًا، لا يرضى عنها يومًا واحدًا..؟ وإن كان سبب سخطه عيوب في الخليقة.. فلماذا خلقها الله بكل هذه العيوب..؟ وما معنى قول داود في نفس المزمور "كَرَا جُبًّا" (مز 7 : 15)؟

 

س 1652 : هل السُخط من لوازم الربوبية " إِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ" (مز 7 : 11)؟.. وهل الله يظل يسخط على خليقته يومًا فيومًا، لا يرضى عنها يومًا واحدًا؟.. وإن كان سبب سخطه عيوب في الخليقة.. فلماذا خلقها الله بكل هذه العيوب؟.. وما معنى قول داود في نفس المزمور " كَرَا جُبًّا" (مز 7 : 15)؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : 1ــ الله منزّه عن الانفعالات البشرية مثل الغضب والسُخط والفـرح والسرور، ولكن الكتاب وصف الله بهذه الصفات البشرية لكيما ينقل لنا مشاعـر الله، كما أن هذه الصفات توضح العدالة الإلهيَّة التي لا تقبل التواءً ولا اعوجاجًا، ويجب أن نفهم ما جاء في (مز 7 : 11) في ضوء وسياق المزمور ككل، فقبل هذه الآية سمعنا داود يستنهض إلهه ضد مضايقيه الساخطين عليه ولا يكفون عن مقاومته، فقال: " قُمْ يا رب بِغَضَبِكَ ارْتَفِعْ عَلَى سَخَطِ مُضَايِقِيَّ وَانْتَبِهْ لِي" (مز 7 : 6)، وهنا يقول داود: " اَللهُ قَاضٍ عَادِلٌ وَإِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ" (مز 7: 11)، فسُخط الله هو رد فعل على الأشرار الذين سخطوا على عبده داود، ولذلك بعد هذا نجد داود يحذر كل إنسان ساخط عليه قائلًا: " إِنْ لَمْ يَرْجعْ يُحَدِّدْ سَيْفَهُ. مَدَّ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا. وَسَدَّدَ نَحوَهُ آلةَ الْمَوْتِ يَجْعَلُ سِهَامَهُ مُلْتَهِبَةً" (مز 7 : 12، 13).

 

 2ــ لا يقبل الله القدوس أي شر أو شبه شر، وطالما العالم يفيض بأنواع الخطايا والآثام والشرور من دماء وأشلاء وظلم وسلب ونهب وزنا ودعارة وعهارة.. إلخ. يومًا فيومًا، فإن سُخط الله لن يكف، فأي إنسان يتمتع بضمير صالح ويرى هذه الجرائم البشعة ولا يتأثر ولا يغضب ولا يسخط؟!!، فهل يريد الناقد إلهًا لا يتأثر ولا يحس ولا يشعر، فيستوي لديه البر والشر، والصلاح والطلاح، والفضيلة والخطيَّة؟!! سيظل الله يسخط طالما الخطيَّة مكتسحة الملعب ظافرة منتصرة تتصدر المشهد.. سيظل يسخط على الخطيَّة ويتأسى على البشرية.

ويقول "القس وليم مارش": "بالطبع لا يتنافى العدل مع السخط قط، فأنه في كثير من الأحيان يجب أن نسخط ونغضب، وعلينا أن نفعل ذلك على نسبة الشر الذي يحيط بنا. علينا أن نسخط على الشر ولكن نُخلّص الشرير منه ولا نخلط بين الأمرين. هو إله عادل لذلك يجازي كل إنسان بما صنع" (113).

 

 3ــ مع أن الله " إِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ" فيعلن غضبه على الشرور والآثام التي أغرقت العالم كله، ولكن مع هذا فهو رؤوف طويل الأناة، لا يتسرع في صب غضبه وسخطه على الأشرار، إنما يحذرهم أولًا مرة ومرات، ثم يبدأ في تنفيذ العقوبة تدريجيًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هكذا فعل الله مع فرعون حيث بدأ بالضربات الأقل وطأة، وبين كل ضربة وأخرى كان يتيح الفرصة لفرعون للتراجع عن قساوة قلبه، ولكن استمرار فرعون في غلاظة قلبه جرَّ عليه الهلاك، ويعلق "القمص تادرس يعقوب" على هذه الآية بحسب ما جاءت في "الترجمة القبطية" فيقول: " الله قاضٍ عادل وقوي وطويل الأناة. ولا يرسل رجزه في كل يوم (مز 7 : 11)، لكن إن أسأنا طول أناته، يأتي وقت لا تكون فيه فرصة لنا للتمتع بطول أناته علينا ولو لفترة وجيزة بل يحل علينا العقاب فورًا" (114).

 ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "{الله قاض عادل وقوي وطويل الأناة..}" (مز 7: 11). لكن إن أسأنا استخدام طول أناته يأتي وقت لا تكون فيه فرصة لنا للتمتع بطول أناته علينا ولو لفترة وجيزة بل يحل علينا العقاب فورًا.

 هنا على الأرض لدينا سبب للتوبة، أنه طويل الأناة، ومن ثم يقتادنا إلى التوبة، ولكن إن كنتم تستمرون في خطاياكم، فأنكم بحسب قساوتكم وقلبكم غير التائب تذخّرون لأنفسكم حمو غضب" (115).

 

 4ــ " كَرَا جُبًّا" (مز 7 : 15) معنى " كَرَا" أي حفـر حفرة مثل الجُب، و" جُبًّا" أي الحفرة التي يحفرها الصياد لاقتناص الحيوانــات، فقال داود النبي: " كَرَا جُبًّا. حَفَرَهُ فَسَقَطَ فِي الْهُوَّةِ الَّتِي صَنَعَ" (مز 7 : 15) وفي "الترجمة القبطية": "حفر جبًّا وعمقه سيسقط فيه. في الحفرة التــي صنعهـا"، وفي "ترجمة كتاب الحياة": "حفر بئرًا وعمَّقها فسقط فيها"، وقال داود النبي في موضع آخر: "هَيَّأُوا شَبَكَةً لِخَطَوَاتِي. انْحَنَتْ نَفْسِي. حَفَرُوا قُدَّامِي حُفْرَةً سَقَطُوا فِي وَسَطِهَا" (مز 57 : 6)، فكثيرون من الذين حفروا حفرة لغيرهم سقطوا فيها، فقد أعطى أخيتوفل مشورة رديئة، فحمَّق الله مشورته فمضى وشنق نفسه ونجا داود، وصنع هامان صليبًا طوله خمسون ذراعًا ليصلب عليه مردخاي، فنجا مردخاي وصُلب هامان عليه، وأعد الحاسدون جُب الأسود لدانيال، فنجا دانيال وصاروا هُم وجبة شهية للأسود الجائعة، واتهم الشيخان الشريران سوسنا بالزنا وحكموا عليها بالرجم، فنجت سوسنا وقُتل الشيخان، فالحسد نار يكتوي بها من يشعلها، وقال اليفاز التيماني: " حَبِلَ شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْمًا، وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشًّا" (أي 15 : 35)، وقال سليمان الحكيم: " مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا. وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجعُ عَلَيْهِ" (أم 26 : 27).. " مَنْ يَحْفُرْ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا وَمَنْ يَنْقُضْ جِدَارًا تَلْدَغْهُ حَيَّةٌ" (جا 10 : 8)، وقـال أشعيــاء النبي: " تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ تَلِدُونَ قَشِيشًا نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكمْ" (إش 33 : 11).

 ويقول "الراهب القس أوغريس السرياني": " الخطيَّة يصحبها فقدان السلام، وتنتهي بأن الذي يزرع الشر إياه يحصد، فشاول الملك عندما رأى داود تصاحبه محبة الجميع، التهب بنيران الغضب والحقد، وصمَّم على قتله والتخلص منه. وبعد محاولات كثيرة لتحقيق ذلك الهدف، ارتد حقده على رأسه وأخيرًا مات بسهم من رمـاة الفلسطينيين، وقاتلًا نفسه بنفسه. وهكذا هلك بذات الطريق التي كان يهدف قتل داود به" (116).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (113) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 6 ص 15.

(114) تفسير المزامير جـ 1 ص 155.

(115) المرجع السابق ص 155.

(116) تأملات في سفر المزامير جـ 1 ص 52.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1652.html

تقصير الرابط:
tak.la/b56n9fk