ج: سفر أستير هو السفر السابع عشر من أسفار العهد القديم بحسب معظم الترجمات، وهو يمثل آخِر الأسفار التاريخية في الترجمة البيروتية، ودُعيَ السفر بِاسم أستير لأنها تمثّل الشخصية المحورية في السفر كله، ويعتبر السفر قصة درامية قوية تصل حبكتها وذروتها في الأصحاح السادس، ويظهر فيها سلطان الله المُطلق، وسفر أستير هو أحد الأسفار الخمسة التي تُقرأ في الأعياد، وهى أسفار: راعوث وأستير والجامعة والنشيد والمراثي، فكانوا يقرأون سفر أستير في عيد الفوريم في اليوم الرابع عشر من شهر آذار، حيث يقدمون الهدايا بعضهم لبعض ويقدمون عطاياهم للفقراء، مهنئين أنفسهم بذكرى نجاتهم من مذبحة هامان، ويشكرون الله أنهم عاشوا واحتفلوا بعيد الفوريم هذا العام، وكانوا يدعون السفر "مجلد أستير" أو "المجلد" ثم دُعيَ السفر بِاسم أستير في الترجمة السبعينية.
وفي الأصل العبري جاء السفر في عشرة أصحاحات، والأصحاح العاشر حوى ثلاث آيات فقط، ووُجِد في الترجمة السبعينية بعض الأجزاء خلا منها الأصل العبراني، وعندما قام القديس جيروم بترجمة العهد القديم من العبرية للاتينية، وهى ما عُرفت "بالفولجاتا" جمع هذه الأجزاء ووضعها في نهاية السفر، ثم حذفها الإخوة البروتستانت، فجاءت الترجمة البيروتية وغيرها الكثير من الترجمات خالية من هذه الأجزاء، بينما جاءت هذه الأسفار في مواضعها في الترجمة اليسوعية، وجاءت مجمَّعة في الترجمة العربية المشتركة. وقد وُجِد السفر كاملًا في النسخ الفاتيكانية، والإسكندرانية، والسينائية.
ويقول "جويس بولدوين" أن "سفر أستير -شأنه شأن باقي أسفار ما بعد السبي- كان يبحث عن إجابات لأسئلة جديدة... ما هو المستقبل الذي ينتظر اليهود المشتَّتين في مجموعات داخل إمبراطورية أجنبية؟ وهل ما زال الله معهم؟ وإن كان الأمر كذلك فما الذي يطلبه منهم؟ واستطاع كاتب سفر أستير أن يؤكد أن الله ما زال معهم، ولذلك يتحتم عليهم أن يظلوا أمناء له مع تقديم ولائهم للملوك الأمَّمين في نفس الوقت... كان عيد (الفوريم) يُقام احتفالًا بحادثة نجاتهم من الموت، مثل عيد الفصح، ولا بد أن هذا العيد كان يحفزهم لانتظار خلاص أعظم... إن العديد من مخطوطات سفر أستير متاحة لنا الآن باللغة العبرية وهى اللغة التي كُتب بها السفر أصلًا وذلك بسبب الحرص التقليدي لكل عائلة يهودية على امتلاك نسخة منها يقرأونها في عيد (الفوريم) ولكن أقدم مخطوط عبري ما زال قائمًا حتى الآن ينتمي إلى القرن الحادي عشر الميلادي، ومن جهة أخرى يرجع الفضل في الاحتفاظ بالنصوص الكتابية التقليدية وعدم وجود خلافات جوهرية بين النسخ المختلفة إلى الطريقة البالغة العناية التي اتبعها (الماسوريين) وخلفائهم في الحفاظ عليها، وحتى النص البابلي للسفر لا يُظهِر إلاَّ فروقًا طفيفة في منطوق الكلمات وطريقة تشكيلها مما لا يؤثر على معنى أي فقرة من الفقرات"(1).
من هو كاتب السفر؟... لا يُعرف أحد على وجه الدقة من هو كاتب سفر أستير، ولكن من المعروف أن الكاتب شخص يهودي غيور على شعبه، عاش في بلاد فارس، يعرف العادات واللغة الفارسية جيدًا وقد استخدم كلمات فارسية في السفر، كان معاصرًا للأحداث، وله دراية كبيرة بالقصر الملكي والسجلات الرسمية وأسماء مستشاري الملك، ولذلك فهناك رأيان في كاتب السفر:
1- مردخاي: وهو يهودي عاش في بلاد فارس وعاصر أحداث السفر وكان عاملًا فعالًا في الأحداث، وجاء في السفر إشارة لهذا: "وكَتَبَ مُرْدَخَايُ هذه الأُمُورَ وأرسَلَ رسَائِلَ إلى جَمِيعِ اليَهُودِ الذِينَ في كُلِّ بُلْدَان الملِكِ أَحَشْوِيرُوشَ القَرِيبِينَ والبَعِيدِينَ" (أس 9: 20)، ومن الذين نادوا بهذا الرأي المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" Josephus في القرن الأول الميلادي (آثار 11: 6: 1) وكذلك القديس "أكليمنضس السكندري"، والعالِم اليهودي إبراهام بن عزرا في القرن الثاني عشر الميلادي. بينما استبعد البعض هذا الرأي لأن الكاتب لم يتكلّم بضمير المتكلم ولا مرة واحدة، كما أن السفر يمدح مردخاي، فكيف يمدح الكاتب نفسه؟ وإن كانت هاتين النقطتين مردود عليهما، فالكاتب لم يتكلّم بضمير المتكلّم من باب التواضع، وهذا أمر وارد كثيرًا في الكتاب المقدَّس، والكاتب لا يذكر اسمه إلاَّ في حالات الضرورة مثلما ذكر بولس الرسول اسمه في أول الرسائل حتى يضمن قبولها وعدم التشكيك فيها من المناهضين له، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما أن مدح مردخاي لنفسه جاء لتعظيم اسم الله، ولم يذكر الكاتب إلاَّ الحقيقة التي تمجد اسم الله، وقد سبق "موسى" وقال عن نفسه أنه كان حليمًا أكثر من كل الناس على الأرض (عد 12: 3) وقال "عزرا" عن نفسه أنه كاتب ماهر في شريعة الرب (عز 7: 6).
2- عزرا: وهو الكاهن والكاتب الماهر في شريعة الرب، وجاء في التلمود اليهودي أن كاتب سفر أستير هو المجمع العظيم بقيادة عزرا، كما قال القديس "أغسطينوس" أن كاتب السفر هو عزرا، ومما يؤيد ذلك حرف العطف (الواو) الذي بدأ به السفر "وحَدَثَ في أيَّام أحشْويرُوش" (أس 1: 1) وهذا يعني أن عزرا الذي كتب سفري الأخبار وسفري عزرا ونحميا هو أيضًا الذي كتب سفر أستير، كما أن أحداث سفر أستير تقع في منتصف أحداث سفر عزرا من جهة الترتيب التاريخي.
متى كُتب السفر..؟. جرت أحداث السفر بين رجوع الفوج الأول من السبي بقيادة زرُبَّابل ورجوع الفوج الثاني بقيادة عزرا، فمن جهة الزمن تقع أحداث السفر بين الأصحاحين السادس والسابع من سفر عزرا، وكُتب السفر خلال الفترة من سنة 465 ق. م. عقب اغتيال الملك أحشويروش بيد أرنابانوس لذلك تكلَّم عن أحشويروش بصيغة الماضي (أس 10: 1: 2) وبين نهاية العصر الفارسي سنة 332 ق. م.، والدليل على هذا توافر السفر أثناء الترجمة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد، ولأن السفر بدأ بحرف العطف "الواو" فمعنى هذا أنه كُتب بعد سفر نحميا أي نحو سنة 430 ق. م.، وبهذا نستطيع أن نقول أن السفر كُتب خلال الفترة 430-332 ق. م. ويؤكد هذا غياب المفردات اليونانية في السفر ولهجة الكاتب العبرية ووجود بعض الكلمات الفارسية.
ويقول "جويس بولدوين": "لمّا كان الدليل متاحًا الآن في مخطوطة من (مخطوطات قمران) باللغة العبرية في القرن الثاني ق. م. فقد بات واضحًا للدارسين أن السفر ينتمي إلى فترة أسبق من ذلك... وعدم وجود تشابه فعلي بين (العبرية في سفر أستير) وبين لغة المخطوط يلغي أي تفكير في العودة بتاريخ السفر إلى القرن الثاني ق. م. كما يجعل إرجاعه إلى القرن الثالث ق. م. أمر غير محتمل... وغياب الألفاظ اليونانية الأصل أيضًا يقف ضد تحديد فترة الإمبراطورية اليونانية لتاريخ كتابة السفر... بينما توارد العديد من الكلمات الفارسية تقترح تحديد أيام الإمبراطورية الفارسية كتاريخ لكتابته... فإن أغلب الظن أن الفترة التي وُضع فيها أصل سفر أستير هي (النصف الأخير من القرن الخامس أو النصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد)... يفسر (هذا) أيضًا الانعكاس الدقيق للحياة في شوشن أثناء حكم الملك أحشويروش وشخصية هذا الملك نفسه"(2).
ما هي أقسام السفر؟ يمكن تقسم السفر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: وليمة أحشويروش (ص 1، 2)، ويشمل:
1- وليمة أحشويروش لعظماء المملكة التي استغرقت نصف عام، تبعها وليمة للشعب استغرقت سبعة أيام (ص 1: 1 - 8).
2- وليمة وشتي للنساء، وطلب أحشويروش بظهورها أمام الجميع، ورفضها وعقوبتها (ص 1: 9 - 22).
3- تأسّى الملك على وشتي، وإحضار فتيات جميلات للملك، وتتويج أستير(ص 2: 1 - 20).
4- مردخاي يكشف عن مؤامرة ضد الملك (ص 2: 21 - 23).
القسم الثاني: وليمتي أستير الملك (ص 3 - 7)، ويشمل:
1- رفض مردخاي السجود لهامان، وتدبير هامان لإبادة اليهود (ص 3).
2- حزن مردخاي ورسالته لأستير، وصوم الملكة والشعب (ص 4).
3- دخول الملكة أستير للملك ودعوته لوليمتها الأولى بحضور هامان (ص 5: 1 - 8).
4- غضب هامان من مردخاي يتصاعد، ويعد له خشبة لصلبه (ص 5: 9 - 14).
5- أرق الملك والقراءة في تذكار أخبار الأيام، ومكافأة مردخاي (ص 6).
6- وليمة أستير الثانية والحكم على هامان (ص 7).
القسم الثالث - نجاة اليهود من مذبحة هامان وعظمة مردخاي (ص 8 - 10)، ويشمل:
1- تعظيم الملك أحشويروش لمردخاي، ونجاة اليهود من المذبحة (ص 8).
2- انتقام اليهود من أعدائهم الذين حاولوا إبادتهم (ص 9: 1 - 16).
3- الأفراح والاحتفال بعيد الفوريم (ص 9: 17 - 32).
4- تعظيم مردخاي (ص 10).
أمّا الأجزاء التي جاءت في الترجمة اليونانية (تتمة أستير) والتي حُذِفت، فقد جاءت في الترجمة اليسوعية في مواضعها، وهي:
1- حلم مردخاي: "وكان في السنة الثانية من مُلك أحشويروش العظيم في اليوم الأول من نيسان أن مردخاي بن شمعي بن قيس من سبط بنيامين رأى حلمًا... "بالإضافة إلى مؤامرة الخصيين، وجاء كليهما في بداية السفر (أس 1: 1).
2- رسالة أحشويروش لإبادة اليهود: "هذه نسخة من الرسالة: من أحشويروش الملك العظيم إلى حكام الأقاليم المئة والسبعة والعشرين من الهند إلى الحبشة وإلى رؤساء المناطق الخاضعين لهم ما يلي..." جاءت في (أس 3: 13).
3- صلاة مردخاي، وصلاة أستير جاءتا في موضعيهما (أس 4: 17).
4- دخول أستير إلى الملك أحشويروش في اليوم الثالث من الصوم، وجاء في (أس 5: 1).
5- مرسوم إعادة الاعتبار لليهود: "فيما يلي نسخة من الرسالة: من أحشويروش الملك العظيم إلى حكام الأقاليم المئة والسبعة والعشرين من الهند إلى الحبشة وإلى جميع رعايانا السلام... " جاء في موضعه في (أس 8: 12).
6- تفسير حلم مردخاي: "وكان مردخاي يقول: من عند الله كان ذلك. فإني اذكر الحلم الذي رأيته في هذه الأمور. ولم يهمل منها شيء: الينبوع الصغير... " جاء في (أس 1: 3).
ثم جاءت ملاحظة في ترجمة السفر اليونانية: "في السنة الرابعة من مُلك بطليموس وكليوباترة أتى دوزيطس..." في نهاية السفر بعد تفسير حلم مردخاي.
_____
(1) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 41، 42.
(2) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 49، 50.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1477.html
تقصير الرابط:
tak.la/626aav8