ج: تنبأ إشعياء النبي على سبي مملكة يهوذا قبل حدوثه بنحو مائة عام، وعودتهم على يد كورش ملك فارس (إش 44: 26 - 45: 8) وحدَّد ميخا مكان السبي قائلًا: "تَلَوَّيِ، ادْفَعِي يا بِنْتَ صهْيَوْنَ كالوالدةِ، لأَنَّكِ الآن تَخْرُجِينَ مِن المَدِينَةِ، وتَسْكُنِينَ في البَرِّيَّةِ، وتَأْتِين إلى بَابِلَ. هُنَاكَ تُنْقَذِينَ. هُنَاكَ يَفْدِيكِ الرَّبُّ منْ يَدِ أَعْدَائِكِ" (مي4: 10) وحدَّد إرميا مدة السبي بسبعين عامًا: "وَتَصِيرُ كُلُّ هذه الأرض خَرَابًا ودهشًا وتَخْدِمُ هذه الشُّعُوبُ ملِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً (إر 25: 11). وقام نبوخذنصَّر ملك بابل بسبي مملكة يهوذا على عدة مراحل:
أ - السبي الأول (606 ق. م): بعد أن التقى نبوخذنصَّر بنخو ملك مصر الذي استولى على فلسطين وقاد جيشًا عظيمًا ليصل به إلى الفرات ويقطع الطريق على البابليين، انتصر نبوخذنصَّر على المصريين في معركة كركميش كنبوءة إرميا النبي (إر 46: 2 - 26) وبعد أن انتصر نبوخذنصَّر على نخو وقتل الآلاف من المصريين والسوريين جاء إلى أورشليم وسبى بعض سكانها إلى بابل، وكان من بينهم دانيال والثلاث فتية القديسين: "في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا ذَهَبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إلى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرَهَا..." (دا 1: 1 - 3).
ب - السبي الثاني (597 ق. م): ثار يهوياكين ملك يهوذا على نبوخذنصَّر ملك بابل، فجاء إليه في سنة 597 ق. م. وحاصر أورشليم، فخرج إليه يهوياكين وأمه وعبيده ورؤساءه وخصيانه، فسباهم إلى بابل مع عشرة آلاف من الصنَّاع المهرة ولم يترك سوى مساكين الأرض، وسلب محتويات الهيكل " وأخْرَجَ من هُنَاكَ جَمِيعَ خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ، وخَزَائِن بَيْتِ المَلِكِ، وكَسَّر كُلَّ آنيَة الذَّهَبِ الَّتي عمِلَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ في هَيْكَلِ الرَّبِّ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ. وسَبَى كُلَّ أُورُشَلِيمَ وكُلَّ الرُّؤَسَاءِ وجَمِيعَ جَبَابِرَةِ البَأْسِ عَشَرَةَ آلاَفِ مَسْبِيٍّ... لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ مَسَاكِينُ شَعْبِ الأَرْضِ. وسَبَى يَهُويَاكِينَ إلى بَابِلَ. وأُمَّ المَلِكِ ونِسَاءَ المَلِكِ وخِصيَانَهُ وأقْوِيَاء الأَرْضِ، سَبَاهُمْ من أُورُشَلِيمَ إلى بابل" (2مل 24: 13 - 15) وملَّك نبوخذنصَّر متَّنيَّا عوضًا عن يهوياكين ودعاه صدقيا.
جـ- حصار أورشليم وتدميرها والسبي الثالث (586 ق. م): أوكل نبوخذنصَّر مهمة حصار أورشليم إلى نبوزردان، بينما أقام هو في ربلة، واستمر الحصار من سنة 588 إلى 586 ق. م. في السنة الحادية عشرة للملك صدقيا، فهرب صدقيا ورجال الحرب ليلًا، ولكن جيش الكلدانيين تمكّن من القبض عليه في سهول أريحا، فقادوه إلى نبوخذنصَّر في ربلة فقتل أولاده أمام عينيه، ثم قلعوا عينيه وقيدوه بسلسلتين من نحاس وقادوه إلى بابل (2مل 25: 4 - 7) أما نبوزرادان رئيس الشرط فقد "أحرَقَ بَيْتَ الرَّبِّ وبَيْتَ الملِكِ، وكُلَّ بُيُوتِ أورشَليم، وكُلَّ بُيُوتِ العُظَماءِ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ. وَجَمِيعُ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا هَدَمَهَا... وَبَقِيَّةُ الْجُمْهُورِ سَبَاهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ. وَلكِنَّ رئِيسَ الشُّرَطِ أَبْقَى مِنْ مَسَاكِينِ الأَرضِ كَرَّامِينَ وَفَلاَّحينَ" (2مل 25: 9 - 12).
د - السبي الرابع (581 ق. م): ويمثل الدفعة الأخيرة من السبي، ففي السنة الثالثة والعشرين لنبوخذنصَّر سبى نبوزردان 745 شخصًا من اليهود.
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "ويقدر جورج آدم -بناء على ما جاء في سفر الملوك الثاني ونبوءة إرميا- أن مجموع المسبيين كان يتراوح بين 62000 و70000 نسمة. ففي سنة 606 ق. م. سُبي أفراد من النسل الملكي وشرفاء يهوذا (دا 1: 1 - 4). وفي سنة 597 ق. م. سُبي الأمراء والشرفاء والصناع والأقيان ولم يُترك سوى "مَسَاكِينُ شَعْبِ الأَرْضِ" (2مل 24: 14). وفي 586 ق. م. سُبي "بَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْمَدِينَةِ" ولكنه أبقى من مساكين الأرض "كَرَّامِينَ وَفَلاَّحِينَ" (2مل 25: 12). وفي 581 ق. م. وهى السنة الثالثة والعشرون لنبوخذنصَّر، سبى نبوزردان رئيس الشرط سبع مئة وخمسًا وأربعين نفسًا (إر 52: 30). وهكذا لم يترك سوى مجموعة من مساكين الفلاحين غير المثقفين بلا هيكل ولا قائد وبلا تنظيم، أنهكهم الجوع وأحاط بهم الأعداء من كل جانب. كانوا كمية مهملة، بل صاروا عبئًا على الذين عادوا من السبي وأعادوا بناء الأمة"(1).
وبذلك يتضح أن فترة السبي استغرقت فترة من 605 / 606 إلى 581 ق. م.، وكما رأينا من قبل أنه عاد ثلاثة أفواج من المسبيين، الفوج الأول سنة 538 ق. م. بقيادة زرُبَّابل، والثاني 458 ق. م. بقيادة عزرا، والثالث 445 ق. م. بقيادة نحميا، وجاء في هامش "الكتاب المقدَّس الدراسي": "سبعين سنة: يمثل هذا الرقم (كما في مز 90: 10، إش 23: 15) الفترة من 605 ق. م. إلى 538 / 537 ق. م.، العام الذي بدأ فيه رجوع يهوذا من السبي"(2) (راجع أيضًا القس منسى يوحنا - ردود كتابية منطقية على مزاعم وافتراءات خيالية ص 73).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "يرى كثير من المفسرين ومؤرخي الكتاب المقدَّس أن فترة السبعين عامًا هي ما بين السنة الرابعة ليهوياقيم (606 ق. م) حتى السنة الأولى لمُلك كورش وتسلُّطه على بابل عام 536 ق. م...
يتفق هذا مع حسابات الكتاب المقدَّس:
7.0 أعوام = عهد يهوياقيم (من السنة الرابعة حتى الحادية عشر).
0.3 شهور = عهد يهوياكين.
37.0 عامًا = من سبي يهوياكين حتى جلوس أويل مرودخ (راجع 2مل 25: 27 - 30) "في السَّنَة السَّابِعة والثَّلاَثين لسَبْيِ يَهُوياكين... رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ، فِي سَنَةِ تَمَلُّكِهِ، رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا مِنَ السِّجْنِ وكلَّمه بِخَيْرٍ ").
23.9 = حتى سقوط بابل.
2.0 = العامان الأولان لداريوس.
_____
70.0 عامًا تماما.
مع دقة الرقم بحسب حسابات مفسري الكتاب والمؤرخين، يحمل رقم 70 رمزيًا وهو كمال العمل الإلهي في حياتنا الزمنية. رقم 7 يشير إلى الكمال، ورقم 10 يشير إلى الحياة الزمنية التي يجب أن تحكمها الوصايا العشرة"(3).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 351، 352.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1819.
(3) تفسير سفر إرميا جـ 2 ص 637، 638.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1448.html
تقصير الرابط:
tak.la/d87rwd8