ج: بعد أن أرسل حيرام ملك صور خشب أرز وبنائين ونجارين لداود وبنى له قصرًا (1أي 14: 1) تحرك قلب داود فاشتاق أن يبني لله بيتًا يليق بعظمته، واستشار ناثان النبي: "فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: افْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ لأَنَّ اللهَ مَعَكَ"(1أي 17: 2) ولكن في تلك الليلة صار كلام الله لناثان قائلًا: "اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ عَبْدِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى، لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمِ أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ سِرْتُ مِنْ خَيْمَةٍ إِلَى خَيْمَةٍ، وَمِنْ مَسْكَنٍ إِلَى مَسْكَنٍ. فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مَعَ أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنْ أَرْزٍ؟"(1أي 17: 4 - 6). فالله لم يهتم أن يكون له بيتًا عظيمًا يسكن فيه بقدر أن يكون له شعبًا عظيمًا يريح قلبه، أنه يشتهي أن يسكن في القلوب وليس في مبنى فخم من حجارة وذهب وفضة وخشب الأرز... فهو مالك كل شيء، فهذا البيت لا يمثل إغراء له، ولذلك اكتفى بالسكنى وسط شعبه في خيمة طوال فترة التيه في صحراء سيناء، وحتى عندما استقر الشعب وصار له بيوتًا في عصر القضاة كان الرب مكتفيًا بحلوله في خيمة الاجتماع حيث يجتمع مع شعبه، ولم يسأل أحد القضاة الذين كلفهم برعاية شعبه أن يبني له بيتًا من الأرز، ولم يعتب على أحد منهم لأنه لم يفكر في هذا الأمر مثل داود.
وعندما قال الرب هنا: "أنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى، لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ" لم يكن قصد الله من قوله " لأَنِّي" أن يذكر السبب في رفض بناء بيت له، إنما كان يشرح الموقف كله لناثان وداود، ولهذا قال لداود: أنك بعد أن تضطجع مع آبائك بسلام سأُقيم من نسلك ملكًا هو الذي سيبني بيتًا لي، فلو كان الله يرفض بناء بيت له لأنه لم يسكن في بيت من قبل، فلماذا يخبر داود أن سليمان ابنه سيبني بيتًا له..؟! لقد استجاب الله لرغبة داود أن يكون هناك بيتًا للرب على أن يقوم ابنه سليمان ببنائه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وربما ناثان لم يبلغ داود أنه لن يبني بيت الرب لأنه سفك دماء كثيرة لئلا يؤذي مشاعر داود، ولذلك اكتفى بأنه ذكر لداود بأن سكنى الله في بيت عظيم لا يشغل ذهن الله، بدليل أنه ارتضى منذ القديم أن يسكن في خيمة بسيطة.
ولكن عندما تحدث داود مع سليمان ابنه أوضح له السبب الحقيقي في منع الرب له ببناء بيت له، فقال: "فَكَانَ إليَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: قَدْ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً، فَلاَ تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأَرْضِ أَمَامِي" (1أي 22: 8)، وأيضًا عندما جمع داود كل رؤساء الأسباط وقادة الجيش والمشيرين والأبطال: "وقَفَ دَاوُدُ الْمَلِكُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَ اِسْمَعُونِي يَا إِخْوَتِي وَشَعْبِي. كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتَ قَرَارٍ لِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِمَوْطِئِ قَدَمَيْ إِلهِنَا، وَقَدْ هَيَّأْتُ لِلْبِنَاءِ. وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لِي: لاَ تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ أَنْتَ رَجُلُ حُرُوبٍ وَقَدْ سَفَكْتَ دَمًا" (1أي 28: 2، 3). وقد بلغ كلام الرب لداود سواء مباشرة أو عن طريق ناثان النبي، وهنا أوضح داود لابنه ولشعبه السبب المباشر الذي دعى الله لعدم السماح له ببناء بيتًا له... لأنه سفك دماءً كثيرة، وبيته بيت للسلام فلا بد أن يُبنى بيد عاشت في سلام بعيدًا عن الحروب والدماء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1403.html
تقصير الرابط:
tak.la/yn3rh4w