ج: لسفري الأخبار هدفًا يختلف عن هدف أسفار صموئيل والملوك، فمثلًا:
1- أراد كاتب سفر الأخبار أن يربط الشعب العائد من السبي بماضيه وأمجاد ملكه داود، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "بينما كُتب سفرا الملوك بعد خراب أورشليم، وكان على الكاتب أن يجيب على السؤالين: "كيف، ولماذا"، فإن كاتب أو (كتبة) سفري الأخبار كان من مجتمع ما بعد العودة من السبي. فلم تعد الأسئلة المُلحة هي كيف ولماذا. بل بالحري ما مدى استمراريتنا بالنسبة لداود؟ وهل ما زال الله يهتم بنا؟ فلم تكن الحاجة هي تبرير السبي، بل بالحري الربط ما بين ما بعد السبي بما كان قبله. فيبدو الاهتمام واضحًا فيه بإعادة بناء الهيكل وتنظيم العبادة فيه، كما كان الحال في الهيكل الأول. وسفرا الأخبار هما تاريخ يهوذا، وبيت داود، باعتبار أنه وحده الذي بقى بعد السبي"(1).
2- اهتم كاتب سفر الأخبار بالهيكل، وما يرتبط به من عبادات وكهنة ولاويين وموسيقيين ومغنيين وبوابين، فالهيكل هو حلقة الوصل بين الماضي والحاضر، ولذلك تكلَّم الكاتب عن خدمة الهيكل وجمال العبادة حتى أنه أفرد للهيكل ست أصحاحات كاملة من السفر (2أي 2 - 7) بينما لم يهتم الكاتب بالبيوت التي بناها سليمان وصرف فيها ثلاثة عشر عامًا، وقد ذكر كاتب الأخبار كلمة "لاوي" في سفري الأخبار نحو 99 مرة، أكثر من أي سفر آخَر، ولا سيما إذا اعتبرنا أن سفري عزرا ونحميا -وقد ورد فيهما كلمة لاوي 59 مرة- كانا مع سفري الأخبار يمثلون سفر واحد، وكشف السفر عن دور اللاويين في إقامة العبادة والاهتمام بالهيكل بعد العودة من السبي، فهم الذين يحملون التابوت ويحرسون أبواب الهيكل ويقومون بالتسبيح ويساعدون الكهنة في تهيئة الذبائح، وتعليم الشعب الشريعة الإلهيَّة.
3- يركز سفر الملوك على ملوك إسرائيل والمملكة الشمالية، ويورد أخبار مملكة يهوذا بالمقارنة مع أحداث مملكة إسرائيل حتى سبي مملكة إسرائيل، فيورد أخبار مملكة يهوذا حتى سبيها أيضًا. أما في سفر الأخبار فإنه يركز كلية على مملكة يهوذا وملوكها وجميعهم من نسل داود باستثناء عثليا الملكة ابنة أخآب ملك إسرائيل، ويتتبع سراج داود المضيء في أورشليم، والذي كاد أن ينطفئ بمحاولات عدو الخير ولكن نعمة الله كانت تنقذ الموقف.
4- أظهر كاتب سفري الأخبار اهتمام الله بشعبه من خلال التركيز على الهيكل والمُلك، وبينما يُعتَبر مركز اهتمام سفر الملوك القصر والعرش، فإن مركز اهتمام سفر الأخبار الهيكل والمذبح بجوار المُلك، وأوضح كاتب سفر الأخبار الربط بين الملك والكهنوت، فالملك الصالح تزدهر في عهده العبادة والكهنوت، وفي عهد الملك الشرير تُهمل العبادة ويبطل عمل الكهنوت وتُغلق أبواب الهيكل، وأظهر الكاتب أهمية التسبيح ليس في الهيكل فقط، بل وفي ساحة الحرب أيضًا، فعندما هاجم الموآبيون والعمونيون يهوشافاط " قام اللاَّوِيُّونَ منْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ ومن بني القُورحِيِّينَ ليُسَبِّحُوا الرَّبَّ إله إسرائيل بصَوتٍ عظِيم جدًّا... قائلِينَ احمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّ إلى الأبد رَحْمَتَهُ..." (2أي 20: 19 - 21) ونالوا النصرة " ودخَلُوا أورُشَلِيمَ بِالرَّبَابِ والعِيدَانِ وَالأَبْوَاقِ إلى بَيْتِ الرَّبِّ. وكانت هَيبَة الله على كُلِّ مَمَالِكِ الأراضي" (2أي 20: 28، 29).
ويقول: "القس صموئيل يوسف": "وفي سفري الأخبار نجد... العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم عهد أبدي" (1أي 16: 16، 17) لأجل هذا اختار الله داود (1أي 11: 2، 3) ثم اختار سليمان... ووعد الله أن نسل داود سيدوم إلى الأبد (1أي 17: 11) وعلى إسرائيل أن تسلك بأمانة قدام الله وتحفظ طرقه حتى يتحقَّق لها الوعد (2أي 6: 16)... والأساس في هذا الأمر أن سفري الأخبار في نظر بعض العلماء، يُعد بحق تاريخ كنيسة، وكتاب رائع عن علاقة الله بشعبه. هذا الشعب الذي اتقاه وتعبَّد له بالكمال، وذلك هو الاهتمام الرئيسي للكاتب. واعتبر يهوذا كما أشرنا هو إسرائيل الحقيقي كهيئة روحية بذاتها. ويتركز اهتمام الكاتب في أمرين باختصار: الهيكل ونسب داود الملكي"(2).
5- اهتم كاتب سفر الأخبار بداود الملك فربطه في سلسلة الأنساب بآدم رأس الخليقة، وخصص لسيرته تسعة عشر أصحاحًا (1أي ص 11 - 29) وكرَّر اسمه أكثر من 220 مرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتجنب الكاتب الحديث عن أية سلبيات تخص داود مثل هروبه إلى أخيش ملك جت، وأوضح تقاطر الأبطال عليه من جميع الأسباط، وأظهر صورة بهية لحفل تنصيبه حضرها نحو ثلث مليون لمدة ثلاثة أيام، ولم يذكر الكاتب قصة سقوطه في الزنا والقتل، وما لحق ببيت داود من كوارث، وتجاهل قسوة داود في تعامله مع الموآبيين عندما قاسهم بالحبل، وينسب التعداد الذي أصرَّ عليه داود إلى غواية الشيطان، وركز الكاتب على صورة داود الملك المثالي الذي هو رمز ومثال للسيد المسيح، كما أظهر سليمان في صورة الكمال، فجاء في مقدمة الطبعة الكاثوليكية: "ويظهر سليمان الملك، في سباق الروايات، في صورة موسومة بالكمال المثالي، على مثال داود، فلا يُحفظ من أمور حياته أي أمر ينال من سمعته، لا إبادته العنيفة لخصومه في مطلع مُلكه، ولا ما أمسى عليه البلاط الملكي في أواخر مُلكه من ترف وعبادة أوثان وحياة إباحية. سليمان هو الملك الذي بني الهيكل وفقًا لتعليمات أبيه داود وإعداداته الدقيقة، وأما تدشين الهيكل، فأنه يُحاط بأبهة وجلال لا نجد نظيرهما في سفر الملوك. فالهيكل والعبادة هما إذًا في صميم اهتمامات المؤرخ"(3).
ويقول "هـ. ل. روسييه": "كما نرى دائمًا في سفرنا موضوع الدراسة الآن أنه يعبر صامتًا على خطية سليمان هذه، ومثل هذا الحذف يتكرَّر كثيرًا، الأمر الذي يتخذه النُقَّاد مادة لهجومهم على الوحي، ولكن في ضوء الغرض الذي يريده الوحي لهذا السفر، يصبح نقدهم لا قيمة له. وبدلًا من أن نرى سليمان يعطي مدنًا لحورام فأنه في (2أي 8: 2) نجد الأخير يعطي مدنًا لسليمان"(4).
6- اهتم الكاتب بنسل داود الملكي، وكيف حفظ الله سراج داود حتى لا ينطفئ، فعندما قتل يهورام إخوته، ثم قتل أعداء يهوذا أبناء يهورام ما عدا أخزيا، ثم قتل ياهو أخزيا وكل أبناء إخوته، وقامت عثليا وأبادت النسل الملكي، ولكن العناية الإلهيَّة تتدخل وتنقذ طفلًا رضيعًا من هذه المذبحة الرهيبة، وهو يوآش بن أخزيا الذي نصَّبوه ملكًا في السنة السابعة وقتلوا عثليا.
ويقول "هـ. ل. روسييه": "فالسراج كاد ينطفئ والظلمة العميقة تحكم والشيطان ينتصر بحسب الظاهر فقط. والله يحتفظ بفرع ضعيف من هذا الجذع الشرير في شخص أخزيا. نعم ولكن هذا الفرع الوحيد الضعيف الذي ينجو من مذبحة الجنس الملكي، وُجد هو نفسه أيضًا فرعًا جافًا مُعدًا للحريق. ومرة أخرى فإن خط الملكية برمته يُباد. فهل يُدمَر تمامًا الآن؟ كلاَّ، فإن شخصًا يُولد وهو يوآش، ويجد فيه روح الله مرة أخرى " أشياء حسنة" وبهذه الطريقة فإن الخلافة الملكية تستمر وخط داود الملك لا يُمحى بهؤلاء الأشرار"(5).
7- اهتم كاتب سفري الأخبار بالناموس والأنبياء كأساس لحياة الشعب مع الله، وجسَّد هذا الاهتمام قول داود النبي لشعبه: "اسْمَعُوني يا إخوتي وشَعْبي... احفَظُوا واطلُبُوا جميع وصايَا الرَّبِّ إلهِكُم لكي ترثُوا الأرض الجَيِّدَةَ وتُوَرِّثُوها لأولادكُم بَعْدَكُمْ إلى الأبد" (1أي 28: 2، 8) وعندما كان يهوشافاط وشعبه في موقف صعب أمام تحالف الموآبيين والعمونيين ضده، دُعيَ شعبه للإيمان بالله والأنبياء ليعيشوا في أمان وفلاح. فقال: "اسْمَعُوا يا يَهُوذا وسُكَّانَ أُورُشَليمَ، آمِنُوا بالرَّبِّ إلهكُم فَتَأْمَنُوا. آمِنُوا بأنبيائه فَتُفْلِحُوا" (2أي 20: 20) وركز الكاتب على أن مخالفة الناموس والأنبياء تجلب الكوارث على الشعب، والتوبة تجلب السلام والنصرة والرخاء والأمان، وقد أورد الكاتب 165 عظة متنوعة الطول منها 95 عظة تكررت من قبل في سفري صموئيل وسفري الملوك، وانفرد السفر بسبعين عظة مثل عظات الملك أبيا (2أي 13: 4 - 12) وعظات الملك آسا (2أي 14: 11) وعظات الملك يهوشافاط (2أي 20: 5 - 12)(6).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 7 ص 218.
(2) المدخل إلى العهد القديم ص 262 - 264.
(3) الكتاب المقدَّس - الطبعة الكاثوليكية - العهد القديم - إصدار دار المشرق بيروت ص 731، 732.
(4) تأملات في أخبار الأيام الثاني ص 33.
(5) تأملات في أخبار الأيام الثاني ص 43.
(6) راجع الكتاب المقدَّس الدراسي ص 945.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1375.html
تقصير الرابط:
tak.la/yhktj6p