St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1368- كيف تسقط أورشليم في يد الأعداء (2مل 25: 8-10) بالرغم من وعد الله الواضح والصريح بحمايتها والدفاع عنها (2مل 19: 34)؟

 

          ويقول " ليوتاكسل": "يهوه الذي قطع وعدًا {وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي} (2مل 19: 34) كان يستطيع ألاَّ ينتظر حملة سنحاريب، ولأن يهوه الكلي القدرة قرَّر أن يحمي أورشليم بنفسه، فقد كان أفضل بكثير لو أنه حماها من حملة سنحاريب أصلًا، ومنع نهب خيرات البلاد وكنوز المعبد. ومن غير المفهوم أيضًا، لماذا تخلَّى ربُّ الجنود عن أحبائه بعد عدة سنوات من إعلان نفسه حامي حماهم.. وها هو يتركهم الآن يواجهون مصيرهم مع الأشوريين الذين نهبوا خيراتهم وهدموا مقدساتهم وقيَّدوهم بالسلاسل وساقوهم عبيدًا"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- عندما حاصر سنحاريب أورشليم وعيَّر الله الحي قائلًا: "مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي" (2مل 18: 35) وعندما مزَّق حزقيا ثيابه وتغطى بمسح ودخل بيت الرب وصلى وصرخ للرب إلهه قائلًا: "أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللهَ الْحَيَّ" (2مل 19: 16) كما أرسل لإشعياء النبي لرفع الصلوات من أجل التدخل الإلهي، وسريعًا ما جاءت استجابة الرب الإله الذي وجه وعيده لسنحاريب: "احْتَقَرَتْكَ وَاسْتَهْزَأَتْ بِكَ الْعَذْرَاءُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ.. مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتًا وَقدْ رَفَعْتَ إِلَى الْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ" (2مل 19: 21، 22). فالوعد الخاص بحماية أورشليم الوارد في (2مل 19: 34) خاص بإنقاذها من سنحاريب، وهو ليس وعد مُطلق لكل زمان وبغض النظر عن حالة سكان أورشليم، ولكنه وعد مُحدَّد بواقعة معينة، وقد أنفذ الله وعده، وأنقذ المدينة من تهديد جيش سنحاريب القوي.

 

2- شتان بين حزقيا الملك الصالح وصدقيا الملك الشرير، فحزقيا لم تجرفه العبادات الوثنية ولم يهادن الشر، حتى الحيَّة النحاسية التي صنعها موسى عندما تغير القصد تجاهها وبدأ الشعب يعبدها سحقها تمامًا وتخلص منها، وفي وقت الخطر التجأ بإيمان لله في صلاة رائعة فرفع الله رأسه ودافع عن أورشليم، وكان حزقيا من أعظم المصلحين في تاريخ إسرائيل " وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ، بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى. وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ. وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ لَهُ" (2مل 18: 6، 7) بينما سلك صدقيا في الشر " وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2مل 24: 19) ولم يصغى لنصائح ارميا النبي فقتل بنيه أمام عينيه، وفُقأت عيناه وقيدوه بسلسلتين من نحاس وساقوه إلى بابل وسقطت أورشليم.

 

3- وعود الله وعود مشروطة دائمًا كما رأينا من قبل، فقد وعد الله الآباء والشعب بأرض الموعد، ووفىَ وعده بيد عبده يشوع بن نون، بشرط أن يعيش هذا الشعب حياة صالحة مرضية، ولا يسلك في آثام الشعوب الوثنية التي انحطت إلى الحضيض، وحذره من العبادات النجسة، وتقديم الذبائح البشرية، وممارسة السحر والعرافة ومخاطبة الأرواح الشريرة، لأن تلك الشعوب التي مارست هذه الأعمال لفظتهم الأرض ولم تحتملهم، وجعل الله قضائهم بيد بني إسرائيل ليفهموا ويعرفوا نتائج هذه الشرور. أما بنو إسرائيل فلم يستوعبوا الدرس فلفظتهم الأرض وسيقوا إلى أرض السبي، وتشتَّتوا بين الأمم وتحقَّق فيهم الإنذار الإلهي: "بِكُلِّ هذِهِ لاَ تَتَنَجَّسُوا، لأَنَّهُ بِكُلِّ هذِهِ قَدْ تَنَجَّسَ الشُّعُوبُ الَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ. فَتَنَجَّسَتِ الأَرْضُ. فَأَجْتَزِي ذَنْبَهَا مِنْهَا، فَتَقْذِفُ الأَرْضُ سُكَّانَهَا.. فَلاَ تَقْذِفُكُمُ الأَرْضُ بِتَنْجِيسِكُمْ إِيَّاهَا كَمَا قَذَفَتِ الشُّعُوبَ الَّتِي قَبْلَكُمْ" (لا 18: 24، 28).

ومن عشرات الآيات التي تحدثنا عن الوعود المشروطة:

أ  - " أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.. لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ" (تث 5: 16).

ب- " يَا لَيْتَ قَلْبَهُمْ كَانَ هكَذَا فِيهِمْ حَتَّى يَتَّقُونِي وَيَحْفَظُوا جَمِيعَ وَصَايَايَ كُلَّ الأَيَّامِ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ وَلأَوْلاَدِهِمْ خَيْرٌ إِلَى الأَبَدِ" (تث 5: 29).

جـ- " فَاسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ وَاحْتَرِزْ لِتَعْمَلَ لِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ وَتَكْثُرَ جِدًّا" (تث 6: 3).

د - " فَأَمَرَنَا الرَّبُّ أَنْ نَعْمَلَ جَمِيعَ هذِهِ الْفَرَائِضَ وَنَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَنَا، لِيَكُونَ لَنَا خَيْرٌ كُلَّ الأَيَّامِ" (تث 6: 24).

هـ- " اِحْفَظْ وَاسْمَعْ جَمِيعَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا لِكَيْ يَكُونَ لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ خَيْرٌ إِلَى الأَبَدِ، إِذَا عَمِلْتَ الصَّالِحَ وَالْحَقَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكَ" (تث 12: 28).

و - وعد الله المشروط لسليمان قبل تدشين الهيكل: "وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى سُلَيْمَانَ قَائِلًا. هذَا الْبَيْتُ الَّذِي أَنْتَ بَانِيهِ، إِنْ سَلَكْتَ فِي فَرَائِضِي وَعَمِلْتَ أَحْكَامِي وَحَفِظْتَ كُلَّ وَصَايَايَ لِلسُّلُوكِ بِهَا، فَإِنِّي أُقِيمُ مَعَكَ كَلاَمِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَى دَاوُدَ أَبِيكَ" (1مل 6: 11، 12).

ز - أدرك سليمان هذا الوعد المشروط، ولذلك خاطب الله في صلاته في تدشين الهيكل قائلًا: "وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، احْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي مَا كَلَّمْتَهُ بِهِ قَائِلًا لاَ يُعْدَمُ لَكَ أَمَامِي رَجُلٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ، إِنْ يَكُنْ بَنُوكَ طُرُقَهُمْ يَحْفَظُونَ حَتَّى يَسِيرُوا فِي شَرِيعَتِي كَمَا سِرْتَ أَنْتَ أَمَامِي" (2أي 6: 16).

و - عندما ظهر الله لسليمان بعد تدشين الهيكل قال له: "وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ.. إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَلِبُونَ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ مِنْ وَرَائِي، وَلاَ تَحْفَظُونَ وَصَايَايَ.. فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَالْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاسْمِي أَنْفِيهِ مِنْ أَمَامِي" (1مل 9: 4 - 7)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.

وشمل الإصحاح الثامن والعشرون من سفر التثنية البركات لمن يطيع الوصايا الإلهيَّة، وأيضًا اللعنات التي تلحق بالأشرار المخالفين. الله لا يغير كلامه، ولكن الإنسان هو الذي يغير تصرفه وموقفه وموقعه، وبالتالي يتغير موقف الله بالإيجاب أو بالسلب.

 

4- ردًا على ليوتاكسل، نقول: نعم أن يهوه كلي القدرة، ولكن الله الكلي القدرة منح الإنسان حرية الإرادة، فلم يكن من اللائق أن ينزع الله عن سنحاريب حرية الإرادة والتصرف، ولكن تركه يتصرف كما يشاء، وعندما أخطئ وتكبر وتجبر وعيَّر الله الحي استحق العقاب الإلهي، ولم يكن من اللائق على الإطلاق أن الله يعاقب سنحاريب لمجرد أنه نوى أن يحاصر أورشليم أو يهاجم مدن يهوذا، إذ كيف يحاسبه على خطايا لم يرتكبها بعد؟! ولكن عندما أرتكب سنحاريب هذه الحماقة وتحدى إله إسرائيل وقع تحت العقوبة الإلهيَّة. لقد هاجم من قبل مدن يهوذا الحصينة وسلبها، وصعد على أورشليم فأظهر له حزقيا الطاعة والخضوع، وارتضى بالإتاوة الضخمة التي فرضها عليه، حتى أن حزقيا قشر ذهب الهيكل، وفي كل هذا كان الله يطيل أناته على سنحاريب، ولكن عندما تكبر إلى هذا الحد ونقض عهده واستهزأ بأورشليم وإلهها، كان لا بُد من ردعه، وهذا ما حدث بالضبط.

     أما عن تساؤل ليوتاكسل: لماذا تخلى الله عن مدينته وعن شعبه، فتركهم للآشوريين بعد أن وعدهم بالحماية..؟ فالإجابة واضحة، وهي كما قلنا، أن وعود الله وعود مشروطة، فشعب الله يتمتع بحمايته ورعايته طالما أنه يعيش في طاعة وصاياه، ولكن عندما يسلك بحسب هواه ويشرب الإثم كالماء، فلا يصح أن الله القدوس يدافع عن هؤلاء الأشرار، بل يتخلى عنهم، وعندما تتخلى المعونة الإلهيَّة عن إنسان يصير هزءًا وسخرية للإنسان والشيطان. وهذا ما عايناه من قبل في سفر القضاة، ففي كل مرة كان يضل الشعب بعيدًا ويتوه في غياهب الوثنية كانت النعمة الإلهيَّة تتخلى عنه، فتأتي شعوب الأرض تستعبده وتذله، فيرجع إلى نفسه ويصرخ لإلهه، فيرسل له قاضيًا ينقذه ويرفع عنه هذه الضيقة وتلك الغمة.

     لقد أحب الله هيكله المقدَّس، ولكن بعد موت سليمان بنحو خمس سنوات، وبسبب خطايا رحبعام سمح الله أن يأتي "شيشق" ملك مصر إلى أورشليم وينهب الهيكل (1مل 14: 25، 26). وبعد نحو 380 سنة من بناء الهيكل وقد فاض كأس شرور بني إسرائيل، سمح الله أن يأتي البابليون ويحرقون الهيكل ويسبوا مملكة يهوذا إلى بابل سبعين عامًا، وبعد العودة من السبي أُعيد بناء الهيكل ودُعي بهيكل زربابل واستمر نحو خمسة قرون، وقام الملك هيرودس بترميمه وتزيّنه بالذهب والحجارة الكريمة خلال 46 سنة، حتى صار آية رائعة من الفن والروعة، ولكن عندما وصل شر اليهود مداه، بصلب القدوس البار، حلَّ بهم الغضب الإلهي، وجاء تيطس الوالي الروماني وأراد الحفاظ على الهيكل، ولكن قول السيد المسيح بأنه لا يبقى حجر على حجر إلاَّ وينقض كان لا بُد أن يتحقق، وبسبب عناد اليهود أمام الحصار الروماني، استحل الرومان دماء اليهود فقتلوا مئات الألوف وتمكنوا من الهيكل فأحرقوه وهدموه فصار ركامًا، ولم يعمر ثانية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) هل التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 459.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1368.html

تقصير الرابط:
tak.la/b82vhw7