يقول " ليوتاكسل": "ونفهم من كتاب الملوك الرابع أن يوآش كان ملكًا صالحًا، ولكن كتاب أخبار الأيام يفيدنا بأنه إنتهى إلى طريق الشر (ص 24) لقد أقام عبادة الأوثان، وجدَّد المرتفعات وغيرها من الآلهة الكاذبة، الأمر الذي أثار حنق زكريا الذي أصبح كاهن يهوه بعد وفاة والده يهوداع، ولما كثرت اتهامات هذا الأخير ضد يوآش أمر برجمه في المعبد (21) ومات يوآش نفسه مخنوقًا بأيدي أثنين من عبيده"(1).
ج: 1- جاء في سفر الملوك: "وَعَمِلَ يَهُوآشُ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2مل 12: 2) وجاء في سفر الأخبار: "وَتَرَكُوا بَيْتَ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ وَعَبَدُوا السَّوَارِيَ وَالأَصْنَامَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ لأَجْلِ إِثْمِهِمْ هذَا" (2أي 24: 18).
والحقيقة أن الناقد كان كل هدفه إظهار وجود تناقض في كلام الكتاب، فأورد جزء من الآية (2مل 12: 2) ولم يكملها، ولو أكملها ما كان طرح تساؤله هذا، وأيضًا لم يكلف خاطره في قراءة الآية السابقة في سفر الأخبار (2أي 24: 17) التي لو قرأها أيضًا ما كان طرح تساؤله. فقد ورد في سفر الملوك: "وَعَمِلَ يَهُوآشُ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِهِ الَّتِي فِيهَا عَلَّمَهُ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ" (2مل 12: 2) أي أنه ربط بين أعمال يهوآش المستقيمة وبين وجود يهوياداع بجواره... لقد سفكت عثليا دماء أحفادها حتى تنفرد بالعرش، ولم ينجو غير طفل صغير وهو يوآش الذي أخفته عمته " يهوشبع " زوجة يهوياداع الكاهن لمدة ست سنوات، وفي السنة السابعة رتب يهوياداع الكاهن الأمور جيدًا، ونصَّب يوآش ملكًا على عرش داود وسليمان، وأمر بقتل عثليا بنت أخآب وأم الملك أخزيا، فكان يهوياداع خير مرشد للملك الصبي يهوآش، وهذا ما أكده سفر الأخبار في الآية السابقة (ع 17) للآية التي أوردها الناقد: "وبعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا وسجدوا للملك. حينئذ سمع الملك لهم" (2مل 12: 17) فيبدو أن شخصية يوآش كانت ضعيفة وكان ينصاع لمن حوله، فبعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا وسجدوا له وتملَّقوه وأشاروا عليه بمشورات شريرة فوافقهم، فتركوا بيت الرب وعبدوا السواري والأصنام... إذًا أعمال يوآش الصالحة اقتصرت على فترة وجود يهوياداع على قيد الحياة بالقرب منه، وفي هذه الفترة كلَّف يهوآش الكهنة بأخذ الفضة المقدمة للهيكل لترميم البيت ولكن الكهنة أخذوا هذه الفضة لأنفسهم، فعاد الملك وأمر بجمع الفضة في الهيكل وائتمن عليها يهوياداع الذي أشرف على ترميم البيت وتجديده (2مل 12: 4 - 15). ولكن بعد موت هذا المرشد الروحي الأمين يهوياداع عن عمر مائة وثلاثين عامًا (2أي 24: 15) انصاع يهوآش لمشورة الأشرار.
2- عندما زاد شر شعب يهوذا مع ملكهم يوآش " لَبِسَ رُوحُ اللهِ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ فَوَقَفَ فَوْقَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ هكَذَا يَقُولُ اللهُ لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصَايَا الرَّبِّ فَلاَ تُفْلِحُونَ؟ لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الرَّبَّ قَدْ تَرَكَكُمْ... فَتَنُوا عَلَيْهِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ بِأَمْرِ الْمَلِكِ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ يُوآشُ الْمَلِكُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي عَمِلَهُ يَهُويَادَاعُ أَبُوهُ مَعَهُ، بَلْ قَتَلَ ابْنَهُ. وَعِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ: الرَّبُّ يَنْظُرُ وَيُطَالِبُ" (2أي 24: 20 - 22)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وجاء في " التفسير التطبيقي: "ولكن بعد موت يهوياداع، لم يكن يوآش يعرف ماذا يعمل، فاستمع لمشورة جرَّته إلى الشر، فلم يمضِ سوى زمن قصير حتى أمر بقتل زكريا بن يهوياداع. وبعد شهور قليلة، انهزم جيش يوآش أمام الأرآميين، ولم تنجَ أورشليم إلاَّ لأن يوآش سلب الهيكل من كل كنوزه، ليقدمها رشوة لملك آرام. وأخيرًا اغتاله بعض رجاله، وعلى العكس من يهوياداع، لم يدفن يوآش في مقابر الملوك، بل لم يُذكر اسمه في سلسلة نسب المسيح في العهد الجديد"(2).
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "إذ لبس روح الله زكريَّا بن يهوياداع الكاهن، وقف أمام الشعب الذي لم يكن بعد قد فارق الهيكل، بل كان يجتمع فيه، لكنهم بدأوا يعبدون الأصنام. ربما في عبادتهم للأصنام كان يجتمعون معًا في الهيكل في بعض المناسبات كالأعياد. جاء في الترجوم {عندما رأى إثم الملك والشعب، إذ كانوا يُقدّمون بخورًا لصنم في هيكل الرب، في يوم الكفارة، ويمنعون كهنة الرب من تقديم المحرقات والذبائح والتقدمات اليومية والخدمات كما ورد في شريعة موسى، وقف على الشعب وقال..}.. نطق الكاهن بالحق الإلهي في وضوح كامل وبلغةٍ غير مثيرة للغضب، ودون أن يوجه اللوم إلى الملك أو رؤساء يهوذا، ولم يهددهم بالقصاص الإلهي. لقد طالبهم بالالتزام بالشريعة وحفظ الوصية الإلهيَّة. أثار حديث الكاهن الصريح ضمير الملك ورؤساء يهوذا، فعوض الرجوع إلى الله، عاملوه بوحشية، إذ رجموه بالحجارة بفتنة من هؤلاء الرؤساء ومن معهم، وبأمر الملك الذي حسب في كلمات الكاهن تحديًا له شخصيًا. لم يذكر الكاتب أن الملك أمر بمحاكمته أو اتهمه بالتجديف أو الخيانة أو أنه نبي كذَّاب، إنما غالبًا ما قام به أتباع الرؤساء بتهييج الشعب، فحدث شغب، لذلك أصدر الملك أمره برجمه لتهدئة الشعب.
يا له من ملك بائس، ترك الله، فاحتل عدو الخير قلبه، فصار عنيفًا يأمر برجم نبي الله وكاهنه، وابن ذاك الذي له الفضل في اعتلائه كرسي الحكم!
يا للعجب! لقد ارتكب جريمة بشعة من جوانب كثيرة منها:
(1) تم رجمه وهو كاهن تقي مقدَّس في بيت الله المقدَّس نفسه...
(2) العجيب أن الملك أمر برجمه في دار بيت الله، مع أن والد زكريا لم يرد أن يقتل عثليا في بيت الرب، وهي ملكة شريرة مقاومة لله ومفسدة للهيكل ومتحدية لبيت داود، فطلب أن يخرجوها من بيت الرب لتُقتل هناك.
(3) نسى الملك أن والد هذا الكاهن يهوياداع هو الذي عرَّض حياته للموت لأجل حفظ العرش له! بذل كل الجهد ليحافظ على بقاء العرش لبيت داود.
(4) نسى الملك العهد الذي قطعه مع الله يوم تجليسه.
(5) تظهر بشاعة هذه الجريمة أنها ضد زكريا الذي أُستشهِد من أجل أمانته لله ووطنه، وأنه ابن يهوياداع الذي عمل الكثير من الإصلاحات في يهوذا، وأنه كان أشبه بوالد الملك.
(6) جاء في التقليد اليهودي أن حادثة رجم الكاهن زكريا تمَّت في يوم الكفارة، لذلك يرى بعض اليهود أن هذه الجريمة تُمثّل سبعة تعديات وهي، أنها جريمة قتل كاهن، نبي، قاضي، سفك دم بريء، ودنست دار بيت الرب، حدثت في يوم سبت، تمَّت في يوم الكفارة"(3).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 454.
(2) التفسير التطبيقي ص 957.
(3) تفسير أخبار الأيام الثاني ص 306، 307.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1344.html
تقصير الرابط:
tak.la/6t9xsh6