يقول " ليوتاكسل": "بالطبع لا أحد يعرف هؤلاء الأشخاص: إيثان، هيمان، ككلول، ودردع، الذين وضعتهم التوراة بكل ثقة للمقارنة مع سليمان، وكأنهم حكماء يعرفهم العالم كله، وهذه الطريقة في الإسناد إلى أعلام لا يعرفها أحد قط تتكرر في التوراة من وقت لآخر، وهي تشكل إحدى السمات الرئيسية لروح الغش والخداع القذر... أما فيما يخص الثلاثة آلاف مثل، والألف وخمسة الأناشيد، فلم يصلنا سوى بعضها الذي ينسب إلى سليمان. ويلاحظ فولتير أنه كان من الأفضل لو قضى هذا الملك حياته كلها يكتب القصائد اليهودية القديمة ولم يسفح دم أخيه"(1).
ويقول " الخوري بولس الفغالي": "ويُدخل الكاتب سليمان في عالم الأسطورة، فيصوّره لنا كأحكم الحكماء: حِكْمة، فهمْ، سعة الصدر، وكل هذه علامة الحاكم الناجح... يتحدث الكاتب لا عن الحكمة في القضاء والإدارة والسياسة بل عن الحكمة التي تدرس مناحي الحياة البشرية، والسُبل التي تجعلها سعيدة... ويعتبر الكاتب المُلهم أنه ألفَّ نشيد الأناشيد والجامعة والحكمة... أترى جُمعت مرة أولى في زمانه فنسبت إليه..؟ ستدخل حكمة سليمان عالم الأسطورة، وسيقول له يوسيفوس المؤرخ اليهودي: لم يجهل شيئًا من حيوان الأرض والماء والهواء، لم يترك شيئًا إلاَّ وبحث فيه، ومنحه الرب فنًا لمحاربة الشياطين، فترك عبارات تعويذ ليُقيد الشياطين ويطردها فلا تعود بعد"(2).
ويقول " دكتور سيد القمني": "وربما كان في الأصل العبراني للكتاب إصحاحات تحتوي على شيء يشبه كتاب (بيديا) " كليلة ودمنة " الذي يحوي أمثلة حكميّة وضعها مؤلفها على ألسنة الحيوان والطير والهوام. أما الملاحظة الثالثة، فهي حول الأصل العبراني للكتاب المقدَّس، والذي كُتب بلغة بدائية بحروف غير صائتة، وساكنة، قبل تصويتها وتحريكها قياسًا على اللغة الأرامية، وهو ما يمكن أن يحدث خلطًا في فهم النصوص، وخاصة في الحروف، مثل حديثه (عن) الأشجار والحيوان والنمل التي يمكن في الحال القديم فهمها أنها حديث (إلى) و(مع)"(3).
ج: 1- قال الكتاب عن سليمان: "وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنْ إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ وَهَيْمَانَ وَكَلْكُولَ وَدَرْدَعَ بَنِي مَاحُولَ" (1مل 4: 31) وهؤلاء كانوا حكماء عصرهم، فهم نجوم أفلت، وحكمتهم فُقدت عبر الزمن، باستثناء مزمورين 88 لهيمان، 89 لإيثان الإزراحي، أما حكمة سليمان فقد احتفظ لنا الكتاب المقدَّس بجانب كبير منها. وقد صوَّر لنا هيمان الإزراحي مدى بؤس الإنسان البعيد عن الله ومخالف الناموس، فلا يرى أمامه سوى المصائب والهاوية وجب القبر والهلاك والظلمة وغضب الله وسخطه وحجب وجهه عنه، والنفس تصرخ ولا مجيب. أما إيثان الإزراحي فقد تحدث عن نعمة الله ومواعيده الثابتة ومراحم داود الصادقة، فبدأ مزموره بالترنم: "بِمَرَاحِمِ الرَّبِّ أُغَنِّي إِلَى الدَّهْرِ" (مز 89: 1) وأوضح الفرق بين عمل الناموس وعمل النعمة، فالناموس يصل بالإنسان إلى الدينونة أما النعمة فأنها تصل به إلى المراحم الإلهيَّة التي تبني حياته: "الرَّحْمَةَ إِلَى الدَّهْرِ تُبْنَى. السَّمَاوَاتُ تُثْبِتُ فِيهَا حَقَّكَ" (مز 89: 2) ويقول " هنري ل. روسييه": "هذا المزمور الرائع هو ترنيمة النعمة وكل مجد الله حيث هذه النعمة تتثبَّت وتُستحضر إلى النور. أن البر والحكم والرحمة والحق والأمانة وقوة الله، هذه جميعها يُحتفل بها كمُستعلنة في شخص، هو نفسه مركز ومفتاح هذا المزمور... هو مسيح الرب"(4).
كما يُعلق " هنري ل. روسييه " على مزموري هيمان وإيثان قائلًا: "هذه هي تعاليم الحكمة بفم هذيه الرجلين من رجال الله، أحدهما يرينا نظام الناموس الذي ينتهي باللعنة وظلمة الموت، والآخر يرينا نظام النعمة المؤسَّس على شخص داود الحقيقي وينتهي بالمجد الأبدي. الأول يعلن نهاية الإنسان الأول والثاني يعلن الحكم الأبدي للإنسان الجديد"(5).
2- جاء في سفر الأيام الأول عن زارح توأم فارص، واللذان ولدتهما ثامار من حماها يهوذا بن يعقوب: "وَبَنُو زَارَحَ: زِمْرِي وَأَيْثَانُ وَهَيْمَانُ وَكَلْكُولُ وَدَارَعُ" (1أي 2: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إذًا إيثان وهيمان وكلكول ودارع (أو دردع) هم شخصيات تاريخية كشف سفر الأخبار عن أنهم من نسل يهوذا، وبالتالي فهم ليسوا شخصيات وهمية مبهمة كقول ليوتاكسل، وإيثان بن زارح (1أي 2: 6) هو " إِيثَانَ الأَزْرَاحِيِّ" (1مل 4: 31) ولكن كيف نقبل أن هؤلاء الأربعة الحكماء الذي ولدهم زارح بن يهوذا بن يعقوب ظلوا أحياء حتى عصر سليمان، والفارق الزمني بين عصر يهوذا وعصر سليمان ربما يصل إلى نحو سبعمائة عام..؟ والحقيقة أن كاتب سفر الأخبار عندما قال أن هؤلاء الحكماء الأربعة هم أبناء زارح، فهو يقصد أنهم من نسل زارح، وليسوا أبنائه مباشرة، وهو أمر قد اعتدنا عليه، فقد دعى الكثيرين من ملوك يهوذا بأنهم أبناء داود، وافتخر يهود القرن الأول الميلادي بأنهم أبناء إبراهيم الذي عاش ومات منذ نحو ثمانية عشر قرنًا.
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "ربما كان هؤلاء الأشخاص معاصرين للملك سليمان، وقد اشتهروا بالحكمة، ربما كان الأربعة موسيقيين وواضعي أناشيد، وقد فاقهم سليمان في هذا المجال.
إيثان الإزراحي: إيثان اسم عبري معناه " ثابت" (1أي 6: 44) يظهر من عنوان مزمور 89 أنه كاتب هذا المزمور.
هيمان: اسم عبري معناه " أمين" (1أي 15: 17 - 19) وهو ناظم المزمور 88.
كلكول: اسم عبري معناه " قصير وسريع".
دردع أو دارع: اسم عبري ربما كان معناه " شوك".
ماحول: اسم عبري معناه " رقص"، وهو والد هؤلاء الثلاثة حكماء، من عشيرة زارح من سبط يهوذا"(6).
3- قال الكتاب عن سليمان " وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَل، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا. وَتَكَلَّمَ عَنِ الأَشْجَارِ، مِنَ الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ إِلَى الزُّوفَا النَّابِتِ فِي الْحَائِطِ. وَتَكَلَّمَ عَنِ الْبَهَائِمِ وَعَنِ الطَّيْرِ وَعَنِ الدَّبِيبِ وَعَنِ السَّمكِ" (1مل 4: 32، 33) وقول الكتاب " تَكَلَّمَ "لا تعني بالضرورة أنها دُوّنت في سفر، إنما نطق بها سليمان وردَّدها الشعب وحفظها، ثم ذهبت مع الزمن، لأنها لا تمثل وحيًّا إلهيًّا، فما رأى الوحي تسجيله تم تسجيله بالفعل، وهو ما ضمه سفر الأمثال " أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ" (أم 1: 1) وإن كان سفر الأمثال ليس كله يُنسب لسليمان، فإن ما جاء في السفر على لسان سليمان ليس هو كل ما نطق به، كما ضم سفر الجامعة كلمات حكمة سليمان " كَلاَمُ الْجَامِعَةِ ابْنِ دَاوُدَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ" (جا 1: 1). كما كتب سليمان سفر النشيد، ودُعي بنشيد الإنشاد لأنه يمثل قمة ما كتبه سليمان من الألف والخمسة نشيد، كما كتب لنا سليمان مزمورين هما 72، 127، وقد اهتم الوحي بتسجيل ما يخص علاقة النفس البشرية بالله، ولم يهتم بتسجيل الأمور الأخرى مثل أحاديثه عن الأشجار والبهائم والطيور والدبيب والأسماك إلاَّ فيما يرتبط بالإنسان، فطلب سليمان من الإنسان الكسلان أن يتعظ من النملة النشيطة (أم 6: 6 - 8) وكذلك أحاديثه في مواضع أخرى (أم 26: 2، 3، 11، 27: 8، 28: 1، 15) هي عظات للإنسان يذكر فيها سليمان أسماء بعض الطيور وبعض الحيوانات. لقد أعطى الله بني البشر أن " يَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ" (تك 1: 26).. فهم سليمان طبيعة حياة هذه الكائنات الحية وعلاقاتها بعضها ببعض وتداخلاتها مع كل الخليقة، ووضع أمثلة من واقع حياة هذه الكائنات تحمل معاني أدبية سامية القصد منها رقي حياة الإنسان، ويقول " هـ. ل. اليسون": "فلقد آرتنا الحفريات مخطوطات أدبية كثيرة جدًا مشابهة لأدب سفر الأمثال في مصر وأرض ما بين النهرين. أن " أدب الحكمة " كان يعتمد على اتخاذ مبادئ عامة من ملاحظات الإنسان الدقيقة للحياة والأمثال دائمًا تُوضع لأغراض أخلاقية"(7).
4- لم يقصد سليمان أن يسفك دم أخيه أدونيا، لأنه لو كان هذا قصده لحكم بقتله بمجرد أن تمكن من العرش، وكان له التبرير الكافي لهذا التصرف، لأن أدونيا نَصَّبَ نفسه ملكًا في حياة أبيه وبدون علمه ولا رضاه، وكان أدونيا يتوقع هذا الانتقام فالتجأ إلى خيمة الاجتماع وتمسك بقرون المذبح، وعندما أعلموا سليمان " فَقَالَ سُلَيْمَانُ: إِنْ كَانَ ذَا فَضِيلَةٍ لاَ يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ إِلَى الأَرْضِ" (1مل 1: 52) ولكن عندما تجرأ أدونيا وطلب أبيشج الشونمية وأدرك سليمان أن شهوة المُلك مازالت تعيش في قلب أدونيا، لذلك أمر بقتله.
5- يقول " الخوري بولس الفغالي": "يُدخِل الكاتب سليمان في عالم الأسطورة، فيصوّره لنا كأحكم الحكماء: حكمة، فهم، سعة الصدر، وكل هذه علامة الحاكم الناجح".. وما الأسطورة في هذا..؟! إنسان طلب من الله أن يهبه الحكمة من لدنه واستجاب له الوهاب، فمنحه الحكمة والفهم وسعة الصدر، فقال الله لسليمان: "هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْبًا حَكِيمًا وَمُمَيِّزًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَلاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ" (1مل 3: 12).. فهل الله لم يقل هذا؟ وإن كان الله قد قال ذلك فلماذا لا نصدقه؟! ولماذا نُشكك في أقوال الكتاب..؟! بعد أن قال الكتاب " وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ" (1مل 4: 29).. من يجرؤ أن يُكذب هذا؟!
كما قال " الخوري بولس الفغالي": "ستدخل حكمة سليمان عالم الأسطورة، وسيقول له يوسيفوس... منحه الرب فنًا لمحاربة الشياطين، فترك عبارات تعويز ليقيد الشياطين ويطردها فلا تعود بعد".. نقول أن كلام يوسيفوس ليس وحيًّا، فهذا اعتقاده وهو اعتقاد خاطئ، وانتشار مثل هذه الأساطير حول سليمان لا يحملنا على القول بأن ما جاء في الكتاب المقدَّس عن سليمان نوع من الأساطير، والأسطورة دائمًا تنسب كل الكمالات للبطل وتنزع عنه كل النقائص، بينما ذكر الكتاب فضائل سليمان كما ذكر خطاياه وسقطاته حتى سجوده للأوثان.
6- قال " دكتور سيد القمني": "ربما كان في الأصل العبراني للكتاب إصحاحات تحتوي على شيء يشبه كتاب (بيديا) " كليلة ودمنة " الذي يحوي أمثلة حكيمة وضعها مؤلفها على ألسنة الحيوان والطير والهوام".
نقول دعنا نلفت الأنظار إلى قول الناقد " ربما " فغالبًا ما يعتمد النُقَّاد على أسلوب الظن والتخمين، والحقيقة أن الكتاب المقدَّس الذي بين أيدينا هو مطابق تمامًا للأصل العبراني بدون زيادة ولا نقصان، ولم يحتوي الكتاب في أصله العبري أمورًا تشبه كتاب كليلة ودمنة عن الحيوانات، ثم تم حذفها، وكل ما ذكره الكتاب هو حقائق وليست أساطير، فدعى سليمان الإنسان الكسلان ليتعلم النشاط من النمل (أم 6: 6 - 8) وشبه الإنسان المتسلط الشرير بأسد زائر ودب ثائر (أم 28: 15).. ولماذا يستكثر الدكتور القمني هذه الأمور على سليمان الحكيم مع أن القرآن ذكر عنه الكثير، فمثلًا قال: "ولقد آتينا داود وسليمان علمًا... وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير وأُوتينا من كل شيء... وحُشِر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير... حتى إذا آتوا إلى وادٍ النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مسكنكم لئلا يحطمنكم وجنوده... فتبسَّم ضاحكًا من قولها... وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد.." (سورة النمل 27: 15 - 20) واستمر تبادل الحديث بين سليمان والهدهد، ثم أرسله في مهمة خاصة... إلخ وأن الله أعطى لسليمان سلطانًا على الرياح " ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض" (الأنبياء 21: 81) وسلطانًا على الجن " ولسليمان الريح عدوَّها شهر ورواحتها شهر... وعن الجن من يعمل بين يديه بأذن ربه" (سبأ 34: 12).. إلخ أما التراث الإسلامي فقد نسب الكثير والكثير لسليمان، ومنه ما يفوق الخيال.
7- يقول " الدكتور سيد القمني": "الأصل العبراني للكتاب المقدَّس، والذي كُتب بلغة بدائية بحروف عير صائتة، وساكنة، قبل تصويتها وتحريكها قياسًا على اللغة الآرامية " ونحن نقول حتى وإن كانت اللغة العبرية التي كُتب بها كثير من الأسفار قد خلت من الحروف الصائتة، والساكنة، ولكن أصحاب هذه اللغة كانوا يجيدون قراءتها وكتابتها، وكانوا علماء بلغتهم، بالإضافة إلى توافر ترجمات مبكرة لهذه الأسفار مثل الترجمة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد، والترجمة البسيطة للسريانية وغيرها... كل هذا أكد على ضبط النص وعدم تغيير المعنى.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 378.
(2) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 411 - 413.
(3) الأسطورة والتراث ص 258، 259.
(4) تأملات في سفر الملوك الأول ص 49.
(5) المرجع السابق ص 50.
(6) تفسير ملوك الأول ص 125، 126.
(7) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 182.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1248.html
تقصير الرابط:
tak.la/y743tjz