ويقول " عاطف عبد الغني": "ولا يستطيع أحد أن يُفسر هذه المُبالغة بإرجاعها لخطأ في الترجمة عن النص العبري، فاليهود كانوا لا يعرفون الصفر في أعدادهم في ذلك الوقت، ولذلك كانوا يكتبون الأعداد بالكلمات"(1).
ويُعلق " علاء أبو بكر " على رد الدكتور القس منيس عبد النور، فيقول: "لقد رجَّح الدكتور القس أن عدد إسطبلات خيول سليمان كانت أربعين ألف، وافترض بناء على ذلك أنها ربما كانت في بداية حكمه أربعة آلاف، ثم زادت بعد ذلك. وربما كان المذود كبيرًا بحيث ليسع عشرة خيول، فيصل العدد في النهاية إلى الرقم المذكور في ملوك الأول، وهو أربعين ألف.
ولا أعلم على أي أساس أفترض ذلك، ولما لا يكون العكس؟ لما لا تكون 40000 في بداية حياته ومُنى بهزائم أو حرائق لم يذكرها الكتاب المقدَّس، وتناقصت إلى 4000... ونفترض نحن أيضًا، ربما كان عند سليمان 40000 مذودًا كبيرًا للخيل، بحيث يسع كل مذود عشرة خيول فيكون الناتج 400000، وبذلك لا يُصدَق أي منها... ويقول دكتور فيليب(4) إن إسطبلات سليمان قد اكتشفت حديثًا حيث كان يضع مركباته مرابط بصفوف مزدوجة يمكن أن تتسع لأربعمائة وخمسين حصانًا، أي أن الحفريات أثبتت كذب الكتابيين...
وقد ألتزمت طبعة كتاب الحياة بذكر الأرقام بدون تغيير، إلاَّ أن طبعة الترجمة العربية المشتركة قد حذفت في ملوك الأول الفقرات من الفقرة رقم 21 إلى الفقرة رقم 34 من الإصحاح الرابع وأدخلتهم في الإصحاح الخامس"(2).
ج: 1- كانت مذاود الخيل التي تخص الدولة كبيرة، فكل مذود به عشرة عيون تُوضع فيها الغلال فتأكل منها عشرة جياد في وقت واحد، فكان يُطلق على العين الواحدة مذود، وعلى العشرة عيون أيضًا كان يُطلق عليها مذود، وبحسب قاموس آرم استرونج فأنه يُطلق على أسطبل الخيل " مذود"، وهذا المذود يكون مفتوحًا من المقدمة لأن الحصان لا يتحمل التواجد في مكان ضيق مُغلق من الأربعة أضلاع، وقد وُجد في الآثار مذاود بهذه الطريقة، وكل منها يسع عدد من الخيول، وقد كشف المعهد الشرقي التابع لجامعة شيكاغو عن آثار هذه المذاود في مدينة مجدو.
ولأن كاتب سفر الملوك يصف عظمة مُلك سليمان ومجده فوصف طعام القصر الملكي والكميات المستخدمة في اليوم الواحد (1مل 4: 22، 23) وتحدث عن السلام الذي يعم ربوع البلاد (1مل 4: 24، 25) فأراد أن يُظهر كثرة عدد الخيول لذلك حسب المذاود بحسب العيون فقال: "وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِذْوَدٍ لِخَيْلِ مَرْكَبَاتِهِ" (1مل 4: 26) أما كاتب سفر الأخبار فقد ركز على غنى سليمان من جهة كميات الذهب التي حصل عليها، حتى أنه صنع 200 ترس، و300 مجن من الذهب الخالص (2أي 9: 13 - 16) ووصف عظمة عرش سليمان (2أي 9: 17 - 19) والآنية الذهبية (2أي 9: 20) حتى قال " لَمْ تُحْسَبِ الْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ" (2أي 9: 20) ولذلك لم يشغله عدد الخيل فقال " وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْل" (2أي 9: 25).
2- قال الكتاب " وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرَاكِبَ وَفُرْسَانًا، فَكَانَ لَهُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ" (1مل 10: 26) فالمركبات تحتاج إلى 2800 جواد، لأن كل مركبة يجرها في العادة حصانين، والفرسان يحتاجون إلى 12000 جواد، فإجمالي ما تحتاجه المركبات والفرسان 14800 أي نحو خمسة عشر ألف جوادًا، بالإضافة للأعداد الاحتياطية، وأيضًا الأعداد التي يتم الاتجار فيها. إذًا لو أخذنا قول كاتب الأخبار فإن كل ما يملكه سليمان 4000 مذود أي 4000 جواد، فإن هذا العدد لا يكفي للمركبات والفرسان. بل أن كاتب سفر أخبار الأيام الثاني قال " وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْل وَمَرْكَبَاتٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ" (2أي 9: 25)، والكاتب إنسان عاقل في كمال وعيه ويقظته، فكيف يقول أن المتوفر 4000 من الخيل، وفي نفس الآية يقول أن سليمان كان له مركبات -وهي بلا شك تحتاج لخيل لجرها- وأيضًا كان لديه 12 ألف فارس كل منهم يحتاج إلى فرس..؟! كيف يقول أن المتوفر 4000 مذود والاحتياج أكثر من هذا كثيرًا، إن لم يكن يقصد أن هذه المذاود مذاود كبيرة، كل منها يسع عشرة خيول؟!
3- وضع الدكتور القس منيس عبد النور احتمالًا وهو أنه في بداية حكم سليمان كان لديه أربعة آلاف من الخيول، ومع نهاية مُلكه زاد العدد كثيرًا إلى أربعين ألفًا من الخيل، واحتج علاء أبو بكر قائلًا: "لما لا تكون 40000 في بداية حياته ومُنى بهزائم أو حرائق لم يذكرها الكتاب المقدَّس وتناقصت إلى 4000 " واحتجاجه هذا غير منطقي... لماذا؟
أ - لو مُنى سليمان بهزائم، فمعنى هذا أن هناك حروب عديدة قد نشبت، وهذا لا يتفق مع وصف الكتاب المقدَّس بأن عصر سليمان كان عصر سلام " وَكَانَ لَهُ صُلْحٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَوَالَيْهِ" (1مل 4: 24).
ب - لو كان هناك حرائق ضخمة قد نشبت فالتهمت تسعة أعشار الخيول، وهكذا حدث مع بقية الحيوانات والطيور، ما كان الكتاب المقدَّس يصف هذا العصر بعصر سلام وأمان بقوله: "وَسَكَنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ آمِنِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ" (1مل 4: 25).
جـ- كانت هناك هدايا من الخيول تأتي لسليمان من سنة إلى أخرى مما يرجح زيادة أعدادها وليس نقصها: "وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً" (1مل 10: 25).
د - كان سليمان الملك يهوى الخيل ويتاجر فيها، مما يرجح زيادة أعدادها " وَكَانَ مَخْرَجُ الْخَيْلِ الَّتِي لِسُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ... وَكَانَتِ الْمَرْكَبَةُ تَصْعَدُ وَتَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ بِسِتِّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الْفِضَّةِ، وَالْفَرَسُ بِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ. وَهكَذَا لِجَمِيعِ مُلُوكِ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكِ أَرَامَ" (1مل 10: 28، 29).
ويقول " جيمس هنري برستيد" James Henry Breasted: "ظهر ميل القوم (العبرانيون) للثراء والحياة التجارية حتى عند ملوك العبرانيين الجدد، وذلك أن ملوك فينيقيا قد أثروا بطبيعة الحال من مطامع الحكام الإسرائيليين، فاشترك سليمان (عليه السلام) في تجارة مع " هيرام " ملك " صور " وكان هو نفسه يتجر في الخيول فيجلب نسل الخيول الجياد المنسَّبة من مصر، حيث كان يتمتع هنالك بامتياز خاص عن طريق الفرعون حميه، ومن ثمَّ كان يُصدّر هذه الخيول شمالًا ويبيعها في أسواق الخيل الحيثية. وقد كانت له حظائر للخيل في جهات متعددة في طول البلاد وعرضها. ويتضح لنا ذلك الأمر جليًّا ملموسًا حينما نقف بين دمن حظائر خيول سليمان الأصلية التي كُشِف عنها بين أطلال قلعته الإقليمية القوية بمدينة "مجدو" الواقعة فوق هضبة الكرمل"(3).
_____
(1) أساطير التوراة ص 59.
(2) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س 94 ص 76 - 78.
(3) فجر الضمير ص 381.
(4) حتى في كتابه " تاريخ سوريا " ص 206.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1247.html
تقصير الرابط:
tak.la/8ryx4db