س51: هل يمكن أن تتطوَّر المادة إلى كائنات حيَّة؟
إن الهوة سحيقة بين المادة والكائنات الحيَّة، لا يمكن عبورها على الإطلاق، فالمادة يستحيل أن تصير يومًا ما كائنًا حيًّا، حتى لو خلية بسيطة كقول المُلحدين، وأن هذه الخلية أخذت في النمو والتطوُّر والتنوع، فصارت نباتات وأسماك وكائنات برمائية وزواحف وطيور وحيوانات وبشر، وهذا ضرب من المستحيل، إذ كيف تهب المادة الصلدة الحياة والعقل والغرائز الطبيعية والضمير للكائنات الحيَّة؟!
1- كيف تهب المادة الصلدة الحياة: من أين أتت الحياة للمادة؟ وهنا نلتقي برأيين، الأول أن الحياة تولَّدت من تلقاء ذاتها نتيجة التوالد الذاتي، والثاني أن الصدفة كوَّنت الخلية الأولى التي تطوَّرت خلال ملايين السنين.
أولًا: هل يمكن أن تكون الحياة تولَّدت من تلقاء ذاتها؟ والذين قالوا بنظرية التوالد الذاتي اعتمدوا على خروج الكتكوت من البيضة، والديدان من الجبن ومن اللحوم التي تترك في الهواء، وأيضًا خروج الديدان من الأرض الرطبة، ومع تقدم العلم جاء "باستير" وأوضح الحقيقة، عندما استخدم أسلوب التعقيم، فقضى على ظهور حياة من التوالد الذاتي، فالجبن واللحم اللذان يعقمان لا يظهر فيهما ديدان.
ويقول "الدكتور حليم سوريال": "ولكن تجارب العلامة "باستير" صدمت نظرية التوالد الذاتي صدمة قاتلة، فإن ذلك الباحث العبقري (باستير) أكتشف أعظم ناموس حيوي وهو أن الكائنات الحيَّة لا يمكن أن تأتي إلاَّ من كائنات حيَّة مثلها، وهذا الناموس يسري على أصغر الميكروبات كما يسري على الحيوانات الكبيرة... وعلى ذلك نرى أنه كان يجب أن لا يكون مجال للتكلم عن التوالد الذاتي بعد باستير، ولكن عقلية الماديين غريبة ومدهشة لا تقبل التسليم بالواقع... يناقضون أنفسهم تناقضًا بينًا ويخلقون لأنفسهم مشاكل لا يمكنهم حلها...
(أولًا) أنهم يعترفون أن التوالد الذاتي لا يحدث الآن... ألاَّ يحق لنا أن نسأل: ما الذي جعل قوة الطبيعة والمادة تشيخ وتهدم، مالها عقمت وعجزت عن خلق كائنات حيَّة من الجمادات كما فعلت سابقًا؟ إذًا نواميس الطبيعة مُتغيرة مُتقلبة لا تثبت على حال، فإذا قالوا بذلك يُواجِهون مشكلة أخرى، لأن القول بعدم ثبات نواميس الطبيعة يترتب عليه انهيار العلم كله.
(ثانيا) أنهم يقولون أن أول الكائنات الحيَّة أعني التي نشأت بالتوالد الذاتي كانت صغيرة جدًا وعلى غاية البساطة... هذا القول لا يتفق مع الحقائق العلمية لأن المخلوقات الحيَّة مهما كانت صغيرة الحجم لا يعتبرها العلم بسيطة، لأن البساطة لا تتفق مع مميزات الحياة، لأنه بين أصغر خلية حيوانية أو نباتية وبين المواد الغير عضوية الجمادية هوة عميقة لا يمكننا أن نتصوَّر عبورها... إن الخلايا الحيَّة مهما صغر حجمها فهي عالم في ذاتها... تأخذ المواد الغذائية التي تصلح لها من الوسط الذي تعيش فيه وتهضمها... وبعد هضمها تنبذ فضلات الطعام بطرق غاية في الدقة، وبعد ذلك تستخدم الطعام المهضوم... تخلق منه مادة برتوبلازمية تشبه المادة المكوَّن منها جسمها وتعوض بذلك المواد التي استهلكت في العمليات الحيوية... على أن أروع وأبدع ما تشاهده في تلك المخلوقات الصغيرة هو عملية التوالد والانقسام... لأنها تنقسم بعملية غاية في الدقة إلى نصفين متساويين تمام المساواة يصير كل منهما فردًا مشابهًا تمام التشابه لوالده" (60). وللمزيد عن نظرية التوالد الذاتي يُرجى الرجوع إلى كتابنا: مدارس النقد والتشكيك ج 3 ص 226 - 237.
ثانيًا : هل يمكن أن تكوّن الصدفة الخلية الأولى؟ هذا ما نادت به نظرية التطوُّر، فقال " تشارلز روبرت داروين" (1809-1882م) أن أصل جميع الكائنات الحيَّة هو جرثومة واحدة تطوَّرت من حال إلى حال، ومع مرور الأزمان الطويلة تنوَّعت حتى خرج منها جميع الكائنات الحيَّة على الأرض من نباتات وأسماك وزواحف وطيور وحيوانات وبشر، ويقولون أن هذه الخلية الحيَّة (الجرثومة) وجدت منذ ملايين السنين، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. متغافلين أن الأرض منذ ملايين السنين كانت كتلة غازية ملتهبة تتراوح حرارتها بين 1500 - 3000 درجة مئوية، وهذا يعني استحالة الحياة حينذاك، ومن يستطيع أن يتصوَّر مهما طالت الأزمان أن الخلية الحيَّة الواحدة تظل تتطوَّر نحو هدف معين فتكون أنسجة وأعضاء وأجهزة كلٍ في مكانه وكلٍ يؤدي وظيفته، ومُخ يدير كل الأمور يتكون من 10 بليون خلية، بينما يتكون الإنسان من 80 ترتليون خلية، منها الخلايا التي تكون الجلد غير الخلايا التي تكون اللحم غير الخلايا التي تكون العظم... إلخ. هل الصدفة العمياء تصنع كل هذا الإعجاز؟!!
ويشرح " هنري م. موريس " فكرة نظرية التطوُّر ثم يعلق عليها قائلًا " تفرض هذه النظرية وجود شكل ابتدائي مكوَّن من خلية حيَّة واحدة من المرجح أن تكون قد نشأت بالصدفة نتيجة إتحاد بين مواد غير حيَّة ظهرت مصادفة، ومن هذه الخلية نشأت بالتدريج النباتات واللافقاريات عديدة الخلية، ثم الأسماك، والحشرات، والحيوانات البرمائية، ثم الزواحف، ثم الطيور، والثدييات، وأخيرًا الإنسان... والآن فلنتأمل بصدق هذا الرأي:
هل يمكن أن تحدث حياة من إتحاد مواد غير حيَّة تم مصادفة؟ واضح أن هناك خللًا خطيرًا في هذا الفرض... ولكي يتغلب داروين على هذا الخلل، أفترض بكل بساطة أن الحياة ظهرت في وقت ما في الماضي عندما تهيأت " الظروف " الملائمة، وهو فرض غير أمين، لأنه ما هو المقصود بالظروف؟ وإن كانت قد حدثت في الماضي، فما الذي يمنع حدوثها الآن؟! وكمحاولة لخلق مادة حيَّة من مواد غير حيَّة، تم إجراء آلاف التجارب بواسطة علماء من شتى أنحاء العالم ومن جميع التخصصات، ولكن دون جدوى أو نجاح... لقد عجزت (نظرية التطوُّر) عن إيجاد الدليل الكافي على كيفية حدوث التطوُّر، وقد افترضت تفسيرات عديدة عن طريق عدد كبير من الباحثين والدارسين، ورغم ذلك فإن ميكانيكية عملية التطوُّر لازالت غامضة كما كانت منذ مئات السنين" (61).
وكيف يمكن للفكر أن يبرز من المادة؟! وكيف يمكن للمادة أن تتحوَّل إلى تفكير ووجدان؟! وكيف تمنح المادة الأمل والرجاء للإنسان؟! وكيف يمكن للمادة أن تصل للتنسيق العجيب في الكون..؟! إلخ.
_____
(60) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق ص 71 - 73
(61) ترجمة نظير عريان ميلاد - الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث ص 60 - 63
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/living.html
تقصير الرابط:
tak.la/87avjab