س50: هل يمكن أن تكون المادة أزلية؟
ج: في سنة 400 ق.م. إقترح " ديموكريتوس " أن المادة تتكون من جزيئات، ولأن العين البشرية لا تقوى على رؤية تلك الجزئيات لذلك تعطلت نظريته أكثر من عشرة قرون، وفي منتصف القرن السابع عشر تبنى " روبرت بويل " فكرة " ديموكريتوس " وقال أن المادة تتكوَّن من عناصر غير العناصر الأربعة التي أقترحها أرسطو قديمًا وهي التراب والنار والهواء والماء. وفي سنة 1774م أكتشف " القس جون بريستلي " الأكسجين، وفي سنة 1776م أكتشف " اللورد هنري كافندش " غاز الأيدروجين، ثم أكتشف بعد ذلك بقليل " لافوازيه " أن الهواء يتكون من الأكسجين والأيدروجين. وفي سنة 1808م قال " جون دالتون " أن المادة تتكون من ذرات، وأن الذرات في العنصر الواحد متشابهة، وذرات عنصر تختلف عن ذرات عنصر آخر، وأن هذه الذرات تعتبر أصغر وحدة بنائية فهي لا تنقسم، وأن الخواص الطبيعية والكيماوية تختلف من عنصر إلى آخر تبعًا لاختلاف الذرات المكوّنة لهذا العنصر... ثم أكتشف " جيسلر" و"كروكسي" و"تومسون " الإلكترونات، واكتشفت " مدام كوري " ما يشعه الراديوم.
وتوصل العلم إلى أن الذرة ليست وحدة جامدة، بل هي أشبه بالمجموعة الشمسية ففي وسطها النواة، وتدور حولها الإلكترونات سالبة الشحنة، والبروتونات موجبة الشحنة، وأن الإلكترونات لها مدارات معينة، وأعداد معينة، وبناء على هذه الإلكترونات يتحدَّد نوع العنصر، وأوضح " أينشتين " أن المادة يمكن أن تتحوَّل إلى طاقة، ووضع معادلته الشهيرة:
الطاقة الناتجة = كتلة المادة المتحولة إلى طاقة × مربع سرعة الضوء (360000 كم/ثانية)2
والمادة ذاتها تحدثنا عن وجود الخالق، ومن أبلغ الأمثلة على هذا جدول مندليف، وخصائص المياه. فبالنسبة لجدول مندليف الذي وضعه " مندليف " العالِم الروسي، وفيه رتب العناصر بناء على الوزن الذري، ولاحظ أن كل مجموعة متقاربة من العناصر لها خواص مشتركة، فرتب حدود لها، ولاحظ غياب بعض العناصر، فترك لها خانات شاغرة، وحدد مواصفات هذه العناصر، وبعد موته صدقت نبؤاته وتم اكتشاف هذه العناصر بتلك المواصفات... فهل يمكن أن يكون هذا النظام الرائع وليد الصدفة؟!
فالذرة تحتوي على ثلاثة أنواع من الأجسام الكهربية:
1- بروتونات وشحنتها موجبة.
2- إلكترونات وشحنتها سالبة.
3- نيوترونات متعادلة الشحنة.
وتتجمع البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة، بينما تدور الإلكترونات حول النواة في مدارات مختلفة بسرعة كبيرة جدًا، ففي خلال جزء من مائة ألف من الثانية تدور ملايين المرات، وهذا ما يوحي بأن الذرات صامدة، بينما معظمها في الحقيقة فراغ، وكل عنصر يختلف عن الآخر باختلاف عدد البروتونات والنيوترونات داخل النواة، وكيفية انتظام الإلكترونات وعددها حول النواة، فجميع ذرات العناصر يسودها النظام المُحكم الدقيق، وتتكوَّن العناصر من عائلات، وكل عائلة متشابهة في الخواص الكيميائية مثل الليثيوم والصوديوم والبوتاسيوم، فلا يوجد أي مجال لأي صدفة عمياء أو عبث أهوج.
أما " الماء " فهو المادة الوحيدة في العالم كله التي إذا تجمدت تقل كثافتها، فكثافة الماء السائل في درجة الحرارة العادية تبلغ 1 جم، ولكن كثافة الماء المجمَّد (الثلج) فتصل إلى نصف جرام، وبالتالي فإن المسطحات المائية التي تتعرض للتجمُّد تطفو فوقها الثلوج فتصنع عازلًا بينها وبين الطبقة الأسفل، مما يتيح الحياة للكائنات البحرية، وأيضًا البلانكتون الذي ينتج لنا 70% من الأكسجين الجوي... فهل يمكن أن يكون هذا وليد الصدفة..؟!
ولا يمكن أن تكون المادة أزلية، ولا يمكن أن يكون الكون أزليًا، وقد سبق وأوردنا الأسباب التي تدعو للجزم بأن الكون لا يمكن أن يكون أزليًا، وهي ظاهرة تراجع المجرات، وتحول كتلة الشمس إلى طاقة وضمور الأجرام السمائية، وقانون اضمحلال الطاقة، ووجود المواد المشعة للآن والكون مركّب متغيّر، فيُرجى الرجوع إلى إجابة السؤال رقم 43.
ولو كانت المادة أزلية، فمن ذا الذين وضع لها القوانين الطبيعية التي تحكم الكون كله لكيما يكون في انسجام يفوق الإدراك..؟! وكيف تلاحمت العناصر المختلفة لتكوّن جميع المواد التي توجد على سطح الأرض..؟! ومن الذي يضبط الكون بهذه الدقة المتناهية؟! (راجع س 44، 45، 46).
وتعبير أن " المادة أزلية " هو تعبير غير منطقي لأن المادة قابلة للتغيير، وليس من المعقول أن المتغير يكون أزليًا، والمادة تحمل في طياتها عنصر الضعف، وليس من المعقول أن يكون الضعيف أزليًا، وقال أحد علماء اللاهوت " هذا العالم إما أن يكون أزليًا أو محدثًا، ولا يمكن أن يكون أزليًا لأنه متغيّر... والتغيُّر صورة من صور الاضمحلال، والاضمحلال يدل على الحدوث، وحيث أن هذا العالم مُحدَث، فلابد أن يكون له مُحدِث أحدَثه" (55).
ويقول "إدوارد لوثر كيل " أستاذ علم الأحياء " إننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًا، وإلاَّ لاستهلكت طاقته منذ زمن وتوقف كل نشاط في الوجود، وهكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية، وهي بذلك تثبت وجود الله لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه، ولابد من مبتدئ أو من مُحرك أول أو من خالق وهو الله" (56).
كما أن تعبير " المادة أوجدت نفسها " تعبير غير منطقي، إذ كيف تُوجد المادة نفسها، وهي أصلًا غير موجودة؟! وعندما قال " كارل ماركس " أن المادة ديالكتيكية لها قوة قادرة على الفعل، رد عليه " بردياييف " المُلحد بعد عودته للإيمان وقال أن عبارة ماركس بها تناقض لفظي، لأنه كيف يمكن للمادة الصلدة الجامدة أن يكون لها قوة قادرة على الفعل؟ وقال " جورج أيريل دافيز " عالِم الطبيعة " أنه ليس هناك شيء مادي يستطيع أن يخلق نفسه، وإذا سلَّمنا بقدرة الكون على خلق نفسه فإننا بذلك نصف الكون بالألوهية، ومعنى ذلك إننا نعترف بوجود إله" (57).
وردًا على القائلين بأن الصدفة أوجدت الحياة التي تطوَّرت وصارت كما نراها الآن في شكل نباتات وأسماك وزواحف وطيور وحيوانات وإنسان، نقول له هب أن الصدفة والارتقاء نجحا في إيجاد الرجل بكل أعضاءه وأجهزته التي تفوق الخيال، فهل يمكن للصدفة والارتقاء أن ينجحا في إيجاد كائن مماثل للرجل تمامًا ومخالف له في الجهاز التناسلي وهو المرأة، بهدف التناسل واستمرار الحياة على الأرض؟!! وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ويقول "دكتور توماس دافبر باركس " أستاذ الكيمياء " لا أستطيع أن أُسلّم بأن يكون كل ذلك قد تم بمحض الصدفة العمياء التي جعلت ذرات هذا الكون تتآلف بهذه الصورة العجيبة. إن هذا التصميم يحتاج إلى مُبدع، ونحن نطلق على هذا المُبدع الله" (58).
وإن قال " هولباخ " أن المادة ليست ساكنة لكنها في حركة دائبة مستمرة، فنحن نوافقه على هذا، ولكن ليس معنى هذا أن المادة حيَّة، وأن الحركة في المادة مثل الحركة في الكائنات الحيَّة، فحركة الذرات في الجماد لا يمكن إيقافها، بينما يمكن للإنسان التحكم في حركات الكائنات الحيَّة، وإن الكائنات الحيَّة متى ماتت فأنها تكف عن الحركة، بينما المادة الصلدة لا تموت وذراتها لا تكف عن الحركة، ومن الأمور الطريفة أن أحد المُلحدين وهو يحاضر أخذ يدلل على أن الإنسان ما هو إلاَّ مادة، فاستأذنه أحد العمال الحاضرين، وما أن سُمح له حتى رفع كرسي وألقى به على الأرض وسط تعجب الحاضرين، ثم تقدم وصفع المُحاضر على وجهه، فهاج المُحاضر وماج، وطالب رفقائه أن يعتقلونه وهو يصيح في وجهه: لماذا تصفعني على وجهي؟ فأجابه العامل بهدوء " لقد أثبت لنا على أنك كاذب يا أستاذ. فقد قلت أن كل شيء في الوجود هو مادة لا أكثر ولا أقل، فقد رفعت الكرسي ورميت به أرضًا، لكنه لم يغضب حيث أنه مادة بالفعل. ولكنني لما صفعتك على وجهك لم تفعل أنت ما فعله الكرسي، فقد اختلف رد فعلك عنه، فالمادة لا تغضب ولم تحنق كما فعلت أنت. لذلك أيها الأستاذ الرفيق، أنك على خطأ جسيم، فالإنسان هو أكثر من مادة، نحن شخصيات روحية" (59).
_____
(55) القمص بولس عطية بسليوس - دراسات في علم اللاهوت ص 11
(56) الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي - الإلحاد وكيف نجابهه ص 67
(57) الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي - الإلحاد وكيف نجابهه ص 64
(58) الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي - الإلحاد وكيف نجابهه ص 66
(59) العذاب الأحمر ص 133، 134
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/cant.html
تقصير الرابط:
tak.la/29xsqyd