إن الله تعالي وعدنا بالحياة الأبدية في ملكوت السموات. قال الرسول يوحنا: "وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (1يو2: 25) "وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ" (1يو5: 11، 12) وقال بطرس الرسول: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ" (1بط1: 3، 4) "وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ" (2بط3: 13) وقال بولس الرسول "مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ" (أف1: 18).
"لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!.... لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو5: 10، 17). وهوذا وعد الرب لنا: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (يو6: 47). «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ" (يو11: 25، 26). وقال في صلاته "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يو17: 24). فما أثمن هذه المواعيد، وما أسعد الحياة الأبدية، وما أشهي انتظارها... الحياة السعيدة الأبدية التي يضئ فيها الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم ويضيئون فيها كالكواكب إلي الأبد. الحياة التي فيها يتخلصون من كل كرب وتعب ويسكنون مع الله. "وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. ، وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤ3:21، 5) وهناك "الْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا" (رؤ21:23) "وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤ22:5). من يستطيع أن يصف تلك الحياة وسعادة ذلك الملكوت الذي أعده الله لمختاريه؟ إذا كان بولس الرسول المطلع علي أسرار الله اختطف إلي السماء لم يقدر أن يعبر إلا بقوله "أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" (2كو12: 4). وقال "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (1كو2: 9). فمن يتجاسر إذا ويتصور أنه يستطيع أن يصف مجد ذلك الملكوت؟ هل يصف مالًا يوصف؟ لا يمكن للغة البشر العاجزة، لغة المائتين، أن تعبر عن أفراح وأمجاد سامية لم ترد قط علي ذهن ولم تخطر علي بال إنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يكفي أن نعرف أن ذلك المكان هو المكان المحبوب والأمجد والأبهى والأشهى، وأنه غاية آمالنا ومحط رجائنا، ومهما وصفت واستظهرت كل كلمات اللغة المجيد الدالة علي السرور والبهجة فلا يمكنك قط أن تصف ذرة من بهاء ذلك المجد الذي لا ينعت. إذ لا تري حواليك شيئًا علي الأرض حتى تستعيره لتعبير ما في السماء. فليس هناك مصيبة أو بلية. ليس هناك مرض ولا تعب ولا ملل ولا ضجر. ليس هناك ألم ولا انفعال ولا هرم ولا شيخوخة ولا فناء ولا موت. إن التمتع بتلك الأمجاد لحظة واحدة لهو أثمن وأسعد من جميع أمجاد العالم كله يكفينا أن نعرف أن لا شيء هناك نكرهه ولا مما يؤلم النفس بل كل ما نحبه ونشتهيه ونتوق إليه.
يا لأمجاد عالية ويا لأفراح لا تدرك ولا توصف سوف ننالها في الوطن السماوي السعيد حين ندخل راحتنا الأبدية. هناك لا فقر ولا شدائد ولا ضيقات ولا جهاد ولا ليل. هناك نهار أبدي ونعيم خالد. هناك لا حسد ولا شر بل حب نقي مستمر لا تغير فيه. هناك ترنيمات شجية تزري بكل أغاني العالم. هناك لا توجد آلام ولا استقام ولا خوف ولا انزعاج ولا شقاء ولا عناء ولا نصب. ليس هناك مقاومات ولا معارضات ولا خصومات ولا شكوى ولا اكتئاب. ليس شيء من أمور هذه الدنيا التي تعذب البشر كل يوم، بل هناك نصرة أبدية وسعادة تامة. هناك الراحة والمجد، هناك خيرات لا نخاف من فقدانها. هناك المكافأة والجزاء بالمجد، وحلل البر، والارتواء من العطش والشبع بالسرور. هناك السلوان والعزاء والبهاء والسلام الدائم هناك التمتع برؤية وجه المخلص والإتحاد الدائم بالله إلي الأبد. هناك تكلل الفضيلة وتتلألأ ويشرق البر الكامل. هناك يفرج عن الأسري ويستغني الفقير "هُنَاكَ يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغْبِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. الأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ". (أي3: 17، 19) هناك تستحيل ضيقاتنا إلي راحة ويتبدل نوحنا بفرح لا ينطق به ومجيد. هناك سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. (رو8: 21) هناك نظهر مع المخلص في المجد (2كو3: 4) ونراه كما هو (1يو3: 2) وننظر وجه الرب بوجه مكشوف ونتغير إلي تلك الصورة عينها من مجد إلي مجد (2كو3: 18) هناك ننال شبع سرور (مز16: 11) هناك نكون كل حين مع الرب (1تس 4: 17) حينئذ تتوطد قواعد السلام والأمان ويزول كل أثر للغم والاكتئاب، ويدوم الفرح والمجد والصحبة اللذيذة المفتنة العقول والألباب. طوباهم الذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعي وحفظوا الإيمان. الآن يلبسون لباس البر وإكليل المجد. طوباهم فإنهم الآن يتعزون ويفرحون يا لسوم غبطتهم لأنهم يستريحون ويطمئنون الآن يعززون ويدللون ويتنعمون ويبتهجون. طوبي لأولئك الذين نجوا ووصلوا إلي الميناء بسلام، طوبي لمن استحقوا الوصول إلي شاطئ الأبدية بأمان وخلصوا من أخطار بحر هذا العالم. طوبي لمن رجعوا من منفاهم إلي وطنهم الأبدي. طوبي بمن خرجوا من السجن وجلسوا في دار الملك يتمتعون معه بالمجد. ما أمجد الأكاليل المتوجة بها رؤوسهم. وأما نحن فإننا لا نزال في بحر هذا العالم المضطرب بالأمواج والزوابع. ونسير بين الأشواك والأخطار. وكأننا جالسون في الأسر علي "أنهار بابل نبكي كلما تذكرنا صهيون".
أيتها النفوس المتألمة ضعي ملكوت الله ومجد القديسين إزاء عينيك، وحين تثقل علينا يد التجارب فلنرفع أعيننا إلي فوق، ونتطلع إلي الرجاء الموضوع لنا "وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. 17لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2كو4: 16، 17) "يوم الرب قريب، هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ... يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا:«نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ" (رؤ22:12، 20).
«أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ» (أش51: 12).
«الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ، وَعَلَى بَائِسِيهِ يَتَرَحَّمُ» (أش49: 13).
«رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ» (أش57: 18).
«كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا» (أش66: 13).
«لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ» (يو14: 18).
«مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، 4الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ» (2كو1:3، 4).
«عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ» (1تس4:18).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/habib-guirguis/consolation/life.html
تقصير الرابط:
tak.la/sv2nwgs