لاحظ القديس مار يعقوب السروجي أن الكثير من النبوات والرموز الخاصة بالسيد المسيح ترتبط بتأكيد أنه ابن البتول. غاية هذا الارتباط تأكيد كلمة الله أن المسيا مُخَلِّص العالم هو الربّ القادر وحده كخالقٍ أن ينزع فساد الطبيعة البشرية بدمه الثمين. ومن جانب آخر بكونه ابن البتول الذي حافظ على بتولية القديسة مريم سلك طريقًا فريدًا لا يمكن للفكر البشري المُجرَّد أن يُدرِكَه بدون نعمة الله التي تهب للإنسان فهمًا لأسرار الله غير المُدرَكة. هذا الأمر يمسُّ خلاصنا، إذ نحن في حاجةٍ إلى النعمة القادرة أن تخترق أبواب قلوبنا وأفكارنا وكل إنساننا الداخلي لتُجَدِّد على الدوام طبيعتنا بعمل الروح القدس. فروح الله لا يتوقَّف عن العمل في نفوسنا لتتهيَّأ لإقامة ملكوت الله داخلنا.
من أمثلة ارتباط النبوات المسيحانية بالمريمية الآتي:
1.
عصا هرون التي أفرخت وأثمرت
2. فلك نوح وسط الطوفان
3.
الملح رمز المسيح، والصحن الجديد رمز مريم، والمدينة رمز الطبيعة البشرية
4. نبوات إشعياء النبي
5. رؤيا حزقيال عن النهر العظيم
6. تقديس البتولية والزواج
كانت العصا جافة لا تُسقى بماءٍ، تشير إلى القديسة مريم البتول؛ وثمرتها اللوز (عد 17: 8) يشير إلى كلمة الله (إر 1: 11).
يشير إلى القديسة مريم التي يجوز في قلبها سيف (لو 2: 35)، لكنها مملوءة بالثمار، إذ تجسَّد منها السيد المسيح المُشبِع للنفوس.
"قال رجال المدينة لإليشع: هوذا موقع المدينة حسن كما يرى سيدي، وأما المياه فردية والأرض مُجدبة. فقال ائتوني بصحنٍ جديدٍ، وضعوا فيه ملحًا، فأتوه به. فخرج إلى نبع الماء وطرح فيه الملح، وقال: هكذا قال الرب قد أبرأت هذه المياه، لا يكون فيها أيضًا موت ولا جدب. فبرئت المياه إلى هذا اليوم حسب قول إليشع الذي نطق به".
يُصَوِّر القديس مار يعقوب السروجي الطبيعة البشرية كما خلقها الله بالمدينة ذات الموقع الجميل، وكان يليق بها أن تكون جنة مُثمِرة، لكن إبليس ألقى خلال الحية فيضًا من المياه الفاسدة التي قبلتها حواء ثم آدم رجلها، ففسدت الطبيعة وصارت مُجدبة. لم يكن ممكنًا إصلاح هذه المدينة إلا بتدخُّل الخالق نفسه، كلمة الله، الذي يُرمَز له بالملح. وقد تجسَّد في أحشاء البتول كما في صحنٍ جديدٍ، وحلَّ بيننا كملحٍ يُمَلِّح طبيعتنا، وينزع عنها الفساد. يرى أيضًا كما أن المياه تشرَّبت بالملح، هكذا وهب لنا السيد المسيح -الملح الإلهي- أن نتناول جسده ودمه، فنبرأ مما حلَّ بنا من فسادٍ.
يُرَكِّز القديس مار يعقوب السروجي أيضًا على الصحن الجديد الذي لم يحمل شيئًا سوى الملح، إشارة إلى العذراء البتول مريم التي تجسد منها الكلمة، ملح العالم، وبقيت بتولًا.
مرة أخرى يُشِيِر القديس إلي موقع المدينة، ألا وهو أريحا التي تهدَّمت أسوارها عند دخول يشوع أرض الموعد بعد عبوره الأردن. يقول إنها سقطت تحت اللعنة، وقد جاء السيد المسيح ليهبها البركة عِوَض اللعنة.
* ألقى الملح في إناءٍ جديدٍ ليُصوِّر هناك الولادة الكاملة في أحشاء البتول الطاهرة.
صوَّر البتولَ بالجرَّة الجديدة التي لم تدنُ منها الوصمة نهائيًا...
وبالملح مثَّل ابن الله، لأنه هو الذي يُمَلِّح كل تفاهةٍ بطعمه المميز.
بالوعاء الجديد صوَّر جسد البتول الطاهر، وبالملح صوَّر الابن الذي يُمَلِّح الأذواق التافهة.
نزل الملح إلى المياه الرديئة فشفاها، وهذا يعني أن الابن شفى بميلاده جنس آدم.
كانت المدينة الجميلة كلها مريضة (فاسدة) ومُعَذَّبة، إلى أن افتقدها الملح وشفاها.
هكذا امتلأت كل الخليقة الجميلة موتًا، حتى أشرق الابن من مريم، وشفى الأحياء.
لو لم تسكب الجرّة الجديدة الملحَ على نبع المياه المريضة لما شُفِيَت.
ولو لم تلد البتول ابن الله، لما قام الجنس البشري من سقطته.
مزج الملح في المياه ليشرب كل واحدٍ، كما مزج الله الابن بالبشر، فأحيا الكل به.
هلم وشاهد الملح تشربه المياه الرديئة، ويأكل الأموات ابن الله فيحيون.
المياه بالملح، والشعوب بالجسد اقتنوا العافية،
وعاشت الأرض مثل أريحا التي كانت مريضة...
ألقى أليشع الملح بسرِّ الابن، وأزال اللعنة،
وشفى المياه التي كانت مريضة.
وأظهر كيف يأتي ابن الله إلى العالم،
وبه تُرفَع اللعنة عن الأرض فيشفيها.
حلَّ أليشع قصاص يشوع بن نون (يش 6: 26)،
وأزال اللعنة من النبع بالملح الذي ألقاه.
وصوَّر المسيحِ الذي أبطل حكم الآب (بقبوله الصليب)،
وبصليبه رفع اللعنة، وبه شُفِيَت الأرض.
في البداية لعن الآب الأرض بسبب آدم،
ولعن يشوع بن نون أريحا عندما دمَّرها.
بهذا الملح زالت اللعنة عن أريحا،
وبأليشع بطُل منها الموت الذي حلَّ بها.
هناك صُوِّرت صورة عظيمة لابن الله،
لأنه أبطل اللعنة، ومنع الموت عن البشرية.
يعتبر سفر إشعياء الإنجيل الخامس بسبب كثرة نبواته عن السيد المسيح المُخَلِّص، وعن الصليب (إش 53)، وفتح أبواب كنيسة العهد الجديد للأمم (إش 2: 3؛ 11: 10؛ 12: 4). لم يكن ممكنًا الحديث في صراحة عن الصليب وضم الأمم ما لم يؤكد لاهوته، بقوله: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش 7: 14).
نظر حزقيال النبي النهر العظيم الخارج من بيت المقدس والباب مُغلَق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ما هو هذا النهر إلاَّ السيد المسيح الذي يروي النفس من هنا ومن هناك، أي في العهدين القديم والجديد، المؤمنون كأشجارٍ كثيرة. "ثم أرجعني إلى مدخل البيت، وإذا بمياه تخرج من تحت عتبة البيت نحو المشرق... على شاطئ النهر أشجار كثيرة جدًا من هنا ومن هناك. وقال لي: هذه المياه خارجة إلى الدائرة الشرقية، وتنزل إلى العربة، وتذهب إلى البحر، إلى البحر هي خارجة فتشفي المياه".
يشترك القديسان السروجي وباسيليوس في أن دور القديسة مريم هام في تقديس كل من البتولية والزواج. فميلاد السيد من بتول وتبقى بتولًا حتى بعد الولادة يُعلِن تقديسه للبتولية، وحضوره عرس قانا الجليل ومعه القديسة مريم (يو 2) يُعلِن تقديسه للأسرة.
* لو كان الزواج ذاته والشركة (الزوجية) مُدنَّسَين،
لما دخل (السيد المسيح) واختلط في وليمته،
لو لم تكن طريق العُرْسِ جميلة، لما حلَّ في مريم بقداسةٍ...
وجد بأن التعليم يجمُل في الوليمة، فاشتاق أن يشرق هناك بكرازته...
رأت مريم الطوباوية بأن الخمر قد نفذ،
وكانت قد عرفت بأنه صار ذلك مجالًا للتعليم...
قالت الذكية لا يوجد خمر،
غير أنه في فكرها كانت تقول مثل هذه الأمور:
أَظهِر قوتَك بالمعجزات، لأنك ابن الله،
هوذا الوقت قد حان ليُدرِك العالم قدرتك العاملة.
سيرى الجمع العظيم قوتك ويؤمن بك، كفى توقُّفك عن الآيات وأنت الجبار.
أَظهِر قليلًا سلطان قدرتك الخالقة، لماذا تسير بالبساطة؟
أنت ابن الله، فأَظهِر قوتك بالحقيقة، وادعُ الأرض لتؤمن بأنك الإله.
إلى متى تُصَغِّر نفسك بينما أنت الإله، قُمْ وأَظهِر بأسك إلهيًا للعالم.
يا واهب الثراء للكل لماذا تسلك بالفقر؟ افتح خزائنك، ووَزِّعْ ثرواتك بين المحتاجين.
تفقَّد بحنانك العُرسِ الذي تتكئ على مائدته، لئلا ينتشر اسم العوز في البيت الذي دعاك.
كانت هذه الغاية موضوعة في فكر مريم عندما قالت لابنها: ليس لهم خمر.
_____
1. سلسلة كتابات القديس السروجي لكاتب المقال.
2. دير القديس مقاريوس: ميمر "على ميلاد ربنا بالجسد"، وميمر: "على ربنا بالجسد وعلى الكوكب الذي ظهر للمجوس وعلى قتل الأطفال" (قام بنسخهما القمص بطرس السرياني).
3. ميامر أي مواعظ السروجي، مطبعة مصر بالفجالة، 1621 ش، ميمر 23.
4. الميمر 6 على النجم الذي ظهر للمجوس وعلى قتل الأطفال (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
5. الميمر 7 على معمودية الناموس، وعلى معمودية يوحنا، وعلى المعمودية التي أعطى ربنا للرسل (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
6. الميمر 37 على بشارة زكريا (لوقا 1: 1-25) (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
7. الميمر 79 على البرقع الذي على وجه موسى (خر 34: 33-35) (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).
8. الميمر 80 على أسرار وأنماط وصور المسيح.
9. الميمر 94 على الإيمان (راجع الأب بول بيجان ترجمة دكتور سوني بهنام).
10. الميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بولس بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني؛ وترجمة الخوري بولس الفغالي عظات حول أليشع النبي، 2003، ص 27-29).
12. الميمر 167 على تلك الآية التي صنعها ربنا في قانا الجليل (يوحنا 2/1-11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-4-heart/prophesies.html
تقصير الرابط:
tak.la/2gcm292