إن عدنا إلى بدء الخليقة نسمع: "ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك27:1)؛ كما يقول السيد المسيح "من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى" (مت4:19). هذه الحقيقة البسيطة والأساسية تكشف عن فهمنا المسيحي للجنس بكونه خطة إلهية وليست من صنع الإنسان؛ فقد أوجد البشرية منذ بدء الخليقة ليكونوا ذكورًا وإناثًا، لإيجاد مجتمع بشري "حسن جدًا" (تك31:1) (2).
لقد عاش أبوانا الأولان في الفردوس "وكانا كلاهما عريانين آدم وحواء وهما لا يخجلان" (تك25:2). هذه العبارة الكتابية تكشف لنا عن نظرتنا القدسية للجسد كله -مع الاختلاف بين جسدي الرجل والمرأة- بكونه عطية إلهية صالحة. هذه النظرة تعكس نظرة قدسية للحياة الإنسانية من كل جوانبها. لقد عاش أبوانا الأولان في الفردوس قبل السقوط في حياة زوجية فردوسية، كل ما في داخلهما وخارجهما يبهج قلبيهما. يرى البعض أنهما مارسا الحياة الزوجية على مستوى العلاقات الجسدية أيضًا، معتمدين على العبارة: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا" (تك24:2)؛ وأيضًا العبارة: "أثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها" (تك28:1). لكن هذه العلاقة لم تقم على إطفاء شهوة جسدية تحمل الطابع الأناني، بل على تقديم كل طرف ذاته بحياته الفكرية والنفسية والجسدية للآخر؛ أي حملت علاقة حب باذل وليس إرضاءً لشهوة مؤقتة، كما حملت روح الوحدة في أكمل صورها الزوجية بالتصاق الأعماق الداخلية جنبًا إلى جنب مع التصاق الجسد. لذا "قال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي" (تك24:2).
خلال هذه النظرة الفردوسية نرى قدسية الجسد والعلاقات الجسدية بين الزوجين، تتجلى في الآتي:
1- الشعور بالخجل ليس من عمل الله (تك15:2)، إذ لا يخجل الإنسان مما خلقه الله (3). لذلك جاءت الكلمة العبرية المقابلة لـ"ألبسهما" (تك20:3) هي "Iabash" وليس "hasah". الكلمة الأولى تعني "يزين" أو "يلبسهما ليجعلهما جذّابين"، أما الثانية فتعني "إخفاء عار ونزع عري مُخزٍ" (4). كلاهما يعنيان تغطية عري، لكن الاختلاف هو في الغاية من التغطية.
حتى بعد السقوط، إذ وهبنا ربنا يسوع الحياة الجديدة رد للحياة الزوجية قدسيتها حتى صارت في المسيحية "سرًا sacrament"؛ يلتقي الزوجان معًا في حجالهما ليتحدا معًا في شركة حب من نوع لا يشاركهما فيه أحد، يتحدا معًا في خصوصية تضمهما وحدهما في علاقة حب فريد، إذ يصيران "جسدًا واحدًا".
2- كان كلاهما في عوز إلى بعضهما البعض، إذ قيل "ليس جيدًا أن يكون آدم وحده فأصنع له معينًا نظيره" (تك18:2)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كانت حواء نظير آدم، أي على قدم المساواة، يحتاج إليها وهي تحتاج إليه بكونهما شخصية لهما كيانهما وتقديرهما المتبادل، يكمل أحدهما الآخر، يرافقا بعضهما البعض خلال شركة الحياة والحب.
رأينا عند حديثنا عن "شخصية الشاب المتكاملة" أن العلاقة الجنسية التي تحققت بين أبوينا -في نظر القديس أغسطينوس- كانت تحمل بهجة pleasure دون شهوة concupiscence، هذه البهجة أكثر عذوبة مما يتمتع بها الإنسان الشهواني عند ممارسته للجنس بطريقة منحرفة. وكأن الزوجين المسيحيين وهما يعيشان حتى علاقتهما الجسدية بروح الاعتدال يجدان بهجة وعذوبة خاصة لا يجدها من يسيء استخدام الجنس: يقول الكتاب:
3-"اشرب مياهًا من جبك، ومياهًا جارية من بئرك... ليكن ينبوعك مباركًا، وافرح بامرأة شبابك" (أم18:5).
"التذَّ عيشًا مع المرأة التي أحببتها كل أيام حياة باطلك التي أعطاك إياها تحت الشمس كل أيام باطلك" (جا9:9).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/paradise.html
تقصير الرابط:
tak.la/b2mx2df