محتويات
أولاد اللّه الذين لا يتجاوبون مع روح الله، روح الحب الإلهي، الذي يتسلم الطاقات الإلهية ويقدسها وينميها، تنحرف طاقاتهم لتطلب إلهًا آخر تتعبد له هو "الذات"، تتجسم في تصرفات جسدية خاطئة مع نفسه أو مع آخر. فلا نعجب أن نسمع عن فتى يحب فتاة حتى العبادة - حسب التعبير الدارج، فنراها احتلت قلبه. يرى فيها كل الكمال وكل التعقل وكل الجمال وكل صلاح، فيحسب الحياة بدونها مستحيلة. هكذا يُؤلِّه الشخص محبوبته حتى يكاد يعصمها من كل خطأ، أو يبرر لها كل ما ترتكبه، يرى فيها كل الشبع العقلي والعاطفي وأحيانًا الجنسي. لكنه إن دقق يجد نفسه إنما يحب ذاته، ويقيم ذاته إلهًا محققًا ذلك خلال محبوبته التي تعطيه شيئًا من الشبع المؤقت. والدليل على هذا أنه متى تعرّف على أخرى لتحتل قلبه يبغض الأولى ويمقتها، حاسبًا نفسه أنه مخدوعًا فيها.
لقد قدم لنا الكتاب المقدس أمثلة كثيرة لأناس انحرفوا بالحب الحق عن مصدره -الله- إلى الشهوة النابعة عن الأنا.
لقد ظن أمنون أنه يحب أخته ثامار، فبسبب حبه وتعلقه بها مرض جدًا، مشتاقًا أن يدفع أي ثمن لممارسة علاقات جسدية معها. لكنه إذ حقق شهوته أبغضها "بغضة شديدة جدًا حتى إن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها" (2صم15:13). أي حب هذا الذي ينقلب إلى بغضة شديدة جدًا؟!
قصة الشاب الطاهر يوسف وامرأة سيده فوطيفار توضح التمييز بين الحب والشهوة، إذ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
(قال أحدهم: كيف قبلت المرأة المصرية التي أحبت يوسف أن تضره؟
السبب أنها أحبت حبًا شيطانيًا. ومع كل فهو لم يحبها بنفس حبها الشيطاني بل أحبها بالحب الذي طالبنا به الرسول بولس.
تأمل ما قالته: "إنه شتمني وحسبني زانية، وأخطأ إلى زوجي، وازدرى بكل من في البيت، وخانه أمام الله". إن مثل هذه الكلمات تصدر عن شخص بعيد كل البعد عن أن يكون محبًا ليوسف، بل ولم تكن تحب حتى نفسها.
أما يوسف فإذ كان بالحقيقة يحبها حذرها من هذا كله، ولكي يقنعها أنها مندفعة عرّفها طبيعتها بتقديمه النصيحة لها. لأنه لم يكتف بالابتعاد عنها بل قدم لها إرشادًا كافيًا لإخماد لهيب شهوتها قائلًا... "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت" (تك8:39)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فأولًا ذكرها بزوجها لكي يخجلها.
لم يقل "زوجك" بل "سيدي" حتى يوقظ ضميرها لكي تعرف مركزها ومركز من تعشقه، إنها سيدته! لأنه إن كان زوجها سيدًا له فهي سيدته. فكأنه يقول لها: "عار عليك أن تألفي عبدًا! تأملي زوجة مَن أنت؟! ومن هو الذي تتصلين به؟! وأمام من تقفين موقف الجحد والازدراء"؟!
لقد وبخها باعتبارات بشرية بقوله: "لا يعرف معي ما في البيت". كأنه يقول لها: "إنه أعظم من أحسن إلي"، فلا أصفع سيدي في أعز ما لديه. لقد جعلني السيد الثاني على هذا البيت، "لم يمسك عني شيئًا غيرك"، وبهذا يرغب أن يسمو بعقلها بكل طريق حتى يقنعها فتخجل.
لم يقف يوسف عند هذا الحد بل أضاف ما يكفي لصدها قائلًا: "لأنكِ امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم؟!".
على أي الأحوال لم تستفد شيئًا من إرشاده بل لا زالت تبحث كيف تجتذبه لأن رغبتها هي إشباع عواطفها وليس حب يوسف. ويظهر عدم حبها له في تدبير المكيدة واتهامها له وحملها شهادة زور ضده، وكوحش مفترس قدمت ذاك الذي لم يخطئ وطرحته في السجن أو بالحري قد تنكرت من جانبها له وأدانته.
هل كان يوسف مثلها؟ بل على العكس تمامًا، فإنه لم يشتكِ عليها ولا أتهمها بل ومن الحوادث التالية أظهر يوسف إرادته الصالحة وحبه لها، فإنه حتى عندما شعر باضطراره إلى ذكر سبب سجنه وبقائه فيه لم يشأ أن يذكر القصة كاملة، بل قال: "لأني قد سُرقت من أرض العبرانيين وهنا أيضًا لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن".
إنه لم يشر قط إليها كزانية...
فالإنسان عادة عندما يرتكب خطية لا يلوم نفسه على ما أرتكبه حتى لا يوبخه أحد، فأي إعجاب استحقه يوسف لأنه كان هكذا تقيًا حتى أنه لم يذكر شهوات المرأة ولا أظهر خطيتها، بل وحتى عندما إرتفع إلى العرش وصار حاكمًا لم يتذكر الخطأ الذي صنعته به ولا قام بعتابها!!
أنظر كيف راعى هذه المرأة؟! أما عاطفتها هي فلم تكن حبًا بل جنونًا، لأنها لم تكن تحب يوسف بل تبحث عن إشباع شهواتها).
(بالحقيقة الإنسان المحب هو الذي لا يبحث إلا عن نفع محبوبه. فلو خالف المحب ذلك فإنه ولو صنع عشرات الآلاف من أعمال المحبة الصالحة. فإنه بالأكثر يكون أقسى من أي عدو).
لقد شوّه آدم حبه لحواء حينما انحرف بالحب يعيدًا عن الله. يقول أغسطينوس إن آدم لم يُغو إذ كان حكيمًا وعاقلًا، يعرف أن أكل الثمرة الممنوعة لا يجعله إلهًا كما قالت حواء، إذ يقول الرسول: "وآدم لم يُغو لكن المرأة أُغويت في التعدي" (1تي14:2). إنما سقط آدم لأنه أحب امرأته جدًا خارج دائرة الحب، فطغت المحبة المنحرفة على قلبه لُيرضي زوجته مرتكبًا ما يحطمه ويحطمها.
بنفس الصورة سقط سليمان الحكيم في عبادة الأوثان بسبب المحبة المنحرفة لنساء وثنيات، إذ يقول الكتاب المقدس: "وأحب الملك سليمان نسًاء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات... فألتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة... وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءُه أمَلنَ قلبه وراء آلهةٍ أخرى" (1مل11). يعلق القديس أغسطينوس: " (كان يعطيهن لئلا يُحزن شهواته الملتهبة فيه، كالمثل المتداول: "عبد الشهوة أذل من عبد الرق").
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/lust.html
تقصير الرابط:
tak.la/f9ajgph