محتويات: (إظهار/إخفاء) |
أسباب الإباحة في القانون المصري |
أخي الحبيب
إن كنا في هذا الكتاب نُعالج موضوع "الإباحة" أو حق الإنسان في دفاعه عن نفسه أو الغير أو الوطن، فإنه يصعب أن نفصل بين الجانب الإيماني والجانب القانوني. فالمؤمن الحقيقي يؤمن بوحدة الحياة؛ لا يفصل إيمانه عن سلوكه، ولا يحمل شخصيتين، واحدة للعبادة والأخرى للسلوك في المجتمع.
لكي يعيش الإنسان المسيحي في المجتمع ناجحًا ملتزمًا بقوانينه وأعرافه يجب أن يكون ملمًا بها جيدًا، خاضعًا لها ولوصية الله: "أعطِ ما لقيصر لقيصر"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هذا وأن القوانين الوضعية التي تحكمنا نجدها غالبًا ما تسير مع تعاليم الكتاب وكنيستنا، كقول الرسول بولس: "السلاطين الكائنة هي مرتبة من اللّه" (رو1:13). فالمسيحية تدعو إلى المحبة و التسامح كما تدعو إلى الشرعية حيث تحث المسيحي على الالتجاء إلى القانون لتدبير الأمور فيكون على من ظُلم أو سُلب حقه أن يطالب به عن طريق قنوات المجتمع الشرعية.
كان رفع الدعاوى مقررًا منذ القديم في الشريعة اليهودية (تث8:17، 9)، وكانت الشريعة الرومانية تبيح لرعاياها أن يرفعوا دعواهم إلى الإمبراطور إذا لم يرضوا بحكم حكام الأقاليم والمقاطعات. لذلك رفع القديس بولس دعواه إلى قيصر (أع11:25).
كما أنه في حالات أخرى نجد المسيحي في وضع الدفاع عن نفسه أو أقاربه أو عن وطنه، يقف أمام الخطر دون استطاعة منه أن ينتظر أجهزة الدولة حتى لا يفقد حياته أو حياة أقاربه، وهنا نجد أن القوانين الوضعية قد سايرت تعاليم الكتب السماوية في وضع أسباب معينة يستطيع عندها الشخص أن يدفع الخطر عنه دون أن تقع عليه أية مُسائلة قانونية بل ودون أن تقع عليه مسائلة دينية أيضًا.
إذا كنا في بحثنا هذا أردنا أن نوضح أسباب الإباحة كتابيًا وآبائيًا، فإننا فضلنا أن نقدم للقارئ أيضًا أسباب الإباحة قانونيًا حتى يكون بحثنا متكاملًا قدر الإمكان ليستفيد منه القارئ للمبدأ القانوني الشهير: "لا عذر بالجهل بالقانون".
أنظر عزيزي القارئ إلى آبائنا القديسين الذين كانوا قدوة في تنفيذ وصايا اللّه والخضوع لأحكام الدولة وقوانينها طالما أنها لا تحثهم على إنكار الإيمان الحقيقي أو مخالفة الوصية الإلهية.
بلا شك كان يوسف الصديق، الرجل الثاني بعد فرعون، أمينًا في تنفيذه للقوانين المصرية، ما دامت في الرب، وقد كسب قلب فرعون وكل المصريين معه.
وأيضًا دانيال النبي تقلد أعلى مناصب في الدولة لاحترامه لقوانينها ولملكها، مؤمنًا بأن "قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله" (أم1:21).
وبروحٍ تقويٍ يقول بولس الرسول لتلميذه تيطس: "ذكِّرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين ويطيعوا ويكونوا مستعدين لكل عملٍ صالحٍ" (تي1:3).
يجرى الفقه القانوني في مصر(1) على استخدام تعبير "أسباب الإباحة"(2) على الأسباب التي من شأنها أن تجرد الواقعة من صفتها الإجرامية بمجرد توفر إحداهما بالرغم من استكمالها أصلًا لسائر العناصر القانونية اللازمة لقيام الجريمة.
ويرجع السبب وراء تجرد واقعة الجريمة من صفتها الإجرامية عند توافر أحد أسباب الإباحة هو انتفاء علّة التجريم. وسبب الإباحة يمنع من قيام مسئولية مرتكب الفعل سواء المدنية أو الجنائية، لأنه لا يمكن محاسبة أي إنسانٍ عن فعل يبيحه القانون ويأمر به أحيانًا(3)، فالإباحة تمحي الفعل وتجعله كأن لم يكن.
وأسباب الإباحة في القانون المصري أربعة:
_____
(1) الأستاذ الدكتور محمد ذكي أبو عامر وزير التنمية الإدارية حاليًا وعميد كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية سابقًا: شرح قانون العقوبات، القسم العام.
(2) أخذ الفقه هذا المصطلح ترجمة لمصطلح cause de la justification.
(3) الأستاذ الدكتور محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات – القسم العام، طبعة 1974.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/faith-vs-allowance/law.html
تقصير الرابط:
tak.la/nafzwy7