اعتبر القانون المصري الدفاع الشرعي(6) من أهم أسباب الإباحة التي تنزع عن الفعل صفته الإجرامية. فهو حالة واقعة يجد الإنسان فيها نفسه أو غيره معرضًا لخطرٍ حالٍ على النفس أو المال ولا يجد لدفعه سبيلًا غير الجريمة، هذه الحالة الواقعية تكون سببًا في تبرير الجريمة وإباحتها. وفكرة الدفاع الشرعي موجودة منذ القدم ولها أمثلة عديدة في الكتاب المقدس، فنجد مثلًا شمعون ولاوي انتقما لأختهما "دينة" من الذي اغتصبها (تك2:34).
تفترض حالة الدفاع الشرعي وجود اعتداء من ناحية، ودفاع من ناحية أخرى.
لكي يقوم الدفاع الشرعي يجب أن يصدر عن المعتدى فعل يُعتبر جريمة. فالحكمة التي أقرها القانون في الدفاع الشرعي هي غياب الحماية البوليسية، ولكن إذا كان العدوان قد تحقق فعلًا أي بدأ وانتهى فإن حالة الدفاع الشرعي هي الأخرى قد بدأت وانتهت وأي اعتداء يقع يكون في حقيقة أمره انتقامًا وليس دفاعًا.
فإذا كان خطر الاعتداء لم يتحقق أصلًا فإن حالة الدفاع الشرعي لا تقوم، أما إذا كان الخطر قد تحقق وتحوَّل بالفعل إلى اعتداءٍ وانتهى، فإن حالة الدفاع الشرعي هي الأخرى قد بدأت وانتهت. فمثلًا إذا كان المتهم قد بادر بإطلاق النار على المجني عليه إذ رآه بين الأشجار دون أن يكون قد صدر منه أي فعل مستوجب للدفاع لا يصح القول أن هذا المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن النفس أو المال.
أي أن الدفاع الشرعي لم يُشرع لمعاقبة معتدى على اعتدائه، وإنما شرع لرد العدوان. فإذا كان المطعون قد تمكن من انتزاع المطواة من يد الجاني فصار أعزل بلا سلاح يستطيع به الاعتداء، فإذا وقع اعتداء من المطعون بعد انتزاعه السلاح من المجني عليه وموالاة طعنه يُعاقب عليه ولا يُعتبر في القانون دفاعًا شرعيًا.
كما يلزم لقيام حالة الدفاع الشرعي أن تتوافر حالة واقعة تهدد بوقوع واستمرار فعل إجرامي ولو كان المعتدى غير مسئول جنائيًا، كالفعل الصادر من المختل عقليًا أو الصبي غير المميز.
إذن يجب أن يكون الخطر قائمًا وأيضًا أن يكون الخطر غير مشروع، أي أن الخطر يسبب نتيجة حظرها القانون الجنائي، هذا معناه أنه يجوز الدفاع الشرعي عن الخطر غير المشروع بينما لا يجوز عن الخطر المشروع.
فالأب الذي يتولى تأديب ابنه يمارس حقه في تأديبه طالما كان ملتزمًا قيود ممارسة هذا الحق، ففعله مشروع ولا يجوز مقاومته. فإن تجاوز حدود هذا الحق (كأفعال الضرب الشديدة) صار خطر غير مشروع وجاز للابن أن يدافع عن نفسه.
كما يلزم أخيرًا أن يكون الخطر مهددًا لحق سواء حق النفس أو حق المال. ويُقصد بجرائم النفس جميع أنواعها، سواء كان الاعتداء على الحياة كالقتل، أو على سلامة البدن كالضرب والجرح، أو على العرض كالاغتصاب، أو على الشرف كالسب والقذف، كما أن الدفاع عنها يجب أن يكون لازمًا ومتناسبُا مع فعل الاعتداء.
يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال استعمال القوة لأي فعل يعتبر جريمة من الجرائم الآتية وهى محددة على سبيل الحصر في القانون:
1. جرائم الحريق العمد. 2. جرائم السرقة والاغتصاب.
3. جرائم التخريب والإتلاف. 4- انتهاك حرمة الغير.
5. من دخل في أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول أو مرّ فيها بمفرده أو بدوابه المعدة للحرث أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم تمر فيها أو ترعى فيها بغير حق فتُعتبر جنحة.
إذا توافرت الشروط السالفة الذكر المطلوبة في التعرض للخطر وهي أن يكون الخطر حال وغير مشروع ومهددًا للحق ينشأ لمن يتهدده هذا الخطر الحق في الدفاع.
ولكن هناك قيود للحق في الدفاع، أولًا أن يكون فعل الدفاع لازمًا، وأن يكون من جهة أخرى متناسبًا مع فعل العدوان. لكن لا يلزم بعد ذلك أن يأخذ الدفاع شكلًا معينًا، فقد يتخذ شكل القتل أو الضرب أو تحطيم السلاح أو تمزيق الملابس أو حبس المعتدى لحين الاستعانة بالشرطة كما لا يلزم أن يتخذ شكلًا إيجابيًا فقد يتخذ فعل الدفاع شكلًا سلبيًا كالامتناع عن منع الكلب المدرب عن مهاجمة المعتدى.
وتثور في هذه المناسبة مسألة "الهروب" من طريق الخطر كوسيلة لمنعه، فإذا فُرض أنه بوسع المدافع التخلص من الخطر بسلوك أحد سبيلين الهروب من أمامه أو مواجهته بأفعال الدفاع الملائمة فسلك الطريق الأخير فهل يُقال في هذه الحالة أن المدافع كان بوسعه توقي الخطر بطريق أخر غير الجريمة وبالتالي لا يكون دفاعه لازمًا!! الواقع أن الحل المسلم به في هذه الحالة أن الهروب ليس من بين الطرق التي يلزم المدافع بسلوكها للتخلص من الخطر لأن الهروب في أساسه مشين بكرامة الرجال والدفاع المشرع حق المدافع ولا يجبر صاحب حق للتنازل عن حقه والالتجاء إلى مسلك يشينه.
كما أنه من جهةٍ أخرى أن يكون فعل الدفاع متناسبًا مع جسامة الاعتداء، ومقياس التناسب بين الاعتداء والدفاع أمر قضائي يحدده القاضي على ضوء الظروف والملابسات التي اُرتكب فيها فعل الدفاع بحيث يكون هذا الفعل متناسبًا إذا انطوى على استخدامه قدر من العنف لم يكن بوسع المدافع عن نفسه في الظروف التي أحاطت به أن يستخدم قدرًا أقل منه أو إذا كان المدافع في عبارة أخرى قد استخدم أهون الوسائل المتاحة له لرد العدوان في الظروف التي وُجد فيها.
في المثال الذي بدأنا الحديث به ثأر أبناء يعقوب شمعون ولاوي لأختهما دينة لم يكن فعل الدفاع متناسبًا مع جسامة الفعل. صحيح أن الاعتداء على أختهما جريمة بشعة إلا أن الانتقام كان (تك25:34-30).
1- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراحات بالغة، إذا كان التخوف لأسبابٍ معقولة.
2- الاعتداء على امرأة كرهًا، أو هتك عرض إنسان بالقوة.
3- خطف إنسان.
1- الحريق العمد.
2- سرقة من المسروقات المعتبرة من الجنايات.
3- الدخول ليلًا في منزل مسكون أو إحدى ملحقاته، وأن يكون المدافع جاهلًا غرض المعتدى أو يعلم أن غرضه هو خطف إنسان أو جناية اغتصاب أو هتك عرض أو ارتكاب فعل يُخشى منه الموت أو الجراحات البالغة.
4- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراحات بالغة، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة، فمن يحاول سرقة ماكينة أو شيء منها يمكن أن يؤدى تحريكها أو انتزاع هذا الشيء منها إلى انفجار قد يؤثر على الأرواح على النحو السالف.
نختم حديثنا عن الدفاع الشرعي بتأكيد أن المؤمن الحقيقي لا يبرر دفاعه بما تُجيزه القوانين، بل يهتم في المركز الأول بحياة المعتدي، مشتاقًا أن يبسط يديه بالحب نحو كل بشر، لكي يستطيع بالحب أن يُعالج عنف الآخرين ويربحهم لحساب خلاصهم. هذا والمؤمن الحقيقي، حتى وإن وجد في القانون مبررات للدفاع، لا يخشى الموت ولا يضطرب لفقدان بعض حقوقه المادية أو المعنوية. أنه يضع في حسبانه أن يبذل حياته من أجل الغير ما استطاع خلال غنى نعمة الله الفائقة.، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
_____
(6) تعرض القانون المصري للدفاع الشرعي في المواد من 346 إلى 351 من قانون العقوبات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/faith-vs-allowance/defense.html
تقصير الرابط:
tak.la/ka4554y