الفقه القانوني متفق على أن رضا المجني عليه يعد سببًا لإباحة طائفة محددة من الجرائم التي يقرر القانون العقاب على الأفعال المكونة لها "لتعرضها لإرادة الغير".
هناك طائفة من الجرائم يترتب على رضا المجني عليه فيها عدم قيام الجريمة. فالسرقة لا تقوم لها قائمة إلا باختلاس المال المنقول، وهذا الاختلاس يفترض أخذ الشيء دون رضا صاحبه. والاغتصاب لا تقوم له قائمة إلا إذا وقع ذلك بغير رضا المجني عليها، فإن توفر الرضا في تلك الأحوال فلا جريمة، لا لأن الرضا أباح الفعل، وإنما لأن الفعل الإجرامي لم يتحقق أصلًا.
قس على ذلك القبض والخطف وخرق حرمة المنازل إذ يترتب على توفر الرضاء الحر السابق على اتخاذ الفعل أو المعاصر له عدم قيام الركن المادي.
إن رضا المجني عليه لا يثور بالنسبة للجرائم التي تمس حقًا للدولة كجرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي أو الداخلي بمختلف صوره، وجرائم الاعتداء على الثقة العامة في أوراق الدولة وعملتها، كالتزوير والتزييف والاعتداء على الثقة العامة في نزاهة الوظيفة العامة كالرشوة واستغلال النفوذ أو الاعتداء على الأموال العامة كالاختلاس والاستيلاء والغدر، فهذه جميعها وما يدخل في طبيعتها لا تثير أصلًا مشكلة رضاء المجني عليه لأن المجني عليه في تلك الطائفة من الجرائم هو المجتمع في ذاته، والمجتمع لا يعطي أحدًا حق تمثيله في التنازل عن حقوقه وإباحة الاعتداء عليه.
أما عن طائفة الحقوق الأخرى التي هي إما حقوق ذات أهمية اجتماعية وإما حقوق شخصية محضة، فإن تحديد أثر الرضا كسبب من أسباب إباحتها يتوقف على تحديد طبيعة الحق محل الاعتداء بالجريمة. فإذا كان هذا الحق شخصيًا، أي يدخل في دائرة الحقوق التي يرخص القانون للمجني عليه أن يتصرف فيها أو ينقلها إلى غيره، بناءً عليه يكون في محض التعرض لإرادة غيره، ومن ثم يكون الفعل المتضمن عدوانًا عليه غير مشروع إذا وقع بغير رضا صاحبه. أما إذا وقع مثل هذا الفعل من جانب صاحب الحق أو من جانب الغير برضاه كان ذلك دربًا من دروب التصرف في الحق ليس بجريمة.
بناءً عليه فإن جرائم هدم أو تخريب أو إتلاف ملك الغير وجرائم التعدى على المزروعات والآلات الزراعية والحيوانات تتوقف مشروعية الأفعال التي تقوم بها أو عدم مشروعيتها على رضا المالك، فإن تمت منه أو من غيره برضاه، كانت نوعًا من أنواع التصرف في الحق، وليس بجريمة.
أما إذا كان الحق ذو أهمية اجتماعية فإنه بسبب تلك الأهمية لا يكون لصاحبه حق التنازل عنه وإهدار ما للمجتمع من نصيبٍ فيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. من هنا فإن رضا المجني عليه لا قيمة له ولا تأثير له بالنسبة لطائفة الجرائم التي ينصب عدوانها على حقوق ذات أهمية اجتماعية. فالحق في الحياة التي تحميه نصوص القتل وسلامة البدن، لا يجوز للفرد التصرف فيه لما له من أهمية اجتماعية دفعت المجتمع إلى حمايته بالعقوبة الجنائية على نحو يصبح فيه من المتناقض منح صاحبه سلطة التنازل عنه وإهدار ما للمجتمع من نصيب فيه. من هنا يعاقب القانون على القتل ولو وقع بناء على طلب القتيل وإلحاحه رحمةً به وإشفاقًا عليه. هذا المعنى لا يتوفر في طائفة الحقوق الشخصية المجردة من الأهمية الاجتماعية والتي يعطى القانون الحق فيها لصاحبها سلطة التصرف فيها إذ لا يكون المساس بها برضا صاحبها عدوانًا عليها بل هو نوع من أنواع التصرف فيه.
أنظر إلى السيد المسيح له المجد الذي كان إذ شُتم لم يرد على الشتيمة بمثلها (1بط23:2)، لا عن ضعف وعدم قدرة، حاشا! لكنه بإرادته تنازل عن حقه من أجل المحبة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/faith-vs-allowance/victim.html
تقصير الرابط:
tak.la/5n3m4zb