إن كانت ممارساتنا
الروحية ومعرفتنا بكلمة الله تمثل الجانب الإيماني في حياتنا فلابد من ترجمة
هذا الإيمان إلى عمل لأن "إيمان بدون أعمال ميت" (يع2: 26) والإيمان
الحي هو
الإيمان المثمر بأعمال صالحة. لذلك ينبغي أن الممارسات الروحية والذهن
الذي
تجدد بالمعرفة المستنيرة تكون لهما فعاليتهما في تشكيل سلوكياتنا وخصوصا نحو
الحياة الطاهرة المقدسة. وأول هذه الفعاليات هي كيفية تعاملنا مع أجسادنا في
إطار دعوتنا الروحية التي دعينا إليها لكي نعيش فيها. وفى إطار ما توضحه لنا
كلمة الله. لذلك نحن نحتاج إلى:
فعند كلامنا عن تعديل نظرتنا للجسد ذكرنا أن
أجسادنا ملك لله وبالتجسد صارت من كيان جسد
المسيح إذ اشتراها بدمه وطهرها
وجعلها هيكلا لروحه القدوس. فإن كان وضع أجسادنا عظيمًا بهذا المقدار لدى الله
فنحن مطالبون أكثر أن نمجد الله فيها "مجدوا الله في أجسادكم" (1كو6: 20) وذلك
بحفظها بلا دنس (يع1: 27). وباستخدامها في الخدمة والبذل متشبهين بفادينا الذي
جاء لا ليُخْدَم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين (مت20: 28) والخدمات كثيرة
جدًا ومتنوعة ومنها خدمة الكلمة وافتقاد الضالين ثم خدمة الوالدين وتمتد إلى
خدمة الإخوة ثم الأقرباء ثم الجيران ثم الفقراء والمحتاجين ثم المرضى ثم
المساجين. وفى تأدية واجبات العبادة لله كما يقول
معلمنا بولس "قدموا أجسادكم
ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو12: 1). ومجال بذل الجسد في العبادة مفتوح
في
الصلاة
بأنواعها الفردية والعائلية والجماعية، وبمادتها من صلوات المزامير والصلاة
الارتجالية وصلوات
القداسات الإلهية والصلوات التي
لآبائنا القديسين (كتاب
"أمام عرش النعمة"). وبكَمِّها من صلوات لساعات طويلة إلى
الصلاة الدائمة إلى
الطلبات القصيرة. وبدرجاتها من صلاة عميقة إلى صلاة بفرح وتلذذ إلى صلاة
بانسحاق وانكسار قلب إلى صلاة بدموع وصلاة بقرعات صدر وصلاة بمطانيات وصلاة
بتلحين المزامير وصلاة تأملية صامتة وصلاة بصراخ وتضرع. ومن العبادات أيضا
الصوم بطول فترة الانقطاع من
ساعات طويلة إلى أيام وبعض
آبائنا القديسين بلغوا أسابيع. وفى الإقلاع عن
أنواع معينة من الأطعمة والامتناع عن المشهيات، والزهد في الملبس وفى الزينة
وفى الترفيه. والجهاد في المطانيات عددًا وعمقًا مصحوبة بترديد طلب الرحمة
والمغفرة، والعكوف على قراءة كلمة الله والتأمل فيها وحفظها وترديدها والتحدث
بها. كل هذه مجالات لبذل الجسد وتمجيد الله فيه سواء في الخدمة أو في العبادة. ومع هذه المجالات
لبذل الجسد نذكر مجالات البحث العلمي والنشاط الثقافي والفني والأدبي. وكلها
لخدمة المجتمع الإنساني والتي كثيرون قضوا حياتهم مكرسينها لها. وكم أفادت
الإنسانية منهم!
إن حواسنا الخمس هي الركيزة
التي نعيش عليها
حياتنا الحسية الجسدية. وبقدر ما تتقدس هذه الركيزة بقدر ما تتقدس حياتنا
الجسدية. وكل حاسة لها الوسائل التي تقدسها. فالعينان يقدسهما وقوعهما الدائم على كلمة الله
وعلى الصور الروحية لحياة
ربنا يسوع المسيح ومعجزاته وصور
الملائكة وشخصيات
الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والصور التي تحكى حوادث العهدين وصور
الشهداء والقديسين. إما معلقة على الحوائط أو تحت الزجاج الذي يغطى قطع الأثاث
أو في محافظنا أو بين صفحات كتبنا لأن صورهم تمثل أشخاصهم وتذكرنا بحياتهم و
بقداستهم، وتبث فينا الغيرة لنتمثل بهم، وتشوقنا لحياة السماء التي سبقونا
إليها وتُنمى صداقتنا لهم فنطلب شفاعتهم لنجدتنا فيقتربون منا أكثر. وكذلك
لوحات الآيات الكتابية وأقوال
القديسين التي تجعل كلمة الله حاضرة في ذاكرتنا
على الدوام. ويقدس العينين أيضا التواجد الدائم
في
الكنيسة
والتأمل فيها بأعمدتها التي تمثل الرسل والأنبياء الذين تأسست عليهم، وتيجان
الأعمدة التي تمثل أكاليلهم التي تكللوا بها، وقبابها التي تمثل السماء
بملائكتها، وخوارسها التي تمثل الرتب الروحية للمؤمنين، وهيكلها الذي يمثل
حضور الله وسط شعبه، ومذبحها الذي يحمل سر الخلاص، وأيقوناتها التي تمثل شركة
السمائيين معنا في عبادتنا، والمؤمنين القديسين المصلين فيها الذين نحس معهم
قوة الصلاة الليتورجية، والشموع التي تضيء جنباتها وتمثل بذل
القديسين
والشهداء، والبخور المتصاعد فيها رمز الصلوات النقية عنا من
القديسين، وأجساد
القديسين والشهداء القابعين في مقصوراتهم الذين أناروا تاريخ المسيحية بجهادهم
وبذلهم. ويقدس العينين كذلك
في داخل بيوتنا منظر أفراد
الأسرة وهم واقفون أو راكعون يصلون، أو هم يسارعون في خدمة بعضهم بعضًا بمحبة
كاملة. أو هم جالسون حول المائدة مستضيفين الغرباء والفقراء. وينير العينين
خارج البيت منظر العجزة والمرضى الذين قال عنهم
المسيح إنهم يمثلون شخصه (مت25:
40)، ونماذج
المحبة الباذلة لأنواع الخدمات المختلفة التي تقدمها
الأيادي
الحانية لهؤلاء المحتاجين. كذلك يقدس العينين مشاهدة صور
الأراضي المقدسة
التي وطأتها أقدام
المسيح ومواقع مسيرته حاملًا الصليب والكنائس والأديرة
والسكان فيها، والنظر بين وقت وآخر إلى السماء لأنها تربط قلوبنا بالله
وملائكته وقديسيه، ومشاهدة الأفلام الروحية التي تصف آلام
المسيح وحياة
القديسين وشخصيات الكتاب المقدس، وتتقدس العينان أيضا بالأحلام الروحية والرؤى
السماوية. كل هذه الوسائل تقدس العينين. ومتى تقدست
العينان تقدس الجسد كله. كما قال
المسيح له المجد "سراج الجسد هو العين.
فإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما وإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون
نيرًا" (مت6: 22). أما الأذنان فيتقدسان بسماع العظات الروحية
والتراتيل والألحان والقداسات وكلمات الإرشاد الروحي والعبارات المقدسة
والمتداولة بين أفراد
الأسرة أو في محيط الخدمة الروحية كما يقول
الإنجيل
"مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية" (أف5: 19) وتتقدس حاسة الشم بشم رائحة البخور
في
القداسات
والعشيات وبقية الخدمات الكنسية، وكذلك رائحة الحنوط من تطييب أجساد
القديسين. وتتقدس حاسة الذوق بتناول ذبيحة جسد
المسيح ودمه
التي نتذوق فيها حلاوة الحب الإلهي، وبتناول لقمة البركة التي تذكرنا بجمال
الشركة بين المؤمنين في ولائم
المحبة في نهاية
القداسات والمناسبات الروحية
المختلفة. وتتقدس حاسة اللمس بأخذ البركة من ستر الهيكل ومن
أيقونات وصور المسيح والعذراء والملائكة والقديسين ومن أجساد الشهداء الموضوعة
بالكنيسة ومن لثم الصليب ويد
الكاهن حاملة جسد
المسيح. وتتقدس بتقديم العطايا
للمحتاجين ولبيت
الله. وباللمسات الحانية على البائسين والمنكوبين ومن لا مصدر
للحب لهم، وبتطبيب المرضى الفقراء وتضميد جراحاتهم، وبقيادة فاقدي البصر
للأماكن التي يقصدونها. وتدريب أنفسنا على هذه الوسائل يسهم بقدر كبير
في
تقديس حواسنا. وإذا تقدست حواسنا تقدس جسدنا وفكرنا أيضا. ومتى تقدسنا جسدًا
وفكرًا تمتعنا بحياة القداسة.
يلاحظ الكبار ميل أبنائهم الشباب من الجنسين إلى
مصادقة جنس منهم للجنس الآخر، وقد يساورهم القلق لهذه المصادقة خوفًا من نشوء
عواطف حسية قد تتطور إلى تصرفات جنسية تتنافى مع روح الطهارة. وهذا القلق أمر
واجب بطبيعة الحال ولكن عندما يراجعون أبناءهم في هذه المصادقات فإجابتهم
العادية إنها محبة. وأبناؤهم صادقون في إجابتهم لأنه وإن كان حبًا جنسيًا
ولكنه نوع من أنواع الحب. إلا أنه حب جامح في فترة الشباب بالذات ويحتاج إلى
انضباط. والحب الجنسي تسبقه في سنى العمر المبكرة درجات
أخرى من الحب أسمى وأرقى. ولاشك أنه إذا استطعنا توفير قدرٍ منها لهم لجنبناهم
الاندفاع المتهور نحو الحب الجنسي. أما إذا قَصَّرْنَا في توفير الحب لهم في
فترة ما قبل البلوغ بالمفهوم الذي يعوضهم عن الحب الجنسي الخاطئ فلا يصح أن
نكون قاسين في حكمنا عليهم في حالة انحرافهم. لأننا قد نلوم أنفسنا قبل أن
نلومهم. فكل إنسان لديه عاطفة ومحتاج أن يحب أحدًا وأن
يكون هو محبوبًا من أحدٍ. والأسرة
بالضرورة مسئولة عن ملء هذا الفراغ عند
أبنائهم وبناتهم. إلا أن بعض الوالدين يتفرغون كلية لتوفير الاحتياجات المادية
ظانين أن هذا هو التعبير عن محبتهم القوية لأبنائهم. ويغفلون عن أن الحب لا
يكمن في المادة وإنما في كلمة تشجيع أو تقدير أو في قبلة أبوة أو أمومة أو أخوة
أو في ربتة حنان أو في الاهتمام بالاستماع أو بالتوجيه الهادئ والإرشاد المبنى
على التفاهم، أو في السؤال المستمر عن المشاكل أو المتاعب، أو في الجلسات
الهادئة المرحة بين كل أفراد
الأسرة
كلما أمكن، أو في الجلوس حول مائدة روحية
أو كلمة تعزية. وقد لا تتوفر للشباب مثل هذه النماذج الأسرية
وحينئذ لا يصح أن يُلْقِى اللوم على قَدَرِهِ أو يشعر بالإحباط واليأس
بأن هذا
هو نصيبه فيستسلم لعقده أو رواسب ظروفه. بل لابد أن يعي أنه قادر بإرادته
الحية على ملء الفراغ الذي غابت مسئوليته عن أسرته، ويمكنه أن ينخرط في أي
نشاط خدمي يبذل فيه ما يستطيعه من جهد ومن أعمال محبة فسينخلق الحب في قلبه نحو
من يقوم بخدمتهم ولسوف يخلق محبين له بلا حدود. ويمكن أن يُكَوِّنَ بعض
الصداقات الطيبة من زملاء الدراسة أو زملاء العمل ويمكن أن يوجه حبه نحو
القديسين
الذين يعشق فيهم صفات البطولة في السمو الروحي أو في الدفاع عن
الإيمان أو في بسالة الاستشهاد.. أما الذين يتدربون على الاختلاء بالله
ويتعلمون الحديث معه ويتلذذون بالجلسات الطويلة معه يستمع إليهم في صلواتهم
متهللين معه قائلين "أحببت لأن الرب سمع صوت تضرعي لأنه أمال أذنه إلىَّ"
(مز114: 1) أو يستمعون إليه في كلمات كتابه المقدس فرحين قائلين "فرائض الرب
مستقيمة تفرح القلب" (مز18: 8). ومن شبع بالحقيقة من هذه الأنواع من الحب سما
بمشاعره عن كل ما عداها. وفى هذا المستوى السامي يظل مستمتعا بروح الطهارة
والقداسة إذ يكون قد زهد في أمور الجسد بل ربما شعر بدونيتها. وأن هذه الأنواع
من الحب لهى أكثر سموًا بل وأكثر شبعًا وتعزية من أي محبة جسدية أو أي عواطف
حسية. بل هناك من تربطهم علاقة حب قوية بالمسيح.
فيقتربون إليه ويتعاملون معه كما لو كان في أيام تجسده على الأرض. ويحسون به
كأنه ضيف محبوب واقف يقرع على باب البيت ويتوقعون دخوله إليهم في شخص إنسان
فقير يشاركهم طعامهم. أو كأنه يقرع على أبواب قلوبهم لكي يجد مكانًا فيها. أو
كملاك الرب في شبه صديق محب ليذكرهم برسالة السماء ويشجعهم على الجهاد من أجل
أبديتهم. أو كيمين الرب التي امتدت إلى
بطرس
عندما كاد يغرق تمتد إليهم
لتنتشلهم من غرق
اليأس
من
التوبة عن الخطية أو من النجاة من الشدائد والضيقات.
أو كراعٍ صالح يمد عصاه لكي تحجزهم عن الانحراف بعيدًا عن القطيع حتى لا
يتعرضوا لافتراس الذئاب. أو كأب حنون واقف ينتظرهم فاتحًا أحضانه الأبوية لكي
يتقبل توبتهم ورجوعهم إليه. أو كمخلص إلهي جالس على بئر مياه كلمة الله يجذبهم
إليه بحديثه كاشفًا لهم أعماقهم، زارعًا فيهم الشوق للارتواء من كلامه المحيى
لحياة أبدية. أو كحبيب رقيق جالس بجوارهم ينتظر أن يسندوا رؤوسهم على صدره لكي
يشعروا بالأمان والطمأنينة وسط المخاوف والاضطرابات. هذه خواطر محبتهم ونبضات
حب قلوبهم. وقد تتجمع فيهم أحاسيس الإنسان الكامل جسدًا
وروحًا. فإنهم في غمرة الحب يقبضون بأيديهم على خشبة صليبه فيحتضنونها
ويُقبِّلونها بشدة مقابل محبته التي أظهرها لهم عليه. ويتقدمون إلى ذبيحته
يأكلونها باشتياق لكي يتحدوا به جسدًا وروحًا فتسرى في كيانهم نار اللاهوت،
نارًا مطهِّرة وآكلة لكل أشواك الخطية المغروسة في نفوسهم. وينجذبون إلى وجهه
المنير في صورته كأبرع جمالًا من بنى البشر ويُقبِّلونه كأخ وكأب وكراعٍ ومخلصٍ. أو يرافقونه بخطوات صاعدة إلى جبل عال ملتهبة مشاعرهم لاقتراب رحيله عنهم
متذكرين كلامه لهم عن نفسه أنه "كإنسان مسافر ترك عبيده... "ويلمسون قدميه
كمن يريد أن يقبض عليهما متعلقة قلوبهم وعيونهم به وهو يرتفع عنهم قليلًا
قليلًا تتوقد في نفوسهم أشواق الانطلاق معه ولسان حالهم يردد بحرارة "ليت
لي
جناحًا كالحمامة فأطير وأستريح" (مز55: 6). يطيرون مع حبيبهم لكي يستريحوا
من أتعابهم في مجد ملكوته. ومن ارتوى بالحقيقة من لمسات الحب هذه لا يشعر
بظمأ نحو المياه المالحة لعواطف الجسد وشهواته. بل يصير فرحًا ومكتفيًا بعذوبة
محبة المسيح.
ينبني الحب الحسي على الانجذاب نحو الجسد وما
يجمِّل الجسد من شكل وملبس وأساليب زينة. والانجذاب بهذا المعنى ينطوي في
مضمونه على الرغبة في التملك. وقد يبدو هذا أمرًا طبيعيًا عندما يحدث لمن يبحث
عن طرف آخر لكي يرتبط به. أما خارجًا عن هذا الغرض فالانجذاب هو انعطاف شهواني
للاستحواذ على جسد ليس من حق الإنسان. لذلك إذا حدث الانجذاب يجب ألا يتجه إلا لما يمكن
أن يمتلكه الإنسان، أو يكون له سلطان عليه أن يستخدمه أو يستمتع به. أما ما هو
خارج عن حق الإنسان في امتلاكه أو استخدامه فأمامه الإعجاب به الذي قد يكون
لجماله أو تناسقه أو حسن منظره. لذلك يجب أن يفرق الإنسان في نظرته إلى طرف آخر
بين الإعجاب به والانجذاب إليه، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
فالإعجاب بالجسد لو حدث فيكون لتمجيد اسم الله
الخالق المبدع. ويكون كالإعجاب بأي شيء آخر مثل الشجرة أو الزهرة أو جزء من
الطبيعة الساحرة أو بقطعة معمارية أو لوحة فنية أو قطعة أدبية أو مقطوعة
موسيقية وكلها لتمجيد الله أو لمدح مبدعها. إن كان مهندسًا أو فنانًا أو أديبًا
أو موسيقارًا. إلا أن الإعجاب بهذه الأمور فلأنها تشبع حاستىْ
السمع والبصر، فمن حق الإنسان أن يمتلك ما ينجذب إليه منها، طالما أنها
معروضة للبيع وللاستخدام لإسعاد الناس وإشباع هواياتهم. أما الإعجاب بالأجساد فحدوده عدم ميل النفس أو
تحرك القلب وانجذابه للاستحواذ عليها. لأنها الشيء الوحيد الذي جعل الله
ملكيته في حدود معيَّنة. وذلك في تشريعه للزواج، بأن يكون للرجل امرأته فقط
فلا ينجذب لأي امرأة أخرى ليمتلكها، وأن يكون للمرأة رجلها فقط فلا تنجذب لأي
رجل آخر لتمتلكه. لذلك إذا كان الإعجاب خطوة للانجذاب فيجب أن أتجنبه حتى لا
يكون عثرة أو خطوة مؤدية إلى طريق السقوط. أما تعبير الحب في الانجذاب الشهواني فهو تعبير
خاطئ. لأن الحب في جوهره عطاء أما الانجذاب الشهواني فهو للتملك والاستمتاع بما
ليس من الحق. لذلك انسياق الشباب وراء الحب الجسدي وتبادلهم
العواطف الحسية مع الجنس الآخر وتسميتهم لها حُبًا. وكذلك انحراف البعض في
خطية الزنا وتفسيرهم لها بأنها حب لهُوَ مغالطة منهم للمفهوم الحقيقي للحب. بل
ويعتبره
معلمنا بولس شرًا بالقريب حيث يقول "لاتزن لا تقتل
لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن
تحب قريبك كنفسك.
المحبة لا تصنع شرًا بالقريب" (رو13: 9، 10). إن خطأ الانجذاب للجنس الآخر ليس فقط لعدم حق
امتلاكه، بل أيضا لنقص الحكم على الإنسان موضع الانجذاب من ظاهره بسبب عدم
معرفة بواطنه أو ما في داخله روحًا وجسدًا. لأنه حسب قول الكتاب "الإنسان ينظر
إلى العينين أما الله فينظر إلى القلب" (1صم16: 7). فيمكن أن يكون الجمال
الجسدي الظاهري يخفى وراءه قلبا غير مستقيم أمام الله، أو عقلًا جاهلًا أجوفًا
أو مملوءًا أفكارًا فاسدة كما يقول
سليمان الحكيم "خزامة ذهب في فنطيسة خنزيرة
المرأة الجميلة العديمة العقل" (أم11: 22). ويمكن أن يخفى وراءه جسدًا مملوءًا
بالأمراض العضوية، أو شخصية مريضة بالأمراض النفسية والعصبية. والإنسان عندما يسأل نفسه كيف ينجذب لجسد إنسان
لا يعرف خفاياه وبلاويه وروحه في داخله. فيمكن أن يجيب إنها عدم حكمة أو طياشة
تصرف. لذلك إذا اقتنع بالحكمة في أخذ هذه الأمور في اعتباره فسوف يتفادى سببًا
من أسباب عدم حفظه لقداسته.
فالعثرات شر لابد منه كما قال
المسيح
له المجد
"لا بد أن تأتى العثرات" (مت18: 7). لكن العثرات نوعان: نوع يمر به الإنسان
ويعثر به بغير إرادته. وهذا النوع يزعج الإنسان ويحزنه. لأنه يُدْخِلُ عليه
خبرات لم يكن له بها معرفة من قبل. ولم يكن يريد معرفتها لا بالسمع ولا بالنظر
ولا ببقية الحواس. وقد تتعبه كثيرًا في أفكاره وتؤلمه في نفسه وتحتاج منه لجهد
كبير لمقاومتها وللهروب من ضغطها أو إلحاحها. ونوع ثانٍ يقبله الإنسان بدون
مقاومة منه. وقد يُقْبِلُ عليه هو بنفسه ويملأ به عقله وقلبه وحواسه بكل صوره
وأحاسيسه وانفعالاته وكأنه يفتح لنفسه بابًا لتحيا الخطية في داخله. ومن العبث
أن يحاول هذا الإنسان اقتناء حياة الطهارة والقداسة وهو يحيا غارقًا في بحر هذه
العثرات. لأن أهم عوامل النجاة من الخطية هو الهروب من عثراتها، لأن الهروب
من وجه الشر ينجى الإنسان من الوقوع فيه. وبخاصة شهوة الجسد. فالكتاب يقول
"اهرب لحياتك" (تك19:17) كما يقول "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (2تى2:
22) بل يركز الكتاب على الهروب بالذات من الزنى فيقول "اهربوا من الزنى" (1كو6:
18). ولأن العثرات هي من الأسباب المشجعة على الخطية فنحن نصلى في التسبحة
اليومية "كل أسباب الخطية انزعها من أنفسنا". والهروب يحتاج منا للتنبه لمختلف أنواع العثرات
التي تزيد صورها يومًا بعد آخر، ويلبسها عدو الخير بريقًا وجاذبية لكي تستهوى
الناس وتزج بهم في مضمار الخطية. وأهم هذه العثرات ما يُعرض في وسائل الإعلام أو
الاتصالات مثل التليفزيون والانترنت من مواد تثير الميول الجنسية وتنمى خبراتها
الحسية. وكذلك أفلام الجنس بالفيديو أو دور السينما. وكذلك المجلات والكتب
والصحف التي تعرض المعلومات الجنسية بدافع الإثارة. كذلك المجالسات التي ليس
لها سوى الحديث عن الجنس والمغامرات والفكاهات والتأويلات والتشبيهات القبيحة
واستماع الأغاني العاطفية وترديدها. كذلك الصداقات الشريرة التي تمارس الجنس
والشذوذ الجنسي وتشجع عليه. كذلك أي شخص من الأقارب أو المعارف أو الجيران وأي
مكان تربطنا به علاقات عاطفية تسبب لنا العثرة أو السقوط. كذلك أنواع
المأكولات والمشروبات والمكيفات التي تثير شهوة الجسد والتي يقول عنها
معلمنا بولس "لا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات" (رو13: 14). كذلك الملابس الضيقة
وتذكر السقطات القديمة والتفكر فيها، والنظر بتأمل إلى ملامح الناس وأشكالهم
وأجسادهم، والتأمل أو إطالة النظر في أجسامنا نحن. وكما نحرص على الابتعاد عن العثرات من أجل حفظ
طهارتنا. كذلك ينبغي أن نبتعد من جانبنا نحن عما يعثر الآخرين فينا حتى لا نكون
نحن أنفسنا عثرة لأحد. كما حذرنا
المسيح
بقوله "ويل لذلك الإنسان الذي به تأتى العثرة" (مت18: 7). وكما سبق وحذرنا على
فم
داود النبي "أما الذين يميلون إلى
العثرات ينزعهم الرب مع فعلة الإثم"
(مز124: 5). فلا نحاول أن نجذب الآخرين إلينا لا بنظراتنا ولا بملابسنا ولا
بزينتنا الزائدة متجنبين أيضا كل الأقوال والكلمات المعثرة كما نبهنا
معلمنا بولس بقوله "وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يُسَمَّ بينكم كما يليق بقديسين
ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق" (أف5: 3، 4). وقوله أيضا
"اطرحوا عنكم الكلام القبيح من أفواهكم" (كو3: 8).
فلقد وضع الله طاقة حيوية في جسم الإنسان تدفعه
إلى التناسل من أجل بقاء الجنس البشري. وقد حدد لها الله فترة زمنية في عمر
الإنسان خصوصًا بالنسبة للمرأة كمبدأ لتنظيم النسل. وتسير الحياة الجنسية على
طبيعتها الفطرية في المجتمعات البدائية والقروية حيث يتممون الزواج في سن مبكر
ملائم. أما في المجتمعات المدنية المتحضرة فتطول فترة التعليم وفترة النضج
الاقتصادي فيتأخر سن الزواج تبعًا لذلك وتنشأ الفترة الحرجة مابين النضج الجنسي
وتتميم الزواج. وفى هذه الفترة يشتد الصراع بين الجسد الذي يلح في تحقيق
غرائزه وبين الروح المتعقلة التي تجاهد لحفظ طهارة الجسد. وتسبب ضيقًا لدى بعض
الشباب لصعوبة سيطرة الروح على الجسد ويتلمسون يد العون التي تعبر بهم هذه
الفترة. ويقوم العلاج في طريقين الأول هو التسامي بهذه الغريزة وذلك بالوسائل
الروحية والفكرية التي ذكرناها من قبل. والطريق الثاني هو تفرغهم أي الشباب بهمة وأمانة
لمذاكرتهم مملوئين طموحًا للنجاح بتفوق. وملء فراغهم بالرياضة الجسدية بممارسة
الألعاب البدنية التي تستنفد جزءًا من طاقتهم الجسدية. والرياضة الروحية
بممارسة النشاط الروحي الذي يقدس أفكارهم وعواطفهم. وبعض الأنشطة الاجتماعية
التي تخرجهم من حياة العزلة الانطوائية وتتيح لهم فرصة التعامل مع المجتمع دون
حرج أو خجل مثل الاشتراك في الحفلات والرحلات والمعسكرات والخلوات الروحية
والترفيهية. أما إذا انتهى الشاب من مرحلة التعليم فإن أمامه
مشوارًا طويلًا من الجد والكد لكي يعمل ليلًا ونهارًا من أجل تكوين نفسه ماديًا
حتى يصل إلى مستوى يؤهله لأن يرتبط ويبدأ حياة زوجية مستقرة. وكل هذا كفيل أن
يملأ وقت الشاب بتمامه ولا يتبقى له فراغ يتسبب له في أي مشاكل شبابية. أما إذا وُجِدَ فراغ لدى الشاب فلابد أن يملأه
بأي نشاط مفيد يبنى به حياته. فأمامه الدراسة العلمية ليحصل على شهادات أعلى
أو دورات تدريبية لمهارات أو مهن علمية وكلها نافعة لتنمية شخصيته ولزيادة دخله. أو قيامه بمشروعات صغيرة للكسب
المادي الذي هو ليس خطية بل إنه أفضل من
الفراغ الذي يعرض الشاب للخطية. أو قيامه بخدمات روحية تبنيه هو روحيًا وتفيده
لحياته الأبدية. أو قيامه بخدمات اجتماعية للفقراء والمرضى والمسنين والمساجين
ليكسب بها رحمة في يوم الدينونة. أو انشغاله ببعض الهوايات مثل الرسم والنحت
والتصوير وصيد السمك والأشغال اليدوية بالنسبة للشابات وكلها للتسلية ويمكن أن
تدر كسبًا ماديًا. والانشغال بالمناسب من كل هذه الأنشطة هو ما يسمح بالهروب
من الذات، لأنه هروب من الفراغ القاتل كما تقول الحكمة "إن لم تقتل الوقت
قتلك". وهذه كلها وسائل عملية نافعة جدًا للشاب للنجاة
من السقوط في خطايا الجسد لكنها وسائل معينة فقط لأنها وسائل هروبية فيها يهرب
الإنسان من مواجهة جسده وغرائزه. لأنه عادة ما أن يجد الجسد برهة ينشد فيها
راحةً من تعب العمل المتصل حتى تنتهزها الغرائز فرصة سانحة لإثارة الميول
والأفكار. لذلك فإن الطريق الروحي هو الدواء الناجع لشهوة الجسد. لأنه بسمو
الإنسان الروحي يتسيد على الجسد ويكون قادرًا على ضبط ميوله وقمع شهواته وليس
كبتها عن عجز أو خوف.
يحتاج شبابنا لعقلية منظمة تسير مع الظروف
الطبيعية للحياة حسب مراحلها في عمر الإنسان مؤمنين بكلمة الله القائلة "لكل
أمر تحت السموات وقت" (جا3: 1) ومتذكرين كلمة
المسيح
"لا تهتموا للغد لأن الغد
يهتم بما لنفسه. يكفى اليوم شره" (مت6: 34). فنحن نبدأ حياتنا بفترة من عمرنا نقضيها في
الدراسة. وكل منا يغترف منها قدر استعداده الذهني. بعدها تبدأ حياتنا العملية
وفيها نستقر في عمل ثابت ودخل منتظم. ونوفر شيئًا من الفائض المادي يساعد على
توفير الإمكانيات اللازمة لفتح بيت جديد. بعدها نبدأ التفكير في الارتباط الذي
يبدأ بعملية الاختيار لشريك الحياة. ومن هنا فقط يبدأ انشغال الشاب بالتفكير في
صفات الفتاة المناسبة له أو تفكير الفتاة في صفات الشاب المناسب لها حتى يتممان
اختيارهما على أسس ثابتة واضحة. ولو ركزنا جهدنا واهتمامنا في كل مرحلة من هذه
المراحل لتحقيق أكبر نجاح ممكن فيها لسارت حياتنا في نجاحات متتابعة وما تعثرت
أبدًا، وما شردنا في أمور في غير أوانها لا نجنى من ورائها سوى ضياع الوقت سُدى، أو الوقوع في مطبات الخطأ خصوصًا الأخطاء الجنسية. ولاحتفظنا بقداستنا دون
معاناة أو صراع مع رواسب سقطات. وكم من الشباب الذي لم يتعقل وينتظر الوقت
المناسب للارتباط وانشغل بجسده وشهواته فانغمس البعض منهم في الرذيلة والنجاسة
وأصبح عبدًا لها. والبعض ارتد عن الإيمان بسبب تهوره الغريزي الأعمى. والبعض
وقع في قبضة شرطة الآداب وأصبحت له سابقة في أقسام الشرطة. والبعض فشل في
دراسته ولم يكمل تعليمه. والبعض فقد امتيازه وتقديراته العالية فضاعت عليه
فرصًا أفضل في التعلُّم. لذلك لاشك أن الطهارة سر عظيم من أسرار النجاح
وخاصة في فترة الدراسة بالذات. ولهذا أيضا نفضل عدم التفكير في الزواج من زملاء
الدراسة أثناء الدراسة ليس فقط للتركيز في النجاح الدراسي ولكن أيضا لأسباب
أخرى تتعلق بالاستقرار العائلي. فعادة تُفضِّل الزوجة إنسانا أكبر منها سنًا
بفرق مناسب بحيث يكون أكثر منها نضجًا وخبرة بالحياة وقدرة على إدارة البيت
زوجةً وأبناءً، وهذه يصعب توفرها في زواج زمالة الدراسة. ثم إن مقومات الزواج
لم تتأكد بعد لزميل الدراسة ومنها الانتهاء من الخدمة العسكرية وتجهيز شقة لسكن
الزوجية والارتباط بعمل ثابت والتمكن من إيراد شهري ثابت يغطى تكاليف معيشة
أسرة. واجتياز المرحلة الحرجة ما بين التخرج والاستقرار النفسي والمادي
والعاطفي. يضاف إلى هذا أن زواج الزمالة الدراسية يعتبر
قرار زواج ينبني غالبًا على اندفاع عاطفي بحكم الزمالة وهذا ليس في صالح
الطرفين. والأفضل أن يقوم الزواج على الاختيار وليس على قرار غير ناضج. إلا
أن الاختيار ينبني بالضرورة على المقارنة والتمييز وهذان يحتاجان إلى نضج وخبرة
لربما لا يتوفران بعد للذين هم في مرحلة الدراسة. ولا ننكر أن هناك زيجات ناجحة
من هذا النوع ولكنها نادرة.
من الظواهر الموجودة بين الشباب ورود فكرة الزواج
بعد الانتهاء من الدراسة مباشرة إلى حين استلام عمل أو وظيفة. ومن الواجب أن
يَرُد الشاب على هذه الفكرة بأن الزواج حياة لها مسئولياتها تتضمن تأسيس بيت
جديد وتكوين أسرة تحتاج إلى إنفاق وتدبير ورعاية. وكل هذه تتطلب منه أن يؤهل
نفسه لتحمل هذه المسئوليات. وأن يرفض التفكير في الارتباط إلا بعد نضوجه
نفسيًا وماديًا وعلميًا وروحيًا ووظيفيًا. وعليه أن يدرك أن ورود هذا الفكر
يرجع إلى الفراغ الذي تلا فترة ما بعد انتهاء الدراسة ولذلك فعليه معالجته بشغل
وقت الفراغ بأنشطة كما فصلناها في مكان آخر. وجيد للشاب أن يعتبر ورود هذا
الفكر بمثابة جرس ينبهه ليبدأ طريق الكفاح من أجل بناء حياته والاعتماد على
نفسه فيما يحتاجه من نفقات.
أ - تمجيد الله في
أجسادنا:
ب - تقديس الحواس:
ج - إشباع الحاجة إلى الحب أو ملء الفراغ
العاطفي:
د - التمييز بين الانجذاب والإعجاب:
الحكمة تقتضى الانجذاب للباطن قبل الظاهر:
هـ - الهروب من العثرات ومعطلات النمو:
و - حسن استخدام الطاقة الجنسية وحسن توجيهها:
ز - الحاجة للعقل المنظم:
ح - التنبه لفترة ما بين انتهاء الدراسة وبدء
العمل:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-chaste/behavior.html
تقصير الرابط:
tak.la/gczxvk5