ما أجمل قول المرتل في المزمور "محبوبٌ هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119). فأسأل أنت نفسك كم من الوقت تقضيه مع الله؟ لا شك أنك تقضي أوقاتًا كثيرة في أحاديث وفي ترفيهات لا تفيدك شيئًا... وكلها وقت ضائع. فيا ليتك تُخَصِّص وقتًا أطول للحديث مع الله. ولا تجعل هذه الأوقات في نهاية مشغولياتك، بل في قمة مشغولياتك.
حيث يكون القلب صافيًا، ولم يزدحِم بعد بأفكار العمل وسائر المسئوليات. ويكون البيت هادئًا، لم يستيقظ أهله بعد ولم تدركه الضوضاء. فتخلو مع الله بدون مُعَطِّل، ويكون الله هو أول مَنْ تتحدث إليه في يومك، وتأخذ منه بركة اليوم كله...
وإن لم تستطع خلال النهار أن تصلي كل ساعة بكمالها. فعلى الأقل يمكنك أن تصلي القطع والتحليل الخاص بها. وَثِق أن ذلك سوف لا يستغرق منك سوى دقائق معدودة ترفع فيها قلبك إلى الله خلال حروب النهار ومشغولياته.
وينفعك في ذلك: الحِفْظ، فكلما كنت تحفظ قطع الأجبية ومزامير الأجبية، ستصليها بدون كتاب وبدون أن يشعر بك أحد...
مطيعًا قول الكتاب "صلوا كل حين" (لو 18: 1). "صلوا بلا انقطاع" (1تس 5: 17)... تَدَرَّب على الصلاة في الطريق، حتى لا تَنْشَغِل بمناظره. تدرب على الصلاة وأنت مع الناس، وبخاصة إن كانت أحاديثهم مُعْثِرَة أو لا تَعنيك. تدرب على الصلاة وأنت في طرق المواصلات، لكي تستفيد من الوقت... يمكنك أيضًا أن تصلي في دخولك إلى بيتك، وفي خروجك منه. وكذلك في دخولك إلى مكان عملك، وفي خروجك... وأيضًا في كل مقابلة ليعطيك الرب نعمة وتوفيقًا.
مثل صلاة "يا رب يسوع المسيح ارحمني" أو "اللهم التفت إلى معونتي. يا رب أسرع وأعني" أو "أحبك يا رب يسوع المسيح وأبارك اسمك" أو "أشكرك يا رب على كل حال"... أو أية آية صلاة تُرَكِّبها من نفسك، وتكون مناسبة لحالك وَمُعَبِّرَة عن مشاعرك... وكثرة ترديد الصلاة تجعلها تلتصق بعقلك الباطن بحيث يدور بها فِكرك تلقائيًا، ويمكن أن تبقى معك حتى في نومك. ولعله ينطبق على هذا قول المرتل "كنت أذكرك على فراشي".
تدرب على الصلاة من أجل كل الذين هم في حاجة. من أجل أقربائك وأصحابك وزملائك... من أجل الكنيسة بوجه عام، وكنيستك المحلية بوجه خاص، ومن أجل الخدمة... صلاة أخرى من أجل المرضى والراقدين، ومن أجل المحتاجين إلى توبة. صلاة من أجل العالم والوطن... وتتدرج في الطلبة لأجل الآخرين إلى أن تصلي من أجل أعدائك ومقاوميك.
فلا تقف وحدك في كل مشاكلك، ولا تعتمد في حلها على ذكائك وحده أو مجرد معونة الآخرين. إنما أشعر بأنك لا تستغني عن الله في كل ما يُعْرَض لك. وَثِق أن الصلاة ستجلب لك الشعور بالأمن والاطمئنان والسلام الداخلي. وَثِق أن مشاكلك قد تَسَلَّمَتْهَا يد أمينة قوية، يمكنها أن تدبر أمورك كلها.
عندما تصلي من أجل مشكلة، إما أن يحلها الله وتنتهي، أو إن بقيت، يعطيك سلامًا قلبيًا من جهتها.
وهذا هو أيضًا لون من حل المشكلة.
فالمشكلة موجودة، ولكنك غير متضايق منها وغير مضطرب، وكأنك لا تشعر بوجودها. وأصبحت لا تعتبرها إشكالًا أو منغصًا... إنها فاعلية الصلاة.
الصلاة التي تُكَلِّم فيها الله بكل صراحة، وتكشف له كل ما في قلبك. لا مانع إن تقول له "أنا يا رب أحبك. ولكني أشعر أنني أحب أمورًا أخرى في العالم تعطلني عنك. وكلما حاولت أن أنزعها من قلبي، أجد نفسي ضعيفًا أمامك. وأنا أعرف أن "محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). لذلك أعطني يا رب أن أحبك المحبة الكاملة. وأنقذني بقوتك من كل ضد محبتك.
لا تكن صلاتك مجرد عبارات مُنَمَّقة مُخْتَارَة مُنْتَقَاة. بل لتكن كلمات صريحة نابعة من قلبك، بلا تَكَلُّف ولا تَصَنُّع... تُعَبِّر عن حالتك ومشاعرك، بقلب مفتوح... واحذر من أن تكون صلاتك مجرد روتين.
فكلما تغوص في معاني هذه الصلوات، ستجد لها عُمْقًا يصحبك في وقت الصلاة بها. بل ستتعلم أسلوب التخاطب مع الله. كما قال التلاميذ للرب "علمنا أن نصلي" (لو 11: 2).
فالصلاة كأية فضيلة، يتدرج الإنسان في الوصول إلى كمالها. وقد قال ماراسحق: "إن كنت تنتظر حتى تصل إلى الصلاة الطاهرة ثم تصلي، فإلى الأبد ما تصلي! لأن الصلاة الطاهرة نصل إليها بالصلاة"...
فمن علامات نجاحك في الصلاة، إنك لا تستطيع أن تتركها وكأنك تناجي الرب وتقول "ابق معي يا سيدي" وتقول مع سفر النشيد "أَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ" (نش 3: 4)... بل إن كل طِلبة أو لفظة تشعر بحلاوتها، فلا تريد تركها. كما قال أحد الآباء عن صلوات القديسين "ومن حلاوة الكلمة في أفواههم، ما كونوا يستطيعون تركها إلى لفظة أخرى"...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3nd5v9g